مما لا شك فيه أن البعثات الفضائية، التي بدأت منذ منتصف القرن العشرين، تُعد واحدة من أهم المعجزات في تاريخ البشرية كاملة، إذ أن الإنسان لم يكن يحلم بالتأكيد أنه سيأتي يوم يخرج فيه من عالمه ويذهب إلى عالم آخر لا يعرف عنه شيء، بل ويشرع في استكشافه ويحاول البحث عن حياة صالحة له، كل هذا جميل بالطبع، ولكن في الآونة الأخيرة ظهرت بعض الأقوال والنظريات التي تعتبر إرسال البعثات الفضائية نوع من أنواع العبث مع الطبيعة، لأننا ببساطة لا نعرف ما تُخفيه لنا السماء، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على البعثات الفضائية وتاريخها وهل فعلًا تُعد عبثًا بالطبيعة أم أنها مجرد رحلات عادية؟
محتويات
ما هي البعثات الفضائية؟
المقصود بالبعثات الفضائية هو إرسال فوج من البشر إلى الفضاء عن طريق مركبة فضائية مُتخصصة في مثل هذا النوع من الرحلات، وغالبًا ما يكون الغرض من أي بعثة هو استكشاف الفضاء والبحث عن سُبل الحياة به، وتتراوح نسبة النجاة والعودة إلى الأرض مرة أخرى بعد كل بعثة فضائية من عشرة إلى عشرين بالمئة، وبالتأكيد تزداد تلك النسبة كل عام بسبب التقدم التكنولوجي وزيادة نسبة الأمن والأمان.
يقوم بالرحلات الفضائية غالبًا أشخاص مُتخصصين وليس مجرد علماء عاديين، أو على الأقل يُصاحب هؤلاء العلماء مجموعة من المُتخصصين، ويُطلق على هؤلاء المُتخصصين اسم رواد الفضاء، والحقيقة أن علم دراسة الفضاء الذي أنتج هؤلاء المُتخصصين بدء مع ظهور البعثات الفضائية.
ظهور البعثات الفضائية
يطمح الانسان في الوصول إلى القمر منذ زمن، لكنه لم يُقدم على فعل ذلك سوى في النصف الثاني من القرن العشرين، وتحديدًا عندما استتبت الأمور وبدأ العالم ينسى ويلات الحروب، وخاصةً الحربين العالمتين الأولى والثانية.
بداية البعثات الفضائية جاءت مطلع الستينات على يد الدب الروسي، والذي كان يُمثل قوى عُظمى ذلك الوقت مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانا يتنافسا فيما بينهما على إظهار القوة وفرض السيطرة على العالم، وقد وجدا في الفضاء عالمًا جديدًا وساحة مُناسبة جدًا للتنافس، وهناك قامت أول جولة بينهما، والتي انتصرت فيها روسيا، حيث أرسلت هي أول بعثة فضائية في تاريخ البشر.
أول البعثات الفضائية
في موسكو، وتحديدًا عام 1961، تم إنشاء مركز تدريب مُخصص لتدريب رواد الفضاء، وقد تم استجلاب هؤلاء المتدربين من الطيران العسكري الروسي، حيث تم اختيار أمهر الطيارين الموجودين على الإطلاق، وكونوا سرب كبير بلغ ألف طيار، جميعهم كانوا على استعداد لخوض هذه المهمة الشاقة، والتي وُصفت أيضًا بالمستحيلة، حيث تم إخبار الطيارين قبل الرحلة أن نسبة العودة إلى الأرض مرة أخرى لا تتجاوز الواحد بالمئة.
