هناك نزاع في تفسير مصطلح الزحف العمراني بين علماء الاجتماع، لكنهم يتفقون جميعًا على وجود بعض الخصائص المميزة للمناطق التي تعرضت إلى الزحف، وهذا ما سنوضحه لك بالتفصيل في الفقرات التالية، ولكن في حين أن البعض يرفضون هذا التمدد الشرس على الأراضي وتحويلها إلى مناطق سكنية وصناعية، فإن آخرين يقولون أن ما يحدث هو تطور طبيعي للمدنية والنمو السكاني، لذا فإن المسألة بالغة التعقيد ويمكننا أن ننظر إليها من وجهات نظر متعددة، لكننا في النهاية لا نقدر إلا أن نستسلم للأضرار البيئية التي يخلفها الزحف على نواحي متعددة أهمها التلوث والتأثير الصحي على الإنسان، ولعل المشكلة هي أن بعض الدول تدعم وجود مثل تلك المناطق لزيادة الاستثمار في المناطق غير المأهولة بالسكان وزيادة النمو فيها، إلا أن تخطيطهم في النهاية يعود عليهم بالمزيد من الإنفاق المالي على الخدمات وغيرها بسبب الزحف العمراني المتطرف، وفي كل الأحوال فإن المسألة تظل غير واضحة بشكل كامل، لكننا سنحاول في هذا الموضوع معالجة كافة المشاكل المتعلقة بها حتى تصل إليك كل العناصر المشتركة لتقرر في النهاية وجهة نظرك الخاصة.
الزحف العمراني وتأثيره السام على البيئة
تحديد المصطلح
الزحف العمراني هو توسع عدد السكان بعيدًا عن مركز المدينة إلى المناطق المتطرفة التي تعرف بالضواحي والتي تكون كثافتها قليلة في الغالب، وتمتاز بوجود البنايات ذات الغرض الواحد، وهو مجتمع يعتمد على التنقل عبر السيارات، ويعتبره علماء الاجتماع تطور طبيعي للتمدن وزيادة عدد السكان والمهاجرين (من الريف إلى المدن أو من بلدان أخرى)، ولكن المصطلح ليس بتلك البساطة التي قد تتصورها، فهناك مصطلحات فرعية تندرج منه، والبعض يستخدمه كسلاح سياسي في البرامج الانتخابية، وهناك العديد من التعريفات للمصطلح، بل أنه يمكننا القول أن العلماء لم يتفقون على تعريف واحد له.
آراء العلماء في تحديد المصطلح
كتب العالمان مايكل باتي وإيلينا بيسوسي في كتابهما “التكدس، النمو العمراني و الزحف العمراني الفرعي” والذي نشر مؤخرًا: “الزحف العمراني هو النمو غير المنسّق، أي التوسع للمجتمع بدون النظر إلى عواقب التوسع، باختصار فإنه النمو العمراني غير المخطط له والنمو التزايدي الذي يعتبر بأنه غير مستديم”. أما العالم س. ساراسواتي وب. باتا فذكرا في كتاب “قياس الزحف العمراني من المعلومات المستشعرة البعيدة” أنه بغض النظر عن وجود نزاعات في التعريف بين العلماء إلا أن الكل يتفق على بعض العناصر التي توجد في الزحف وهي النمو غير المخطط وغير المتكافئ والذي يؤدي في النهاية إلى الظلم في توزيع الموارد الطبيعية والخدمات، وهناك العديد من العناصر والخصائص التي تحدد طبيعة الأماكن التي يمكننا اعتبارها تابعة للمصطلح وهي ما سنذكرها في الفقرات التالية.
