سبع ولايات تنفصل وتعلن الحرب الأهلية الأمريكية في تلك اللحظة التي تحول فيها الصراع الاقتصادي إلى صراع سياسي ومنه إلى حرب بمفهومها العسكري، حينها بدأ صراع دموي أنهى عصر مظلم من عصور العبودية لصالح الأغنياء، وأسس دولة أمريكا التي نعرفها اليوم، بدأت الأزمة في عام 1860 بعد انتخاب لينكولن، الرجل الذي تحمل منصب الرئاسة لسنوات معدودة وترك آثر في الحياة السياسية والمدنية في أمريكا حتى اليوم، فبدأت فترته بحرب من أصحاب المصالح في استمرار العبودية ضده، كانت العنصرية ضد الأمريكان من ذوي البشرة السمراء لها بعد ثقافي ونفسي بالإضافة لبعد اقتصادي وسلطوي واضح، وتلك المصالح المالية هي الدافع الخفي الذي استغل النرجسية لدى الملاك وأشعل أكاذيب أدت للحرب بين أبناء الأمة الواحدة، وهي ما أشعلت الحرب لتوقف محاولة لينكولن لإنهاء العبودية المقيتة، فكيف بدأت الحرب وما التاريخ الذي يسبقها، وأهم المراحل التي مرت بها، وكيف انتهت وما الذي نتج عن تلك الحرب، كل شيء نعرفه معا بشكل مبسط.
استكشف هذه المقالة
الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب
في بداية الحرب الأهلية الأمريكية لم تكن الغاية التخلص من العبودية، لكن الأصل كان عدم الاعتراف بالانفصال الذي قامت به سبع ولايات من الجنوب بعد صراعات داخلية شديدة في الفترة بين 1861 وحتى عام 1865م، بدأت الأوضاع تتعقد في يناير 1861 لما أعلنت سبع ولايات انفصالها عن الولايات المتحدة، واتحدت مشكلة ما أطلق عليه بالكونفدرالية لكن باقي الولايات الشمالية، رفضت هذا الانفصال، وتشير الأمور إلى أن السبب الرئيسي في الانفصال بعد فوز لينكولن بالرئاسة عام 1860م، كان تخوف ولايات الجنوب من خطته للقضاء على الرق، لأن اقتصادها يعتمد في هذا الوقت بشكل رئيسي على زراعة القطن، وهو ما يحتاج للكثير من الأيدي العاملة، والتي يستغلوا فيها العبيد للعمل دون مقابل أو بمقابل زهيد، في حين حال تحررهم سيتحولون لقوى عاملة ويضطر أصحاب المال والمزارع دفع المال مقابل خدماتهم في زراعة وحصد القطن! رفض الجميع الاعتراف بالانفصال دولياً، ورفض القوميون في الشمال والوحدويين في الجنوب الاعتراف بالانفصال.
التاريخ الخاص بأمريكا قبل الانقسام
قبل الوصول للحظة الانفصال كان الحزب الجمهوري الأمريكي بقيادة أبراهام لينكولن، يشن حملة ضد العبودية في كافة أراضي الولايات المتحدة، واعتبرت الولايات الجنوبية تلك الخطة ضد مصالحها التي سيطر عليها إقطاعيين مستفيدين من نظام العبودية، واعتبرته انتهاك لحقوقها الدستورية، وبعد الانتخابات حصد الحزب الجمهوري على الأغلبية بأصوات الشمال، وتم إعلان لينكولن الرئيس الرسمي للبلاد، ولكن قبل حفل تنصيبه تم إعلان الانفصال من السبع ولايات الجنوبية، ورفض الرئيس السابق للينكولن الاعتراف بما حدث من انفصال، واعتبر “جيمس بوكانان” أن ما حدث غير قانوني، وبدأ أبراهام لينكولن فترة بخطاب يؤكد فيه أنه لن يتدخل في مؤسسة الرق، ويحاول أن يخطب ود الجنوبيين لوقف الانفصال، كان هذا في مارس 1861، حاول الجنوبيين استمالة الأوربيين إلى صفوفهم بما أنهم يعتمدون مثلهم على زراعة القطن ومصالحهم الاقتصادية متوقفة على الرق، إلا أن هذا لم يحدث، وفشلت أي مفاوضات، وقرر المنشقون تحويلها رسميا لحرب بعدما قاموا بمهاجمة حصن سيمتر في 12 أبريل 1861.
