تُعتبر تجربة استنساخ الحيوانات المنقرضة واحدة من أهم التجارب التي تم التفكير بها في القرن التاسع عشر وتم تنفيذها بنجاح في القرن العشرين وما زال البحث جاريًا عن سُبل تطويرها في القرن الواحد والعشرين، فهي بالنسبة للعلماء الذين يقومون بها مسألة حياة أو موت، لأن إعادة أحد الحيوانات المنقرضة إلى الحياة من جديد ليست مُعجزة فحسب، وإنما كذلك بارقة أمل جديدة قد يُستفاد منها بشدة في الأجيال القادمة، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على تجربة استنساخ الحيوانات المنقرضة وهل هي تجربة حقيقية أثبتت نجاحها أم أنها مُجرد كلام نظري على الورق؟
محتويات
ما هو الاستنساخ؟
قبل أن نُسهب في مسألة استنساخ الحيوانات المنقرضة علينا أولًا التعرّف على عملية الاستنساخ بشكل عام، فعندما نرى شخص يُشبه شخص آخر، أو أي شيء يُشبه أي شيء آخر بشكل عام، فإن أول ما نصف به هذان المُتشابهان أنهما أشبه بنسخة، أما إذا كان هذان المُتشابهان يتطابقان بفعل فاعلٍ فإننا نُسمي ما حدث بعملية استنساخ.
ظهر الاستنساخ في فترةٍ مُتقدمة من التاريخ، لكن لم يكن يحمل المعنى الذي يحمله الآن، كما أنه لم يكن كذلك مُدعم بالأجهزة والتقنيات الحديثة التي تتوافر الآن أيضًا، كان مُجرد عملية بدائية، أول من نفذها الفراعنة، حيثُ كانوا يستنسخون شخصًا يُشبه الملك ويقومون بتصديره في حالة الخوف على الملك، كي يأخذ الأذى بدلًا منه، وبالتأكيد لم يكن ذلك الأمر يخضع لعمليات أو جراحات، وإنما كان يعتمد فقط على الشبه وبعض الخدع والحيل، لكن، مع تقدم الوقت، بدأ يظهر نوع جديد من الاستنساخ يُسمى باسم استنساخ الحيوانات المنقرضة.
استنساخ الحيوانات المنقرضة
ظهر مُسمى استنساخ الحيوانات المنقرضة مع كثرة الحيوانات المُنقرضة في هذا العالم، فبالرغم من أن الحيوانات تنقرض منذ ملايين السنين وبأعداد كبيرة جدًا إلا أن الانسان لم يكن يُعر هذا الأمر أي اهتمام، كان كل ما يعنيه في الأمر حياته فقط، لكن، مع تقدم الانسان وتطوره بدأ يُدرك أن حياة الحيوان والمحافظة عليها جزء من التوازن البيئي، وبالتالي جزء من حياته يجب المحافظة عليه مهما كلف الأمر.
الحديث عن استنساخ الحيوانات المنقرضة بدأ في القرن التاسع عشر، حيث كان الطب وقتها قد وصل إلى مرحلة تسمح بالتفكير في مثل هذه الأمور، لكنها في نفس الوقت لا تسمح بتنفيذها، لكن، مع القرن العشرين، ووصول الطب إلى مكانة أخرى مُختلفة تمامًا، أصبح السعي في استنساخ الحيوانات المنقرضة أمر شبه ضروري وحتمي.
دولّي، أشهر عملية استنساخ
مما لا شك فيه أن عملية استنساخ النعجة دولّي تُعد أشهر عمليات استنساخ الحيوانات المنقرضة في التاريخ، بالرغم من أنها لم تحدث سوى من فترة قريبة، وتحديدًا عام 1996، لكن الحقيقة أن تلك التجربة حققت نجاحًا باهرًا وأثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أنه يمكن استنساخ أي حيوان بعد موته.
كان هناك نوع من الماعز يُسمى الماعز البيرينّي، هذا الماعز من المرجح أنه قد انقرض نهائيًا في نهاية القرن التاسع عشر، لكن العلماء أردوا إعادته إلى الحياة من جديد فقاموا بأخذ بعض الأنسجة الموجودة في ضرع آخر فرد من أفراد الماعز البيريني المُنقرض، ثم قاموا بتجميدها وحفظها وإجراء كافة الأمور اللازمة حتى خرجت دولّي في النهاية، وكانت هذه أول تجربة في مجال استنساخ الحيوانات المنقرضة تُحقق نجاحًا ساحقًا، فقد خرجت تلك النعجة من رحم وأنسجة حيوان مُجمد، يُرجح أنه قد مات قبل مئة عام على الأقل.
