نيازك، براكين، غازات سامة، كلها عوامل أدت إلى انقراض فصائل كثيرة على كوكب الأرض، أما الآن فتواجه الأرض الانقراض السادس، والسبب هو الإنسان. عاشت على كوكب الأرض ملايين من فصائل الحيوان والنبات المختلفة برًا وبحرًا وجوًا، إلا إننا لا نعرف منها سوى القليل المتبقي الذي استطاع التكيف مع التغيرات البيئية التي واجهت كوكبنا. ونحن بالفعل نحسب العد التنازلي لبعض أنواع الفصائل حول العالم. فالكائنات التي خلقها الله منذ البداية لم يعد أغلبها موجودًا. على من سيجني الانقراض السادس ، وما هي أسبابه بحسب رأي العلماء؟
محتويات
معنى الانقراض
الانقراض يعني توقف فصيلة معينة من الكائنات الحية عن التكاثر. وبالتالي تنتهي الفصيلة ولا تظهر مجددًا، بعد موت أخر أفرادها من على كوكب الأرض. الانقراض يقلل من التنوع الحيوي على كوكب الأرض. وقد يخل بالنظام البيئي والهرم الغذائي في بعض الأحيان. بالإضافة إلى إنه ينبأ بمدى الخطر الذي يصيب الأرض. ومنذ عام 1963، أُنشت قائمة حمراء بجميع الأنواع المهددة بالانقراض للحفاظ على أنواعها قدر الإمكان. ويتم تجديد القائمة وتحديث الأعداد المتبقية من الفصائل كل خمس أو عشر سنوات. منهم الكثير ببلدنا العربية.
أسباب الانقراض
الانقراض يحدث طيلة الوقت. لا يمكن بأي شكل من الأشكال تجنب حدوثه بالكامل. لأنه نظام بيئي وحيوي طبيعي، ولا يمكن لفصيلة واحدة أن تستمر بالتواجد إلى الأبد. وإنما المشكلة تكمن في معدل الانقراض. ففي الماضي وقبل ملايين السنين، كانت معدلات الانقراض أقل 100 مرة من معدلات اليوم. وعندما يحدث انقراض كبير لعدة فصائل، يسمى بالانقراض الجماعي وتسببه غالبًا كارثة كبرى تمر بالأرض. والتي يقدر العلماء أنها حدثت خمس مرات بالسابق، وسيحدث الانقراض السادس الجماعي عن قريب.
الانقراضات الخمس الكبرى
نحن نعرف جميعًا أشهر انقراض حدث في تاريخ كوكب الأرض، ألا وهو انقراض الديناصورات. وبحسب رأي أغلب العلماء فإن سببه كان اصطدام نيزك كبير بكوكب الأرض. مما أدى إلى سلسلة كوارث بيئة انقرضت معها الكائنات الكبيرة في الحجم والتي تحتاج إلى مصدر غذاء كبير. وتبقت فقط الكائنات التي تمكنت من الصمود. ولكن ما قد لا تعرفه أن هناك اتفاق كبير بين العلماء، أن 99% من الكائنات الحية المتنوعة التي عاشت على كوكب الأرض قبل هذه الحقبة أو بعدها لم تعد موجودة الآن. وذلك لأن الانقراض هو حدث طبيعي وروتيني بالنسبة إلى الأرض. وقد يحدث الانقراض لعدة أسباب مختلفة من كوارث طبيعية أو روتين طبيعي لفصيلة من الحيوان. ولكن المشكلة في الانقراض السادس الذي يوشك على الحدوث، أنه ليس طبيعي، ولا يمثل دورة حياة أو روتين طبيعي، وإنما له أسباب نتيجة لتدخل الإنسان.
في النقاط التالية تلخيص لأكبر كوارث طبيعية مرت بالأرض وسببت معها ما يعرف بالخمس الكبرى، أي أكبر خمس عمليات انقراض جماعي في تاريخ كوكب الأرض.
الانقراض “الاوردوفيشي السيلوري”
هو ثالث أكبر انقراض في تاريخ الكوكب، وحدث قبل 433 مليون عام. ولأن الحياة البحرية هي التي كانت تعيش في ذلك الزمن، فجنى الانقراض عليها. وماتت ما يقرب من 85% من الأنواع البحرية. على مرحلتين تفصل بينهما آلاف السنوات. والجاني هو العصر الجليدي، الذي بتكوينه لطبقة سميكة من الجليد وانخفاض درجات الحرارة، أدى إلى تغيرات كيميائية بالمحيطات.
