تسعة بيئة
اتفاقية بازل
بيئة » التلوث » اتفاقية بازل : هل ساعدت اتفاقية بازل على حماية البيئة ؟

اتفاقية بازل : هل ساعدت اتفاقية بازل على حماية البيئة ؟

تعد اتفاقية بازل واحدة من الاتفاقيات البيئة ذائعة الصيت، نلفي نظرة سريعة هنا على هذه الاتفاقية، وعلى دورها في حماية البيئة منذ إقرارها في 1989.

مرت عقود طويلة حتى أدركت دول العالم حاجتها إلى معاهدة دولية مثل اتفاقية بازل للحد من المخاطر البيئية والصحية التي تتسبب فيها النفايات الخطرة بمختلف أنواعها، خاصةً أن المتضررين منها هم شعوب فقيرة غير قادرين على إصلاح الأضرار الخطيرة الناتجة، وبعد مرور سنين على تفعيل الاتفاقية وتصديق أغلب دول العالم عليها تضاءلت الآثار أضعافًا مضاعفة لتصبح المشكلة الآن موجودة على نطاق ضيق، لذا فإنها إحدى الاتفاقيات الهامة والتي حققت بالفعل نجاحًا فعالاً في الحفاظ على البيئة وصحة البشر.

اتفاقية بازل ودورها التشريعي

ما هي اتفاقية بازل ؟

تمت الاتفاقية في مدينة بازل في سويسرا في 22 مارس 1989 وتم تطبيق بنودها بشكل كامل في 5 مايو 1992، وهي تعني بتقييد وضبط نقل المخلفات الخطرة والحد من تأثير العولمة الذي ساهم في إضرار الدول الفقيرة حيث أنها كانت صاحبة النصيب الأكبر في نقل المخلفات إليها، لذا فإنها تسعى إلى تنظيم النقل وفي نفس الوقت تقييده وتقليله والعمل على تطوير البحث العلمي لتقليل المشاكل البيئية المترتبة على النفايات سواء كانت نفايات نووية أو إلكترونية أو صناعية أو حتى رماد الحرائق أو غيرها.

ما هي الأسباب التي أدت إلى ظهور الاتفاقية؟

لطالما تأخرت الشعوب في إدراك التأثيرات الصناعية التي بدأت تزيد بشكل كبير بعد عقود منذ تفجر الثورة الصناعية في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وظلت الدول تتعامل مع النفايات الخطرة باعتبارها أمر عادي له حلول سهلة، حيث أن الدول المتقدمة (وهي التي تملك النصيب الأكبر من النفايات الخطرة بسبب تقدم الصناعة) اعتادت على نقل مخلفاتها المدمرة إلى دول أوروبا الشرقية والدول الأفريقية على وجه الخصوص بالإضافة إلى الدول الفقيرة والنامية الأخرى، ولكن بعد ظهور عمليات ضخمة ومتعمدة من قبل الدول الكبرى في تسريب المخلفات إلى سواحل الدول الأخرى أو دفن المخلفات في أراضيها فقد أبدت بعض الدول استيائها من الوضع الغاشم وساندت المنظمات البيئية هذا الرفض، وتحديدًا خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم تطور الشجب والرفض إلى مفاوضات بين قادة الدول لتتكرر الاجتماعات حتى تمت الاتفاقية.

حادثة سفينة بحر خيان

في 31 أغسطس 1986 انطلقت سفينة ضخمة اسمها بحر خيان وهي تحمل حوالي 14.000 طن من الرماد الناتج عن حرق النفايات المكدسة في مدينة فيلادلفيا التابعة لولاية بينسيلفانيا الأمريكية، وقبل ذلك قد اعتادت المدينة الضخمة على إرسال النفايات إلى نيو جيرسي لكن الولاية رفضت استقبال أية كميات أخرى من النفايات بعد سنة 1984، لذا فإنه تم تكليف شركة تدعى جوزيف باولينو وأبناؤه بمهمة نقل النفايات إلى دولة أخرى، وأول ما فكروا فيه هو نقلها إلى جزر الباهاما لكن الحكومة رفضت بشكل قاطع وبدون مفاوضات، وفي خلال الشهور الستة عشر التالية حاولت السفينة نقل النفايات إلى أية دولة تقبل بالمبلغ المالي الذي عرضته مقابل نقل النفايات إليها، فحاولت مع هندوراس وبنما وبرمودا وجمهورية الدومينكان ودول أخرى لكنهم جميعًا رفضوا، وفي يناير 1988 أغرق طاقم السفينة حوالي 4.000 طن من النفايات بالقرب من دولة هاييتي وخدعوا السلطات بإخبارهم أن ما أغرقوه هو عبارة عن سماد فقط، لكن منظمة السلام الأخضر حصلت عن طريق مصادر خاصة على المعلومات الصحيحة وأخبرت حكومة هاييتي بالحقيقة، فأمر وزير التجارة طاقم السفينة بإعادة تحميل الحمولة على السفينة لكن الطاقم رفض وأسرعوا بالهرب، وحاولت السلطات تنظيف السواحل من النفايات لكنهم لم يتموا العملية بالشكل المطلوب.

