يُعتبر التراكم الحيوي من المشاكل الخطيرة التي تواجه الكائنات الحية دون أن يكون هناك سُبل للمقاومة، فنحن نتحدث عن مجموعة من الملوثات التي تتراكم بشكل منتظم وتكون فيها درجة من السم الغير مُدرك، على الأقل في بداية دخوله في جسم ذلك الكائن الحي، بعد ذلك تبدأ مجموعة من المشاكل تتفاوت في حدتها حسب حدة تلك المادة، وربما النموذج الأوضح لها المركبات العضوية التي نستخدمها بشكل عشوائي كالصابون ومستلزمات العناية بالبشرة أو حتى المبيدات الحشرية التي من المفترض كونها أساسًا تُساعدنا في عملية التخلص من الأشياء المُلوثة المُحيطة بنا، في النهاية مثل هذه المواد تترك أشياء تصلح للتراكم لتُصيبنا في النهاية بالضرر، وهذه هي الكارثة الحقيقية التي جئنا لنتحدث عنها اليوم من خلال هذه السطور، فكيف يا تُرى يُمكن أن تتراكم الملوثات وكيف تحدث هذه المشاكل التي قمنا باستعراضها الآن؟ هذا هو السؤال الذي سنبدأ سريعًا في وضع الإجابات الخاصة به، لكن أولًا دعونا نُعرف التراكم الحيوي .
التراكم الحيوي
بشكل واضح جدًا يُقصد بالتراكم الحيوي تكدس وتدرج المشاكل بشكل غير واضح أو مُدرك بصورة فجة، بمعنى أنك لا تشعر بالأمر على دفعات مثلما يحدث على دفعات في صورة التراكم، وإنما ما سيحدث ببساطة أنك ستشعر وكأن الكارثة قد حدثت فجأة وبلا أية مقدمات على الرغم من أن المقدمات تصرخ أمامك منذ زمن طويل وأنت فقط لم تكن تراها، ولكي نقترب أكثر من المشهد فإنك عزيزي المسكين عندما تستخدم المواد العضوية العادية، عندما تُمسك بالعبوات البلاستيكية أو الورقية، عندما تُمسك بزجاجات المياه عندما ترش المبيدات الحشرية من خلال العُلبة الخاصة بها، أثناء قيامك بكثير من الأشياء قد تبدو عادية من وجهة نظرك، يجد التراكم الحيوي فُرصته المُثلى للانقضاض عليك ومهاجمتك، والمشكلة التي نحاول إيصالها لك هنا أن الأمر يحدث مثلما يصفه اسمه، أي بشكل تراكمي تمامًا لا يُدرك منذ الوهلة الأولى!
آلية حدوث ذلك الأمر أن الجسم ببساطة مُجهز بشكل مُسبق لامتصاص السموم، ومُجهز كذلك في نفس الوقت لتصريف هذه السموم من خلال بعض الطرق التي قد تبدو سهلة جدًا ومنطقية، لكن ما يحدث هو التراكم ذاته بحيث تنتج كميات أكبر من المتعارف عليه، وبالتالي لا يتمكن الجسم من تصريفها بالصورة المثالية، إجمالًا، الأمر يرتبط بالمدد الزمنية، فأنت كلما زاد عمرك، أو كلما زاد عمر المادة المُتعرضة لمسألة التراكم الحيوي يبدأ التأثير في الظهور بالدرجة المؤثرة، ثم بعد ذلك يحدث ما لا يُحمد عقباه بالمرة، والآن، أرأيتم كيف بدأ الأمر وكيف انتهى!
نماذج التراكم الحيوي
ربما لن يكون من المعقول أو المناسب التحدث عن التراكم الحيوي واستخدام تلك المُصطلحات الكُبرى دون أن نعرف نماذج أو أشكال لذلك التراكم الضار، والنموذج الأهم سوف يكون داخل الحيوانات.
الحيوانات والتراكم
حدوث التراكم الحيوي في الحيوانات يأتي بطرق غريبة وأخرى منطقية، أما الطرق الغريبة فهي طبعًا التي يكون فيها الحيوان مُعرض للتراكم بصورة طبيعية، كأن تدخل المواد السامة في جسده بدرجة أكبر من المعتاد في الوقت الذي يكون فيه لا يرغب في ذلك ولا يسعى إليه، لكن على الجانب الآخر يكون هناك نوع من الحيوانات يستهدف وضع نفسه في درجة من السمية من أجل مواجهة الخطر والدفاع عن نفسه ضد الحيوانات الأخرى التي تهاجمه، فهذه الأنواع التي نتحدث عنها تقوم باستعمال النباتات السامة وتمتصها بدرجات كُبرى لهذا الغرض، وربما الدودة القرنية هي التي تُعد النموذج الأبرز على ما نرمي إليه.
