مع تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 بدأت نهضة الصين الحديثة في الظهور، وقد كانت هذه النهضة هي الأكثر قوة في تلك الحقبة التاريخية، نظرًا لكثرة الأرباح التي جنتها الحكومة الصينية من وراءها، فقد أصبح الاقتصاد الصيني الآن هو ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد دولة الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الجدير بالذكر أنه قد ظل في المرتبة الثالثة حتى عام 2009 ولكن مع حلول عام 2010 قفز إلى المرتبة الثانية، متخطيًا دولة اليابان التي كانت في تلك المرتبة لفترة طويلة ولكن كما نعلم دوام الحال من المحال، وهناك إحصائيات اقتصادية كبيرة تقول أن الصين على مشارف التربع على عرش اقتصاد العالم متخطية للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا بفضل الكتلة البشرية الكبيرة التي تمتلكها دولة الصين، فمجموع سكانها يتجاوز المليار وثلاثمائة مليون نسمة تقريبًا، وهو بذلك المعدل السكاني الأكبر في العالم بأسره وهذا ما ساعدها بعض الشيء في تحقيق إنجازها الكبير الذي نراه الآن على أرض الواقع، عامة نحن هنا سوف نتعرف على كل ما يتعلق بتلك النهضة تفصيلًا، فلا تذهبوا بعيدًا.
استكشف هذه المقالة
نهضة الصين الحديثة
بدأت نهضة الصين الحديثة في الظهور تزامنًا مع تأسيس جمهورية الصين الشعبية في العام التاسع والأربعين من القرن العشرين، وازداد سرعة نمو وتطور تلك النهضة مع تطبيق نظام جديد في الاقتصاد عام 1978 وهو نظام الإصلاح والانفتاح على العالم أجمع، ففي البداية عملت الصين منذ عام 1949 على القضاء على جميع الأنظمة الإقطاعية لديها، ثم قامت بالاعتماد على الصناعات التجهيزية والأساسية حتى تلبية كافة احتياجاتها في المقام الأول، وقامت أيضًا بتنظيم عملية الزراعة لديها حتى صارت جيدة للغاية، وقد سميت تلك المرحلة باسم مرحلة البناء الاشتراكي، وقد انتهت تلك المرحلة في العام السادس والسبعين من القرن العشرين، وبعدها مباشرة بدأت حملة جديدة وهي حملة الانفتاح على الرأسمالية، فقامت الحكومة الصينية بإجراء الكثير من الإصلاحات في مجال الاقتصاد، وقامت كذلك بإدخال التكنولوجيا الغربية إلى أراضيها نظرًا لكونها لم تكن تعرف أي شيء عن التكنولوجيا في تلك الفترة.
ثم قامت بتحديث الصناعة بشكل كبير وسريع للغاية، حتى أنه مع حلول عام 2003 كان حجم المبيعات المجزئ يتجاوز الأربعة تريليون ونصف يوان صيني، وخمسة ونصف تريليون يوان للاستثمارات في الأصول الثابتة، ويذكر أنه قد وصلت معدلات تجارته الخارجية إلى في عام 2003 إلى ثماني مائة وخمسين مليار دولار أمريكي، ليحتل بذلك المرتبة الرابعة على العلم في حجم المتاجرة الخارجية، وقد وصل الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية في نفس العام إلى أربعمائة مليار دولار أمريكي تقريبًا، كل هذه نجاحات كبيرة قد تمكن السوق الصيني من تحقيقها في مدة بسيطة بعض الشيء، هذا بفضل الخطة المحكمة التي وضعها الخبراء الصينيون بعد تأسيس جمهوريتهم الجديدة.
أسباب نهضة الصين
توجد العديد من الأسباب التي أدت إلى حدوث ما يسمى نهضة الصين الاقتصادية الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين، وأولى هذه الأسباب هي الإدارة الجديدة والمختلفة للتنمية، حيث عملت الحكومة الصينية على تحديد مسار تنموي يتناسب مع حجم هذه الدولة التي كانت تعاني من انهيار كبير، فعامل التنمية ضروري جدًا لتطور ونجاح أي شيء ولذلك احتضنت جمهورية الصين الشعبية عنصر التنمية وإدارته بشكل جيد وعلمي مدروس، هذا على النقيض من الكثير من دول العالم التي كان جُل همها هو المحافظة على استقرارها في كافة جوانب الحياة ومنها الاقتصاد، ولذلك استمرت تلك الدول في عملها بشكل ثابت مع محاولات للحفاظ التام وعدم العودة على الخلف.
