الأبوة والأمومة : شعور بالسعادة أم بالضغط والإرهاق المستمر؟
نشعر بالسعادة الكبيرة لمجيء المولود الجميل الذي طالما انتظرناه. ولكن ما يلبث الشعور بمسؤولية الأبوة والأمومة يسيطر علينا ويحرمنا جزءا كبيرا من هذه السعادة. والطريق الوحيد لبقائها هو تحمل المسؤولية بالشكل الذي لا يخل بالسعادة.
لا يمكننا القول بأن الأبوة والأمومة هو شعور مطلق بالسعادة أو مسؤولية كبيرة تسبب الشعور بالضغط مدى الحياة؛ فهي تحمل هذا وذاك؛ ولابد من الموازنة بين كلا الأمرين. ولا ننكر أنه بمجرد مجيء طفل لأبوين؛ وخاصة إذا كانت هذه هي تجربة الأبوة والأمومة الأولى، لا ننكر أن ذلك يشعرهم بالقلق من أن لا يكونوا على قدر المسؤولية. ولكن الأمر بسيط للغاية، ويحتاج في نفس الوقت إلى بذل بعض الجهد. وليكون هذا الجهد موجه في الطريق الصحيح، فأنصح كل أبوين أن يخصصا وقتا يوميا للاطلاع والمعرفة حول كيفية تربية طفلهما والتعامل الجيد معه في مراحل عمره المختلفة. وهذا أفضل بكثير من أن نهدر الوقت في معاملة أبنائنا بطريقة غير مناسبة، وتحمل النتائج التي لا تسبب التعب والانزعاج لسوانا. وفي هذا المقال نورد لكم بعض الأمور البسيطة التي لابد وأن تكون في حسبان كل من هو جديد في عالم الأبوة والأمومة وما زال يعاني من الرهبة منه.
جدول المحتويات
مسؤولية الأبوة والأمومة
إن الشق الأول من الأبوة والأمومة هو الشعور بالمسؤولية الكبيرة تجاه أبنائنا؛ وذلك منذ قدومهم إلى الدنيا، وحتى رحيلنا نحن منها. وهذه المسؤولية تتمثل في توفير جميع سبل الراحة والحياة الكريمة والتنشئة الصحيحة لهم. ولكي يقوم الأبوين بذلك، لابد من تكريس عمرهما تكريسا تاما كاملا متكاملا من أجل هذا الهدف. ولعل من جرب تحمل مثل هذه المسؤولية يعلم حجمها، والمجهود الذي يبذل حتى يؤدي واجبه.
الأبوة والأمومة شعور بالسعادة
ومع كون الأبوة والأمومة مسؤولية كبيرة تقع على عاتق كل أب وأم، يعتبر الأبناء هم المصدر الأول للسعادة على وجه الأرض. ولعل كل من جرب هذا الشعور يعلم قيمة ضحكة الطفل في ظل الظروف التي تتسبب في الضغط علينا؛ فإننا نضحك عندما يضحكون، ونسعد عندما يسعدون، ونكون بخير ما داموا هم بخير. وليس من الجيد أن نجعل شعورنا بالمسؤولية يدفع بنا إلى عدم الاستمتاع بقضاء الأوقات السعيدة مع أبنائنا؛ فهذه اللحظات تظل بذاكرتنا وذاكرتهم لسنوات وسنوات.
الموازنة بين الشعور بالمسؤولية والسعادة
لكي تسير تربية الأبناء في الطريق الصحيح، لابد من تحقيق التوازن بين الشعور بالمسؤولية والبحث عن السعادة. وهذا لا يتحقق إلا بتطبيق بعض النصائح التي نقدمها لكل أب وأم في السطور التالية:
وازنوا بين احترام أبنائكم لكم واحترامكم لهم
وغالبية الآباء والأمهات يستطيعون القيام بالأولى؛ غير أن القليل فقط هو من يستطيع تحقيق الثانية؛ حيث أن الثقافة الشائعة لا تحض على احترام الطفل؛ ونعني بذلك احترام مشاعره واحترام عقله وكلامه وتصرفاته، والتعامل معه كإنسان كامل لا نفضله بشيء سوى زيادة عدد السنوات التي عشناها في الدنيا والخبرة التي اكتسبناها منها؛ أما غير ذلك، فالطفل ليس غبيا لأنه طفل، وليس متخلفا عقليا لأنه طفل، ولا يقول كلاما سفيها ويتصرف تصرفات سخيفة لأنه طفل.
تعاملوا بمرونة مع أخطاء أطفالكم
والكثير مما نسميه أخطاء أو تصرفات تزعجنا من أبنائنا هي مجرد أشياء طبيعية للغاية؛ فعلى سبيل المثال، تتسم السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل بوجود بعض السمات الشخصية التي تساعد الطفل على التهيئة للانخراط في هذه الحياة؛ وهذه السمات تشمل العناد وكثرة الأسئلة وحب إثبات الذات وعدم اليأس والتنازل عما يريد أن يفعل. وكل هذه الصفات تعتبر إيجابية؛ وكل ما في الأمر أن كلا من الأب والأم يحتاجان لبعض الصبر لتخطي هذه المرحلة وغيرها من المراحل العمرية المختلفة.
