كما يقال دائمًا، المبيدات الزراعية شر لابد منه، إذ لا يمكن أن تستمر التربة بلا تلك المبيدات، خاصةً في ظل الانتشار المُكثف والمُوسع للآفات والحشرات المُدمرة للتربة، وفي نفس الوقت تُسبب الكثير من الأضرار للتربة والنباتات والأشخاص الذين يتعاملون بها، حتى أن البعض منهم يلقى حتفه جراء إصابته بالتسمم الذي أصابه بعد العمل بتلك المبيدات، وفي خِضم هذا التخبط كان لابد من السعي للبحث خلف المبيدات، ومعرفة الصالح للتربة من الضار لها، وهذا بالضبط ما وضعناه للقارئ في السطور التالية، فدعونا نتعرف معًا على الأمر برمته.
المبيدات الزراعية المفيدة والضارة
ما هي المُبيدات؟
المُبيدات عبارة عن مواد كيميائية بحتة أو مُختلطة بمواد أخرى، شغل المبيدات الشاغل هو القضاء على كل ما يوجد في التربة من آفات، وهي مهمة كانت في بداية الأمر سهلة إلى حد كبير، حتى قامت الحشرات والآفات بتحصين نفسها بطريقة أو بأخرى، وجعلت من الجيل الجديد منها قادرًا على التصدي للمبيدات وإبطال مفعولها، تمامًا كما يحدث في عملية مقاومة المضادات الحيوية، بيد أن الأمر هنا أخف بقليل.
ظهرت المبيدات الزراعية مع بداية القرن التاسع عشر وانتشرت في القرن العشرين، وقد كانت الحاجة، كالعادة، هي السبب الرئيسي لظهوره، إذ قامت الحروب بتلويث التربة بالأسلحة والقنابل، حتى جعلتها بيئة خصبة للآفات والحشرات، فلم يكن أمام الإنسان بد من الذهاب إلى المبيدات الزراعية ومواجهة شر الحروب بشر آخر، كان يظن أنه أخف وأفضل.
فوائد وأضرار المبيدات الزراعية
كما أسلفنا، المبيدات الزراعية تعد من أسوء وأعظم اكتشافات الإنسان في نفس الوقت، وذلك لما تملكه من فوائد وأضرار، والتي إذا استعرضناها سندرك مقدار عجز الإنسان في التخلص منها.
فوائد المبيدات الزراعية
- القضاء على الآفات والحشرات: لا شك أن القضاء على الآفات والحشرات الزراعية هو حلم كل من يعمل بمجال الزراعة، وربما يكون هذا هو السبب الرئيسي لصناعة المبيدات، فلا يوجد شيء بمقدرة المبيدات الزراعية على القضاء على الآفات والحشرات، ولا حتى الأدوية الزراعية التي تأتي بترخيص من وزارة الزراعة.
- القضاء على أمراض التربة: بجانب القضاء على الآفات تقوم المبيدات كذلك بالقضاء على الأمراض التي سببتها تلك الآفات والحشرات، فالتربة كأي جسد طبيعي، تتأذي بتلك الأمراض وقد تفقد قدرتها على الإخصاب مع تفشي وتوغل الأمراض، إلا أن المبيدات الحشرية تأتي وتتكفل بذلك.
- وفير أموال الفلاح: فالمبيدات الحشرية ليست مُكلفة مثل باقي الأدوية المُرخصة، بل هي في مُتناول الفلاح البسيط، وفي ذات الوقت تقضي على الآفات التي إن تفشت ودهورت التربة فيتأذى الفلاح ويخسر خسائر فادحة، لذلك يُعتبر توفير أموال الفلاح من أهم فوائد المبيدات وأسباب انتشارها.
أضرار المبيدات الزراعية
كما أن للمبيدات فوائد فإن لها أضرار تشعر به التربة بعد فترة، وهذه الأضرار أهمها ما يلي:
- زوال الخصوبة: مع الوقت وتكثيف المبيدات، تبدأ التربة في فقدان خصوبتها مرة في أخرى، حتى تجد نفسها في نهاية المطاف غير قادرة على العطاء والزراعة، لتتحول بعد ذلك إلى أرض معمارية، أي أنها تتصحر.
- قتل بكتيريا التربة: من المعروف أن البكتيريا يقصد بها دائمًا الأمراض والسموم، إلا أنه ثمة نوع من البكتيريا يُعطي التربة خصوبة وازدهار، ويجعلها قادرة أكثر على العطاء، لكن المبيدات تأتي وتقتل تلك البكتيريا مع الآفات والحشرات، وتفقد التربة عنصرًا من أهم عناصر خصوبتها.
- التسمم: وهذا لا يتعلق بالتربة فقط، وإنما بمن قام باستخدام المبيدات، فقد يصاب هو أيضًا لمجرد حملها أو رشها.