ما سبب نشوب الحرب الأهلية الأمريكية؟
يمكننا توضيح أسباب الحرب الأهلية الأمريكية في هيئة عدة نقاط كما سنوضح في التالي:
- بالرغم من أن لينكولن جاء بانتخابات حرة، إلا أن من انتخبه كان ولايات الشمال، لذلك شعر الجنوبين أنه لا يمثلهم ومالوا في اتجاه الانفصال وتكوين حكم يمثلهم.
- الرق بلا شك كان خلاف رئيسي، بالرغم من تنازل لينكولن في خطابه وطمأنته لهم أنه لن يتدخل في مسألة الرقيق، إلا أن القطار كان قد تحرك بالفعل لرفض العبودية.
- انعزال الجنوب عن الشمال، والمقصود بالعزلة هنا، هي عزلة ثقافية واجتماعية واقتصادية، مما قلل من شعور الجنوبيين بالانتماء.
- الاقتصاد والبحث عن السلطة المقرونة بالمال، كانت سبب رئيسي في إشعال الحرب.
- الحماية الجمركية أيضا كان لها دورها في دفع الجنوبيين نحو الانفصال.
- الاتحاد بين الولايات كان قائم منذ البداية على فكرة أن من حق أي من الأطراف فض الاتحاد، هذا التفسير لمعاهدة الاتحاد اختلف فيه الشماليون عن الجنوبين، ولم يتفقا أنه من حق الولايات فض الاتحاد في أي وقت.
مراحل انفصال الشمال عن الجنوب
- كانت ولاية كارولينا أشدهم دفع للانفصال التام، حتى أنها في عام 1960 أعلنت بشكل مباشر أسباب الانفصال مدعية أن الشمال لم يحترم حقوق الجنوب الدستورية.
- في بداية الحرب الأهلية الأمريكية انفصلت سبع ولايات جنوبية قبل 15 أبريل 1861.
- ثم لحق بهم أربعة ولايات بعد 15 أبريل من عام 61، لتصبح المرحلة الثانية من الانفصال بعدد إحدى عشر ولاية.
- انضم للاحدي عشر ولاية أربعة ولايات تسمح بنظام العبودية لديها.
- ألغت ولايات الشمال تماما نظام العبودية وتحولت الحرب رسمياً إلى حرب ضد العبودية بثورة ذوي البشرة السمراء في الجنوب، ودعم الشمال لهم.
- 23 ولاية في الشمال بالإضافة لولايات حدودية أعلنت ولائها للاتحاد ورفض الانفصال.
أهم المراحل الزمنية في الحرب الأهلية الأمريكية
- عام 1860م أعلنت ولاية كارولينا الجنوبية انفصالها، وفي فبراير 1861 كانت قد لحقت بها ست ولايات.
- يوم 7 فبراير وضعت الولايات السبعة المنفصلة دستورا مؤقتا، وأسسوا عاصمة مؤقتة في ولاية مونتغمري.
- عام 1861 تم عمل مؤتمر للسلام في واشنطن، لكنه باء بالفشل.
- استولت الولايات المنفصلة على معظم الحصون العسكرية المحيطة، تم توجيه الاحتجاج لفعلتها لكن دون ردع حقيقي.
- وعند بدء المعركة العسكرية بشكل رسمي، بدأت الولايات في تسليح نفسها ومنها حكام نيويورك وماساتشوستس وبنسلفانيا وبدأوا في التحضير حربيا.
