على مدار التاريخ كانت جغرافيا روسيا هي أهم وأقوى خط دفاع لتلك الدولة الكبيرة فمساحتها التي جعلتها أكبر دولة في العالم قد حمتها من أي غزو خارجي، فالعدو يأتي إليها على أمل أن يواجه الجيش الروسي ويقضي عليه في معركة كبيرة أو معركتين، ولكن الروس ينسحبون ويتركون مدنهم للعدو خاوية فيتقدم ويتقدم حتى تبدأ حرب العصابات بالفتك به، فبينما يسير الجيش المعادي للروس يخرجون عليه بين الحين والآخر، فيقتلون ويصيبون الكثيرين من جيش العدو ثم يتسربون ويهربون إلى مكان أخر انتظار لشن هجمة أخرى، هذا مع تطبيق سياسية الأرض المحروقة هذه السياسة التي كان الروس فيها يحرقون كل شيء في المدينة قبل تركها، هذا لكي يتقدم العدو ويدخلها فيجدها خاوية على عروشها لا بها أخضر ولا يابس، لا طعام ولا شراب ولا عتاد، ومع مرور الوقت تنفذ المعونات والأغذية التي لدى جيش العدو فيضعف ويمتلكه الوهن حتى تتسلل بداخله الرغبة في الخروج من روسيا، هذا بجانب مناخ روسيا الذي لا يطيقه سوى أهلها الذين قد اعتادوا عليه، وخاصة فصل الشتاء الذي يكون باردًا تمامًا وتتساقط به الثلوج في أغلب مناطق الدولة.
استكشف هذه المقالة
نابليون والغزو الفرنسي لروسيا ودور جغرافيا روسيا
هناك عدة أمثلة على هجمات الأعداء الفاشلة على الأراضي الروسية فكلها قد باءت بالفشل ليس بسبب قوة الجيش الروسي لكن بسبب جغرافيا روسيا ، ومن أشهر هذه الأمثلة هو الغزو الفرنسي بقيادة نابليون ضد روسيا، فقد حدثت عملية الغزو تلك في الرابع عشر من شهر يونيو عام 1812 واستمرت حتى منتصف شهر ديسمبر من نفس العام، حيث قام نابليون بونابرت بشن حملته المكونة من ستمائة وثمانين جندي تقريبًا على الأراضي الروسية الكبيرة، ولكن بسبب جغرافيا روسيا فقد تمكن الروس من صد تلك الهجمات حتى خرج نابليون من الأراضي الروسية مكبد بخسائر فادحة جدًا، فيقول المؤرخون أن نابليون لم يخسر مثل هذه الخسارة الفادحة من قبل وذلك لكونه خرج من روسيا بأقل من ثلاثين ألف جندي فقط مع أنه قد دخل بقرابة السبعمائة ألف، ويذكر أن أحداث الغزو كانت عبارة عن هجمات فرنسية على مناطق روسية لم يكن فيها سوى بضعة آلاف جندي فقط.
وذلك لكون الروس قد اعتمدوا على سياسة الأرض المحروقة بمعنى أنهم يخرجوا من المدينة قبيل مجيء الروس ويقومون بحرقها وحرق محاصيلها وسلعها الغذائية حتى لا يستفاد العدو من أي شيء، وقد حاول نابليون بونابرت أن يواجه الروس في معركة كبيرة وحاسمة حتى يقضي عليهم نهائيًا نظرًا للقوة العسكرية الكبيرة التي كان يمتلكها، ولكنه فشل في جر الروس لمثل ذلك فهم يعرفون أنه أقوى منهم عددًا وعدة وعتادًا، ولذلك استنزفوا قوته حتى مجيء فصل الشتاء وهو الأمر الفارق في ذلك الغزو، حيث كان الفرنسيون غير مستعدين لذلك نفسيًا وجسديًا فكانوا يعتقدون أن الحرب ستنتهي قبل مجيء الشتاء، ولذلك لم يكن لديهم ملابس شتوية ولا مؤن تكفيهم ولا تكفي أحصنتهم، حتى أنهم وجدوا الكثير من الصعوبات في التنقل من مكان لأخر، ولذلك مات الكثير من الجيش الفرنسي حتى قرر نابليون الانسحاب والعودة إلى باريس يجر أذيال الهزيمة، وهكذا تمكنت جغرافيا روسيا بمفردها من هزيمة نابليون أقوى رجل في العالم حينها.