أسباب الزحف العمراني
يقول بعض الباحثين أن الزحف باختصار هو نتيجة حتمية للتمدن وزيادة عدد المواليد أو زيادة الهجرة الخارجية، لذا فإن الأسباب التي سذكرها الآن هي أسباب عادية وليست متطرفة ويمكن أن توجد في مختلف المجتمعات، أول تلك الأسباب هي مفارقة، ونحن نقصد بهذا قلة الأجور وزيادة الثروة في نفس الوقت، لأن قلة الأجور تدفع الناس إلى البحث عن الأماكن البعيدة عن مركز المدينة والتي يكون فيها إيجار المنزل أقل بكثير من مركز المدينة أو المناطق القريبة منها، كما أننا نجد فرق شاسع فيما بين الضرائب المفروضة في مراكز المدن والمناطق القريبة منها وبين المناطق النائية في العديد من الدول، لذا فإن هذا خيار مناسب لمحدودي الدخل، وبالرغم من معرفتهم بقلة الخدمات العامة وأهمها الخدمات الصحية فإنهم يدركون أنه مع مرور الوقت سيزيد الزحف العمراني في المنطقة وستزيد الخدمات تباعًا مع مرور الوقت، وفي نفس الوقت فإن الأغنياء يسعون إلى امتلاك منازل واسعة الحجم، يريدون حمامات سباحة وغرف نوم متعددة وحمامات عديدة لأسرتهم الكبيرة أو حتى المتوسطة أو الصغيرة، وبالرغم من ثرائهم إلا أنهم لا يقدرون على التمتع بتلك المزايا في كل الأوقات في المناطق القريبة من مركز المدينة، وذلك لعدة أسباب أولها امتلاء تلك الأماكن بالمؤسسات الحكومية والخاصة والبنايات القديمة التي لا يرغب أصحابها في هدمها وربما أيضًا للارتفاع الجنوني للأسعار في المناطق الحيوية، فمثلاً في مناطق مثل مانهاتن أو سنغافورة قد تصل الشقة متوسطة المساحة في وسط المدينة من خمسين مليون دولار حتى مئة مليون دولار، في حين أن هذا المبلغ يمكنك من شراء جزيرة كاملة، كما أن الكثيرين يفضلون البقاء في أماكن منعزلة بعيدًا عن صخب المدينة، وطالما أن أفراد الأسرة يملكون سياراتهم الخاصة فلن تكون هنالك أية مشاكل، لذا فإننا نجد الزحف العمراني يأتي من الفقراء والأغنياء على حد سواء وكل منهم يشكل منطقته الخاصة، وزيادة النمو السكاني يزيد من زحفهم، وما يجعل المشكلة تتفاقم هو سوء التخطيط من مؤسسات الدولة، وهذا يشمل كل الأشياء التي يمكن أن نجدها في مركز المدينة أو في الضواحي مثل التكدس السكاني وإشارات المرور العديدة وضعف البنية التحتية والتطوير المستبق لبعض المناطق وقطع الأشجار وتحويل الأراضي الزراعية إلى أراضي سكنية أو صناعية وغيرها.
زيادة تلوث الهواء
الزحف العمراني يعني المزيد من السيارات ووسائل المواصلات، يعني المزيد من التلوث في الهواء والذي قد يصل إلى مراحل مكثفة مثل السحابات السوداء كما نجدها في أكثر المدن الملوثة في العالم مثل بكين ونيو مكسيكو وفي الدول العربية نجد القاهرة الكبرى هي المثال الأفضل لتأثير الزحف العمراني على جودة الهواء، فسابقًا كانت القاهرة هي مدينة منفصلة عن الجيزة وبقية المحافظات، إلا أن زيادة النمو السكاني أدى إلى التحام تلك المناطق ببعضها البعض عبر مترو الأنفاق وحافلات النقل العام وسيارات الأجرة الخاصة، وظهرت العديد من الضواحي والمناطق البعيدة سواء كانت مناطق يكثر فيها أصحاب الدخل المتوسط والقليل مثل “شبرا” أو مناطق يكثر فيها أصحاب الدخل العالي والأثرياء مثل “التجمع الخامس” و”الرحاب” أو مناطق صناعية مثل “السادس من أكتوبر” لتكون كل تلك المناطق معًا ما يسمى بالقاهرة الكبرى، والتي تزيد فيها نسبة التلوث الهوائي أضعاف المستوى الذي تنصح به الأمم المتحدة، كما أن لهذا التلوث تأثير واضح على صحة الإنسان خاصةً الجهاز التنفسي والعصبي وكذلك على الحياة البرية، وبسبب بعد تلك المناطق عن الأماكن الحيوية مثل منطقة وسط البلد فإن الموظفين والعمال يقضون عشرات الساعات أسبوعيًا كي يصلوا إلى مقر عملهم، مما يؤثر على حالتهم النفسية وكذلك يتسبب في إضاعة الوقت وزيادة نسبة التلوث وتعريض صحتهم وصحة الغير إلى الأمراض السرطانية وغيرها، فعوادم السيارات والحافلات تخرج أكثر من 12 مليار باوند من المواد الكيميائية السامة كل سنة، أي بنحو 50 باوند لكل إنسان.