فئران سليمة من الجثث
في عام 2010 قام علماء يابانيين بأول تجربة لعملية استنساخ الحيوانات المنقرضة في اليابان، حيث أحضروا جثة فأر نادر مُنقرض قبل ستة عشر عام وكانت جثته موضوعة في ثلاثة بحرارة تفوق العشرين درجة تحت الصفر، وعن طريق تلك الجثة تمكنوا من استخراج الأنسجة اللازمة وأجروا تجربة لتوليد فئران جديدة من نفس السلالة.
كانت التجربة أشبه بمحاكاة لتجربة النعجة دولّي التي أثبتت نجاحًا كبيرًا كما ذكرنا، والحقيقة أن تجربة استنساخ الفأر ما كانت لتنجح لولا أنها انتهجت نفس النهج الذي سارت عليه تجربة دولّي، ليتولد في النهاية فأر من نفس سلالة الفأر المُنقرض منذ ستة عشر عامًا، مُعتمدًا بذلك على أنسجة الفأر الميت، وقد أخضع اليابانيون هذه التجربة للدراسة مرة أخرى لبحث إمكانية استنساخ أنثى لذلك الفأر من أجل إعادة إحياء السلالة من جديد، ومن المتوقع نجاح التجربة الأخرى لسبب بسيط يتعلق بتطور الطب الياباني على مدار السبعة أعوام المنصرمة وتحقيقهم لنجاحات كبيرة في هذا المجال.
الماموث الصوفي، آخر الحيوانات المُستنسخة
إذا ما صح ما تم ترديده من قبل جامعة هارفارد في أبريل 2015 بأنه قد تم استنساخ حيوان الماموث الصوفي عن طريق بعض الخلايا الخاصة فإن هذه التجربة بالتأكيد تعني أننا أمام أعظم حالة في تجربة استنساخ الحيوانات المنقرضة بالتأكيد، هل تعرفون لماذا؟ لأن الماموث الصوفي قد انقرض قبل أربعين قرن!
يُعتبر الماموث الصوفي من أقدم الحيوانات وأكثرها شهرة في التاريخ، فهو حيوان يُشبه كثيرًا الفيل ويمتلك مُعظم الأشياء التي يمتلكها، إلا أنه قد تعرض للانقراض في ظروفٍ غامضة، هذا قبل أن يتم العثور على رفاته وبعض بقاياه في شرق أسيا نهاية القرن المنصرم، وقد يبدو هذا الأمر طبيعيًا، لكن، ما ليس طبيعي بالمرة أن تُعلن جامعة هارفارد في أبريل 2015 أنها قد تمكنت عن طريق هذه البقايا أن تستنسخ ماموث صوفي جديد، ومن المتوقع أن يتم الإفراج عن ذلك الحيوان بعد أن تكتمل التجربة، على كلٍ، يبقى هذا الأمر إن كان صحيحًا أشبه بمعجزة صغيرة ومُفاجأة سارة للبشرية.
لماذا يحدث الاستنساخ؟
قد يتعجب البعض من عملية استنساخ الحيوانات المنقرضة برمتها، وحجت هؤلاء في ذلك أن تلك الحيوانات قد انقرضت بالفعل، وبعضها مرّ عليه ملايين السنين، فما الحاجة إذًا إلى إعادتها للحياة من جديد؟ ما الدافع وراء ذلك؟ خاصةً وأن أغلب الحيوانات المنقرضة كانت في الأصل متوحشة وتتسبب في أذية الانسان، والإجابة على ذلك التساؤل ببساطة تكمن في أهمية الحيوان المنقرض، أيًّا كان نوعه وأهميته، في تحقيق التوازن البيئي، ذلك الشيء الغائب وإن استمر في الغياب فسوف يتسبب في كارثة لا أحد يعرف إلى أي حد يُمكن أن تصل.
بتفصيل أكثر، يجب أن ندرك جميعًا أن كل كائن على هذه الأرض هو الأصل جزء من التوازن البيئي بها، وغيابه يعني إحداث خلل بهذا التوازن، مثلما هو الحال مع النباتات والثمار النادرة، عمومًا، ليس علينا شيء سوى الانتظار وتقديم الدعم الكامل لهؤلاء الباحثين الذي يعملون في مجال استنساخ الحيوانات المنقرضة، وإن كنا قد جرّبنا غيابها عن الأرض، فلماذا لا نُجرّب وجودها فيها؟
أضف تعليق