سفينة بحر خيان تحولت إلى سفينة بيليشيانو

بعد فشلها في إغراق كل الحمولة حاولت السفينة نقل حمولتها إلى السنغال أو المغرب أو سيرلانكا أو سنغافورة لكن كل السلطات رفضت، وكي تستطيع السفينة محو ماضيها قامت بتغيير اسمها إلى فيليشيا ثم غيرت الاسم إلى بيليشيانو، ولكن هذا لم يساعد بصورة كاملة في التمويه، وعندما أبحرت السفينة من سنغافورة إلى سريلانكا أغرقت بقية الحمولة في الطريق وذلك في نوفمبر 1988، وقد رفض طاقم السفينة التعليق عما حدث لكن قبطان السفينة صرح فيما بعد أنهم أغرقوا العشرة آلاف طن المتبقية في المحيط الأطلنطي والمحيط الهادي، وبعد ذلك تمت محاكمة مسئولين في الشركة المتعهدة بالعملية.

حادثة كوكو

في سنة 1988 أبحرت سفينة إيطالية كانت تحمل نفايات خطرة مكونة من 8.000 برميل وتم إغراقها في مدينة صغيرة تدعى كوكو في نيجيريا مقابل مبلغ زهيد جدًا تدفعه الشركة المتعهدة كل شهر، ونيجيريا هي من الدول التي اعتادت على تلقي النفايات الخطرة بسبب الفقر المستمر وضغوط الدول الكبرى عليها، لكن بعد اتفاقية بازل أصبحت مثلها مثل الدول الأخرى.

الدول الرافضة للاتفاقية

عند توقيع الاتفاقية في سنة 1989 وقعت أكثر من 100 دولة على الاتفاقية، ومع حلول شهر نوفمبر من سنة 2016 انضمت أغلب دول العالم إلى الاتفاقية باستثناء الولايات المتحدة التي وقعت مؤخرًا على اتفاقية بازل لكنها لم تصدّق على بنودها، وهي الدولة الوحيدة التي قامت بهذا بالإضافة إلى دولة هاييتي بالرغم من أنها عانت كثيرًا من النفايات الخطرة وخاصةً نفايات أمريكا وقد صرحت منظمات بيئية بأن هناك ضغط أمريكي على هاييتي التي تعتبر من أفقر دول العالم لمنعها من التصديق على الاتفاقية.

ما هي الأهداف التي ترمي إليها الاتفاقية؟

تتلخص أهداف اتفاقية بازل الرئيسية في تقييد حركة نقل المخلفات وإجبار الدول على اتخاذ كافة الاحتياطات المراعية للبيئة والصحة، وكذلك تقليل كمية المخلفات الخطرة نفسها وتطوير إدارة التعامل مع المخلفات مهما كان مكان التخلص منها، بالإضافة إلى تشكيل غرف عمليات متخصصة في جمع المعلومات لاختيار الأماكن الأقل تضررًا ليتم فيها التخلص من النفايات.

حلول جديدة

هناك الكثير من الآثار التي ترتبت على اتفاقية بازل والاتجاه الجديد الذي اتجهت نحوه الدول في سبيل تطوير البحث العلمي والبحث عن حلول علمية للتخلص من مشكلة النفايات الخطيرة، ومن أحدث الاكتشافات في هذا الصدد نجد فريق علماء بريطاني من جامعة بريستول استطاع التوصل إلى طريقة تمكننا من تحويل المخلفات النووية بالغة الضرر إلى بطاريات واستغلالها كمصدر للطاقة، وبهذا نتمكن من ضرب أكثر من عصفور بنفس الحجر، فأولاً سنتخلص من النفايات النووية وسنولد الطاقة وسنعمل على توطيد استخدام الطاقة النظيفة، وذلك من خلال التغليف المحكم للمواد المصدرة للإشعاعات في قوالب من الألماس، لكن حتى الآن لم تظهر التطبيقات الفعلية لهذه الطريقة المفيدة.

خاتمة

التحديات البيئية التي يواجهها عالمنا في الألفية الجديدة هي تحديات بالغة الصعوبة، لكن وجود مبادرات أثبتت نجاحها على أرض الواقع مثل اتفاقية بازل يعطينا المزيد من الأمل في أنه بإمكان البشر التكاتف مع بعضهم البعض من أجل مواجهة تلك التحديات، فأغلب دول العالم قد وقعت على الاتفاقية بالرغم من أن هذا يعارض مصالح اقتصادية كبيرة للدول المتقدمة، لذا فإن الأمل موجود دومًا، وأيضًا هذه المبادرات أثبتت أن الإنسان يستطيع البحث عن حلول جديدة لتفيده في التخلص من مشاكله وفي نفس الوقت إفادته مثلما استعرضنا فكرة تحويل النفايات الخطرة إلى طاقة، فمن خلال التعاون والوعي البيئي والبحث العلمي سيستطيع البشر النهوض بالبيئة إلى الأمام.

علي سعيد

كاتب ومترجم مصري. أحب الكتابة في المواضيع المتعلقة بالسينما، وفروع أخرى من الفنون والآداب.

أضف تعليق

ثمانية + 12 =