تسعة بيئة
التسمم بالرصاص
بيئة » التلوث » أخطار التسمم بالرصاص على البيئة والصحة وكيفية منعها

أخطار التسمم بالرصاص على البيئة والصحة وكيفية منعها

مرض التسمم بالرصاص مرض خطير ينبع من التعرض لأي مادة مخلوطة بالرصاص أو مُتأثرة بها، وقد يكون ذلك الأمر عن الطريق الطعام والشراب والهواء الموجود حولنا.

يُعتبر مرض التسمم بالرصاص أحد أهم الأمراض الكارثية التي نتجت عن استخدام الرصاص في حياتنا، فبالرغم من أن الرصاص له عدة فوائد إلا أن أضراره تفوق بكثير هذه الفوائد، فيكفي أن نقول مثلًا بأنه في بعض الحالات قد يُوقف الرصاص الأوعية الدموية ويتسبب في تشنج ومن ثَّم موت مُفاجئ، ناهيك عما يحدث للأطفال وما يعانون منه بسبب هذا السم الموجود في كل مكان حولنا، بما في ذلك الطعام والشراب والماء والهواء، حتى أولئك الذين يعملون في صناعة الرصاص بأي شكل من الأشكال مُعرضين للإصابة بذلك التسمم لمجرد الاحتكاك بمخالفات المادة المُصنعة، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على مرض التسمم بالرصاص وأخطاره على البيئة وصحة الإنسان، والأهم من كل ذلك بالتأكيد هو التعرف على طرق العلاج من ذلك التسمم ومنعه.

التسمم بالرصاص وعلاجه

عندما ترتفع النسبة الموجودة في الجسم من الرصاص فإننا بذلك نكون معرضين للإصابة بمرض التسمم بالرصاص، والحقيقة أن الكارثة الأكبر في هذا المرض هي أن النسبة قد ترتفع لأسباب بسيطة جدًا ربما يعتقد البعض أنها غير كافية حتى للإصابة بمرض الزكام، لكنها بالعكس تمامًا تُحيل حياة المُصاب بالتسمم إلى جحيم، فنحن بالطبع لن نضع رقابة على الهواء حولنا ونمنع بعضه ونأخذ بعضه، لكن هنا تكمن المشكلة، فلأسباب بسيطة قد يقتحم الرصاص الجسم عن طريق التسمم، وكذلك الأطعمة والأشربة لا تستطيع مقاومة التسمم في أوقات اشتداده.

منظمات الصحة العالمية والأمم المتحدة شددا على خطورة التسمم بالرصاص أكثر من مرة، بل إنهما قد أدرجا مادة الرصاص ضمن المواد المُثيرة للقلق، والتي يجب مراعاة صحة الأطفال والعمل عند استخدامها، لكن، بفرض أن الأمور السيئة حدثت، وأنه ثمة تسمم بالرصاص فعلًا، فما هو العلاج الأمثل له؟ الإجابة ببساطة شديدة تبدأ من بعد إجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة، والتي ستكشف لنا بكل تأكيد وجود التسمم بالرصاص والطريقة المناسبة للتخلص منه.

كيفية التخلص من الرصاص في الجسم

عندما تُظهر التحاليل إصابة شخص بهذا التسمم الخطير فإننا في هذه الحالة مجبرين على توجيه سؤال آخر لا يقل أهمية، وهو في الحقيقة يتعلق بنوعية هذا التسمم فهناك التسمم الحاد والتسمم المزمن، وبالتأكيد ثمة طريقة معينة للتخلص من كل نوع منهما، ولنبدأ مثلًا بطريقة التخلص بمرض التسمم بالرصاص الحاد.

التخلص من التسمم الحاد

أول شيء يفعله أي طبيب وقت اكتشافه إصابة المريض بالتسمم الحاد هو إجراء غسيل معدة شامل، ثم يركز بعد ذلك على تنشيط الدورة الدموية من خلال بعض الأدوية، والتي تعمل في نفس الوقت على ترسيب الرصاص في أماكن تبتعد عن المعدة مثل العظام، ثم يأتي دور فيتامين د وحقن الكالسيوم، أما في حالة وجود التشنجات وأعراض أخرى فإن الحبوب المُهدئة هي الحل الأول في هذا الوقت.

التخلص من التسمم المزمن

التسمم المزمن بالرصاص ينشأ غالبًا عند التعرض الدائم للمواد المخلوطة بالرصاص، وتكون هذه الحالة قائمة أكثر فيما يتعلق بالعمال الذين يعملون بالمصانع المشتغلة بالرصاص، والحقيقة أن هؤلاء لا يحتاجون إلى فحوصات من أجل التأكد من وجود التسمم، بل إن إصابتهم أمر شبه مُسلّم به، لذلك تُتخذ بعض الاحتياطات الاستباقية مثل حقن الكالسيوم والإكثار من تناول لتر من الحليب على الأقل يوميًا، وهناك أيضًا بعض الأدوية التي تتولى مهمة تجميع التسمم وإفرازه عن طريق البول، وبالطبع يكون كل ذلك تحت إشراف فريق طبي يتم انتدابه من قِبل المصنع المُشتغل بالرصاص.