تلوث الماء
بشكل تتابعي فإن التلوث يصل عبر الزحف العمراني إلى الماء، لأن زيادة عوادم السيارات وغيرها من الملوثات التي تنتقل إلى الجو تتسرب منها نسبة كبيرة إلى الأنهار والبحيرات، والزحف العمراني يؤدي إلى زيادة نسبة الوقود والمواد الكيميائية التي نجدها في المسطحات الخضراء والمعادن الثقيلة والمواد المتبقية من الدهانات ولوازم تشييد البنايات ومخلفات الحيوانات الأليفة، وببساطة فإن التلوث الهوائي يتحول إلى تلوث مائي، والعنصر الأخطر هو النيتروجين، فمثلاً في خليج شسيابيكي في أمريكا تتسرب فيه ثلث كمية النيتروجين والنسبة الباقية في الهواء، وبصورة عامة فإن التلوث يمكن أن يصل إلى 40% من الأنهار والبحيرات المحيطة، كما أن الزحف العمراني يؤدي إلى إزالة الأراضي الرطبة التي تمثل الحامي الأكبر للمياه، ففي كل سنة يتسبب الزحف في إزالة 100.000 فدان من الأراضي الرطبة والقادرة على تصفية حتى 90% من نسبة الملوثات التي تتسرب إلى المياه.
استهلاك الماء
المشكلة الكبرى التي لا يشعر بها السكان وحتى المسئولون في بعض البلاد هي زيادة استهلاك الماء الناتجة عن الزحف العمراني ، فيبدو ظاهريًا لنا أن المواطنين القاطنين في الضواحي المتطرفة يستهلكون نفس الكمية التي يستهلكها أبناء المدن، ولكن الواقع عكس هذا تمامًا، فسكان الضواحي يحتاجون بالضرورة إلى زيادة كمية المياه المستهلكة يوميًا لأسباب عديدة، فهم يقودون السيارات بنسبة أعلى بكثير من سكان المدن لذا يضطرون إلى غسلها بمعدل أكبر كل أسبوع، وكذلك عدم وصول المنتجات بصورة نظيفة في كل الأوقات، كما أن الكثير منهم ينتهزون فرصة الأرض الواسعة فيستغلون الأرض في تربية الحيوانات مثل الدجاج والماعز والتي تتطلب كميات كبيرة جدًا من المياه تضاعف الكميات المستهلكة في الزراعة، وأيضًا بعضهم يستغلون المساحة في الزراعة التي تتطلب المياه، وفي الضواحي تكثر المسطحات الخضراء والحدائق التي تستلزم الري بصورة دورية، أما الأغنياء فنجد أنهم يستهلكون كميات ضخمة في العمليات الترفيهية مثل حمامات السباحة وغيرها، وطبقًا للإحصائيات في أمريكا والتي تنطبق بشكل نسبي على بقية الدول الأخرى، فإن العائلة المكونة من أربعة أفراد تستخدم 400 جالون من المياه كل يوم، والكمية العظمى هي التي نجدها في الضواحي، مع العلم بأن 30% من هذه الكمية تستخدم في الأنشطة التي تتم خارج المنزل، ونصف الكمية تستخدم في عمليات الري والزراعة، والعامل الأول في الاستهلاك هو تربية الحيوانات والري ثم غسيل السيارات وحمامات السباحة، وهي التي تكثر في الضواحي والتي قد تندر في الأماكن الحيوية من المدن التي لا تترك لأصحاب العقارات الاستمتاع بمثل تلك المزايا.
