تُعتبر طريقة التصديع المائي واحدة من أهم الطُرق التي تم ابتكارها من أجل مواجهة تعنت الطبيعة وعدم تفريطها في المواد الموجودة بباطن الأرض، فالبترول مثلًا، يكون موجودًا في بعض الأماكن بالأرض وداخل الصخور، إلا أنه لا يمكن الوصول إليه في كثيرٍ من الأحيان، لذلك يأتي دور التصديع المائي الذي يُجبر ذلك البترول على الظهور عن طريق كسر وتحطيم الأماكن الموجود بها، لكن ثبت مؤخرًا أن تلك الطريقة تؤدي إلى تلويث المياه الجوفية الموجودة بباطن الأرض أيضًا، عمومًا، في السطور القادمة سوف نتعرف على كل شيء يتعلق بظاهرة التصديع المائي وأسباب ظهورها وتأثيرها على المياه الجوفية.
محتويات
عمليات الاستخراج من الأرض
قبل أن نتحدث عن طريقة التصديع المائي، والتي في الأساس تُعد أحد طرق الاستخراج من الأرض، علينا أولًا معرفة بداية هذه العملية، عمليات الاستخراج من الأرض بشكل عام، فالحقيقة أن بحث الإنسان عن أشياء قد تُفيد بباطن الأرض فكرة عبقرية، بل تكاد تكون غير مُمكنة، وتدل خير دلالة على أن الانسان قادر على فعل أي شيء من أجل البقاء، حتى لو اضطره ذلك إلى النبش في الصخور.
كان البحث غالبًا ما يكون من أجل الحصول على أحد مصادر الطاقة، كالفحم والبترول والغاز الطبيعي، وكلها عمليات تحتاج بعض الآلات والبحث الحثيث، لكن مع مرور الوقت، واغتراق الإنسان المُسهِب من الأرض، بدأت تلك الأشياء في الاختفاء والنفاد، أو هكذا اهتدى الإنسان في البداية، حتى توصل مؤخرًا إلى طرق أخرى يُمكن من خلالها تدعيم عمليات البحث هذه وجعلها أكثر فاعلية، فكان التصديع المائي أحد أهم هذه الطرق.
ما هو التصديع المائي؟
التصديع المائي، أو عملية التكسير الشاقة، أو كما يُعرف بالاسم العلمي له، التصديع الهيدروليكي، هي طريقة مُبتكرة وحديثة، جعلت من الوصول إلى الأشياء المدفونة داخل الأرض أمرًا سهلًا، وذلك بعد أن كانت شبه مُستحيلة في السابق بسبب المواد المُحيطة بها، وخاصة تلك التي كانت تُعيق الوصول إلى الغاز الطبيعي والبترول.
يحدث التصديع المائي عن طريق مادة سائلة مضغوطة، تغني عن عمليات التكسير بالآلات، لأنها تقوم بتفتيت الأرض وكشف الستار عن المواد المدفونة بداخلها، وعادة ما يُشرف على مثل هذه العمليات أشخاص مُتخصصون، وذلك مثل علماء الجيولوجيا والمسئولين عن استخراج النفط من الأرض.
بداية التصديع المائي
التصديع المائي لم يخرج إلى العلن مرة واحدة، وإنما بدأ كمرحلة أولى في عام 1947 بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان الغرض منه البحث عن البترول، وبالطبع كلكم استنتجتم أننا عندما نتحدث عن هذه الفترة، وعن عملية مثل التصديع المائي في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فإننا بالتأكيد بصدد الحديث عما ألم بالعالم عقب الحرب العالمية الثانية، والتي استنزفت الأرض تمامًا، وقضت على نصف خيراتها، فيكفي أن نقول بأن البترول كان مخزونه يقترب من النفاد بسبب استخدامه في تسيير الدبابات والطائرات.
المرحلة الثانية من مراحل ظهور التصديع المائي كانت في عام 1988 حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وقتها عن وجود طريقة يُمكن من خلالها استخراج البترول والغاز الطبيعي من الأماكن التي لا يتوقع وجودهما فيه، وقد تحفظت أغلب الدول على هذه النبأ لفترة تصل إلى ربع قرن، وتحديدًا عام 2012، حيث أعلنت إنجلترا وقتها أنها ستبدأ في عمليات البحث عن طريق التصديع المائي بالقرب من سواحل مدينة ليفربول.
