إذا رجعنا بالزمن إلى ستة قرون قديمًا على وجه التقريب سنجد أن العالم الغربي يعاني من ضعف وتخلف رهيب، فلم يكن لديهم أي نوع من التقدم في أي شيء تقريبًا ولذا كانوا يأتون إلى العالم الإسلامي للتعرف على حضارته والتعلم منه، فقد أستطاع المسلمون في القرون الأولى من اعتناقهم لهذا الدين العظيم أن يحققوا نجاحًا رهيبًا، طال هذا النجاح والازدهار والرقي العمارة والفن والأدب والتعامل مع الناس والعلم والورع والحكم والقضاء والجيش، فجميع الأشياء والمجالات تقريبًا قد حدث بها طفرة كبيرة، وبذلك كان يأتي إلى العالم الإسلامي الكثيرين من الغربيين للتعلم والاستفادة مننا، ثم يعودون إلى بلدهم فيطبقون ما درسوه وما عرفوه لدينا، ولكن مع مرور الوقت تغير هذا الأمر تمامًا وأصبحنا الآن نسعى بكل قوة للتعلم من العالم الغربي، وبالنسبة لأي عربي الدراسة في أوروبا والعالم الغربي هو بالأفضل على الإطلاق، فكيف يا ترى قد وصلنا إلى تلك الحالة المؤسفة، هذا ما سوف نتعرف عليه تفصيلًا في سطور مقالنا هذا، فإن كنتم مهتمين بمعرفة ذلك فيتوجب عليكم متابعة هذا المقال إلى نهايته.
العوامل التي مكنت العالم الغربي من اجتيازنا
هناك مجموعة من العوامل التي ساعدت العالم الغربي في اجتياز حضارتنا ولولاها لكنا وما زلنا على نفس المنوال من التقدم، ولكن للأسف تهاونا كثيرًا وخارت عزيمتنا وأصبحنا بمثابة عالة على المجتمع، فكل شيء تقريبًا يقوم به الغرب ويرسله إلينا للاستفادة منه بعد دفع مبالغ مالية مقابل ذلك، فبالطبع لا تأتي الأشياء من دون مقابل أو بشكل مجاني فقد سهر عليها علماء وأشخاص غربيون حتى تمكنوا من إنجازها وتقديمها للعالم، وبالتالي لابد من أن ندفع لهم مقابل ذلك المجهود والتعب، عامة سوف نتحدث هنا عن أشهر العوامل التي ساعدت العالم الغربي في الوصول إلى كل هذا القدر من النجاح بعدما كنا نحن الأقوى، وأولى هذه العوامل هي غياب الوعي لدى الشباب العربي.
غياب الوعي لدى الشباب العربي
من ضمن العوامل الكثيرة التي جعلت العالم الغربي يجتازنا ويتفوق على حضارتنا هو غياب الوعي لدى الشباب العربي، حيث أننا كنا قديمًا ذوي وعي كبير ونسعى لتحقيق الكثير من الأشياء والتقدم في الجانب العلمي، وهذا ما جعلنا نرتاد العالم وجعل المجتمع الغربي يرسل شبابه إلينا لكي نعلمهم من علومنا، فقد كان لدينا الأطباء والمهندسين والعلماء وأصحاب اللغة والمثقفين وغيرهم، وهم لم يكن لديهم أي شيء من ذلك، حتى أننا كنا الأكثر ذوقًا وأدبًا واحترامًا لأدمية الإنسان وصيانة حقوقه وحفظ ما له وما عليه، وعلى الجانب الأخر لم يكن للعالم الغربي أي شيء من ذلك ولذا كانوا يأتون إلينا لينهلوا من علومنا، أما الآن فلم يعد لدى شبابنا أي وعي تجاه هذه العلوم والثقافات بل ولم يعد لديهم طموح وعزيمة لتعلم مثل هذه الأمور.
فإذا نظرنا لوطننا العربي بشكل عام سنجد عشرات الملايين أو مئات الملايين يكتفون بعملهم ومهنتهم فقط، فالعامل والموظف في شركة أو مصنع نجده يمارس عمله صباحًا ثم يعود قبيل المغرب ويقضي يومه في الرفاهية، فمن أين سيبتكر ويبدع وينتج ويخرج لنا بأفكار جديدة، ولن تجد سوى أعدد قليلة لديها وعي بالثقافة والعلوم شغوفين بتلك الأمور هم من يسعون لها، ولكن تلك النسبة القليلة لن تؤثر في مجتمعنا مثل النسبة الكبيرة المتواجدة في العالم الغربي، لذلك فيعتبر عامل غياب الوعي لدى الشباب العربي هو من أهم العوامل التي جعلت العالم الغربي يتفوق علينا ويجتاز حضارتنا بالرغم من كوننا كنا الأقوى قديمًا.