- دعا لينكولن لحشد متطوعين للقتال، فجمع قرابة 75 ألف في أقل من ثلاثة شهور، وفي خلال ثمانية أيام أستطاع الشماليون استرجاع الحصون من الجنوبيين.
- بدأ لينكولن في وضع الخطط الحربية وقاد الجيش الاتحادي معاركه منتصراً من مكان لآخر، بجانب تصعيد خطابه نحو القضاء النهائي على نظام الاستعباد في الولايات كلها.
- انتهت الحرب في عام 1865 باستسلام الولايات الكونفدرالية في 9 أبريل 1865، وتم اغتيال أبراهام لينكولن في 14 أبريل من العام نفسه.
خسائر الصراع العنصري بين الجنوب والشمال
- خلال الحرب الأهلية الأمريكية وقع أكثر من عشرة ألاف اشتباك عسكري، منهم 40% فقط في ولايتي فيرجينيا وتينيسي.
- نتج عن الحرب الأهلية في المجمل حوالي مليون وثلاثين ألف ضحية، أي حوالي 3% من السكان وقتها.
- من ضمن الوفيات كان أكثر من نصف مليون بسبب المرض وحده، وكان عدد القتلى مجتمعين مساوي لعدد القتلى من الأمريكان في كل حروبهم مجتمعة.
- كان قد ألقي القبض على أكثر من 4 مليون مواطن أمريكي من ذوي البشرة السمراء.
- وحسب الإحصائيات الرسمية فإنه قد توفى حوالي 8% من الذكور الشباب بيض البشرة في تلك الفترة، وقدرت النسبة ب 18% في الولايات الجنوبية.
- يطلق على تلك الحرب، حرب الخنادق، وتم استخدام تكنيكيات حربية تشبه الحرب العالمية الأولى.
- استمر العمل فترة زمنية طويلة، على ما أطلق عليه إعادة الإعمار، وكانت بالتنسيق من قادة الشمال مع الجنوب، لتصليح آثار الحرب.
نهاية الحرب الأهلية الأمريكية وإعادة الوحدة
- انتهت العبودية بالفعل بانتهاء الحرب، وكان إعلان تحرير العبيد في 1 يناير 1963 هو الخطوة الأولى، وبعد النصر في ربيع 1965م تم إنهاء العبودية رسمياُ في أمريكا.
- تم الإفراج عن كافة المساجين من العبيد، كما تم الإفراج عن أي شخص تم اعتقاله بسبب الحرب الأهلية الأمريكية لأي سبب.
- نشأ عدد متنوع من الحركات والأحزاب لدعم التعايش السلمي، ولدعم حقوق ذوي الأصول الأفريقية، منها الحركة المدنية لحقوق الأمريكيين الأفارقة.
- بدأ سن قوانين المدنية، التي تحافظ على حقوق الجميع واستمرت التعديلات عليها حتى وصلت لشكل مقبول في بداية حقبة التسعينات.
بالرغم من أن فترة حكم أبراهام لينكولن استمرت فقط أربعة سنوات، وكانت فترة الحرب الدامية نفسها، إلا أنه ترك بصمته بإدارته الذكية للمحنة في الحرب الأهلية الأمريكية فقاد البلاد نحو الوحدة بالرغم من الانشقاق الحاد، وقضى على الأفكار الرجعية والخاطئة بالقوة، وكانت وثيقة إعلان تحرير العبيد هي السبب في اغتياله مع محاربته للعنصرية، إلا أنه كان ثمن مقبول إذ تغيرت بعدها أمريكا بحكم القانون، وقلت الأفعال العنصرية مع الوقت، وسنت القوانين للحفاظ على حقوق جميع المواطنين بغض النظر عن لونهم أو جنسهم أو ديانتهم، مما جعل التعايش السلمي حتمي بين الاختلافات المكونة للمجتمع، ومن ثم جاء الاستقرار بالقوة الاقتصادية والتقدم الذي شهدته أمريكا حتى وصلت للحرب العالمية الثانية متماسكة ومرت منها كقوة عظمى.
الكاتب: شيماء سامي
أضف تعليق