هتلر والغزو الألماني لروسيا ودور جغرافيا روسيا
حدثت الحرب العالمية الثانية عام 1939 واستمرت حتى عام 1945 وكان المتحاربون مقسمين إلى دول حلفاء ودول محور، على رأس دول المحور ألمانيا وإيطاليا واليابان، وعلى رأس دول الحلفاء بريطانيا وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والصين، وفي تلك الحرب العظيمة تمكن هتلر قائد ألمانيا بهزيمة كل هذه الدول لعدة أعوام من الحرب إلا أن أقترف أكبر خطأ له، وهذا الخطأ يعتبر هو أساس هزيمة ألمانيا ودول المحور في الحرب العالمية الثانية، بعدما كانت الغلبة للألمان في جميع الجهات يعتبر، وقد تمثل ذلك الخطأ الفادح في دخول القوات الألمانية للأراضي الروسية مثلما فعل نابليون بونابرت الفرنسي منذ أكثر من مائة عام، فبعد مجموعة من الانتصارات الكبيرة لهتلر الألماني في فرنسا وبريطانيا وبولندا وغيرها من المواقع الأخرى، ولكن نظرًا لكون روسيا أو الاتحاد السوفيتي في دول الحلفاء فهذا ما يعني أنه لابد من مهاجمتها من قبل هتلر قائد دول المحور.
وهذا ما حدث فعلًا ولكن كانت جغرافيا روسيا هي السبب الأكبر في هزيمة هتلر ودول المحور جميعهم، حيث أنه وبعد دخول روسيا كان للألمان تفوق كبير على الروس ونجحوا في سحقهم بعدة مواجهات، ولكن ما أن جاء فصل الشتاء حتى حدثت نفس المشكلة التي واجهت نابليون من قبل، وهناك كانت المشكلة أكثر عظمة وفاجعة بالنسبة للألمان، فقديمًا تضرر الفرنسيون من عدم وجود ملابس ومؤن تكفيهم مع فشل الأحصنة في المسير جيدًا، أما هنا في الحرب العالمية الثانية فقد كانت توجد أسلحة حديثة مثل الدبابات والبنادق والطائرات وما إلى ذلك، وللأسف هذه الأسلحة قد فسدت بسبب الجليد الكثيف الذي تساقط عليها.
فعلى سبيل المثال الدبابات والعربات الناقلة للجنود والأسلحة لم تتمكن من السير في الأراضي الجليدية بتاتًا، وبذلك تمركز الألمان في مواقع معينة وأصبحوا في وضعية دفاع بعدما كانوا في وضعية هجوم، أيضًا لم تعد تعمل بعض البنادق نظرًا لتأثير الجليد على الفولاذ أو الحديد المصنوع منه السلاح، هذا بجانب عدم قدرة الفرق الألمانية العسكرية على تحمل الجليد القاسي الذي أعتاد عليه الروس، فمات الكثير من الألمان بسبب جغرافيا روسيا ، ومات الكثيرين بسبب نفاذ المؤن والغذاء، وبذلك تهزم ألمانيا في الحرب العالمية الثانية بسبب جغرافيا روسيا .
جغرافيا روسيا
تعد روسيا هي أكبر دولة في العالم من حيث المساحة حيث تصل مساحتها إلى أكثر من سبعة عشر مليون كيلومتر مربع، وهي تمتد في شرق قارة أوروبا وشمال قارة آسيا ولذلك يطلق الجغرافيون على تلك المنطقة اسم أوراسيا، وتتشكل روسيا من مجموعة مختلفة من الجغرافيا وذلك نظرًا لمساحتها الكبيرة، ولذلك لكل مدينة أو بضعة مدن داخل روسيا توقيت خاص بها يختلف اختلافَا كبيرًا عن توقيت مدن أخرى في نفس الدولة، وقد قام الجغرافيون بتقسيم أراضي دولة روسيا إلى عدة أقسام بناء على طبيعة كل منطقة من مناطق الدولة، فهناك منطقة جبلية، ومنطقة قاحلة، ومنطقة التندرا، ومنطقة التايغا، ومن الجدير بالذكر أن روسيا تتمتع بمناخ مختلف ومتنوع بشكل كبير فهناك أراضي روسية يغطيها الجليد بشكل كبير جدًا لمدة ستة أشهر متتالية، لدرجة أنه ينعدم السير فيها وهذه المناطق ما كانت سبب في هزيمة الأعداء المهاجمين لروسيا.
أيضًا هناك مناطق في روسيا تكون فيها درجة الحرارة معتدلة ومناسبة، ومن الجدير بالذكر أن لروسيا فصلين موسمين فقط وهما فصلي الشتاء والصيف، ولا ننسى أيضًا أن لروسيا حدود دولية مع أكثر من ستة عشرة دولة جميعهم بري ماعدا اليابان والولايات المتحدة الأمريكية فالحدود بينهما متمثلة في المياه، في النهاية يتوجب عليك معرفة أن لروسيا جغرافيا مختلفة تمامًا عن أي دولة في العالم، يكفينا القول أنها أكبر دولة في العالم أجمع بمساحة تتجاوز السبعة عشر مليون كيلومتر مربع، فهذا كفيل بتوضيح مدى التنوع والاختلاف في جغرافيا روسيا الكبيرة.
أضف تعليق