تُعتبر عملية الزراعة الكثيفة واحدة من أهم مُعضلات هذا العصر بلا أدنى شك، وهي مُعضلة وليست مشكلة كما هو واضح من المصطلح، إذ أننا نجد أنفسنا أمام عملية ظاهرها أنها ستُحقق الكثير من التقدم والازدهار للبشرية بسبب تكثيف عملية الزراعة وإنتاج محاصيل أكثر وأوفر، وبالتالي سد حاجات فئة أكبر وتحقيق الزيادة والاكتفاء في كل شيء تقريبًا، لكننا في نفس الوقت نجد أنفسنا نتحدث عن شكل من أشكال الاستنزاف لموارد التربة خلال وقت قصير جدًا، وكأنك ببساطة تُحمل الشيء ما لا طاقة له به، وهي مُشكلة في غاية الخطورة بالتأكيد لكونها في الأساس تضع تلك التربة التي تقوم عليها العملية الزراعية في مهب الريح حرفيًا، على العموم، في السطور القليلة المُقبلة سوف نتناول سويًا مفهوم الزراعة الكثيفة وكيف أنه تُحقق الفائدة الكُبرى للبيئة والبشر على وجه التحديد وكيف أنها من الناحية الأخرى يُمكن أن تكون خطر مُحدق يُهدد وجود عملية حيوية مثل عملية الزراعة، والسطور القادمة توضح الأمور أكثر.
محتويات
مفهوم الزراعة الكثيفة
إذا ما تحدثنا عن مفهوم الزراعة الكثيفة أولًا قبل الدخول في تفاصيلها فنحن ببساطة شديدة نتحدث عن نوع من الزراعة يعتمد بشكل رئيسي على التكثيف في كل شيء يتعلق به بخلاف الأرض الزراعية المُستخدمة في هذه العملية، بمعنى أننا نستخدم أرض زراعية عادية بمساحة عادية لكننا نُكثف فيها الأدوات المُستخدمة والقوى العاملة وكذلك المبيدات الحشرية وكل شيء آخر من الطبيعي استخدامه في مثل هذه العملية، كل هذا يُنتج لنا في نهاية المطاف إنتاج وشكل مُكثف غير مُعتاد، وبالتالي يتكون شكل الزراعة الكثيفة الذي نقصده، وهذا الشكل لا يتطلب أي شيء إضافي بخلاف الوقت والمواد، لكنه يُفرز في النهاية محصول أو مردود أكبر، وبالتالي يحظى بإقبال شديد من المزارعين والمُهتمين.
الزراعة الكثيفة تأتي كنقيض حقيقي وكامل للشكل الآخر من الزراعة، الزراعة التقليدية، ففي الزراعة التقليدية لا يكون هناك أي شك في كون الجهد والمواد المُستخدمة وكل شيء يدخل في العملية الزراعية أقل من سعة وتحمل قطعة الأرض التي تتم بها عملية الزراعة، كذلك الثروة الحيوانية تكون أقل من المُعدل، في النهاية نكون أمام فكرة النقيض، وبكل تأكيد ما يجعلنا نلجأ إلى الزراعة الكثيفة ونستغني عن الزراعة التقليدية أنه ثمة وجود للكثير من المميزات الفارقة فيها، فما هي يا تُرى؟
مميزات الزراعة الكثيفة
حتى الآن نحن لا نمتلك أية اعتراضات على الزراعة الكثيفة كفكرة وشيء يتم التخطيط له، وربما نحن لا نعترض لأننا ببساطة شديدة نرى بأنفسنا المميزات التي تنشأ عنها وتتركها كعربون قبول لها، وأهم هذه المميزات الزيادة في كل شيء.
الزيادة في كل شيء
لا شك أن فكرة الزيادة هي في الأساس الفكرة التي قامت عليها عملية في غاية الأهمية مثل عملية الزراعة الكثيفة ، فلكي تلجأ إلى طريقة مثل هذه تكون قد بحثت وتبينت أنها الأكثر جلبًا للفوائد والمميزات، وهذا ما يحدث بالفعل في عملية الزراعة التي نتحدث عنها، حيث أن الزيادة سوف تحدث في كل شيء تقريبًا بداية من المحصول، وربما هذه هي النتيجة المضمونة الأولى، فتأثير ما سبق ذكره سوف يأتي في صورة محاصيل بشكل مضاعف ومُكثف، أيضًا سوف تزيد من الثروة الحيوانية والأيدي العاملة، وكل هذا سيحدث في نفس قطعة الأرض المُستخدمة في الزراعة التقليدية، وهذه بكل تأكيد فائدة غاية الأهمية وتستحق أن تكون أول مزايا الزراعة الكثيفة.