لا تحولوا الصفة الإيجابية إلى النقيض السلبي لها
وهذه النصيحة تعتبر مرتبطة إلى حد كبير بسابقتها. وقد فضلت الحديث عنها على حدة؛ لأنها تحتاج إلى بعض التفصيل. وأتكلم هنا عن صفة العناد الإيجابي؛ وهو إرادة الطفل في أن يثبت نفسه ويحاول بنفسه القيام باكتشاف الأشياء التي تحيط به وتناول طعامه بنفسه؛ وهكذا. وللأسف الشديد، فإن كثيرا من الآباء والأمهات يتعاملون مع عناد الطفل بعناد مماثل؛ مما يحوله إلى عناد سلبي يستمر معه لسنوات وسنوات. فبعد أن كان الطفل يستخدم أسلوب العناد من باب إثبات الذات؛ وهي صفة تستمر معه لفترة قصيرة ثم تتلاشى تماما بعد أن يكون قد أشبع رغبته في لإثبات ذاته، يتحول العناد هذا إلى عناد سلبي يقصد به الطفل إغضاب أبويه وتحديهما؛ وهنا لا يمكن التخلص من هذه الصفة إلا بعد أكثر من عشر سنوات.
حاولوا جعل أسلوب العقاب مناسبا للطفل
فالضرب والصراخ واستخدام الكلمات والألفاظ التي تسيء إلى الطفل لا تؤتي ثمارا طيبة؛ وإنما تبني الكثير من الحواجز بينكما وبين الطفل وتهد كل الجسور التي تربط بينكما وبينه. كذلك، فإن أسلوب الوعظ والنصح لا يناسب الطفل طيلة العشر سنوات الأولى من عمره. والأفضل اختيار أسلوب يتوفر فيه احترام الطفل وعدم إيذائه، والوصول إلى عقله ومخاطبته حسب سنه في نفس الوقت.
أشعروهم بالحب والأمان
فالإنسان دائما ما يكون في حاجة إلى الشعور بالحب ممن حوله وتقبلهم له. وللأسف الشديد، فإن هناك الكثير من الآباء والأمهات يحاولون بدافع الأبوة والأمومة لفت نظر أبنائهم إلى أخطائهم عن طريق اللوم المتكرر؛ فتجدهم يعرضون الطفل للنقد عشرات المرات على مدار اليوم؛ الأمر الذي يشعر الطفل بأن كل ما يفعله سيئا للغاية، وأنه ليس هناك من يرضى عن أسلوبه أو يتقبله كإنسان. وهنا يكره الطفل نفسه ويظن بها شرا، ولا يحاول أن يغير منها شيئا.
علموا أولادكم بالقدوة
وهذه نقطة في غاية الأهمية؛ لأنها توفر عليكم الكثير من الوقت والجهد. وخطوات هذه الفكرة هي أن تجعلوا أبناءكم يحبونكم بحبكم لهم وحنانكم عليهم؛ والطفل إذا أحب شخصا قلده في كل ما يأتي ويذر. وإذا كان سلوككم جيدا فستجدون أطفالكم يقلدونكم؛ أما لو خالف قولكم فعلكم، فلن تجدوا النتيجة المطلوبة من هذه الوصفة.
لا تفقدوهم الثقة بأنفسهم
من المهم للغاية لكل إنسان أن يشعر بالثقة في نفسه؛ وهذه الصفة هي التي تساعد الإنسان على أن يقوم بمهامه المكلف بها من قبل أبويه أو غيرهما. وكلما انحطت نظرة الإنسان لنفسه، فإنه لن يكون إلا مجرد ريشة في مهب الريح، تفعل بها ما تفعل؛ ولن يستطيع أن يكون فاعلا، لأنه تعود على أن يكون مجرد مفعول به.
لا تهينوهم أمام الناس
وهذه من النقاط التي أحب دائما التركيز عليها جيدا؛ فبعض الأمهات والآباء لا يجدون مشكلة من أن يعرضوا الطفل للإهانة والإساءة أمام بقية الناس. وإذا كانت إهانة الطفل أمر سيء داخل المنزل دون وجود شخص غريب عنه، فهي أشد سوءا إذا حدثت أمام أحد. وما الداعي لأن تشعر طفلك بالانكسار أمام أحدهم بضربه وسبه والشكوى منه ومن تصرفاته السيئة؟ أليس من الأفضل أن تشعر الطفل باحترامك له أمام الناس؛ حتى تكون علاقتكما جيدة، وحتى لا يفقد طفلك احترام الناس له واحترامه لنفسه أمامهم؟
وأرجوا أن يكون الشعور بواجب الأبوة والأمومة هو شعور رائع بالنسبة للجميع؛ بدلا من أن يكون هما ثقيلا على قلب كل أم وأب؛ فإن ذلك ينعكس بالسلب على الأطفال أنفسهم.