تتعدد التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل، فمنذ إنشائه وحتى الآن تسبب في الكثير من الأضرار البيئية على نهر النيل وبالتالي على الثروة السمكية به والزراعة على شواطئ النهر التي تعتمد اعتماداً رئيسيا على مياه النيل. بدأت فكرة السد العالي عندما تعاظمت أخطار فيضان النيل الذي كان يحدث كل عام على ضفاف النيل؛ حيث أن التغير السريع والحاد في منسوب المياه يؤثر على جودة الزراعة كما أنه يعرض المنازل والقرى الواقعة على ضفاف النيل لخطر الغرق.. لذلك كانت فكرة إنشاء السد العالي حيث تم اختيار موقعه جنوب مدينة أسوان يفصله عنها مسافة 6 كيلومتر.
ويتكون السد من جسم رئيسي يعترض طريق سريان مياه نهر النيل ومتصل بخزان لحفظ المياه وهو عبارة عن بحيرة كبيرة تتجمع فيها المياه الفائضة كل عام، بالإضافة إلى قناتين إحداهما تسمح بمرور المياه لمنطقة توشكى في الصحراء الغربية والأخرى في شرق السد تمرر الماء إلى مولدات للكهرباء لتوليد الطاقة الكهربية. ولكن مع كل الآمال التي بنيت على فكرة إنشاء السد العالي وكيف أنه سيحمي مصر من خطر الفيضان ويوفر المياه الزائدة لوقت الحاجة كما سيولد الطاقة الكهربية، إلا أنه كان هناك الكثير والكثير من التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل .
أهم التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل
تهجير أهل النوبة
من أهم وأعظم التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل هو ارتفاع منسوب مياه النيل بعدما تم الانتهاء من بناء السد العالي حيث تجمعت تلك المياه مكونة ما يعرف الآن باسم (بحيرة ناصر) مما أدى إلى حدوث فيضان هائل لمياه النيل تسبب في غرق الكثير من القرى والمنازل في منطقة النوبة جنوب مصر؛ مما دفع بالعديد من أهالي النوبة بحمل أمتعتهم والبحث عن مكان آخر ملائم يعيشون فيه.. وعرف ذلك بتهجير أهل النوبة، فما زال الناس هناك يتحدثون عن التهجير ويعتبرونه أحد أعظم التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل.
تأثير السد العالي على الزراعة
بالرغم من أن فيضان النيل كل عام كان يتسبب بكوارث فعلية لمصر وبالأخص القرى والمناطق الريفية الواقعة على ضفاف نهر النيل حيث كان يتسبب الفيضان في غرق تلك المناطق كل عام.. فذلك كان هو الغرض الأساسي التي تكونت من أجله فكرة السد العالي، فتم العمل على إنشائه بغية الاحتفاظ بالمنسوب الزائد من مياه النيل كل عام وقت الفيضان وفي نفس الوقت حماية القرى المصرية من الغرق بمياه الفيضان.
إلا أن تلك الحماية تسببت في واحدة من التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل حيث حجزت الطمي (طين التربة المختلط بالماء) عن المناطق الزراعية على طول ضفاف نهر النيل والتي كان يعتمد عليها المزارعون في مصر لتخصيب التربة الزراعية وجعلها صالحة أكثر للزراعة.. فأثر ذلك بشكل سيء للغاية على الزراعة في مصر وكانت تلك التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل سبباً رئيسياً في نقص المحاصيل آنذاك مما دفع بالحكومة إلى التفكير في الاستيراد من الخارج لسد حاجتها والاستغناء عن تصدير بعض المحاصيل والبحث عن أراضي جديدة في الصحراء تكون قابلة للاستصلاح.
بحيرة ناصر
كانت بحيرة ناصر هي المبرر الدائم لتفسير انخفاض منسوب مياه النيل بعد بناء السد العالي، فكلما بدأ الحديث عن أي من التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل كان الجواب دائماً هو بحيرة ناصر والتي تعد مخزوناً استراتيجياً للمياه العذبة يمكن الاستفادة منه في أي وقت.. إلا أن وجود كمية كبيرة مثل تلك الكمية من الماء مستقرة وراكدة في بحيرة ناصر بدون جريان دائم- كما كان يحدث في نهر النيل- يجعلها عرضة بشكل أكبير لأشعة الشمس وبالتالي زيادة معدل تبخر المياه من البحيرة وانخفاض منسوب المياه بها، بالإضافة إلى أن استقرار المياه هناك يؤدي إلى نمو النباتات والطحالب على ضفاف البحيرة مما يزيد من معدلات عملية النتح (تبخر المياه).