أعراض التسمم بالرصاص

هناك بعض الأشخاص الذين يُصابون بمرض التسمم بالرصاص دون أن يشعروا به، بل إنهم قد يعتقدون أنهم يُعانون من أمراض بسيطة وليس مرض خطير بحجم ذلك المرض، والحقيقة أن ذلك اللبس يحدث بسبب تشابه الأعراض الخاصة بالتسمم مع بعض الأعراض التابعة لأمراض أخرى، كالقيء والغثيان والضعف العام والشحوب.

آلام البطن كذلك يجب أن تُوضع في الاعتبار، فهي تُعد بادرة وبداية تسمم بالرصاص، خاصةً إذا طال وقتها وتكررت بشكل مستمر ولم يكن لها أي سبب آخر، وربما تكون هذه الأعراض أخف وطأة بكثير من أعراض مثل التشنج ونوبات الشلل، والتي يمكن أن تنتهي بالموت لو لم يتم إنقاذ المُصاب.

أضرار الرصاص

إذا ما تحدثنا عن التسمم بالرصاص وأضراره فإننا بذلك مجبرون عن التطرق لثلاثة أفرع لذلك الضرر، أولها التسمم بالرصاص عند الكبار، وثانيها التسمم بالرصاص عند الأطفال، وثالثها أضرار الرصاص على البيئة بشكل عام، وبالتأكيد كل فرع من هذه الفروع الثلاثة يشغل قدرًا كبيرًا من الأهمية لأنه يُظهر جانبًا لذلك السم الأسود، ولنبدأ مثلًا بأضرار الرصاص بالنسبة للكبار.

التسمم بالرصاص عند الكبار

عندما يضرب الرصاص جسم الكبار فإنه لا يرأف بهم على الاطلاق، والحقيقة أن أول ما يستهدفه ذلك السم الأسود هو الدم وضغطه، حيث يعمل على رفع ضغط الدم إلى الحد الذي قد يجعل المتعرض للأمر يُصاب بتصلب في الشرايين تليها أزمة قلبية قاتلة، كل ذلك بسبب زيادة نسبة الرصاص الموجودة أصلًا في الجسم، لكن الأضرار لا تتوقف عند ذلك الحد، بل إن خلايا المخ والجهاز العصبي كذلك يُعانون من التصلّب والضمور والإضرابات، وكذلك الجهاز الهضمي المتمثل كما نعرف في المعدة، بمعنى أدق، يحصل التدمير الشامل الذي يطال أغلب الأعضاء.

أضرار الرصاص بالنسبة للكبار كما نراها مُدمرة، لكنهم يبقون في غنى أنها أو أقل تعرضًا لها بالمعنى الأدق، أما الذين يعانون فعلًا ويُصبحون فريسة سهلة لهذا التسمم فهم الأطفال، والذين يُصابون بعدة أنواع من الاضطرابات.

التسمم بالرصاص عند الأطفال

يستهدف التسمم بالرصاص تدمير كل شيء حي في الأطفال، أو على الأقل إصابته بحالة شديدة من الاضطراب، حيث تكون البداية من السلوك، والذي يتغير فجأة ويُصبح أكثر حدة لدى الأطفال المُصابين بالتسمم، يليه اضطراب السمع، والذي ربما لا يكتشفه الأطفال من الوهلة الأولى أو يربطون بينه وبين التسمم، ليتفاقم الأمر أكثر ويصل الاضطراب إلى التعلم والفهم، فيُصبح المستوى الإدراكي الخاص بالطفل ضعيف للغاية، لكن كل ما مضى لا يعني شيء مُقارنةً بالاضطراب الأخير والأهم، وهو اضطراب النمو، تخيلوا أن يُصبح الأطفال غير مُلمين بحركة نمو طبيعية بسبب ذلك الرصاص اللعين! إنه الجحيم بالتأكيد ولا شيء غيره.

أضرار الرصاص على البيئة

ربما لا يعرف البعض أن أضرار الرصاص على البيئة أكثر بكثير مما هي على الإنسان، وإن كان الإنسان بالتأكيد هو العنصر الأهم في هذه البيئة، لكن ما نعنيه أن الإنسان مُعرض للإصابة بتسمم الرصاص وفي نفس الوقت قد ينجو من ذلك الأمر، أما البيئة فهي هالكة لا محالة، لأننا ببساطة إذا تحدثنا عن عوادم السيارات فسنجد أن ما يتسبب بها في الأصل هو الرصاص الذي يتم إضافته على البنزين، وربما يُمثل هذا الأمر مفاجأة لكم بكل تأكيد لكن هذه الحقيقة، أجل، إن ما يجعل عوادم السيارات بكل هذا السوء هو أن البنزين بها المُستخدم يُخلط بالرصاص.

