قد يكون التنوع الحيوي والروابط المعقدة فيه هو من أهم الأشياء التي يجب على المهتم بالبيئة أن يعرفها، فبدون التنوع ستنفصل الحلقات وستختفي أنواع من الكائنات الحية وتسيطر كائنات أخرى، وعلى مر السنين فإن الحيوانات والنباتات لم تواجه أية أخطار تهدد وجود بعض أنواعها، لكن مع بداية ظهور الصناعات الحديثة أصبحت هناك بعض المخاطر المحتملة التي يمكن أن تؤثر على النظم البيئية وذلك ينعكس بشكل مباشر على الإنسان والحيوان والنبات، لكن كيف يعمل التنوع البيئي؟ هذا ما سنعرفك عليه في النقاط التالية.
تعرف بشكل مبسط على مفهوم التنوع الحيوي
ما هو التنوع الحيوي؟
اختلاف أشكال الكائنات الحية وتنوعها البيئي هو عدد الفصائل المختلفة من النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة المجهرية.التنوع الهائل في جينات تلك الفصائل مذهل، اختلاف الأنظمة البيئية وتنوعها ما بين صحاري وغابات مطيرة وبيئات ساحلية هو ما يشار إليه بمصطلح التنوع الحيوي أو البيئي. وأهمية التنوع الحيوي تتجلى بوضوح في حماية العديد من الموارد البيئية من التدهور، حماية التربة من التصحر والمحافظة على تكونها بمعدلات ثابتة لدعم الحياة النباتية.
اعتمادية الفصائل على بعضها البعض
تعتمد الفصائل الحية المختلفة على بعضها البعض في أنظمة بيئية معقدة لا يمكن أن تنحل حلقة واحدة منها بدون إعادة ترتيب هرم الفصائل الموجودة فيها، تعتبر الاعتمادية نوعًا من التكامل والتعاون ما بين المخلوقات الحية لتنمو وتكفي احتياجاتها المختلفة. فالنباتات البحرية مثلاً إذا حدث تغير بيئي مدمر لها فقد يعني ذلك الهلاك للمنظومة البيئية ككل، فعند موت النباتات البحرية ينخفض مستوى الأكسجين في المياه المحيطة مما يؤدي إلى هجر الكائنات البحرية تلك المنطقة، وتلك الكائنات تعيسة الحظ التي لا تتمكن من الحركة بسرعة أو الثابتة في مكانها تعيش إلى أن تختنق مخلفة منطقة مهجورة قليلة الأكسجين لا حياة فيها. فالاعتمادية بين الكائنات الحية وتنوعها تضمن حياة المجتمعات البيئية بشكل مستقر.
دورة النيتروجين: مثال لفهم جوانب التنوع الحيوي
من المعروف أن الكائنات الحية وبالأخص النباتات تحتاج إلى عنصر النيتروجين والموجود بكثرة في الهواء الجوي، ولكن لكي تستطيع امتصاصه لابد أن يصل للنباتات عن طريق الجذر لا الأوراق. فالنباتات تحتاج إلى البكتيريا المسئولة عن تثبيت النيتروجين في التربة حتى يسهل امتصاصه. في الحالات التي تم فيها رصد أنظمة بيئية نباتية خالية أو شحيحة البكتيريا نمت النباتات ضعيفة حتى اندثرت نتيجة تراكم التأثير ثم التصحر للتربة وبوارها.
فكما تؤثر الكائنات الحية الأكبر حجمًا في باقي هرم الغذاء، تؤثر أضعف المخلوقات على أضخمها وأكبرها عددًا، ما يحدث هو حلقة متشابكة ومتسقة التوازن.
النحل
يؤدي النحل بعض المهام الضرورية لا لبقاء النباتات بل لبقائنا كبشر. صدر تقرير لوكالة السي إن إن يشير إلى أن ثلث الخضروات والفاكهة التي نعتمد عليها بشكل رئيسي للحياة قد لا تتواجد بدون وجود النحل، فالنحل يعتبر ناقل حبوب اللقاح الأول بين ذويه من الحشرات. عانى النحل خلال السنين الأخيرة العديد من الأخطار التي قللت أعداده بشكل كبير في بعض الأماكن، المسبب الأول لذلك كان البشر، وتوجد مقولة شهيرة للعالم ألبرت آينشتين يقول فيها: “إذا اختفى النحل من كوكب الأرض فإن البشر سيفنون بعد أربع أو خمس سنين”.
تشير الأبحاث إلى أن انخفاض أعداد النحل وانخفاض تنوعهم البيئي (أي نقص أعداد فصائلهم) قد حدث نتيجة تجمع عدة أسباب منها التلوث البيئي والأمراض العديدة التي أصابت مجتمعات النحل وممارسات المزارعين الضارة كاستخدام المبيدات الحشرية التي يتأثر بها النحل بالرغم من فائدته المهولة لهم.
