لا يختلف اثنان على أن علاقة الإنسان بالوالدين تؤثر بشكل كبير على حياته العاطفية المستقبلية، حيث يرى الشخص طبيعة العلاقة التي تربط أبويه ويعممها على باقي العلاقات ويستقي منها الأسلوب الذي يبني عليه أسرته فيما بعد. وهذا الأمر هو سلاح ذو حدين، حيث أن كون الأسرة ناجحة أم لا، وكون الأبوين تجمعهما علاقة وطيدة أم لا هما الفيصل في نجاح زيجات المستقبل. وفي كثير من الحالات تكون هناك بعض العيوب التي تتوارثها الأجيال وتظل تنتقل من منزل لآخر دون أية تغيرات، اللهم إلا إذا كان هناك جيل جديد يتميز بالوعي ويمكنه تحديد المشكلات الموجودة في علاقة الأبوين، فيحاول من هنا تفاديها والبحث عن الطرق التي تساعد على نجاح العلاقات والأسر. نتحدث في هذا المقال عن علاقة الإنسان بالوالدين وتأثيرها على علاقاته العاطفية في المستقبل، فتابعوا القراءة.
استكشف هذه المقالة
تأثير علاقة الفتاة بوالدها على حياتها العاطفية
تتأثر الفتاة كثيرا في مستقبلها وحياتها العاطفية بطبيعة علاقتها بأبيها وطبيعة العلاقة التي تربط أبيها بأمها. فهي تتعلم من أمها كيف تكون معاملة الزوجة لزوجها، كما تعلم من خلال تعامل أبيها مع أمها كيف يكون الرجال؛ فإن كان حميد الصفات جيد الطباع فإنها تظن أن جميع الرجال هم أبيها، وأما لو كان العكس هو الصحيح فإنها تتعامل مع جميع الرجال في المستقبل وكأنهم ذلك الرجل السيئ الذي تربت في بيته ورأته منذ طفولتها ولم تجد فيه البطل الذي يشعرها بالأمان ويوفر لها الحماية.
ومن خلال الدراسات والأبحاث الحديثة تبين أن طبيعة علاقة الإنسان بالوالدين بوجه عام، وطبيعة العلاقة التي تربط بين الفتاة ووالدها بشكل خاص، تحدد، وبشكل كبير، طبيعة شخصيتها، وهو الأمر الذي ينعكس على أسلوبها عند إقامة علاقة عاطفية. ومن خلال هذه الدراسات ثبت أنه كلما كانت هناك علاقة جيدة تربط الفتاة بوالدها كلما كانت أكثر استقرارا من الناحية العاطفية وأكثر نجاحا في علاقتها الزوجية. وأما الآباء الذين لا يقدمون لبناتهم الحماية والأمان والدعم الذي يحتجنه في مختلف المراحل، بدء من الطفولة وحتى ريعان الشباب، فإنهم يؤذونهن كثيرا ويؤثرون بالسلب على مستقبلهن ككل. وليس هناك ما هو أسوأ من أن تفقد الفتاة الثقة بالجنس الآخر بسبب أبيها، فعندها لن تتمكن من إقامة علاقة عاطفية وطيدة وسيكون من الصعب عليها أن تنجح في ذلك.
ولهذا السبب يتعامل علماء النفس وخبراء العلاقات الزوجية مع علاقة الإنسان بالوالدين عموما، وعلاقة الابنة بأبيها على وجه الخصوص، يتعاملون معها على أنها علاقة طويلة الأمد، بحيث تمتد إلى ما بعد استقلالها وزواجها وانتقالها إلى بيت غير بيت الأب. والسبب في ذلك لا يعود فقط إلى العلاقة الرحمية والدم الذي يظل رابطا بينهما، بل إنه يتعدى ذلك بكثير بحيث تؤثر هذه العلاقة على طبيعة شخصية الفتاة وأسلوبها في جميع مراحل حياتها، بدء من الطفولة وحتى المراحل المتقدمة من عمرها.
تأثير علاقة الصبي بوالده على حياته العاطفية
سمعنا مرارا وتكرارا عن ذلك الشاب الذي يتعامل مع زوجته بنفس الطريقة التي كان والده يعامل والدته بها، وتكرر أمامنا هذا النموذج كثيرا، وأصبح حتمي علينا أن ننظر إلى طبيعة علاقة الإنسان بالوالدين وطبيعة علاقة الوالدين نفسيهما وتأثيرها على حياته المستقبلية. والحقيقة أن الصبي يتفق مع الفتاة في أن شخصيته تتكون في البداية من خلال والديه، فهما نافذته الأولى على العالم والقدوة التي ينساق وراءها وهو مغمض العينين. وأكثرية الشباب في مجتمعنا يعمدون إلى معاملة زوجاتهم بنفس الطريقة التي كان يتبعها آباءهم، كما أنهم يتوقعون أن تكون الزوجة نسخة من أمهم، حتى أنهم يستخدمون مع الزوجة نفس العبارات والجمل التي سمعوها في الماضي داخل منازلهم. والنضج الكافي والوعي يساعدان على التخلص من هذه العقدة التي تسبب الكثير من المشكلات في بعض الأحيان. فالشاب لابد وأن يدرك أن الإنسانة التي تربطه بها علاقة عاطفية هي إنسانة فريدة وشخصية مستقلة، وبالتالي فليس من المتوقع أن تكون النسخة المصغرة من والدته. وإن كان الإخوة داخل المنزل الواحد يكونوا مختلفين في شخصياتهم وطباعهم، فكيف تكون هناك تلك الفتاة التي تشبه الأم إلى حد كبير، وهي التي لم تتربى معها ولا تعلم عن حياتها الكثير؟!