بعد حوالي شهرين من التدريب، وتحديدًا في شهر أبريل القابع في عام 1961، انطلقت الرحلة الفضائية الأولى وهي تحمل الطيار الذي تم اختياره من بين الألف طيار للقيام بهذه المهمة، وقد كان اسمه يوري غاغارين، وبالتأكيد التاريخ سجل هذا الاسم جيدًا في ذاكرته، كما سجل الرحلات التي تدفقت بعد هذه الرحلة الناجحة، سواء من روسيا أو من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ما يعنينا الآن، وبعيدًا عن هذه البعثات الفضائية الكثيرة، هو الادعاء بأنها عبث بيّن بالطبيعة، فهل هي كذلك فعلًا؟
البعثات الفضائية والطبيعة
قبل أن نخوض في هذا الأمر علينا أولًا أن نسأل أنفسنا سؤالًا واضحًا، ما هي الطبيعة؟ بالتأكيد إجابتكم جميعًا ستدور حول شيء واحد، وهو ما يُحيط بنا من جمادات وكائنات حية، ليس للإنسان دخل في وجودها، تمامًا كما ليس له الحق في طردها وإزاحتها من عالمه، وهذا ما يأخذنا إلى السؤال التالي، هل الفضاء جزء من عالم البشر؟
إجابة السؤال الثاني بالتأكيد ستختلف من شخص إلى آخر حسب مُعتقداته، فهناك من يعتقد بأن العالم الخاص به يشمل كل شيء موجود على هذه الأرض وخارجها، وهناك من يعتقد أنها تشمل فقط الأشياء الموجودة على الأرض، وهناك من يُعرّف عالمه بأنه وطنه وبلده فقط، لكن، مهما اختلفت التعريفات فسنجد أنه ثمة اتفاق على شيء واحد مُحدد، وهو أن كل ما هو موجود في عالم الإنسان مخلوق له ومُسخرّ لخدمته، وإذا أخذنا بتعريف الفريق الأول للعالم، فسنجد أن الفضاء كذلك تابع لعالم البشر ومُسخرّ لهم، أي يحق لهم استخدامه والاستفادة به قدر الإمكان.
كيف تُعد عبثًا؟
إذا سايرنا الرأي القائل بأن البعثات الفضائية مجرد عبث فيجب أن نعلم وجهة نظر هؤلاء في العبث، فهؤلاء يعتقدون أن مجرد الصعود إلى الفضاء واختراق الحاجز الموجود حول الأرض هو عبث، وأن النزول على القمر أو كواكب ليس تابعة لنا عبث، وأن القيام بالبحث عن مكان مناسب للعيش في كواكب أو أي مكان آخر يُعد عبثًا كذلك.
وجهة نظر هؤلاء أيضًا أننا عندما نصعد إلى الفضاء لا نُراعي وجود كائنات غيرنا، مع أنهم يمتلكون نفس الحقوق التي نمتلكها نحن في الحفاظ على أرضنا، وهنا يأتي تبرير هؤلاء للوجه الذي نقوم فيه بالعبث عن نصعد إلى الفضاء ضمن الرحلات الفضائية، والتي تكون حسب ادعائهم غير مُبررة.
طريقة العبث
عندما نصعد إلى الفضاء ضمن البعثات الفضائية فإننا نصعد بحجج فارغة كما يدّعي هؤلاء، إذ أنه لا مبرر على ذلك من وجهة نظرهم، فنحن مثلًا نقول أننا نبحث عن مكان مُناسب للعيش في حين أننا نعيش على المكان الأكثر مناسبة لذلك، والذي اختاره الله لنا، كما أننا نختلق حجج فارغة وغير منطقية مثل البحث عن مستقبل الأجيال القادمة بالرغم من أننا في الأساس لا نضمن وجود أجيال قادمة، كما أن التبرير باطل بالنسبة لهم لأن طبيعة الموت والحياة تجعل الأرض مكان غير قابل للازدحام بالنسبة لهم، فاليوم يموت أناس وغدًا يولد آخرون، لكن هذه الردود إن أمعنا فيها نحن فسنجد أنها العبث بعينها، وأن ليست ردود منطقية بالمرة، ويمكن الرد عليها بسهولة ومنطقية أكثر.
الرد على هؤلاء
الرد على هؤلاء العابثين فيما يتعلق بقضية البعثات الفضائية أمر سهل جدًا، فأما عن ادعائهم بأن هذه الرحلات تُمثل اعتداءً على الفضائيين وأنهم قد يقومون بشن حرب على الأرض من أجل الثأر لهذه الاعتداء فهذا اعتداء لا يستند إلى دليل أصلًا، فمن قال قبل ذلك أن الفضاء به كائنات فضائية؟ هل شاهدهم أحد مشاهدة يقينية؟ هل تُعرف لهم أوصاف معينة؟ بالطبع لا، إذًا هذا الأمر مجرد عبث.
الأمر الثاني المتعلق بعدم وجود مبرر للبحث عن حياة في الفضاء وأن الحياة على الأرض تتجدد تلقائيًا، فالرد على هذا الأمر يكمن في الاعتراف بأن الحياة تتجدد فعلًا، لكن بصورة أكبر مما يسبقها، بمعنى أنه إذا مات شخص فإنه يولد بدلًا منه مئة، وهذه نسبة غير منطقية، كما أن الموارد بدأت تنفد من الأرض فعلًا، ويجب البحث عن موارد أخرى في أماكن أخرى، وهو ما يستوجب البعثات الفضائية.
أضف تعليق