التأثير على صحة السكان
هناك تأثير واضح على صحة المقيمين في الضواحي، خاصةً في المناطق التي تم تخطيطها بشكل سيء والبعيدة عن المدن وذات الكثافة القليلة والتي تعتمد على التنمية الذاتية، وهناك رابط واضح بين زيادة نسبة السمنة وسكان الضواحي، فهم يعتادون على وسائل النقل في أغلب أنشطتهم لعدم وجود أية أماكن قريبة منهم يمكن أن تقدم لهم أية خدمات ضرورية أو ترفيهية، لذا فإنهم أمام خيارين: الجلوس في المنزل أو الذهاب إلى الأماكن عبر السيارة، وفي الخيارين سيقل نشاط الإنسان، ولا يمكننا تخيل أن البعض سيقطع مسافة طويلة بالسيارة كي يذهب إلى مركز تدريب رياضي، بل أن أغلب الأنشطة تكون في الغالب إما لأغراض العمل التي تنهك قوى الإنسان وتؤثر على جهازه العصبي أو الأنشطة الترفيهية التي قد تكون مؤثرة بشكل مباشر على الصحة مثل تناول الطعام في مطاعم الوجبات السريعة أو بشكل غير مباشر مثل التعرض إلى الدخان في المقاهي والأماكن المغلقة، ومن خلال دراسة أمريكية ضمت دراسة 200.000 إنسان من مختلف دول العالم يسكنون في الضواحي، وجدوا أن نسبة السمنة في زيادة مستمرة لأغلب السكان بتقدم العمر، وأن وجودهم في تلك الأماكن هو الذي أثر على صحتهم وليس شخصيتهم الخاصة، ووجدوا أن هناك نسبة كبيرة منهم يعانون من ارتفاع ضغط الدم.
العامل الاجتماعي
الشيء الجديد الذي بدأ يلفت نظر علماء الاجتماع هو تأثير مناطق الزحف العمراني على تماسك المجتمع، فقلة الكثافة وزيادة المساحات غير المستغلة تؤدي إلى انعزال الإنسان عن الآخرين، كما أن طبيعة تلك المجتمعات تجعل كل أسرة تهتم بمصالحها الشخصية فقط ودون وجود جمعيات أهلية أو روابط للأهالي، وفي النهاية يقل التفاعل ليقتصر على بيئة العمل والقليل من البيئات الأخرى، ويحذر العلماء أنه في حالة زيادة مثل تلك المجتمعات فإن هذا قد يؤدي إلى زيادة مشاكل اجتماعية ونفسية بالغة الخطورة مثل زيادة الإدمان على المخدرات والأمراض النفسية مثل التوحد.
