عيد النيروز هو عيد الربيع عند الفرس والكرد، وهو بداية السنة الفارسية، وهو أيضًا بداية السنة المصرية أو القبطية القديمة وينبأ بموعد فيضان النيل، تحتفل به ثقافات وشعوب وديانات مختلفة من حول العالم، لكل ثقافة وشعب قصة وتاريخ للعيد، ولكنه متواجدًا وحاضرًا في احتفالات السنة، وعند بعض البلدان يعتبر إجازة رسمية، يحتفل حوالي 300 مليون شخص بعيد النيروز بمظاهر احتفالية متشابهة جدًا أو تختلف قليلًا بحسب ثقافة الشعب والديانة، بداية من الديانة الزرادشتية إلى الديانة المسيحية والإسلامية، ولذلك تعتبره منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث البشري غير الملموس، في هذا المقال يمكن التعرف أكثر على عيد النيروز عند الثقافات المختلفة ومظاهر الاحتفال به.
استكشف هذه المقالة
عيد النيروز في المسيحية
ترجع أصول عيد النيروز في المسيحية إلى العصور الفرعونية المصرية القديمة، فمنذ أن أقر الحكيم المصري “توت” تقسيم السنة المصرية إلى 12 شهر، تبدأ بأول شهر “توت” وهو شهر فيضان النيل، ويتم الاحتفال بأول يوم في السنة الجديدة، وكان العيد يدعى “نيرؤ”، وكلمة “ني” تعني جديد، وكلمة “رؤ” أو “يارؤو” تعني النهر، وبذلك هم يحتفلون بولادة نهر النيل من جديد، وعندما سيطر اليونانيون على مصر أضافوا إلى الاسم نطق حرف “س” أو “ز” فأصبح “نيروز”، وبعد دخول القبطية إلى مصر، استمروا في الاحتفال بهذا اليوم.
بالإضافة إلى كونه اليوم الذي انتهى فيه عهد الاضطهاد من الرومان ضد المسيحية، وبالتالي يرتبط العيد في أذهان أقباط مصر بذكرى شهداء المسيحية، وعلى الرغم من كونه تقليد قديم جدًا يرجع إلى آلاف السنين، لا زالت الكنيسة المصرية تحتفل به كل عام بحسب التقويم القبطي بذكر ذكرى الشهداء وسيرتهم، وعند دخول الإسلام إلى مصر، اختلط الأمر على المسلمين بين عيد النيروز القبطي و عيد النيروز الفارسي بسبب طريقة النطق، ولكن احتفل المسلمون مع المسيحيون بالعيد كتقليد شعبي مصري قديم، إلا إنه لا يُحتفل بالعيد على نطاق واسع أو كعيد رسمي.
عيد النيروز عند الأكراد
الكُرد هم فصيل من مجموعة شعوب تُسمى الشعوب الإيرانية أو الشعوب الآرية ويشملون أيضًا الفرس والبشتون والآذريين والبلوش والطاجيك وغيرهم، وهم الشعوب التي عاشت في منطقة إمبراطورية الفرس ومن بعد انتهاء عصر الإمبراطوريات سُميت جزء كبير من المنطقة بإيران، والأكراد من أكثر الشعوب اهتمامًا بالاحتفال بعيد النيروز، لأنه يمثل بداية السنة الفارسية وبداية فصل الربيع بالنسبة لهم، ويأتي في 21 مارس من كل عام، ويعتبر عيدًا قوميًا ودينيًا هامًا، وكل فصيل من الشعب الكردي الذي يعيش ضمن نطاق البلدان العربية يحتفل به على طريقته الخاصة على الرغم من أن بعض الحكومات حاولت منعهم، في النقاط التالية توضيح بذلك.
عيد النيروز في سوريا
الحكومة السورية عارضت الاحتفال بعيد النيروز، لأنها رأت أن العيد يعزز القومية الكردية مما يهدد أمن البلاد، وبالتالي اقتصرت مظاهر الاحتفال على حمل المشاعل في ليلة العيد والاحتفال بصمت في البيوت وعمل مائدة السين التي يشتهر بها العيد.
عيد النيروز عند الأتراك
لم يختلف حال أكراد تركيا عن أكراد سوريا كثيرًا، لأن العيد احتفالًا قوميًا ودينيًا وله العديد من المظاهر الفارسية القديمة، لذلك حاولت الحكومة التركية منع الاحتفال بالعيد على نطاق واسع، على عكس العراق، والتي كان للأكراد حكمًا ذاتيًا فاستطاعوا الاحتفال به على نطاق واسع في شوارعهم وميادينهم.
جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق
تحتفل العديد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق بيوم عيد النيروز ، مثل: قرغيزستان وكازاخستان وتركمانستان وطاجيكستان، بالإضافة إلى بلاد مثل مقدونيا وكشمير وجزء من الصين وغيرها من بلدان غرب أسيا، وفي هذه البلدان حاولت الحكومة السوفياتية السابقة منع الاحتفال بالعيد لكونه عيدًا دينيًا يعود في الأصل إلى الديانة الزرادشتية، وبعد أن حصلت هذه البلاد على استقلالها واجهت بعض الصعوبات مع الحكومات الإسلامية الجديدة ولكن سرعان ما رجع الاحتفال بالعيد وبقوة، بل وتشاركت بعض العائلات الإسلامية في الاحتفالات بتغير بعض التقاليد، فبدلًا من قراءة كتاب آفيستا الخاص بالديانة الزرادشتية، تتم تلاوة القرآن الكريم.
أصل عيد النيروز
بخلاف عيد النيروز المصري، توجد روايتان لعيد النيروز، واحدة رواية كردية والأخرى فارسية، يشتركون في أن لهذا العيد أهمية قومية ودينية، وفرحة جديدة ببداية الربيع واعتدال الجو وخروج الحيوانات من الجحور وتفتح الأزهار، ويختلفون في أصل القصة، بالنسبة إلى الرواية الكردية فهي تحكي عن ملك ظالم يُدعى الضحاك الذي يعدم الشباب ظلمًا، حتى ثار عليه “كاوا الحداد” أو كيخسرو، وهو حفيد مؤسس الإمبراطورية الميدية، فتمكن كاوا من قتل الملك، ورفع مشعل كإشارة للشعب على انتصاره والحرية.
فأصبح حمل المشاعل إحدى طقوس عيد النيروز عند الأكراد، أما عن الرواية الفارسية من العيد، فهي تحكي عن ملك فارسي يُدعى جمشيد بن طهمورث، وهبته الآلهة قدرات خارقة عن البشر، مثل التحدث إلى الجن وحكمة تفوق بني البشر، ومن ثم حمله الجن فوق سرير مرصع بالذهب والجواهر، وجاب به الأرض كلها، وفي النهاية عاد إلى شعبه وعرشه في أول يوم من الربيع وفرح الشعب برؤيته جدًا وأصبحوا يحتفلون بهذا اليوم كل عام.
طقوس عيد نوروز
حمل المشاعل ليس الطقس الوحيد الخاص بعيد النيروز الفارسي أو الكردي، بل توجد العديد من مظاهر الاحتفال الممتعة الأخرى، مثل عادة اللعب بالماء، تيمُنًا بهطول المطر، كما يرمز الماء إلى الطهارة، كما يوجد تقليد يُسمى “جهارشنبه سور” أو عيد النار، أو الأربعاء الأحمر، وفي هذا الطقس يشعل أبناء الديانة الزرادشتية النيران في المساء ويمرحون ويقفزون حولها، لأنهم يقدسون الطبيعة والنار والماء، ويرتلون أغنية موجهة للنار، حتى تأخذ عنهم لونهم الأصفر والمرض وتعطيهم لونها الأحمر والصحة، وذلك في دلالة عندهم بتوديع السنة القديمة، ويزينون المنازل بزهرة نيسان أو شقائق النعمان الجميلة، كعادة وتقاليد قديمة، ويرتدون الملابس الملونة والمنقوشة بأبهى النقوش والألوان المتعددة.
أما الطقس الأساسي في عيد النيروز هو مائدة هفت سين، حيث يُعتقد أن أرواح الأجداد والأحباء تزور بيوت الأحفاد في عيد النيروز ، فيرتبون لهم مائدة لإرضاء تلك الأرواح وتؤكد بأنهم غير منسيين، تتكون المائدة من سبعة أشياء يبدئون جميعًا بحرف “س” في لغتهم، ولم دلائل دينية وروحية، وهم: سكة أو عملة معدنية وتدل على الثروة، وسنبلة وتدل على الطبيعة الجميلة، وسيركه أو الخل ويدل على الحكمة والنضج، وسبزه أو الخضروات وتدل على الحياة الجديدة، وسمنو وهي نوع من الحلوى الإيرانية التقليدية تدل على البركة، وسير أو الثوم ويدل على الصحة، وسنجد أو ثمرة تشبه العناب، ويُستخدم السيب وهي التفاحة بدلًا منها، ويرمزون إلى العطاء والحب، وبجانب هؤلاء السبعة، يُوضع الكتاب المقدس لزرادشت أو كتاب آفيستا.
توجد كتب إسلامية كاملة تحكي عن عيد النيروز وعاداته وكيف كان يُحتفل به في بداية العصر الإسلامي، مثل كتاب ” عيد النيروز وصبغته الإسلامية” وكتاب “عوامل صمود النيروز في العصر الإسلامي”، وتدل هذه الكتب على أهمية عيد النيروز ، الذي انتشرت عاداته في أجزاء كبيرة من أسيا وأوروبا وأفريقيا عبر التجار على طريق تجارة الحرير القديم الذي امتد من الصين إلى أوروبا عابرًا ببلاد العربية والفارسية، وكيف اهتم الخلفاء العباسيين بالاحتفال بعيد النيروز لاستمالة قلوب التجار والأجانب، واشتراك المسلمون مع المسيحيون والزرادشتيون في احتفالات العيد في بقاع كثيرة بالعالم إلى اليوم.
أضف تعليق