أما الصين فقد كانت ترى أنه لابد من تنمية اقتصادها بشكل كبير وسريع للغاية حتى يواكب العالم ويجعل الشعب الصيني في مستوى معيشي جيد، وما يدل على ذلك هو تقديم الجامعات الصينية لدورات في إدارة التنمية بعد الانتهاء من الدراسة الجامعية للطلاب، وأيضًا ما يقوم به الحزب الشيوعي الصيني من مؤتمرات اقتصادية سنوية، وبعيدًا عن كل ذلك فكما قلنا تقدم الصين نموذجًا مختلفًا عن العالم من حيث النهضة، ولذلك تكون صلاحيات الدولة الصينية المتمثلة في حكومتها كبيرة جدًا، فتصل إلى الموارد الاستراتيجية، وملكية الأراضي للعامة، وغيرها من الأشياء التي سعت الدولة إلى إدارتها وتنميتها بحق، وذلك ما كان سبب رئيسي في نهضة الصين الحديثة.
المركزية الديموقراطية المتطورة
السبب الثاني في حدوث نهضة الصين هو نشوء المركزية الديموقراطية المتطورة أو الحديثة، فقد كانت الصين قديمًا تسير وفق منهج سوفيتي قديم وخاطئ قائم على المركزية وبعيد كل البعد عن الديموقراطية، ولكن بعدما قررت الحكومة الصينية أن تحدث نهضة كبيرة في اقتصادها أولًا وفي كافة مجالات الحياة ثانيُا عملت على تطبيق نظام المركزية الديموقراطية، وهذا النظام يعتمد بشكل رئيسي على الديموقراطية وهذا ما لم يكن يحدث من ذي قبل، فكانت القرارات الهامة تمر على الكثيرين من ممثلي الشعب في كافة أنحاء الدولة حتى يوافق عليه، حتى ولو أخذ هذا القرار عدة أعوام حتى يوافق عليه فالمهم هو تحقيق الديموقراطية قبل كل شيء، وهذا بالطبع أمر جيد للغاية فالدول التي تقوم حكومتها بأخذ قرارات من دون الرجوع لكافة من هم معنيين به تكون نهايتها الفشل.
فلابد أن يتدخل في صنع القرارات مئات المؤسسات والجامعات والوكالات أصحاب الفكر والرأي المشترك مع المسائل المطروحة، كل هذه الجهات لابد أن تعمل بخطى متوافقة مع الحكومة حتى يخرج في نهاية الأمر الأصلح للشعب، وهذا ما تطبقه الحكومة الصينية داخل أراضيها ولذلك نجحت نجاحًا كبيرًا ورأينا العديد من الشركات والصناعات الصينية الجديدة والبارزة في العالم، وعلى جانب أخر رأينا تأثير عنصر المركزية الديموقراطية الحديثة في بعض القضايا الأخرى مثل تقويم وتعديل سلوك الطفل الواحد، و إصلاح التعليم ، والصحة العامة، تأخير سن التقاعد عن العمل للكبار، وإصلاح القطاع المالي والمصرفي، وغيرها من القضايا الأخرى التي ساهمت فيها العديد من المؤسسات التي تعمل من أجل الشعب الصيني.
نهضة الصين نتيجة السير وفق مبادئ مين يي ومين شين
نأتي هنا للحديث عن السبب الثالث الذي أدى إلى حدوث نهضة الصين ألا وهو السير وفق مبادئ مين يي ومين شين، وهي كلمات صينية ترجمتها كالآتي مين يي تعني إرادة الشعب ومين شين تعني مشاعر الشعب، فقد جعل الصينيون أمام أعينهم إرادة الشعب مقابل مشاعر الشعب، فبالطبع يمتلك أي شعب إرادة لتحقيق الكثير من الأشياء ولكن مع مرور الوقت تهدأ تلك الإرادة بشكل تدريجي، حتى يصبح الشعب متقاعس عن العمل وبالتالي ينتهي الحلم الذي قد خطط له منذ البداية، ولذلك قام الصينيون بوضع مشاعر الشعب في المقام الأول، فكما هو معروف المشاعر والعواطف الأساسية لا تتغير بتاتًا إلا في بعض الحالات النادرة، فعلى سبيل المثال من الصعب أن يكره الإنسان وطنه أو دينه أو أهله.
وهذا ما سار به الشعب الصيني من أجل تحقيق نهضته فقد كانوا يسيرون بمشاعرهم تجاه وطنهم وأولادهم، الجميع يسعى لإعلاء شأن وطنه وتنميته والجميع يسعى لتحسين أوضاع دولته الاقتصادية حتى يعيش الأبناء في وطن جيد ومتقدم، وهذا ما جعل الصين في غضون مدة قصيرة صاحبة أقوى وأكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وفي غضون بضعة أعوام سوف نرى الصين هي المهيمنة على الاقتصاد العلمي بفضل الخطى الثابتة والمتقدمة التي تسير بها نحو الهدف الذي بدأته منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وهو نهضة الصين في كافة مجالات الحياة وعلى رأسها الاقتصاد.
أضف تعليق