الساعة البيولوجية : لماذا توجد في أجسامنا وكيفية التعامل مع اختلالها
إن الإلمام بمفهوم الساعة البيولوجية وفهم ذلك فهما صحيحا يمكن الإنسان من العمل على ضبط جسمه بالشكل الذي ينبغي؛ فالأمر يتعلق بالصحة ويؤثر عليها بالإيجاب؛ في حال سار الأمر طبيعيا؛ أو بالسلب؛ لو كان هناك خلل ما.
الساعة البيولوجية هو ذلك الجهاز الرباني الذي يقوم بتنظيم حياتك وأقلمة جسمك على العمل طوال النهار والراحة خلال الليل. والحقيقة أنه على الرغم من أن الساعة البيولوجية تعمل بشكل معين حدده الخالق، إلا أن هناك بعض الأخطاء التي يقع فيها البشر تتسبب في قلب الليل والنهار لديهم وحدوث اضطرابات في الساعة البيولوجية؛ وينتج عن ذلك عدم تجديد خلايا جسم الإنسان؛ الذي يتم عند النوم ليلا، وحدوث الكثير من المشكلات الصحية. ومن خلال هذا المقال نقدم لكم أهم ما يتعلق بالساعة البيولوجية؛ فتابعوا القراءة.
جدول المحتويات
معنى مصطلح الساعة البيولوجية
يقصد بالساعة البيولوجية في جسم الإنسان هو ذلك الجهاز الذي يقوم بتنظيم حياة الإنسان وتكييفه مع الجو المحيط به منذ مولده؛ بحيث يستطيع التمييز بين الليل والنهار، ويتمكن من أداء مهام النهار في وقت النهار ومهام الليل في وقت الليل. ولو وقفنا على أن الإنسان هو مخلوق من مخلوقات الله؛ له طبيعة معينة يعلم بها الخالق منذ خلقه، سندرك بالطبع أن الخالق هو من وضع النظام الذي يسير به جسد المخلوق. ولكي نبسط الصورة، علينا أن نتخيل أن هناك شخصا ما قام باختراع جهاز معين؛ وبالطبع هذا الشخص هو أكثر دراية من غيره بخبايا الجهاز وكيفية تشغيله والأسلوب الذي يسهم في إطالة عمره والحفاظ عليه.
مكان الساعة البيولوجية في الجسم
بالطبع بذل العلماء أقصى طاقاتهم للتوصل إلى مكان الساعة البيولوجية في جسم الإنسان؛ وتوصلوا إلى أنها موجودة بمجموعة من الخلايا العصبية الموجودة بوسط المخ؛ وهذه الخلايا تسمى بالنواة فوق التصالبية؛ والتي تتكون من نصفين؛ أحدهما يقع في الجانب الأيمن من المخ والآخر في الجانب الأيسر منه. والعجيب أن كل جانب يحتوي على عشرة آلاف خلية تقوم بالتنسيق مع خلايا الجسم الأخرى لضبط الحالة الجسمانية خلال النهار والليل. وما يفسر استجابة الإنسان للضوء وعدم القدرة على النوم فيه هو أن النواة فوق التصالبية تقع فوق النقطة التي يلتقي فيها العصبين البصريين لكلا العينين؛ وبالتالي فهي مرتبطة بالضوء إلى حد كبير.
وفي الآونة الأخيرة تمكن الباحثون من التوصل إلى أن هذه الخلايا العصبية موجودة بأماكن أخرى بجسم الإنسان سوى المخ؛ فقد وجدوا أن الكلى تقوم بإنتاج البروتين الذي يتحكم في ضبط جسم الإنسان في الليل والنهار، ووجدوا أن هذا البروتين يتم إنتاجه بكميات قليلة خلال فترة الليل، ويزيد معدله مع طلوع النهار. والجدير بالذكر هو أنه تم التوصل إلى أن هذه الخلايا والعناصر البروتينية يتم إنتاجها في أجسام الحيوانات والحشرات؛ فجميع المخلوقات عليها النوم ليلا والعمل نهارا.
خلل الساعة البيولوجية
ذكرنا في السطور السابقة أن الله قد خلق الإنسان بنظام معين؛ وجعل له النهار ليعمل ويقوم بجميع الأنشطة الدنيوية التي تساعده على إكمال مسيرته على وجه الأرض؛ كما جعل له الليل ليرتاح من عناء النهار ويستعيد طاقته؛ استعدادا لعمل اليوم المقبل. ولو تأملنا هؤلاء الذي يحافظون على هذا النظام، لوجدناهم أكثر نشاطا، من الناحية البدنية، من غيرهم؛ كما أنهم يكونون أكثر نجاحا وتفوقا وحيوية وإقبالا على الدنيا. أما أولئك الذين يقلبون ليلهم نهارا ونهارهم ليلا، فيحرمون أنفسهم من كل هذا؛ فتجد أنهم يفقدون بركة الوقت ويشعرون بأنه يمر دونما أي فائدة، وأنه مهما طال الوقت فإنهم لن يتمكنوا من القيام بواجباتهم على الوجه الأكمل. ولا عجب في أن تجد من ينام طوال النهار يقضي أغلب ساعات الليل دون القيام بما يفيده ولا يستطيع إنجاز ما عليه إنجازه.