التراكم الحيوي والنباتات
بعض النباتات يُصبح التراكم الحيوي بالنسبة لها مشكلة أيضًا، لكن ربما تلك المشكلة لا تبدو واضحة نظرًا لكون هذه النباتات في الأساس لها دورة صغيرة جدًا من العمر فإن المشكلة لا تظهر بجلاء، وربما السبب الأول في السمية التي تتعرض لها تلك النباتات المبيدات الحشرية وكذلك طريقة تصنيع أغلب الأسمدة الكيماوية المُستخدمة في عملية الزراعة، فكل هذا في نهاية المطاف يضعنا أمام تراكم سموم مُحتمل وبشدة، لكن فكرة دورة الحياة الصغيرة لمعظم النباتات توقف الشعور بمثل هذه المخاطر، فالنباتات لها أوان تنتهي فيه إلى بطن الإنسان، ومن هنا يبدأ الخطر الحقيقي، فمع وجود نسبة من السمية ومخزون من التراكم الحيوي بالفعل داخل البشر إلا أنه في نفس الوقت سوف يتناول أطعمة بداخلها أنواع من النباتات مليئة بكميات أكبر من السمية، ولهذا يحدث التضاعف الذي يقود إلى آثار جانبية سريعة المفعول مثل التسمم، حتى عملية الغسل لهذه الخضروات والنباتات لا تُفيد كثيرًا في تفادي هذا الخطر المُحدق، ومن هنا تظهر بجلاء فاعلية التراكم الحيوي المُتناهية.
التراكم الحيوي والبشر
بكل تأكيد التراكم الحيوي يُسجل أعلى نسبة له في البشر نظرًا لأن الطبيعة البشرية هي التي تمنحنا في الأساس شكل أمثل من أشكال التراكم، فأعمار البشر بشكل عام تزيد عن الستين، وإذا افترضنا أن التراكم قد بدأ مع سن العاشرة وبدأ يزداد مع مرور الوقت نظرًا لضعف الجهاز المناعي فمن المحتمل تمامًا أن يكون سن الأربعين هو السن الذي يحدث فيه انفجار التراكم الحيوي المُحتمل، والحقيقة المؤلمة أن حدوث مثل هذه المخاطر لا يُمكن اعتباره مفاجئة على الإطلاق، إذ أننا في الأساس نستخدم الكثير من المواد التي تدق ناقوس التراكم للمواد السامة منذ سن صغير، ومثال ذلك مواد العناية بالبشرة والوجه والشعر، كذلك المُعلبات والمواد البلاستيكية، هذا بخلاف المواد العادية التي يستتر خلفها التراكم بنسب أكبر بكثير.
تضاعف فيتامين أ
من الأشكال البارزة جدًا في عملية التراكم الحيوي ذلك الشكل الذي يقوم على تضاعف فيتامين أ في الجسم، فمن المنطقي أن يكون ذلك الفيتامين بحد ذاته مفيد جدًا ومطلوب في الجسم، لكن ذلك يأتي بنسب معينة محددة، وعندما تشهد تلك النسبة تزايدًا فإنها تتحول إلى سامة وضارة، بمعنى أدق نحن نتحدث عن الزيادة التي تُصبح خطرًا لمجرد كونها زيادة، ومن أشهر النماذج بهذا الصدد ما ذُكر في حق دوغلاس ماوسن الذي تناول إحدى كلى كلبه التي كانت غنية بفيتامين أ، وهو ما أدى إلى زيادة نسبة السمية في جسده وقتله، فقد تراكمت المواد الحيوية بجسده بشكل لا يُحتمل على الرغم من أنه لم يتناول شيء مُسمم بالفعل، والنماذج القريبة من ذلك ليس هناك أكثر منها.
ختامًا عزيزي القارئ، فيما يتعلق بعملية التراكم الحيوي وكما هو واضح تمامًا من الاسم فنحن نتحدث عن مشكلة أخرى من المشاكل التي تهدد وجودنا على ظهر هذا الكوكب، إذ أنه حال استمرار ذلك الخطر سوف يُصاب الكثير من البشر بخطط الوجود المُهدد، بمعنى أنه في أي وقت من الأوقات قد نتعرض للانتكاسة ويظهر مفعول المواد المُتراكمة.
أضف تعليق