فبالتالي لم تحقق بحيرة ناصر الاستفادة التي كان مخططاً لها… حيث تشير بعض التقارير إلى أن كمية المياه المتبخرة من بحيرة ناصر تعادل حصة دولة العراق من المياه في نهر الفرات، لذلك السبب كان تجمع مياه النيل وتكوينه لبحيرة ناصر واحداً من التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل.
نقص الأسماك
قبل بناء السد العالي.. كان جريان نهر النيل وفيضانه يوفر لمصر نصيب هائل من الثروة السمكية وبالأخص سمك السردين، حيث كانت تستفيد مصر من ذلك وتنتج كميات كبيرة من السردين.
ولكن بعد إنشاء السد تسبب في حجز كميات كبيرة من الأسماك خلفه أو ربما في بعض الأحيان رجوعها عكس التيار مرة أخرى؛ مما حرم مصر من أنواع عديدة من الأسماك سواء قل عددها في نهر النيل أو انقرضت للأبد.. فكان ذلك أحد أكبر التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل.
المياه الجوفية
بعد إنشاء السد العالي في مصر.. قلت حصة مصر من مياه النيل إما بسبب تجمع المياه في بحيرة ناصر أو بسبب تخزينها في خزانات السد العالي لحفظها لوقت الحاجة، ولتعويض النقص الحادث في مياه الري لجأت مصر إلى استخراج المياه الجوفية من باطن الأرض واستخدامها في ري الأراضي الزراعية البعيدة عن نهر النيل بعدما جفت قنوات الري التي كانت تعتمد عليها.. ولكن استخراج المياه الجوفية ونقلها يمثل تكلفة باهظة وعبء ثقيل على ميزانية الدولة تضطر لتحمله كل عام؛ فكان هذا واحداً من التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل.
زيادة ملوحة الأراضي الزراعية
حيث أن النقص في معدل رشح المياه وتصريفها من خلال مرور مياه النيل تسبب في تراكم الأملاح بها وارتفاع نسبتها وعلى رأسها أيونات الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم مما يضر بالأرض الزراعية حيث أن للملوحة آثار ضارة على النباتات والمحاصيل فتمنع نموها بشكل سليم كما تقلل من مدى جودة وخصوبة التربة على المدار البعيد، بل أيضاً لا يقتصر أثرها على التربة الزراعية فقط فيمتد أكثر إلى أراضي البناء ويسبب تآكل بها وبالتالي تدمير هائل في البنية التحتية للدولة.. ومؤخراً انتشرت الدراسات العلمية التي قام بها أساتذة بكليات الزراعة والتي حذرت من زيادة ملوحة التربة في مصر وأكدت على ضرورة التنبه لأخطارها والتي تعد واحدة من التأثيرات البيئية السلبية للسد العالي على نهر النيل.
تجريف الأرض الزراعية
كان المصريون يعتمدون بشكل رئيسي على طمي النيل الذي يحمله الفيضان كل عام في استخدامه لصناعة طوب للبناء عالي الجودة.. ولكن مع بناء السد العالي وحجز طمي النيل خلفه وعدم وصوله مع مياه النيل لجأ المصريون إلى استخدام طين الأراضي الزراعية لصناعة طوب البناء وبالتالي حرمان التربة من طبقة هامة جداً في تحديد مدى خصوبتها وصلاحيتها للزراعة مما أدى إلى تجريف الأراضي الزراعية وتوقف النشاط الزراعي بها.. كما أن انخفاض منسوب مياه النيل شجع العديد من الناس على البناء والتشييد على ضفاف النيل فحل العمران محل الأراضي الزراعية؛ مما دفع الحكومة المصرية لإصدار العديد من القوانين التي تعمل على تنظيم البناء على الأراضي وحماية الأرض الزراعية من خطر التجريف مثل قوانين 53 عام 1966 والذي تم إجراء بعض التعديلات عليه وإعادة إصداره عام 1983 وقانون رقم 2 في عام 1985.
أضف تعليق