التقليل في السعر بالنسبة للمستهلك
ما الذي سيحدث عند استخدام الزراعة الكثيفة؟ بكل بساطة سوف تكون هناك كثافة في الإنتاج، وبالتالي سوف تكون هناك وفرة في المنتج، ومن المعروف تمامًا أنه كلما زاد وجود المنتج أو درجة وجوده كلما زادت فرص قلة أسعاره، بمعنى أن تلك العملية التي نتحدث عنها سوف تُسهم في التقليل بسعر المنتجات الزراعية بالنسبة للمستهلك بعد أن تقوم أساسًا بزيادة تواجده، وهي فائدة لا غُبار عليها طبعًا بالنظر إلى شكل السوق في الوقت الحالي إضافة إلى أهمية المنتج الزراعي الغذائي.
تقليل خطر المجاعات
لا نزال مع مميزات الزراعة الكثيفة، وهذه المرة ننتقل إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي تلك التي تتعلق بالمخاطر الموجودة في المستقبل والتي يُمكن لعملية الزراعة الكثيفة منعها مثل المجاعات، فلا أحد يُنكر بالتأكيد وجود المجاعات في الوقت الحالي واحتمالية زيادة نسبة هذا التواجد في المستقبل مع الشكل الزراعي الحالي وفكرة عدم سد ما هو موجود للحاجات المطلوبة، لكن الزراعة الكثيفة تأتي وتُحطم ذلك الخطر من خلال واحدة من مميزاتها، إذ أننا عندما نُكثف إنتاجنا سوف نمتلك بلا شك حصانة ضد هذه المشاكل، وهو ما يُمكن اعتباره فائدة كبرى وليس مجرد فائدة عادية.
المحافظة على الغابات المطيرة
عدم وجود الأراضي الزراعية الصالحة لقيام عملية الزراعة عليها يقودنا إلى بحث بكل الطرق الممكنة عن حلول لهذه المشكلة وشاكلتها، تلك الحلول التي قد تصل إلى استغلال أراضي الغابات المطيرة في الزراعة وبالتالي إنهاء تواجدها أساسًا، لكن الزراعة الكثيفة تأتي لتنقذنا من هذه المشكلة من خلال تكثيف الزراعة في نفس الجزء الموجود وبالتالي المحافظة على الغابات والمكتسبات البيئية الأخرى التي يهمنا جدًا تواجدها والمحافظة عليها، أرأيتم كيف أننا نتحدث عن مميزات حياتية هامة؟
تقليل الطلب على الوقود الحفري
كذلك ضمن المميزات التي ربما تكون غير مُدركة منذ الوهلة الأولى كون الزراعة الكثيفة تُسهم أساسًا في تقليل الطلب على الوقود الحفري، إذ أننا في حالة استخدام مزارع مكثفة للماشية سوف تكون لدينا فرصة لالتقاط الانبعاثات المهمة المعروفة باسم انبعاثات الميثان، وهي ما ستؤدي بالضرورة إلى زيادة درجة الحرارة الخاصة بالكوكب، وبالطبع تلك الانبعاثات كما هو معروف عنها تُسهم في توليد الطاقة الكهربائية والحرارة، وبالتالي ستكون النتيجة النهائية المنطقية قلة استخدام الوقود الحفري.
عيوب الزراعة الكثيفة
هل تذكرون ذلك السؤال الذي يُمثل رأس هذا المقال؟ هل لا زلتم في حاجة لوضع إجابة له؟ حسنًا، الأمر بسيط جدًا، فكل ما علينا أن نتعرف على أبرز عيوب الزراعة الكثيفة حتى نصل فعلًا إلى فكرة الاستنزاف التي نتحدث عنها وكيف أنها مؤثرة على موارد التربة، وربما أبرز هذه العيوب بالتأكيد زيادة السمية والاقتراب من التصحر.