الرابط والاعتمادية بين النباتات والنحل والمجتمعات الزراعية حيوي للغاية، فالبشر مستمرون بتلويث البيئة بالمبيدات والأدخنة الصادرة من مداخن مصانعهم مما سينعكس بلا شك عليهم كمجتمع بالكامل، فالعجز سيصيب الجميع.
النظام البحري معقد ولا يجب التدخل فيه
وكمثال من البحار نذكر أنه من عدة عقود اشتركت مجموعات كبيرة من الصيادين في عمليات صيد وإبادة للحيتان لأنها تهدد تعداد الأسماك الموجودة وبالتبعية تهدد رزقهم المعتمد على الصيد.
في البداية أدى الانخفاض الكبير في تعداد الحيتان إلى تغذي الحيتان الأكبر على فقمة البحر والتي كانت سابقًا تتغذى على الحيتان الأصغر. فبدأت أعداد الفقمات في التناقص فاستهدفت الحيتان بعدها ثعالب الماء.
انخفض تعداد ثعالب الماء وازدهرت الكائنات الأقل في الهرم الغذائي مما أدى إلى تدهور حالة المياه الضحلة التي تزدهر فيها الأسماك الأصغر وحيث تهاجر الأسماك لتضع بيضها. فانخفض تعداد الأسماك في المجمل و أفلس العديد من البحارة وشركات الملاحة المعتمدة على الصيد في تلك المنطقة. ولذلك تبدو الأحداث عبارة عن حلقة مترابطة يؤدي أولها إلى آخرها، لذا فإن التدخل في الطبيعة قد ينذر بكوارث بيئية في المستقبل.
دور الحيوانات اللاحمة الكبيرة في حفظ التنوع الحيوي
تلعب الحيوانات الأكبر حجما دورًا هاما في حفظ التنوع البيئي حيث تحافظ على أعداد الفصائل الأدنى في الهرم الغذائي ثابتة بحيث يستمر النظام البيئي باستقرار وسلاسة.
أشار بحث علمي إلى أن أعداد أربعة من الحيوانات اللاحمة في انحسار، الأسود والنمور والذئاب والدببة تتناقص أعدادهم باستمرار نتيجة فقدان البيئة الطبيعية لهم من غابات وسهول أو تهديد أنظمتها البيئية بشكل غير مباشر بحيث يختلف البناء الهرمي للغذاء مما يؤدي إلى زيادة نوع ما أو انقراض نوع آخر.
تناقص الحيوانات اللاحمة هو مشكلة خطيرة
يؤدي تناقص أعداد اللاحمات إلى تأثير سلبي خطير، تأثير ربما تشكل بسبب وجهات النظر القديمة التي ترى الحيوانات اللاحمة كخطر على أشكال الحياة الأخرى المحيطة بها، بالرغم من أن تلك الحيوانات ركيزة أساسية للأنظمة البيئية التي تعيش فيها.
كمثال بسيط فإن فقدان الحيوانات اللاحمة الكبيرة ربما يعني على المدى القصير أن تزدهر الفرائس التي يتغذون عليها وتزداد أعدادهم، ولكن هذه الزيادة ضارة أكثر مما قد تكون نافعة حيث أنها قد تهلك البيئة التي يعيشون فيها. فتلك الفرائس تتغذى على الحشائش والنباتات وبما أن أعدادها قد ارتفعت فإن الحمل البيئي على المواطن الطبيعية لها قد ارتفع، أي أنه قد استهلك تلك الحشائش بمعدل أسرع من معدل نموها وبالتالي تختفي الحشائش وبالتبعية يموت عدد كبير من الفرائس جوعًا وهو أسوأ مما قد يحدث إذا بقيت الحيوانات اللاحمة تتغذى على فرائسها بمعدل يضمن تجدد البيئة وتعايش جميع الفصائل معًا.
من الواجب على البشر حماية التنوع الحيوي
إن واجب البشر الطبيعي هو أن نحاول المحافظة على ما تبقى من تنوع طبيعي. فالبشر قد أضروا بممارساتهم على مر التاريخ بمختلف الأنواع والأشكال من الحياة الطبيعية نتيجة السعي وراء الربح، بناء الفنادق على سبيل المثال في جزر عذراء يضر بالنظام البيئي هناك نتيجة تقديم متغيرات جديدة كتغيير مواطن الحيوانات وزيادة الملوثات التي لم تتأقلم النظم البيئية الجديدة على التعامل معها، مما يؤدي إلى تغير جذري في النظام البيئي للجزيرة مما يخل بروابط الاعتمادية والنفعية بين الفصائل المختلفة مما سيحل بالضرر أخيرًا على الإنسان. فاتزان الأنظمة البيئية يقدم العديد من الخدمات للحفاظ على بيئتنا الطبيعية سليمة، كدورة توزيع المغذيات في التربة وتقليل خطر التصحر والمساعدة في خفض نسبة ثاني أكسيد الكربون مما يقلل من درجة حرارة المناخ. تقليل تلوث الهواء كما في بعض النباتات التي تعمل كمنصات تنقيح هوائية طبيعية.
