تعتبر عملية استصلاح الصحراء أحد أهم العمليات الحديثة، والتي من شأنها زيادة مساحة الأراضي الزراعية التي يفتقر إليها البشر وقلة مساحة الأراضي الصحراوية التي لا قيمة لها، والحقيقة أن تلك العملية قد ظهرت الحاجة إليها مع تزايد أعداد البشر وقلة مساحة الأراضي الزراعية، والتي لم تعد كافية من أجل توفير الطعام لكل ذلك القدر من البشر، ولذلك تم التفكير في الطريقة الصحيحة لزيادة كميات الطعام، وهي زيادة مساحة الأراضي المزروعة بأنواع الطعام هذه، والواقع أن المساحات الشاسعة من الأراضي الصحراوية المستعدة لخوض تجربة الزراعة كانت سببًا كذلك في عمليات استصلاح الصحراء تلك، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على كل شيء يتعلق بعملية استصلاح الصحراء وأهم المشاريع أيضًا بهذا الصدد.
محتويات
استصلاح الصحراء
قبل أن تناول معًا أهم مشاريع استصلاح الصحراء، علينا أولًا التعرف على دهاليز العملية بأكملها، فالكرة الأرضية بشكل عام تتشكل أغلبيتها من البحيرات والمحيطات، أما اليابسة فهي الجزء الأصغر بها، وإضافةً إلى ذلك، تُشكل الصحاري الجزء الأكبر من اليابسة، ولا يتبقى من التربة الجيدة سوى مساحة صغيرة جدًا، وهي التي تُستخدم في عملية الزراعة.
كانت المساحة الصغيرة من التربة الصالحة للزراعة تكفي احتياجات البشر قديمًا، لكن مع الوقت، وزيادة أعداد البشر، وأيضًا تحويل أغلب الأراضي الزراعية إلى أرض قاحلة غير صالحة لأي شيء سوى المباني بما نسميه نحن عملية التصحر، كان لابد من اللجوء إلى مساحات الصحاري والاستفادة من كِبرها، ومن هنا بدأت عملية استصلاح الصحراء.
فوائد استصلاح الصحراء
عندما نتحدث عن مشروع عملاق مثل استصلاح الصحراء فإننا في البداية مُطالبون بالتعرف على فوائد هذا المشروع، فالبعض يعملون دون دراية بالفوائد الجمة التي ستتحقق من خلفه، أو على الأقل حين تُطالبهم بهذه المشاريع يُحجمون عليها بحجة أنها لن تُفيد في شيء، والسبب في كل ذلك بالتأكيد هو أنهم غير مطلعين على الفوائد، لذلك دعونا نتعرف معًا على أهم فوائد استصلاح الصحراء، والتي على رأسها بالتأكيد زيادة مساحة المعمور.
زيادة مساحة المعمور
إن أول ما ستسمعه عندما تطلب من شخص الذهاب للعيش في الصحراء أنها مجرد أرض جرداء لا زرع فيها ولا ماء، لذلك من الجنون أن يُفكر أي شخص في أن يعيش بها مهما كانت الأسباب، لكن، إذا تغيرت الظروف، وأصبحت الأرض بعد استصلاح الصحراء صالحة للعيش فإننا بذلك نكون قد أضفنا إلى مساحة المعمور نسبة كبير، وكما هو معروف، مساحة الأراضي الصحراوية تفوق بثلاثة أضعاف مساحة الأراضي العادية، أي أننا إذا أخذنا طريق ذلك المشروع لفترة من الوقت فستصبح مساحة الأراضي الزراعية الصالحة للعيش هي نفس مساحة الأراضي الصحراوية أو تزيد عنها، وهو إنجاز ما بعده إنجاز ونصر حقيقي للأجيال القادمة التي لن يسعها بالتأكيد المساحات القليلة الموجودة حاليًا.
حل مشكلة التكدس
لنفس المبرر السابق، ثمة مشكلة كبرى تواجه بعض الدول، ومنها الدول العربية التي على رأسها مصر، وهي مشكلة التكدس، حيث أن السكان يعيشون في مساحة لا تزيد عن عشرة بالمئة من إجمالي مساحة الأرض، في حين أنهم يتركون باقي المساحة خاوية، وهي تلك التي تتمثل في الصحراء الغربية والصحراء الشرقية، والحقيقة أنه في السنوات الأخيرة أُقيمت بعض المشاريع التي أحيت هذه الصحاري مرة أخرى، وذلك مثل مشروع توشكى الشهير، ومن المتوقع كذلك أن تشهد السنوات القادمة عدة مشاريع أخرى من شأنها استصلاح الصحراء وحل مشكلة التكدس العويصة.