السمية وخطر التصحر
ربما العيب الأول والأبرز على الإطلاق لعملية الزراعة الكثيفة هو عيب السمية المُحتملة مع تزايد خطر التصحر كذلك، وذلك طبعًا من المتوقع حدوثه بشدة حال عدم إدارة التربة بالشكل الصحيح والمُحافظة عليها بالشكل الصحيح كذلك، فالإهمال واستخدام المُبيدات الغير ضرورية بشكل مُكثف يُزيد نسبة السمية في التربة وكذلك يبث السمية في الزرع نفسه، بعد ذلك يأتي الخطر الأكبر المُتمثل في التصحر، بمعنى أننا في الوقت الذي نحاول فيه تكثيف جهد التربة للحصول على أقصى استفادة منها من الممكن أن نُصيبها بأكبر انتكاسة لها، وهي التصحر، أرأيتم كيف أننا أمام مشكلة كُبرى!
القتل العشوائي للآفات
حتى نقوم بعملية الزراعة الكثيفة على أفضل شكل ممكن فبكل تأكيد سوف نستخدم الكثير من الأشياء داخل عملية الزراعة بشكل مُكثف كذلك، وربما على رأس تلك الأشياء التي سنقوم باستخدامها المبيدات الحشرية، وهي التي نستهدف بها كما نعرف جميعًا قتل الحشرات الضارة التي تُعطل عملية نمو النبات، وهذا بالتأكيد أمر ليس هناك أدنى اعتراض عليه، لكن ما قد يغفله البعض أنه ثمة بعض الآفات والحشرات المفيدة للتربة، وهي ليست مفيدة بدرجة عادية، وإنما بدرجة كبيرة جدًا تصل إلى زيادة خصوبة التربة في أحيان كثيرة، ولأننا نستخدم المبيدات بشكل مكثف لإنتاج الزرع بشكل مكثف فسوف نقوم أيضًا بشكل مُكثف بقتل الحشرات المفيدة ضمن طرق القتل العشوائي التي سنقوم بها، وهو ما يضعنا أمام واحدة من أكبر المشكلات أو العيوب التي تنتج عن عملية الزراعة الكثيفة المفيدة في المُطلق.
استنزاف مُدخلات الطاقة
كذلك من العيوب الخطيرة لمسألة الزراعة الكثيفة كونها تعمل على استنزاف المدخلات الخاصة بالطاقة، وهنا نحن نتحدث عن كل أنواع الطاقة بشكل عام وليس نوع مُعين، بما فيها الطاقة البشرية والآلات وكذلك الطاقة الخاصة بالحيوانات، فكل هذه العناصر تحاول أن تتضافر من أجل العملية الزراعية في حدود قدرتها، لكن عندما يتعلق الأمر بمسألة الزراعة الكثيفة فإن تلك المُدخلات تُستخدم بقوة وقدرة تفوق ما يُمكن الوصول إليها، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الاستنزاف وعدم قدرة هذه الموارد على تنفيذ المطلوب منها على الوجه الأمثل، ومن هنا يأتي الفشل.
قلة الأكسجين في الهواء
من الأشياء الكارثية التي ربما لا ينتبه لها أغلبنا وتُعتبر طبعًا من آثار الزراعة الكثيفة على البيئة، من الآثار الخطيرة على وجه التحديد، أن تلك العملية سوف تقود إلى قلة الأكسجين الموجود في الهواء، وبالتالي سوف يكون هناك عجز أو خلل في عمليات التنفس الطبيعي التي سنقوم بها، فجميعنا يعرف أن مهمة النباتات والزروع حولنا هي منحنا الأكسجين وأخذ ثاني أُكسيد الكربون، لكن عندما تقل مساحة الأراضي الزراعية المخصصة للزراعة بسبب اللجوء إلى الشكل المكثف فبكل تأكيد سوف يقل المردود الذي نمتلكه، وكما هو واضح من ذلك الشرح المُبسط نحن نتحدث عن كارثة.
ختامًا عزيزي القارئ، ليس هناك أي شك في كون الزراعة الكثيفة في الآونة الأخيرة قد أسهمت بتحقيق طفرة حقيقية وزيادة كبيرة في الكثير من المُدخلات أو النتائج الخاصة بعملية الزراعة بشكل عام، لكن في نفس الوقت هذا ليس مُبررًا يجعلنا نتغاضى عن الجانب المُظلم لها وآثارها على البيئة والتربة الموجودة في البيئة على وجه التحديد.
أضف تعليق