تعتبر الجبال من أكثر الظواهر الطبيعية المذهلة والجميلة التي يمكن أن يراها الإنسان في الطبيعة، وبالرغم من الجمال والعظمة التي نراها في الجبال حاليا، إلا أن هناك بعض الشعوب في الماضي لم يتعاملوا مع الجبال هكذا، بل رأوا أنها ظاهرة مرعبة فكانوا يخافون منها حق الخوف، بل هناك بعض الشعوب عبدت هذه الجبال ظنا منهم أنها منازل للآلهة، وبالرغم من استمرار هذه الأمور لفترة طويلة إلا أنه مع مرور الوقت ومع تطور فكر الإنسان واختلاف نظرته للطبيعة، بدأ يتعامل مع الجبال بشكل مختلف، لم يختفي الشعور بالجمال والإجلال اتجاه الجبال، إلا أن البشر حاولوا إيجاد الطرق التي أدت إلى تكون الجبال في مختلف بقاع الأرض، ومع تطور العلوم والاهتمام بالبحث في أصل الموجودات توصل العلماء إلى أن للجبال عدة أنواع ولكل نوع طريقته الخاصة التي تكون بها.
استكشف هذه المقالة
تكون الجبال البركانية
تعتبر الجبال البركانية من أشهر أنواع الجبال المعروفة لنا، وفي العادة تتكون الجبال البركانية بسبب التداخل الذي يحدث بين الصفائح التكتونية، فتنزلق صفيحة تكتونية تحت أخرى وبسبب هذا الانزلاق بين طبقات الأرض يحدث العديد من الشقوق الضخمة، والتي بدورها تسمح للحمم البركانية بالصعود من أعماق الأرض، وتنبثق إلى السطح بقوة فتبرد وتتبلور وتشكل مرتفعات عالية، تعرف عندنا بالجبال البركانية، ونجد الكثير من هذه الجبال في العالم وأشهرهم جبل فوجي في اليابان، وجبل إيتنا في صقلية، وجبل نيامورغيرا في الكونغو. ليس ما عرفناه يحدث دائما ففي بعض الأوقات تكون المسافة بين الحمم البركانية والشقوق الحادثة عند تداخل الألواح التكتونية كبيرة بالشكل الذي يجعل الحمم تبرد وتتبلور قبل وصولها إلى هذه الشقوق، ومع مرور الوقت تتدافع الحمم وعناصر الأرض تحت هذه الحمم الباردة مما يجعلها ترتفع لسطح الأرض مكونة جبال ذات قبة، وأشهر هذه الجبال جبل سانت هيلين في واشنطن، وجبل تورفوجوكول في آيسلندا.
تكون الجبال الالتوائية
كما تظهر طريقة تكون الجبال البركانية من اسمها، نجد أن تكون الجبال الالتوائية أيضا يحدث كما يظهر اسمها. في بعض الأحيان لا يحدث في الصفائح التكتونية كما عرفنا سابقا، بل تكون هذه الصفائح قريبة جدا بالشكل الذي يجعل الحدود الخاصة بكل صفيحة تتطاحن مع حدود الصفيحة المجاورة، وفي هذا التطاحن تكون الكثافة هي المتحكمة في الشكل الذي سيتكون، فنجد أن الصفيحة التكتونية ذات الكثافة المنخفضة ترتفع فوق الصفيحة عالية الكثافة التي تغوص إلى أعماق الأرض، وفي هذا الصعود والهبوط تتأثر العناصر المكونة لهذه الصفائح، فنجد أن الكثير من هذه العناصر تنزل إلى أسفل، والقليل يرتفع إلى أعلى على الحدود الخاصة بالصفيحتين، وهذه العناصر هي التي تقوم بتكوين الجبال، ومن أشهر هذه الجبال جبال الجورا وهي سلسلة متصلة من الجبال التي تتوازى مع بعضها في التكوين وتوجد هذه السلسلة في منطقة جبال الألب، وتعتبر أيضا سلسلة جبال الهيمالايا الشهيرة مثال على الجبال الالتوائية والتي تقع بين الهند ونيبال، وحدود الصفائح التي كونت هذه الجبال هي حدود قارة آسيا والقارة شبه الهندية، والجدير بالذكر أن تطاحن هذين اللوحين كونا جبل إيفرست أيضا والذي يعد أطول جبل في العالم.
تكون الجبال المطوية
بالرغم من أن معظم الجبال التي نعرفها تكونت بسبب الحركات المختلفة بين صفيحتين تكتونيتين إلا أنه في بعض الأحيان نجد أن هناك صفيحة واحدة تقع بين صفيحتين، وبالتالي يتشكل ضغط هائل على هذه الصفيحة، وهنا تضيق وتصغر مساحة هذه الصفيحة، وحتى تتخلص من هذا الضغط تحاول أن تنكمش فلا تستطيع بسبب حجمها الهائل، وهنا تبدأ الصفيحة في الانطواء والانحناء على بعضها البعض، في هذا الوقت تبدأ الطيات في الظهور سواء على شكل تجاعيد كما يحدث في الملابس التي يقع عليها ضغط خارجي، أو حتى تتكون طية واحدة، وهذه الطية أو الطيات ترتفع لأعلى وعلى إثرها تتكون الجبال المطوية، وقد سميت هذه الجبال بهذا الاسم بسبب الطي الذي يحدث فيها، ولأن معظم هذه الجبال تتشكل من الطيات، وهي ظاهرة جيولوجيا أخرى، ومن أشهر هذه الجبال جبال الألب الشهيرة والتي تقع في سويسرا، وجبال أطلس والتي نجدها في بلاد المغرب.