زيادة الإنتاج الزراعي
عندما نريد أن ننقص من مساحة الأراضي الصحراوية فإننا لا نقصد بذلك زيادة المساحة القابلة للبناء فقط، وإنما أيضًا نحن نستهدف حدوث زيادة في مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، وهو الأمر الأهم بالمناسبة، لأنه بالنسبة للمساحة فإن التوسع الأفقي حل قائم وموجود، لكن فيما يتعلق بالإنتاج الزراعي فإن عدم وجود أراضي زراعية كافية يعني موت عدد لا بأس به من البشر، فالزراعة هي الحياة، وإذا كنتم ستسلبون الحياة بدعوى عدم الاقتناع بفكرة مشاريع استصلاح الأراضي الزراعية فأنتم بذلك لا تستحقون هذه الحياة، والحقيقة أننا لا يجب أن نغفل حقيقة هامة، وهي أن استصلاح الأراضي الصحراوية من أجل الزراعة لا يعني زيادة الأرض الصالحة للزراعة فقط، وإنما في نفس الوقت مضاعفة الإنتاج الزراعي.
المساهمة في الناحية الاقتصادية
عندما تزيد مساحة الأراضي الصالحة للزراعة فإنه في نفس الوقت تحدث زيادة في المنتجات المزروعة، وعندما تزداد المنتجات المزروعة يُصبح لدينا فائض صالح للتصدير، ووجود فائض صالح للتصدير يُسهم في زيادة الدخل القومي وبالتالي المساهمة في تنمية الناحية الاقتصادية، كل هذا بدأ بنواة صغيرة جدًا، وهي استصلاح قطعة من الصحراء الجرداء التي من المفترض أن الأمل قد فُقد بها، والحقيقة أنه بالرغم من صغر المساحة التي تم استصلاحها حتى الآن إلى أن الفوارق التي حدثت في الاقتصاد تُبرهن على أن القائمون على هذه المشاريع يسيرون في الطريق الصحيح ويُحققون الأهداف المرجوة كاملة، والآن بالطبع ليس مطلوب سوى المتابعة في نفس الدرب.
خطوات استصلاح الصحراء
عندما تنوي القيام بعملية استصلاح الصحراء فيجب أن تعلم بأن الأمر ليس سهلًا بالمرة، وإنما أنت مقبل على المرور ببعض الخطوات التي هي في الحقيقة خطوات في غاية الأهمية، والواقع أنها قد تبدو مكلفة بعض الشيء خاصةً مع المساحات الكبيرة المراد استصلاحها، لكن في النهاية تكون النتائج جيدة ومُرضية، أما الخطوة الأولى والأهم في عملية الاستصلاح هذه فهي تتمثل في تفتيت التربة وإزالة الصخور.
تفتيت التربة وإزالة الصخور
الخطوة الأولى في استصلاح الصحراء، والتي تكون في الأصل العائق الأهم أمام الاستصلاح، هي الصخور، والحقيقة أن أول ما يبدأ به المُستصلحون باستخدام معداتهم الحديثة هو تفتيت تلك الصخور وإزالتها كي يُصبح كل شيء متاح للخطوة الثانية والتي لا تقل أهمية عن الخطوة الأولى، وهي إنشاء المصارف.
إنشاء المصارف
عملية إنشاء المصارف في الأصل يُقصد بها التمهيد لتهوية النباتات، حيث أن المصارف تفتح المساحة لفعل ذلك الأمر، فبفرض أننا قمنا بزراعة تلك التربة فإنها بدون المصارف لن تكون صالحة للزراعة، حتى ولو كانت تلك الأرض شديدة الخصوبة، وعمومًا، تُستخدم الحفارات القوية في تنفيذ ذلك الأمر على أكمل وجه.
العمل على الوظائف الفيزيائية
كي تكون التربة الصحراوية بعد عملية استصلاح الصحراء صالحة للزراعة أو الاستخدام بشكل عام فإن ثمة بعض الوظائف الفيزيائية التي يجب أن تكون موجودة وعدم توافرها هو ما يجعل التربة العادية تختلف كثيرًا عن التربة الصحراوية، ومن أهم المواد التي تُضاف وتُعطي وظائف فيائية الرمال أو مُثبتات التربة.
غسل التربة
عندما تكون التربة صحراوية فإنها لا تكون صالحة للزراعة أو أي غرض آخر، هل تعرفون لماذا؟ ببساطة لأنها تحتوي على نسبة كبيرة من الأملاح تُعيق عملية الزراعة، ولكي نتخلص من هذا العيب الخطير فإننا بعد استصلاح الصحراء مباشرةً بعمل عملية غسل للتربة وتخليصها من الأملاح وما شابه من مُعيقات، وتُسمى هذه العملية بالغسل لأنها تُعيد الأرض إلى نقاءها وطبيعتها الأولى، تلك الطبيعة التي تجعلها قابلة لأي تفاعل يحدث بداخله، وأقل هذه التفاعلات هي الزراعة، والتي ذكرنا أنها لم تكن لتتاح لولا عملية غسل التربة.