زيادة الإنفاق الحكومي والخاص
الآثار الاقتصادية التي تنتج عن الزحف العمراني هي أكثر مما قد تتوقع، وفي الحقيقة فإنها قد فاجئت المسئولين عندما بدأت الظاهرة بالانتشار في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فبدلاً من تنظيم المجتمعات وإنشاء مراكز تضم كافة المؤسسات الحيوية، نجد أن الشتات يزيد وتضطر الحكومة إلى زيادة النفقات لإنشاء المزيد من مراكز الخدمات، وهذا يعني زيادة في إنشاء المدارس وغيرها من الخدمات التي تتكلف أموالاً طائلة، وهذا يعني المزيد من التوظيف للموظفين الحكوميين، وبالطبع فإن أغلبهم لا يرغبون في العمل في أماكن بعيدة عن منازلهم، لذا فإنهم يضطرون إلى زيادة المرتبات، لذلك فإن تلك المجتمعات هي إهدار صريح للضرائب التي تجمع من المواطنين، وفي نفس الوقت الذي تنفق فيه الحكومة مبالغ زائدة عن خطتها للتطوير قبل ظهور المجتمعات الجديدة فإن السكان لا يجدون كل الخدمات التي يحتاجون إليها، والتي قد تكون منعدمة في بعض الأماكن أو أنها قد تتأخر لوقت طويل، مثل تركيب أنابيب المياه والغاز الطبيعي، أما الجانب الأمني فقد يكون الأخطر، وذلك لعدم وجود قوات كافية من الشرطة لتأمين كل تلك المناطق الشاسعة، ومع ذلك فإن طبيعة تلك المجتمعات تكون في أغلب الدول جانحة للسلوك السلمي، باستثناء بعض الأماكن التي تزيد فيها نسبة الجريمة بصورة مخيفة ويصعب على قوات الشرطة أن تسيطر على الوضع بسبب طبيعة المكان.
الزحف العمراني يعني تهديد البيئة
نحن نفقد العديد من الموارد الطبيعية بسبب الزحف العمراني ، فأولاً وقبل كل شيء نحن نعرض الحيوانات البرية إلى التهديد في الوقت الذي كانوا يعيشون فيه حياة آمنة وبعيدين تمامًا عن الوجود البشري، أما النباتات خاصةً النادرة منها فهي في حالة بالغة الخطورة أيضًا خاصةً في الدول التي تحمل وفرة منها، ونحن نتحدث أيضًا عن الأرض الزراعية التي تتناقص باستمرار، ففي ولاية ويسكونسن الأمريكية وفيما بين سنوات 1950 و2002 انخفضت مساحة الأرض الزراعية من 23.6 مليون فدان إلى 15.9 مليون فدان، أي بنسبة 32.6%، وهذا بسبب الزحف العمراني فقط، وقلت المزارع هناك من 178.000 مزرعة إلى 77.000 مزرعة وذلك ما بين 1910 حتى 2002، وعلى مدار العقود الماضية فإن أكثر من نصف الأراضي الزراعية التي تصنف بأنها أراضي ممتازة من ناحية الإنتاج تعرضت إلى الإزالة الكاملة بسبب الزحف، نحن نبني الطرق بدلاً من المزارع، ونزيل الغابات كي نبني الوحدات السكنية، وفي النهاية نجد الكوارث آتية من كل الاتجاهات.
الخصائص المميزة للزحف العمراني
إذا أردنا تعريف المناطق التي تعرضت إلى الزحف فإنه لابد أن نحدد مجموعة من الخصائص لنقرر ضم تلك المناطق أو لا، وهنالك العديد من الخصائص التي تظهر يومًا بعد يوم، إلا أن الخصائص التالية هي الأكثر شيوعًا حتى يومنا هذا.
تطوير البنايات ذات الاستخدام الواحد
يشير المصطلح إلى الأماكن التي يتم إنشائها خصيصًا من أجل غرض واحد، سواء كانت أغراض سكنية أو تجارية أو تعليمية أو صناعية، وفي العادة يتم الفصل بين البنايات بمسافات طويلة، وهذا يؤدي إلى وجود مساحات كبيرة غير مستغلة، وهي التي تؤدي في النهاية إلى زيادة الحمل على السكان، حيث أنهم يضطرون إلى قطع تلك المسافات عبر سياراتهم الخاصة أو وسائل المواصلات التي لا تكون منتشرة كما في المدن بسبب قلة السكان وعدم وضع تلك المناطق في الخطط الحكومية، لذا فإن التسوق يعني مسافة طويلة، والذهاب إلى العمل مسافة طويلة، فإما شراء سيارة خاصة أو الانتظار وتضييع عشرات الساعة كل أسبوع في انتظار الحافلات وسيارات الأجرة والوقت اللازم للانتقال وهو الذي سيضيع أيضًا حتى في حالة شراء سيارة خاصة.