صفات الجبال
نجد أن الكثير من التضاريس تتشابه في الكثير من الأمور ولهذا وضع العلماء صفات معينة لكل نوع من هذه التضاريس، فالجبال مثلا كثيرا ما تتداخل مع السهول والهضاب، وغير ذلك من التضاريس الطويلة والضخمة، لكن نجد أن هناك صفات أساسية تميز لنا الجبال، بعد التقسيم الجغرافي الحادث لبلاد العالم الآن يمكننا أن نقول أن الجبال في الغالب تقع على حدود المدن أو تبتعد عنها بشكل كبير، ونجد أن هناك بعض الجبال طويلة شاهقة الارتفاع وذلك حيث يصل طولها أحيانا إلى 8848 متر، وفي أحيانا أخرى نجد أن هناك جبال قصير يصل طولها إلى 1000 متر فقط، كما نجد أن هناك بعض الجبال الملساء التي تتكون من نوع واحد من الصخور، وأحيانا أخرى نجد أن هناك جبال تتكون من أنواع مختلفة من الصخور مما يبعدها عن أن تكون ملساء، ونجد أن هناك بعض العلماء الذين يقومون بدراسة وقياس الكثافة ووعورة الصخور، وطولها وبناء على هذه المعطيات يحددون هل ما يدرسونه جبل أم لا، لكن بالبحث في القاموس الخاص بجامعة أكسفورد مثلا سنجد أن الجبل هو عبارة عن مرتفع يرتفع عن سطح الأرض سواء كان الارتفاع طويلا، أو قصيرا.
تكون الجبال في القرآن
(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) نجد أن هذه الآية الكريمة تخبرنا بأن الجبال ألقاها الله في الأرض حتى تستقر وتتزن، ولا تتمايل أو تنقلب بنا، وبالرجوع لعلم الجيولوجيا سنجد أن الجبال تكونت قبل تشكل الحياة على الأرض، وذلك عندما كانت الأرض عبارة عن حمم بركانية فقط، فمع بداية تحول هذه الحمم إلى صخور صلبة كانت تحدث حركات مستمرة في الأرض تلقي بالجبال فوقها فتثبت في الأرض وتثبتها بجذورها وهذا ما أكد القرآن الكريم عليه مرة أخرى في الآية الكريمة (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) وبالطبع لا يخفى على أي دارس في التاريخ معرفة أن الجبال كانت من الأساليب التي يهتدي بها الناس في السفر والرحلات. (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) نجد أن هذه الأية تشبه الجبال بالنبات الذي تمتد جذوره في الأرض ويصعد هو ويكبر فوق هذه الجذور وهذا ما شرحناه في أنواع الجبال الثلاثة، وهذا الذي تأكد عليه الدراسات العلمية المختلفة كل يوم.
وصف الجبال في القرآن
لا يتوقف القرآن عند إخبارنا بالطرق التي من خلالها تم تكون الجبال فقط، بل يذهب إلى أبعد من ذلك ويخبرنا بعض الصفات والحقائق العلمية التي لم يعرفها أحد إلا في الوقت الذي نعيشه الآن فمثلا نجد الآية الكريمة تقول (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) وبالطبع كان جميع البشر يعتقدون أن هذه الجبال ساكنة لا تتحرك، إلا أننا مؤخرا عرفنا أن للجبال حركة، ودوران يحدث بدوران الأرض، وعرفنا أن هذه الحركة مشابهة لحركة السحب. وفي صفات الجبال نجد القرآن يقول (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) وهنا يصف لنا ألوان الجبال في مختلف بقاع الأرض. ويذكر القرآن الجبال في الكثير والكثير من المواضع الأخرى حتى أحاط بالموضوع إحاطة كاملة.
الجبال لها جذور
قبل القرن العشرين كان التحدث عن جذور الجبال عبارة عن فكرة تتم مناقشتها بلا أي دليل علمي، لكن ومع الاهتمام الكبير من العلماء بالجبال، أصبح من السخف إنكار أن للجبال أوتاد وهذا ما يسعى الكثيرون لإثباته حاليا، لكن للجبال أوتاد وليست صغيرة الحجم، بل إنها تصل في كثير من الأحيان إلى أربعة أضعاف حجم الجبل الظاهر لنا نفسه، وبالطبع هذه هي الأوتاد التي تحدث عنها القرآن الكريم. نجد أن كل جبال الأرض تختلف صخورها عن الصخور المحيطة بها وبالتالي يسهل دراسة هذا الجبل وصخوره، بل وحتى جذوره وامتداداته، بأبسط الطرق المستخدمة حاليا في التحليل الكيميائي، وباستعمال الأجهزة الجيوفيزيقية سنتأكد بسهولة من الجذور العميقة التي يقوم عليها كل جبل.
الجبال ظاهرة طبيعية مدهشة، يختلف الوصف والتعامل معها على مدار التاريخ، لكن لا ينقص أحد من إجلالها. وعرفنا في المقال كيف يحدث تكون الجبال بمختلف أنواعها البركانية منها والالتوائية والمطوية، كما عرفنا معظم الصفات التي يتم على أساسها تحديد ماهية الجبل، وعرفنا في الفقرات الأخيرة، الآيات التي تحدث بها الله ليخبرنا كيف تكونت الجبال، والتي جاء العلم بعد نزول هذه الآيات بمئات السنين ليثبتها لنا، وفي النهاية ناقشنا بعض الصفات التي ذكرها القرآن عن الجبال. كما عرفنا خصائص جذور هذه الجبال.
الكاتب: أحمد أمين
أضف تعليق