انقراض العصر الديفوني المتأخر
حدث قبل 359 مليون سنة. ويعتقد العلماء أنه كان سلسلة من الأحداث المتتالية التي جنت على الحياة البحرية خاصة الشُعب المرجانية في المياه الضحلة. نتيجة نقص الأكسجين في قاع البحر، فماتت كل الكائنات الحية في ماعدا البكتيريا. ويختلف العلماء الجاني الحقيقي، الذي قد يكون تغير مناخي وانخفاض مستوى البحر، أو اصطدام نيزك بالأرض، أو بداية وجود نباتات جديدة غيرت من التوازن الكيميائي. والمحصلة هي موت 75% من الحياة البحرية الحية.
انقراض العصر البرمي
إنه “الموت العظيم” كما أطلقوا عليه العلماء. مات في هذا الانقراض 90% من الكائنات الحية على كوكب الأرض، قبل 248 مليون سنة. جميع الكائنات الحية بفصائلها الهائلة وتنوعها البيولوجي، هي خليفة 10% فقط ممن استطاعوا الاستمرار بعد هذا الانقراض. جنى الانقراض على الحياة البحرية والحشرات بشكل أساسي. الجاني غير معروف بشكل قاطع. وإنما العلماء يعتقدون أنها البراكين. فتسببت سلسلة كبيرة من الحوادث البركانية في مناطق متفرقة بالعالم، بتسمم الهواء والغلاف الجوي بالعديد من الغازات السامة الخانقة، خاصة غاز الميثان. وتلوث الهواء والماء وانخفض مستوى البحر. وهو أكبر وأهم انقراض بتاريخ الأرض.
انقراض جماعي في العصر الترياسي والجوراسي
حدث قبل 200 مليون سنة على ثلاثة مراحل والجاني لا يمكن تحديده لقلة الأدلة. قد يكون البراكين أو قد يكون نيزك. جنى الانقراض على حوالي 50% من الكائنات الحية التي كانت تعيش في تلك الحقبة الزمنية، والغريب أنه لم يقضي على النباتات بل الحيوانات فقط. أهم المتأثرين كانوا الرخويات والبرمائيات والزواحف البحرية.
انقراض العصر الطباشيري الثلاثي
إنه أشهر وأخر انقراض جماعي في التاريخ، لأنه جنى على الديناصورات قبل 65 مليون عام. بالإضافة إلى بعض أنواع الصدفيات، والنباتات الزهرية، والزواحف ذوات الأجنحة “التيروصورات”. الجاني كما نعرفه هو الكويكب المصطدم بالقرب من شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك. ولكنه كان الحدث الذي أنهى قصة من الضعف العام بفصائل الحيوانات على مدار آلاف السنين، بعد انخفاض مستوى مياه الشرب وعدة انفجارات بركانية.
الانقراض الجماعي السادس
يقول عالم الأحياء بجامعة ستانفورد “بول إهرليش”، نحن نقترب من واحدة من تلك الانقراضات الجماعية (الانقراض السادس)، التي يمكن بسهولة أن تدمر حياة جميع الكائنات الحية على هذا الكوكب. وفي دراسة نُشرت في مجلة “Science Advances” لعام 2015، تشير إلى أن الأرض تفقد أنواع متعددة من الثدييات بمعدل 20 إلى 100 مرة أعلى من معدلات الماضي. هذه الإحصاءات تماثل نفس معدل الانقراض الجماعي الذي قضى على الديناصورات في حوالي 250 سنة فقط. والسبب في هذا الانقراض السادس هو المعدل الغير مسبوق من التلوث والصيد البري وفقدان الغابات بسرعة كبيرة والتوسع العمراني، وبناء المصانع، أي بسبب الإنسان وتدميره للبيئة من حوله.
منذ عام 1900، 69 فصيلة مختلفة من الثدييات انقرضوا، بالإضافة إلى 400 نوع أخر من الفقاريات. وبالنسبة إلى باقي الكائنات الحية الغير فقارية فمن الصعب تحديد الأعداد بدقة. ولكن العلماء يؤكدون أن أمرهم ليس أفضل من الثدييات. وهذه الأرقام مقلقة جدًا، وهي فقط البداية. يمكننا القول بشكل قاطع أن معدلات الانقراض الحديثة عالية جدًا. وتشير إلى قرب وقوع انقراض سادس جماعي. وسيُحرم البشر من فوائد التنوع البيولوجي عن قريب.
هذه الدراسات ليست الأولى من نوعها، التي تثبت أن أفعال البشر تسبب كارثة بيئية لكوكب الأرض مثلها مثل الكوارث الكبرى السابقة. ففي عام 1998، أقام متحف التاريخ الطبيعي في أمريكا استطلاع رأي ل400 خبير بيولوجي. و70% بينهم يعتقدون أن الأرض في خضم واحدة من أسرع عمليات الانقراض التي مرت بالأرض. وهذا الانقراض السادس قد يهدد حياة البشر أنفسهم وملايين الأنواع الأخرى. وفي كتابه “مستقبل الحياة” لكاتبه “E.O. Wilson”، قدم الاستنتاج التالي. إن الأرض ستفقد نصف أشكال الحياة العليا بها بحلول العام 2100.
