إنّ نساء النبي في الإسلام هنّ أعظم مثل لنا في بيت النبوة، فكما كان صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبذلون أقصى جهدهم معه في أمور الدنيا والدين، كانت الصحابيات كذلك في بيت النبوة، فقد أسهمت الصحابيات الراويات في حفظ السنة النبوية، كما أسهم أبو هريرة وأنس بن مالك، والكثير من الصحابة رضوان الله عليهم، وليست نساء النبي فقط، بل توجد أخريات راويات ساعدوا في حفظ الأحاديث، فكانوا بمثابة مكتبة وموسوعة يلجأ إليها بعض الصحابة عند الحاجة، مما لهن السبق في معاصرة الرسول في بعض أقواله وأفعاله. كما أنّ الصحابيات الراويات قدوة لجميع النساء، وعنهن تعلّم النساء أمور دينهم، والعادات الصحيحة في بيوتهم.
استكشف هذه المقالة
مقدمة عن الصحابيات
الصحابية تعني “كل التي صاحبت الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكانت لها الفضل في إحياء الدين”، و الصحابيات الراويات هن اللاتي ساعدن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حفظ السنة، ورويٌنَ عنه الأحاديث الصحيحة، ومعنى صاحبت الرسول أي التي عاصرته، وعاشت في فترة النبوة، فلما توفي -صلى الله عليه وسلم- كانت بمثابة المرجع والثقة في رواية الأحاديث عنه، كسائر الصحابة رضوان الله عليهم، فهؤلاء الصحابيات كانت لهن السبق في الحفظ والرواية. ومن أكثر النساء رواية للحديث: السيدة عائشة بنت أبي بكر، والسيدة أم سلمة، وأسماء بنت يزيد، وميمونة بنت الحارث -رضي الله عنهن وأرضاهن-، وأخريات من الراويات، ومنهن تعلّم النساء، فهن قدوة ومثال سواء في تربية الأبناء، أو كزوجات عظيمات، وفي سورة الأحزاب آية توضح أن نساء النبي لسن كأحد من النساء، لأن بهن تقتدين وتمشين على نهجهن النساء في أمور دينهم ودنياهم، فما أعظم الأجر والفضل!، فالمحاسن لا تعد ولا تحصى، وما يستحق تعديدها، وتوضيح المنزلة العظيمة، والسبق الأول.
أكثر النساء رواية للحديث
ومن أكثر النساء رواية للحديث: السيدة عائشة -رضي الله عنها-، تليها: أم سلمة رضوان الله عليها، فدعونا نتحدث عن السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق، زوج نبينا محمد بنت صاحب رسول الله، الذي صدّق به وأوّل من آمن به، وعندما نتحدث عن عائشة، نذكر أنها الأقرب إلى قلب الرسول، والأكثر رواية عنه بعد أبي هريرة، وبعد عبد الله بن عمر بن الخطاب، حيث روَت ألفين ومائتين وعشرة من الأحاديث، للبخاري منها أربعة وخمسون حديثًا، ولمسلم تسعة وستون، فكانت أعلم وأفقه النساء، وكان الكثير من الصحابة يترددون على أم المؤمنين عائشة، يسألونها عن الرسول فتجيبهم، فهي عاشت معه وشهدت أقواله كما رأت أفعاله، فكل فعل صدر منه -صلى الله عليه وسلم- روَته بدقة شديدة، ونقلت كل حكم من أحكام الإسلام وكل تشريع سبق، فكانت -رضي الله عنها- من الصحابيات الراويات ثقة. ولو استفضنا الكلام عنها وعن فضلها لوجدنا الكثير، فكما قال الصحابة عنها لو جُمِع علمها إلى باقي علم أزواج النبي بالإضافة إلى علم جميع النساء، لكانت الأفضل من بينهم جميعًا.
لأم سلمة الأسبقية والفضل أيضًا
ومن أكثر النساء رواية للحديث بعد السيدة عائشة: السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، الزوجة السادسة، وهي هند بنت أبي أميّة المخزوميّة القريشيّة، تزوّجها رسولنا بعد موت زوجها “عبد الله بن عبد أسد”، أخو الرسول من الرضاعة، وكان والدها يُكنى بزاد الرَكٌب، كناية عن سعة كرمه وعطائه بلا حدود، فكان سبب زواج الرسول بها هو فعل أبيها. ولفضل أم سلمة نجد أنّ أولّ بيت أسلم كان بيت أبي سلمة، وكان لها الشرف في مصاحبة الرسول لها في غزوات عديدة، كخيبر وفتح مكة وهوازٍ وثقيف، كما صحبته أخيرًا في حجة الوداع، وكان من صفاتها: الجمال والعقل والبرّ. بعد انتهاء عدتها من وفاة زوجها، ذهب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليخطبها للنبي، ومن هنا بدأ مشوارها في بيت النبوة، فعاشت مع الرسول، وروت عنه بعد ذلك ثلاثة مائة وسبعة وثمانين حديثًا، وكانت صاحبة رأي وحكمة، كما كانت فقيهة وعالمة، وكان الصحابة يستفتونها في أمور كثيرة فتُفتيهم -رضي الله عنها وأرضاها-.