هناك ضرر آخر على البيئة لا يُنتبه إليه أيضًا ويكون الرصاص هو السبب الأول والرئيسي فيه، ذلك الضرر يتعلق بصورة أو بأخرى بالمواد المُستخدمة في أحبار طباعة الجرائد، تلك الجرائد التي نستخدمه للأسف في تغليف الطعام وبعض الأشياء الهامة، وما أن يتحلل ذلك الحبر المخلوط بالرصاص حتى تفوح منها مجموعة من الأضرار والمشاكل الصحية، كما أن رائحته التي يلاحظها أغلب الناس تتسبب في بعض المشاكل للبيئة أيضًا.

تحليل الرصاص بالدم

بسبب انتشار حالات التسمم بالرصاص في الآونة الأخيرة، وبسبب حدوث ذلك الأمر بشكل مفاجئ دون أي مُقدمات أو أعراض طويلة، فإن الأطباء باتوا ينصحون مرضاهم الآن بإجراء تحليل الرصاص بالدم للاطمئنان على صحتهم، والحقيقة أن ذلك الأمر يتم بشكل دوري مدته ستة أشهر على الأكثر، وقد نصح الأطباء بذلك التحليل وأكدوا على أنه لا يضر بأي شخص مهما كانت حالته، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا أو امرأة أو حامل أو مُشتغل بأي حرفة خطيرة، أما عن النتائج السليمة التي يمكن الجزم بعدها بخلو الجسم من الرصاص السام فهي نسبة تكون أقل من عشرين ميكروجرام لكل الفئات.

التسمم بالرصاص وفقر الدم

ذكرنا من قبل أن المستهدف الأول لذلك التسمم الملعون هو الدم، فهو يسبب ارتفاع في ضغطه أو فقر فيه، وبالطبع كلا الأمرين يضران بالمريض، فالدم في الجسم له درجة ضغط معينة لا يجب أن ينقص أو يزيد عنها، لكن إذا ما حدث ذلك الفقر فيجب الاطمئنان إلى أن الأدوية الموجودة لمعالجة ذلك الأمر على أتم استعداد له، وكذلك حالة الارتفاع في الضغط، لكن في نفس الوقت يجب ألا يركن المُصابين بذلك العرض إلى كونه أمر طبيعي، بل هو خطير جدًا في حالة التطور ويُسبب ما يُسبب من أزمات قلبية وتشنجات وأشياء أخرى تؤدي إلى الوفاة.

التسمم بالرصاص والتوحد

الخطورة التي لم نذكرها لداء التسمم بالرصاص هي إمكانية إصابة المريض بأعراض التوحد، لا نقول التوحد لأنه أمر مُختلف تمامًا عما نعنيه، والحقيقة أن احتمالية تتطور الأعراض الخاصة بالتسمم إلى التوحد احتمالية ضعيفة جدًا، لدرجة أن البعض لا يُصدق أن آثار التوحد التي تظهر هذه الأثناء تكون بسبب التسمم بالرصاص، لكن على كلٍ يُمكن التفريق بين التوحد الطبيعي والتوحد العرضي المصاحب للتسمم بالرصاص عن طريق زيارة الطبيب

دخول قلم رصاص في الجلد

في كل ما سبق كنا نتحدث عن الرصاص عندما يتلون علينا ويختبئ داخل الأطعمة والأشربة، بمعنى أدق، كنا نبحث عن ذلك الرصاص الهارب البحث عن مكان آمن للاختفاء، وفي سبيل ذلك يُمكنه ارتكاب أي نوع من أنواع الخداع حتى ولو وصل الأمر إلى التشبه ببعض المواد الأخرى، لكن الآن الأمر يختلف، فنحن نتحدث عن الرصاص الذي يأتي إلينا مباشرةً ويوجهنا دون خوف، إنه ذلك الرصاص الموجود في القلم الرصاص.

قلم الرصاص لا يحتاج إلى شرح، فهو قلم خشبي بداخله مادة من الرصاص على شكل سن، والحقيقة أن البشر، وخاصةً الأطفال منهم، يضطرون إلى التعامل مع ذلك القلم، فهم يكتبون به في المدرسة وفي كل مكان، وقد يحدث أحيانًا أن ينفلت سن ذلك القلم ويدخل في الجلد دون قصد، وفي هذه الحالة يجب أن ندرك أننا سنعاني من نفس ما نعاني منه عند دخول الرصاص المبطن داخل أجسامنا، الفارق الوحيد أننا هنا نراه ونعرف مكانه وقادرين على إخراجه بسهولة، وبالمناسبة، يُنصح في هذه الحالة التوجه فورًا إلى الطبيب وإزالة السن الرصاصي قبل مرور أربعة وعشرين ساعة مثلًا.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

20 + 2 =