إحصائيات عن تدخل البشر في التنوع الحيوي
- منذ البدء في الزراعة منذ فجر التاريخ، أي من قبل 12,000 عام، فإن عدد أنواع النباتات التي تم استخدامها هو حوالي 7,000 نوع للاستهلاك البشري.
- في بعض البلدان الفقيرة والنامية ينتشر العلاج بالأعشاب وبعض مكونات الحيوانات بكثرة وفي بعضها نجده العلاج الوحيد، ولكن حتى إذا نظرنا إلى الدول المتقدمة سنجدها موجودة مثل أمريكا حيث أن نصف كمية الأدوية الكيميائية في البلاد كلها تحتوي على أصول من الحيوانات أو النباتات (والتي اعتادت على العيش في البرية لآلاف السنين). وهناك أكثر من 70.000 نوع من النباتات يستخدم في العلاج الشعبي والطب الحديث.
- إنتاج ما يقرب من ثلث طعام العالم يعتمد على التلقيح الآتي من الحشرات والخفافيش وبعض الطيور، وهذا يشمل 87 من 113 من المحاصيل الزراعية الأكثر انتشارًا، وكميات الإنتاج هذه قيمتها السوقية تتعدى 200 مليار دولار كل سنة.
إحصائيات عن التداخل الطبيعي
يوجد أكثر من 60 نوع بري يتم استخدامهم حول العالم في تحسين جودة المحاصيل الزراعية الـ 13 الأكثر انتشارًا كالقمح، وذلك لتصبح قادرة على مقاومة الحشرات بدرجة أكبر وزيادة المكونات المغذية وتحسين الربح المادي الآتي من المحصول.
إذا حسبنا كيلو متر مربع واحد فقط من بعض المناطق الساحلية مثل غابات نبات الأيكة التي تتم فيها تلك العمليات المؤثرة على التنوع الحيوي، فإننا سنجد أن باستطاعتها تخزين خمسة أضعاف نسبة ثاني أكسيد الكربون في مناطق الغابات الاستوائية القديمة، لكن في الوقت نفسه فإن تلك المناطق يتم تدميرها بثلاثة أو أضعاف سرعة الغابات الأخرى، وهذا يعني إطلاق غازات ثاني أكسيد الكربون الكثيفة في الجو والذي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على تغير المناخ.
في المكسيك، توجد مستعمرة واحدة من أحد أنواع الخفافيش تقوم بأكل أكثر من 9 كيلوغرام من الحشرات كل ليلة، وتستهدف بشكل خاص ديدان الأرض، وهي أحد أكبر التهديدات بالنسبة للمزارعين، ومع ذلك فإن 18% من كل أنواع الخفافيش معرضة لخطر الانقراض.
في مجموعة واحدة من مجموعات طائر نقار الخشب، يتمكن أفرادها من أكل 8000-12000 حشرة كل ليلة، وهذا يساعد على زيادة صحة الغابات.
نقاط النجاح في الحفاظ على التنوع الحيوي
بالرغم من وجود عدد كبير من الأنواع الحية المهددة بالانقراض وبعضها قد انقرض منذ وقت طويل، إلا أن هناك بعض الأنواع التي استطاعت التأقلم وبعضها ساعدهم البشر في ذلك لتحسين التنوع الحيوي، مثل وحيد القرن الأبيض الجنوبي وهو نوع كان عدد أفراده أقل من 100 فرد في نهاية القرن التاسع عشر، لكن أعداده زادت إلى 20.000 فرد في الألفية الجديدة. أيضًا حصان برفالسكي الذي كان مصنفًا على أنه حيوان منقرض في عام 1996، لكن تم اكتشاف وجوده وتمت عمليات إعادة التوطين، لينقل من تصنيف “مهدد بالانقراض بشكل حرج” إلى تصنيف “مهدد بالانقراض” في قائمة الاتحاد العالمي للحفاظ على البيئة ومواردها، حيث يوجد أكثر من 300 فرد منه الآن.
خاتمة
في بعض الأحيان تعطينا النظم البيئية المستقرة وزيادة التنوع البيئي فيها صورة واضحة عن الحالة العامة للبيئة. فكلما زاد التنوع البيئي وتعمقت روابط الاعتمادية والمشاركة بين الفصائل المختلفة كلما ضمن ذلك بيئة أنقى وأساس لكوكب أفضل، لكن الإنسان لا يتعامل مع البيئة بالطريقة الآمنة التي لا تضمن حدوث كوارث تؤثر عليه أو على الكوكب الذي يعيش فيه وتؤثر على الكائنات الأخيرة، فالنظم البيئية عبارة عن حلقات متصلة، وفي حالة فقدان حلقة واحدة أساسية، فإن سلسلة الحلقات كلها ستتعرض إلى الانهيار عاجلاً أم آجلاً.
أضف تعليق