والحقيقة أن هناك حالات تضطر لإحداث خلل في الساعة البيولوجية الخاصة بها؛ والسبب في ذلك قد يكون مرضيا أو اضطراريا. ألم تجد أحدا من قبل يعاني من الأرق أو اضطرابات النوم بسبب الشيخوخة أو غيرها؟ هؤلاء المساكين لا يمكنهم مرضهم من العيش بشكل طبيعي وتجديد النشاط ليلا؛ مما يؤدي إلى الشعور بالتعب والخمول طوال النهار. كذلك، فإن هناك من تفرض عليهم طبيعة وظائفهم العمل ليلا والنوم نهارا؛ وفي حال كانت هناك طريقة لإيجاد وظيفة أخرى تساعد على ضبط الساعة البيولوجية الخاصة بهم، فالأفضل البحث عنها واللجوء إليها؛ حفاظا على الصحة وطول العمر. وليس معنى أن الإنسان يرى أنه يستطيع التحكم في ساعته البيولوجية وقلبها رأسا على عقب أن ذلك أمرا حقيقيا؛ فقد تعود جسمك على النوم نهارا والعمل ليلا، وتظن أنك قد نجحت في ذلك؛ ولكنك لن تنكر أنك في وقت العمل تشعر بالإجهاد والتعب خلال الليل ولا يمكنك القيام به كما ينبغي؛ كما أنك دائم الشكوى من أنك تنام طيلة النهار، ثم تستيقظ لتجد نفسك متعبا مرهق الجسد؛ وكأنك لم تنم. نعم، لم يحصل جسمك على الراحة التي يطلباه؛ لأنه يريدها في وقت معين، وأنت تخالف رغبته وطبيعته.
علاج خلل الساعة البيولوجية
في حال كان الإنسان يعاني من خلل في الساعة البيولوجية؛ وكان هذا الخلل خارجا عن إرادته؛ أي أن المتسبب فيه هو مرض ما، فإنه من الضروري البحث عن علاج يحول حياته للأفضل. وفي الوقت الحالي يحاول الأطباء تكثيف أبحاثهم لإيجاد علاج لاضطرابات الساعة البيولوجية عند الإنسان. وحتى الآن تم التوصل إلى أن الجينات التي تتحكم في الساعة البيولوجية تقوم بإنتاج نوع من البروتين الذي يقوم بهذا العمل. ويمكن علاج الأرق أو أمراض الشيخوخة التي تسبب خللا في الساعة البيولوجية إذا تمكنوا من إنتاج هذه البروتينات.
نتائج اضطرابات الساعة البيولوجية
لأن الساعة البيولوجية موجود في كل خلية من أجسامنا، فإن أي خلل قد يؤثر على أي عضو. والمشاكل التي يتسبب عنها اضطراب الساعة البيولوجية قد تكون مشاكل نفسية أو عضوية؛ وبالنسبة للمشاكل النفسية، فإنه قد ثبت أن الاكتئاب واضطراب الحالة المزاجية والاضطراب ثنائي القطب وعدم الشعور بالسعادة والإقبال على الحياة يتسبب فيها اضطراب أو تعطل الساعة البيولوجية للإنسان. هذا على الجانب النفسي؛ إما بالنسبة للجانب الجسدي؛ فإنه ينتج عن اضطرابات الساعة البيولوجية بعض المشاكل الصحية؛ أهمها مشاكل في التمثيل الغذائي؛ والتي يتسبب عنها النحافة أو السمنة؛ فالغدة الدرقية المسؤولة عن حرق الدهون والسعرات الحرارية تعمل مع طلوع الشمس، وتتوقف عن العمل مع وقت الغروب؛ ولو حدث وبدأ الإنسان يومه الطبيعي بعد غروب الشمس؛ فإن الغدة المسؤولة عن الحرق لا تقوم بعملها في ذلك الوقت. وهناك من الأمراض المزمنة؛ مثل أمراض القلب والسكري، ما يتسبب عنه هذا الاضطراب.
وننهي كلامنا بأن الهدف من معرفة طبيعة الساعة البيولوجية في جسم الإنسان هو الحرص على تركها لتعمل بالطريقة التي تناسبها وعدم التدخل في ذلك؛ وذلك حفاظا على صحة الإنسان، وحرصا على سعادته. ولابد من أن نعلم أنه خطأ شائع أن العمل خلال الليل هو من علامات نشاط الإنسان وزيادة اجتهاده؛ فالعمل بجسم نشيط هو بالطبع أفضل من العمل بجسم مجهد لا طاقة له.