الصحابيات الراويات اللاتي أسهمن في حفظ السنة النبوية أيضًا
بالرغم من أنّ السيدة عائشة والسيدة أم سلمة -رضي الله عنهما- الأكثر رواية للحديث، إلا أننا يجب علينا ألا ننكر فضل هؤلاء الصحابيات الراويات ، فنجد “أسماء بنت يزيد” روَت واحد وثمانين حديثًا، وأيضًا “ميمونة بنت الحارث” حيث روَت ستة وسبعين حديثًا، كما نذكر أيضًا “أم حبيبة” بخمسةٍ وستين حديثًا، وهناك “حفصة بنت عمر بن الخطاب” وعنها ستون حديثًا كما “أسماء بنت عميس”، وفضل “أسماء بنت أبي بكر الصديق” حيث روَت ثمانية وخمسين حديثًا، بالإضافة إلى “أم هانئ بنت أبي طالب” وعنها ستة وأربعون حديثًا، و “أم عطية الأنصارية” بأربعين حديثًا، “وفاطمة بنت قيس الفهريّة” بأربعة وثلاثين حديثًا، ولبابة بنت الحارث “أم الفضل” بثلاثين حديثًا، “وفاطمة بنت رسول الله” بثمانية عشر حديثًا وهناك الكثيرات.. وكل هذا يدل على عظم دور المرأة في الإسلام، وأنها تستطيع أن تعطينا مثالًا حول العلم والذكاء، والعقل السديد والحكمة، ولا نهمل دورها وكيف نهضت بالدين وتعاليم الإسلام مع سائر الرجال في عصرها، وخاصة بمعاصرتها للرسول نفسه، وتلقي تعاليم الإسلام منه.
كيف ساهمت الصحابيات في رواية الحديث؟
هناك بالتأكيد ما فعلته هؤلاء الصحابيات لكي تستطيع المساهمة في رواية الحديث، خاصةً في حياة الرسول وقبل وفاته، فضلًا عن زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنهم بطبيعة الحال كانوا معه في بيت النبوة، فحرِصت هؤلاء الصحابيات على: حضور صلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وخطب الرسول، وكن يحضرن مجالس الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، وكن يسألنه في جميع الأمور التي تخص النساء، والتي كانت النساء تستحي سؤال الرجال فيها، فأصبحن بمثابة مَرجِع لجميع النساء بعد ذلك، وكان الرسول يعطي الصحابيات الحق في الخروج إلى المسجد، وحضور مجالس العلم لكن بعد استئذان أزواجهن، وينظم لهم مجالس دائمة تكون خاصة بهن فقط للسؤال والجواب في أمور الدين والدنيا، كما كانت السيدة عائشة الفضل في ذلك مع الرسول، لأنّ النساء كانت تذهب إليها فيسألونها وتجيبهم عن كل ما يخص أمورهم. وكانت النساء تذهبن إلى المسجد فتتلقين الأحاديث فيحفظنها، بالإضافة إلى التنافس في روايتها، مما أصبح لهن السبق في رواية الأحاديث بعد ذلك، فأصبحن من الصحابيات الراويات .
صفات توفّرت في الصحابيات الراويات
نساء فاضلات لهن أعظم الأثر يجب أن يكون لديهم صفات عظيمة ومميزة، من كونهن حرصن على تعلم الدين الإسلامي، مع تمتعهن بالذكاء والفطنة، والعقل الكبير الذي يستوعب الكثير من الأمور، وامتلكن الحياء فصار سمة مميزة لهن، كما كان عندهن من الإخلاص والأمانة، خاصةً عند إعطاء النصيحة أو معلومة معينة لغيرهن، ومع كل ذلك فهن لم ينعمن برخاء العيش والسلام الدائم، فكن يتصفن بالصبر على الشدائد التي كانت تواجههن لكن بقوة وثبات، فكما حمل الصحابة الكثير من أعباء الدعوة، تشارك معهم الصحابيات الهموم، فأصبحت الصفوف الإسلامية تمثّل المرأة بجانب الرجل، تقوم بمساندته وإعانته، ولا ننسى بين كل ذلك التشارك في المواقف السياسية التي كانت موجودة وقتها، بالذهاب إلى الغزوات، والوقوف جنبًا إلى أزواجهم.
وبعد كل ذلك يتضح لنا دور المرأة في الإسلام عامةً، ودور الصحابيات الراويات خاصةً في الإسلام، وكيف نقلوا لنا الكثير من الأحاديث النبوية، وساعدوا في حفظ السنة، وساهموا في كل ما يخص الدين الإسلامي بضمير وإخلاص، فيجب أن نفتخر جميعًا بأمهات المؤمنين، ولا نقف عند ذلك فقط، بل نقتدي بهم وبسيرتهم العظيمة والمشرّفة، فنعم المرأة المسلمة.
أضف تعليق