أسباب تلك الأضرار
احتواءها على مادة سامة: لكي يتم قتل الحشرات والآفات الموجودة في التربة يجب أن تحتوي المبيدات الزراعية على مادة سامة، وهذا ما يحدث بالفعل، لكن تلك المادة لا تقتل الآفات وحسب، بل تتوغل إلى التربة الزراعية والشخص الذي يقوم باستخدامها، ولا سبيل لتفادي ذلك بالنسبة للتربة، أما الشخص المُستخدم للمبيدات أو القائم بعملية الري فيمكنه الوقاية من ذلك عن طريق الكمامات والحافظات.
سوء الاستخدام
من المشكلات الخطيرة في كافات المواد المستخدمة في أي مجال سوء الاستخدام، وهذا الأمر لا يختلف بالنسبة للمبيدات الزراعية، ففيها أيضًا يتم الاستخدام الخاطئ من قِبل المُزارعين، حيث يقومون في بعض الأحيان بخلطها ببعض المواد الأخرى لزيادتها، رغم أنه هذا غير مسموحٌ به ولا يُجدي أي نفع.
المبيدات الصالحة للتربة والضارة لها
هناك أنواع جيدة من المبيدات الزراعية تعمل على القضاء على الآفات والحشرات دون أي تأثير في التربة وهناك بعض الأنواع الضارة التي تُنهك التربة وتعمل على إفقادها لخصوبتها، وفيما يلي ذكر للمبيدات الصالحة للتربة والضارة لها.
المبيدات الصالحة للتربة
المقصود بهذا النوع من المبيدات هو ذلك النوع الذي يقتل الآفات والحشرات وفي نفس الوقت لا يترك أي أثر سلبي عليها، وهذا بالطبع غير موجود، لكن هناك ما تكون آثاره الجانبية على التربة أقل، ويمكن حصره فيما يلي:
1- مبيدات مُكونة من كلوروفورم وكلور إيثان: وهذا النوع من المبيدات ليس ضارًا للتربة بشكل كبير لأن رائحته ليست قوية بفعل الأثير كما أن المواد الكيميائية الموجودة فيه بسيطة، لذلك لا تؤثر على التربة.
2- مبيدات عنصر الكر يزول: وهي تأتي في صورة سائل لونه أصفر أو وردي، وليس لها أي رائحة ونسبة الكيماويات الموجودة فيها قليلة للغاية، كما أن بها مواد مضادة للبكتيريا والأمراض، لكن التعرض له عن قرب قد يؤدي إلى أضرار جمة كالعمى والحرق والاختلال العصبي.
3- الهكسان: وهذا النوع يمتز بأنه سائل شفاف، لا لونه له ولا رائحة، كما أنه لا يُجهد التربة أو يستنزفها، وإنما يسعى إلى قتل الآفات والحشرات الموجودة فيها ثم يتبخر بعد ذلك تلقائيًا، والمواد المكونة للهكسان تدخل في عدة صناعات أخرى بجانب المبيدات، مما يدل على ثقة الجميع فيه لعدم حمله لأي أضرار.
المبيدات الضارة للتربة
أمر منطقي أن تكون باقي الأصناف المتبقية والتي لم يتم ذكرها ضمن المبيدات الزراعية الصالحة من المبيدات الضارة، وخاصةً تلك المبيدات التي تتكون من مواد كالبنزين والتولوين وثنائي بيوتيل الفثلات، فهذه المواد تؤدي مهمتها بقتل الحشرات والآفات المجهدة للتربة لكنها في نفس الوقت تترك أثرًا سلبيًا وأضرار كثيرة تظهر فيما بعد.
كيف نُفرّق بين النوعين؟
للتفريق بين النوعين يجب أولًا معرفة المواد التي تتكون منها المبيدات الصالحة والمواد التي تتكون منها المبيدات الضارة، وبالتالي يتم التعرف على فوائد وأضرار المبيدات التي يتم استخدامها، ولا مانع من أن تختلط أحد المواد المكونة للمبيدات الضارة مع المواد المكونة للمبيدات الصالحة، لكن أن تكون المبيدات من مواد كلها ضارة فهذا هو المرفوض تمامًا.
في النهاية، ورغم كل ما مضى، تبقى المبيدات له من المكانة والأهمية ما لها، ويبقى وجودها بالنسبة للأراضي الزراعية ضرورة حتمية، بالفلاح بالطبع يُدرك أنه إذا تخلى عن المبيدات فإنه سيواجه الآفات والحشرات، لذلك المبيدات الزراعية أهون عنده بكثير، لأنها على الأقل لن يظهر تأثيرها إلا بعد فترةٍ كبيرة، وهذا لا يمنع من حتمية التعرف على المبيدات الصالحة من المبيدات الضارة.
أضف تعليق