مشاريع استصلاح أخرى
استصلاح الصحراء ليست العملية الوحيدة التي تسعى الدول إليها من اجل مواجهة قلة مساحة الأراضي الزراعية، فهناك الكثير من العمليات التي تتم في الأراضي الجبلية والملحية، ويجب ألا نغفل كذلك بأن الهدف من استصلاح الأراضي لا يكون دائمًا استخدام الأراضي المُستصلحة في الزراعة، وإنما يُمكن أن تُستخدم في أغراض أخرى.
استصلاح الأراضي الملحية
المقصود بالأراضي الملحية الأراضي التي تقع في ناطق ساحلي أو بحري، أما مياه الأنهار والآبار والعيون فهي لا تندرج تحت هذا الاسم، فالفارق بين المياه المالحة والمياه العزبة هو نفس الفارق تقريبًا بين الأراضي الصحراوية الغير صالحة للزراعة والأراضي الزراعية القابلة لهذا الغرض، وأيضًا هناك تضخم في مساحة الأقل فائدة بين الاثنين، عمومًا، يتم استصلاح الأراضي الملحية، أو البحرية
استصلاح الأراضي الجبلية
استصلاح الجبال كذلك يمكن أن تكون مشاريع هامة في عملية الاستصلاح الشاملة، وقد يتخيل البعض أن الجبال موجودة في الأرض من أجل تثبيتها فقط وليس لها أي فائدة أخرى، والحقيقة أن ذلك الأمر خاطئ تمامًا، فقد ثبت أن ثمة بعض أنواع الجبال الجليدية أو الجبال الالتوائية التي تكون بجوارها أفضل الأراضي القابلة للزراعة، فهي تتمتع بقدر كبير من الخصوبة، لكن الناس لا يقتربون منها بالأساس ويخشون وقوع بعض الظواهر الطبيعية كالزلازل وما شابه، وبالتالي التأثير على ما زرعوه هناك، والواقع أنهم يمتلكون الحق في ذلك، لكن نسبة الأمان بالطبع تفوق نسبة المخاطرة، وعمومًا، إذا تكاتفت مشاريع استصلاح الصحراء مع مشاريع استصلاح الأراضي الملحية والجبلية فإننا بذلك نكون قد قمنا بثورة إصلاح كاملة للأرض، وهو حلم يراود الكثيرين بالطبع.
استصلاح الصحراء والبيئة
الجانب الهام الذي يجب تناوله عندما نتحدث عن أي عملية تتعلق بالبيئة هو الجانب المتعلق بتأثير العملية على البيئة، والحقيقة أننا إذا ما قمنا بتطبيق ذلك الأمر على عملية استصلاح الصحراء فسنجد أن البيئة لم تتأثر سلبيًا في شيء، وإنما جنت الكثير من الخيرات، فمثلًا عندما نتحدث عن زيادة المساحة الخصبة الصالحة للزراعة فإننا نتحدث في نفس الوقت عن زيادة معدلات الأكسجين في الهواء وامتصاص المزيد من ثاني أكسيد الكربون، وهو أقصى ما يتمناه أي مُنتمي للبيئة، ولذلك تُعتبر عملية الاستصلاح خادمة جدًا للبيئة.
هناك من ينظر لنفس العملية السالف ذكرها نظرة أخرى ويعتقد بأن ما يحدث من استصلاح وإصلاح ما هو إلا عبث بالطبيعة، فالطبيعة هي وجدناه على طبيعته بهذه الأرض، ومنذ قديم الأزل والصحراء كما هي صحراء، فلماذا إذًا نسعى لإكسابها لخواص أخرى لم تمنحها له الطبيعة؟ هكذا يعتقد البعض وهكذا بنوا رأيهم حول عدم خدمة مشاريع استصلاح للبيئة وإنما عودتها بالضرر عليها.
ختامًا
يجب التأكيد في الختام على أن ما تم تناوله خلال الكلمات الماضية ليس وجهة نظر وإنما معلومات ودلائل تؤكد أن المستقبل بأكمله لأولئك الذين يسعون لاستصلاح الصحراء لمواجهة الانكماش الذي يحدث للأراضي الزراعية العادية، وأننا إذا كنا لن نعاني من توابع انكماش التربة الخصبة فإن الأجيال القادمة هي التي ستتذوق كأس المرار جراء إهمالنا للأمر.
أضف تعليق