مقارنة الانقراض السادس بالماضي
كي يتمكن أصحاب هذه الدراسات من التدليل على خطر المحدق بالفصائل والتنوع البيولوجي بسبب الانقراض السادس. أجروا مقارنة بين معدل الانقراض الحالي في 114 سنة الماضية، ومعدلات الانقراض التي سبقت هذه الحقبة قبل آلاف السنين. فكانت المعدلات بالماضي تمثل انقراض نوعين من الفقاريات بين كل 10 آلاف نوع لكل قرن من الزمن. أو انقراض نوعين من الفقاريات بين كل مليون نوع في كل عام. وهذه المعدلات وُضعت بحدود قصوى، ولكن بعض الدراسات الأخرى لم تزيد فيها الأعداد عن نوع واحد أو 0.1 نوع في دراسات أخرى.
بحسب هذه الظروف الطبيعية، كان يجب أن تشاهد الأرض انقراض 9 أنواع فقط من الفقاريات منذ عام 1900. ولكن الحقيقة أن الأرض شاهدت انقراض 400 نوع كما ذكرنا. وهذه الأرقام مفجعة ومقلقة. وتركز الإحصاءات على الفقاريات والثدييات فقط، لأنه يسهل دراساتها وتقيم أعدادها. ولكن نحن نواجه اليوم ظروف غير طبيعية. الغابات تحترق وتُقطع، المياه ملوثة، الحيوانات يتم اصطيادها بشكل غير معقول للتجارة بفرائها وجلودها وأنيابها، المناخ يتغير بشكل جنوني وتتغير معه طرق المعيشة التي تكيفت عليها الحيوانات.
كما تشير المقارنة إلى أن مفهوم داروين عن الكائنات الأقوى والأكثر قدرة على التكيف هي التي تستطيع الاستمرار والتغلب على الانقراض، لم يعد صحيحًا. فلا يوجد فرق، لأن ظروف الانقراض السادس غير طبيعية.
على كل حال، الانقراض السادس والحالي لم يصل بعد إلى المعدلات شديدة الخطورة التي واجهتها الأرض في الخمس عمليات الانقراض الكبرى بعد ملايين السنين. فنحن اليوم نواجه انقراض جماعي بنسبة 1% من أصل 400 ألف نوع من الفقاريات المعروفة. بينما وصلت نسبة الانقراض في “انقراض العصر البرمي” مثلًا إلى 90% من الحيوانات. وهي أعلى نسبة انقراض وصلت لها الأرض. ونحن لم نصل بعد إلى تلك النسبة أو على مقربة منها حتى أو غيرها من النسب العملاقة في الكوارث الكبرى الأقل تأثيرًا. ولكن ما يزال الوضع خطير، واستمرار الانقراض بهذا الشكل سيضعنا في احتمال انقراض أنواع أكثر خطورة وأكثر أهمية بالنسبة إلى الهرم الغذائي في السنوات القادمة.
فإن لم تأخذ الدول إجراءات صارمة لمواجهة الانقراض السادس، سنصل إلى نسب الانقراض التي حدثت مع “الخمس الكبرى”. في خلال 240 إلى 540 سنة قادمة. في واحدة من أسرع التغيرات الإيكولوجية. كما إن تلك الكوارث الكبرى جاءت ومعها كوارث بيئة غير مسبوقة، من غازات سامة وتعطيل لتيارات المحيط، وارتفاع دراجات الحرارة، وتسمم الهواء بالحمم البركانية المتفجرة بمناطق واسعة بالعالم خاصة في سيبيريا. كل هذه الكوارث لم تحدث في عهد البشرية مطلقًا. وفي حالة تفاقم هذا الانقراض المقبلين إليه، ستحدث وستؤثر على البشرية أجمعها. وقد ينتهي معها عهد البشرية ويصبح البشر فصيلة منقرضة أخرى.
ختام
يقول جيراردو سيبالوس لشبكة سي إن إن: “نحن على شفير الانقراض السادس الجماعي الذي لم يسبق حدوثه منذ 65 مليون عام، ولكنني متفائل في حال قام البشر برد فعل مناسب وسريع، فنحن واجهنا مشاكلنا بالماضي بنجاح عندما عملنا معًا”. وهذه خلاصة ما يُمكن أن يُقال عن حقيقة ما يوجهه كوكب الأرض بسبب الإنسان. فهل يتعظ الإنسان أم يستمر في تلويث البيئة والقضاء عليها! هل سيصبح الإنسان ذكرى سيئة في تاريخ كوكب الأرض لتحل محله فصيلة أخرى مهيمنة على الكوكب في المستقبل القريب؟ أم سيقضي الإنسان على الكائنات الحية ويتمكن هو من الاستمرار في البقاء رغم كل التحديات البيولوجية والبيئية؟
الكاتب: أيمن سليمان
أضف تعليق