التصديع والمياه الجوفية
بعد انتشار طريقة التصديع المائي، والعمل بهما رسميًا في دولتين من أكبر الدول الموجودة بالعالم، الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، بدأ البعض في النبش خلف هذه الطريقة ومعرفة أضرارها وفوائدها، والحقيقة أن أول ما تم الإفصاح عنه بخصوص هذه الطريقة كان مُخيفًا للغاية، لأنه ببساطة يتعلق بالشيء الأهم على هذه الأرض، الماء.
من المعروف أن التصديع المائي، أو عملية التكسير التي تحدث في الأرض، تتم باستخدام مادة أو سائل مضغوط، فهو الذي يعمل على تفتيت الأرض والصخور، لكن اكتُشف مؤخرًا أن ذلك السائل يحمل التلوث للمياه الجوفية التي تتواجد بالقرب من أماكن استخراج البترول أو الغاز الطبيعي عن طريق التصديع، وهنا تكمن المشكلة، لأن العالم قادر على تحمل تلوث أي شيء، ولو كان الهواء، أما الماء، فلا يُمكن أبدًا الاقتراب منه.
التصدي للتصديع المائي
بعد الكشف عن أضرار التصديع المائي، والمُتمثلة في تلويث المياه الجوفية كما ذكرنا، حدثت الاجتماعات الرسمية على المستوى الدولي، حتى أن الأمر تجاوز مجلس الأمم، وأصبح أشبه بقضية أمن قومي دولي، وذلك لأننا نتحدث عن الماء وخطورة العبث به كما ذكرنا، لكن، بالرغم من كافة التحذيرات التي أطلقها المجلس، كانت الضمانات تأتي دائمًا من الدولتين العملاقتين بالتأكيد على عدم مس المياه بأي ضرار، وأن كافة التدابير تؤخذ من أجل ألا يحدث ما لا يحمد مجلس الأمم عُقباه، والحقيقة أن قيام دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا بعمليات التصديع المائي كان سببًا في اقتناع باقي الدول بهذه العملية وعدم خطورتها، بل ومحاولة تجريبها في أراضيهم.
فيلم أرض الغاز
قبل سنوات قليلة تم بث فيلم وثائقي باسم أرض الغاز، هذا الفيلم في الحقيقة كان يُزيل الغبار عن كل شيء يتعلق بطريقة التصديع المائي وخطورتها، كما أنه قد كشف التلاعب بالمستندات الصحية المُتعلقة بهذا المشروع من أجل تمريره وتكميم أفواه المُعارضين له، بالرغم من أنه في الحقيقة يمتلك أضرار كثيرة، أقلها تلك التي أظهرتها الدراسات التي أُجريت في أحد ولايات الولايات المتحدة الأمريكية، ولاية بنسلفانيا، والتي يتواجد بها عدد كبير من مشاريع التصديع المائي، وتحتوي في نفس الوقت على عدد لا بأس به من آبار المياه الجوفية.
كوراث أخرى للتصديع
بغض النظر عن التصديع المائي وكوراثه التي يُسببها فيما يتعلق بالمياه الجوفية، فتجدر الإشارة إلى أن الكوارث لا تتوقف أبدًا عند ذلك الحد، وإنما يتسبب ذلك التصديع كذلك في تهديد الشيء الأهم في هذه الحياة بعد الماء، وهو الأرض التي نعيش بها، ولا نبالغ إذ نقول إن الأمر أشبه بعملية عبث بالأرواح.
في الخمس سنوات الأخيرة كثُرت الزلازل في مناطق من المُفترض أنها لا تتعرض للزلازل من الأساس، ليس ذلك فحسب، بل تسببت تلك الزلازل في موت بعض سكان مناطق قريبة من عمليات التصديع المائي في كندا، وهنا تم الربط سريعًا بين هذه الزلازل والعمليات التي تُجرى من أجل استخراج البترول، والحقيقة أن النتائج كانت كارثية، إذ أظهرت أن أعراض الزلازل لم تبدأ في الظهور إلا بعد بداية التصديع المائي، كما أن المناطق التي كثرت بها الزلازل هي نفس المناطق التي زادت فيها عمليات التصديع أيضًا، وهذا بالطبع لا يُمكن اعتباره من قبيل المصادفة، وإنما كارثة جديدة من الكوارث التي يتسبب فيها التصديع المائي.
أضف تعليق