كذلك هناك تأثير كبير في طبيعة العلاقات العاطفية التي يقيمها الشاب بعلاقته بوالده وعلاقة والديه معا. فالصبي يتأثر بكل كلمة يسمعها من والده وتخزن في ذاكرته كل هفوة تصدر منه. ولم لا وهو يرى أباه البطل الأول في حياته؟ والأب يعلم طفله كيف تكون العلاقة بينه وبين زوجته من خلال القناعات التي يعيش بها في المقام الأول، ثم تأتي تصرفاته داخل المنزل وأسلوبه الذي يتعامل به مع زوجته ليرسخ تلك القناعات في نفس الطفل. والطفل منذ عامه الثالث وحتى عامه السادس يبدأ في تقليد أبيه في كل كبيرة وصغيرة. ومما يساعد على نمو الطفل بشكل سليم، من الناحية العاطفية والنفسية، ويعمل على تكوين شخصية ذكورية سوية ظهور الأب منذ المراحل المبكرة من حياة الطفل بصورة إيجابية، فهو يكتسب منه كيفية التعامل مع الآخرين. وبعد أن يتم الطفل عامه السادس تبدأ مرحلة عمرية انتقالية جديدة لابد وأن يولي فيها الأب اهتماما كبيرا به، حيث أنه منذ هذه السن وحتى سن الثانية عشر يحتاج الطفل لأن يكون قريبا من والده، وتزداد درجة القرب كلما توغل الطفل في سن المراهقة حتى يصبح أباه وكأنه صديق مقرب له. وفي حال سارت الأمور بشكل سليم في هذه المرحلة فإن ذلك يؤثر بالإيجاب على حياة الطفل بوجه عام، وحياته العاطفية بصفة خاصة.
تأثير علاقة الإنسان بالوالدين على شخصيته
بالطبع تؤثر علاقة الإنسان بالوالدين بشكل كبير على شخصية الطفل منذ طفولته المبكرة. ومن أهم الأمور التربوية التي تترك هذا الأثر ما يلي:
حسن المعاملة
وهو يساعد على نمو شخصية سوية للطفل لا تعاني من أي تشوه أو مشاكل نفسية، بعكس المعاملة السيئة التي تتسبب في الكثير من المشاكل النفسية التي تظل ملازمة للطفل طوال مراحل حياته وتضعف العلاقة التي تربطه بأبويه وتجعل تقبله لتوجيهاتهم ضعيفا للغاية.
إظهار السلطة بعض الشيء
حيث أنه من المهم أن لا تصل المعاملة الحسنة إلى حد التدليل الزائد عن الحد وفقدان الوالدين لاحترام طفلهما لهما. والقاعدة العامة في التربية هي أن يتعامل الأبوين مع الطفل برحمة ويتعامل طفلهما معهما باحترام. ولكن يجب العلم بأن السلطة الطاحنة التي تصل إلى حد التسلط لها تأثير سلبي كبير، لا يقل عن تأثير التدليل الزائد.
علاقة الإنسان بالوالدين تأثر على عدم الإثقال على الابن
لأن هناك الكثير من الآباء الذين يحملون الطفل فوق طاقته وينتظرون منه الكثير مما لا يمكنه القيام به وما لا يحبه من الأساس. وإذا كان الأب لم يتمكن في يوم ما من تحقيق ما يحب فهذا ليس ذنب الابن الذي ربما كانت له طموحات مختلفة. وليس هناك ما يبرر قيام الأب بما يؤدي إلى تدهور العلاقة بينه وبين طفله.
تجنب الانتقاد الحاد
حيث أن هناك من الآباء من يدقق في كل التفاصيل ويلاحظ ما قد لا يلاحظه الطفل نفسه، ثم يتبع ذلك بالكثير من النقد الذي يستمر طوال اليوم. والطفل يحب دوما رؤية نظرة إعجاب في عيون أبيه عندما يقوم بعمل شيء يراه جيدا، حيث أنه يحب أن تكون نظرة الرجل الذي يتربى على يديه له إيجابية، وهذا يعطيه الأمل في أن يصبح يوما ما مثله.
احترام الطفل
لأنه لن يحترم أبدا من لا يتعامل معه بأسلوب محترم، يحترم جسده وروحه وعواطفه وعقله. واحترام الطفل يجعله يشعر بإنسانيته وقيمته ويثق بنفسه أكثر وأكثر، كما أنه يزيد من الروابط بينه وبين أبويه ويوطدها.
التعبير عن الحب إمتداد لـ علاقة الإنسان بالوالدين
حيث أن الطفل يحتاج للاهتمام حتى قبل ولادته. والكثير من الآباء لا يمكنهم التعبير عن الحب لأطفالهم، وهو ما يجعل الطفل شاعرا بنقص ما في حياته ويفقده الشعور بالأمان والحب الذي يحتاجه. وطرق التعبير عن الحب كثيرة، منها الكلام وأسلوب المعاملة الحسن وقضاء وقت مسل مع الطفل واحتضانه وتقبيل، وهكذا.
هذا، ويساعد الوعي الكافي على تغيير الأمور السلبية ومساعدة الأجيال القادمة على أن تكون أفضل من سالفتها. وإذا تيقنا من امتداد علاقة الإنسان بالوالدين إلى أمد بعيد ومن تأثيرها على جميع مناحي الإنسان، صار مهمها للغاية إعادة النظر في هذه العلاقة وجبر المكسور منها، حتى لا نقف في يوم ما عاجزين عن إصلاح ما أفسدناه.
أضف تعليق