قلة الكثافة
الكثافة القليلة هي من خصائص الزحف العمراني ، فتلك المناطق تكون مليئة بالمناطق الفاصلة والتي تستغل مساحات شاسعة نسبيًا مثل الأراضي الخضراء والحدائق العامة والخاصة، بالإضافة إلى الطرق ومواقف السيارات، ومع ذلك فإن هذا المصطلح يمكن أن يكون خادعًا في بعض الأوقات، ففي الولايات المتحدة يمكننا أن نعتبر وجود 2-4 منازل في الفدان الواحد كثافة قليلة، بينما يمكننا أن نعتبر وجود 8-12 منزل في المملكة المتحدة كثافة قليلة أيضًا، مع العلم بأن الكثافة تزيد في المناطق التي تزيد فيها البنايات السكنية وقد تكون ذات كثافة مرتفعة في بعض الأوقات، لذا فإنها ليست من الخصائص الثابتة إلا أنها هامة.
تقليل مساحة الأرض الزراعية وزيادة المروج الخضراء
تحويل الأرض الزراعية إلى حضرية هي من أكثر الخصائص الحاضرة في مناطق الزحف العمراني ، وبالطبع كلنا يعرف الآثار البيئية الناتجة عن هذه النشاطات، وفي بعض الأوقات أيضًا يتم إزالة أجزاء كبيرة من الغابات لنفس الأغراض والتي عادةً ما تكون من أجل إنشاء مشاريع صناعية ضخمة. أما المسطحات الخضراء أو المروج الخضراء نجدها حاضرة بكثافة في تلك المناطق، وقد ظهرت بشكل خاص بعد الحرب العالمية الثانية في بعض الدول مثل دول أمريكا الشمالية حيث أصبحت من أهم خصائص الضواحي وبالتحديد ضواحي الطبقات الغنية، ومع إنشاء ملاعب الجولف تضاعفت تلك الأراضي، وبالرغم من أنها ذات آثار بيئية إيجابية إلا أنها تؤثر بشكل عام وتدخل ضمن الخصائص التي يمكن أن تزيد من حدة الآثار الواقعة على الإنسان والبيئة بسبب الزحف العمراني .
أمثلة هامة حول العالم
طبقًا للائحة الموارد القومية (NRI) في أمريكا، فإن هناك 8.900 كيلومتر مربع (أي 2.2 مليون فدان) من الأراضي الأمريكية تعرضت إلى الزحف العمراني فيما بين سنوات 1992 و2002، وتصنف اللائحة أكثر من 100.000 كيلومتر مربع (40.000 ميل مربع، أي أنها مساحة مقاربة لولاية كنتاكي) باعتبارها أرض تحولت إلى أرض عمرانية وذلك بزيادة لم يذكرها مكتب التعداد الأمريكي، وهذا الفرق يشمل المناطق الشعبية والضواحي التي لم يعتبرها مكتب التعداد ضمن المناطق المتعرضة للزحف العمراني وذلك بسبب الاختلافات في المصطلح والخصائص التي وضحناها في السابق، وطبقًا لتعداد المكتب في سنة 2002، فإن هناك 2.6% من الأراضي الأمريكية قد تعرضت بالفعل إلى الزحف، وهناك بعض المناطق الحضرية التي توسعت جغرافيًا لكن عدد السكان قل مثل ديترويت، أما الأمثلة التي تعطينا أمل ونظرة إيجابية عن الزحف العمراني فهي أمستردام وكوبنهاجن وعامةً المدن في الدنمارك وهولندا، وفرانكفورت وهامبورج وميونخ في ألمانيا وزيورخ في سويسرا، حيث لم تضعف البنية التحتية للمدن ولا يوجد تأثير واضح يمكن أن يحدث كما ذكرنا في السابق.
أضف تعليق