كثرة الفتن والنزاعات في مجتمعنا
أيضًا تعد كثرة الفتن وظهور النزاعات الكثيرة داخل مجتمعاتنا العربية هي سبب من أسباب تقدم العالم الغربي علينا، فمنذ فترة كبيرة ونحن نعيش في دوامة كبيرة من الصراعات والنزاعات التي لا تهدأ ولا تتوقف، فإن سكنت فتنة أو مشكلة وهدأت الأوضاع تخرج أخرى في منطقة أخرى وتشتعل البلاد مرة أخرى، هكذا هو الحال في وطننا العربي مرة تظهر فتنة طائفية بين السنة والشيعة، ومرة أخرى تظهر فتنة بين المسلمين والمسيحين، ومرة خروج على الحاكم أو الانقلاب عليه، هذا بجانب الفساد الكبير الذي يحدث في الدول العربية، فكل يسعى لجني المال على حساب الشعب فالرئيس يتمسك بالسلطة بالرغم من فشله أو انتهاء مدته في الحكم، والحكومة تسرق الأموال ولا تنفقها على الشعب لكي ينصلح حاله، وبالتالي تتوفر له بيئة ومناخ جيد للعمل والبناء والتقدم، ومن أجل كل ذلك وقف العالم العربي عند نقطة ومنها إلى الآن لم يتحرك أي خطوة للأمام.
ولكن هذا بالطبع لا ينطبق على كافة دول المشرق أو العالم العربي، بل هناك بضعة دول عربية تسير في درب التقدم بكل قوة مثل دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، فهاتين الدولتين ينهضان بشكل سريع للغاية حتى أنهم أصبحوا من أوائل دول العالم في العديد من المجالات مثل التعليم والأمن والأمان والاقتصاد والصحة والبنية التحتية والاستثمار وغيرها، ولكن دولتين أو ثلاثة أو أربعة لا يشفعان لأكثر من عشرين دولة عربية يعيشون في تأخر واضمحلال ولا واعي، كل هذا بسبب الفتن والمشاكل والنزاعات التي تحدث في دولنا العربية، وعلى النقيض تعيش أغلب دول العالم الغربي في هدوء واستقرار وبيئة مناسبة للتقدم والتطور في كافة مجالات الحياة.
التخلص من براثن التخلف والجهل
كان العالم الغربي في العصور الوسطى يعاني من الجهل والتخلف وظلم الإنسان وخاصة المرأة، التي كانت تعاني من قيود كبيرة قد فرضت عليها حتى جعلتها من دون آدمية على الإطلاق في حين كان العالم العربي والإسلامي يحترم المرأة بشكل كبير للغاية، لذلك سعى العالم الغربي في العصور الحديثة أن يتخلص من براثن ذلك الجهل والتخلف والرجعية، فحرر نفسه كثيرًا وعمل على احترام الإنسان والإشادة بدوره الهام في المجتمع، وأيضًا أعطى للمرأة الكثير من الحرية والإحساس بالأدمية، وبعيدًا عن ذلك قام العالم الغربي ببذل الكثير من الجهد في التعلم حتى صار أكثر علمًا وتقدمًا منا، فرأينا الكثير من الأشياء التي كانت جديدة كليًا على العالم العربي والإسلامي مثل الأسلحة الحديثة، وعمليات الكشوف الجغرافية لدول العالم الجديد.
وبعدها جاءت الثورة الصناعية الكبرى التي غيرت كثيرًا من العالم الغربي وجعلته يفوق العالم الإسلامي بأضعاف ما وصل إليه، وهنا بدأ البساط ينسحب من تحت العالم العربي وعلى الجانب الأخير يتقدم العالم الغربي للأمام بخطى سريعة للغاية، فاحتلوا أغلب البلاد العربية بفضل ذكائهم وقوتهم وعتادهم الذي ظهر بعد الثورة الصناعية الكبرى، فكانت لديهم أسلحة متطورة جدًا في ذلك الوقت في حين كانت الشعوب العربية تستخدم السيوف القديمة والخيول وبذلك وأمام قوة البارود والمركبات السريعة استسلم العرب للغربيين، فنهبوا ثرواتنا التي ساعدتهم في تقدمهم وبقينا نحن في أماكننا لم نتقدم خطوة للأمام، وهكذا تخلص الغربيون من براثن التخلف والجهل لديهم وسعوا في تقدمهم الذي حققوه بشكل كبير للغاية.
العمل الدؤوب والتطور الدائم في العالم الغربي
نأتي هنا للحديث عن عامل أخر من عوامل تقدم العالم الغربي واجتياز حضارتنا وهو عامل العمل الدؤوب والتطور الدائم من قبل المجتمع الغربي، فالعالم الغربي يخترع بين الحين والأخر شيء جديد ومفيد للعالم، وهذه الاختراعات والابتكارات تكون في جميع مجالات الحياة بلا استثناء حتى صاروا قادة العالم في كل شيء، فالغربيون هم أصحاب الريادة في الصحة والطب، وأصحاب الريادة في التكنولوجيا، وفي التعليم، وفي الصناعة، وفي الاقتصاد، وفي الأدب والفن، وفي كل شيء بلا استثناء، أما نحن فدورنا الآن هو أن نستفيد مما يخترعونه ويبتكرونه شأننا كشأن الدول الفقيرة والنامية والمصنفة كدول عالم ثالث، فنحن لا نبتكر ولا نخترع أي شيء يضاهي ما هم ينتجونه ويصدرونه للعالم، لذلك فقد سبقنا العالم الغربي وأصبح أكثر منا تقدمًا وحضارة على النقيض مما كان سابقًا، فقد كانت لنا الريادة في كافة نواحي الدنيا وهم يأتون للتعلم منا، ولكن الآن تغير الوضع وأصبحنا لا نعمل ولا نبتكر ولا نخترع ولا ننتج ولا نصنع، فإلى متى سنستمر هكذا وهل سيأتي يوم ونستعيد فيه تلك الريادة!