الآن وبعد مضي بضعة أعوام من خطة تطوير التعليم في قطر أصبحت تلك الدولة الصغيرة صاحبة المركز الأول في التعليم على مستوى الوطن العربي، بل وصارت في المرتبة الرابعة على مستوى العالم من حيث جودة التعليم، فكيف يا ترى وصلت هذه الدولة العربية الصغيرة إلى كل هذا القدر من النجاح في المستوى التعليمي، فبالتأكيد هي لم تسر وفق قواعد معروفة على الوطن العربي وتطبق فيه، بل تم الاستعانة بمناهج وطرق تدريس أوروبية وأمريكية عالمية مع ضخ الكثير من الأموال في الجانب التعليمي، حتى تفوقت على الدول التي أخذت منها هذه التجارب وصار التعليم في قطر يصنف كواحد من أفضل أنظمة التعليم في العالم، ومن الجدير بالذكر أن قطر لم تصبح متفوقة في الجانب التعليمي بين يوم وليلة، بل سعت وعملت لعدة أعوام بدأتها تقريبًا من عام 2001 عندما قرر الأمير حمد بن خليفة آل الثاني أن ينهض بتعليم الدولة، فقد أيقن أن التعليم هو أساس النجاح في كل شيء بالحياة ولو استمرت قطر في نظامها التعليمي القديم فلن تحقق أي نجاح أبدًا، لذلك أسرع في تغيير نظام التعليم والتسريع من وتيرة النهوض به.
التعليم في قطر بين الماضي والحاضر
ظهر التعليـم في قطر بشكل نظامي عام 1952 وأخذ يتطور بخطى بطيئة حتى عام 2001، فقد كان التعليم خلال تلك الفترة شأنه شأن باقي الدول العربية وخاصة الخليجية، لا تقدم ملحوظ ولا تغيير في السياسات والمنهاج، وهذا ما جعل الأمير حمد بن خليفة آل الثاني يسارع في تطوير التعليم فور توليه للحكم، فقد رأي أن التعليم غير متطور بتاتًا ويعاني من المركزية الشديدة التي قيدته وجعلته ثابت الخطى، ومن ثم تواصل مع مؤسسة راند الأمريكية لبحث وتطوير التعليم في قطـر ، فقدمت له مجموعة من الخيارات التي أختار إحداها للعمل به داخل دولة قطر، فظهرت حينها المدارس المستقلة التي تدعم من قبل الحكومة ولكن تعمل من دون نظام حكومي، بل تعمل بنظام مستقل بأجهزة مستقلة، وهذا ما جعل عجلة التطوير والتميز والابتكار تسير بشكل سريع للغاية، وذلك نظرًا لوجود تنافس شديد بين جميع المدارس المستقلة.
ومن الجدير بالذكر أن لدى قطر رؤية تعليمية تسمى 2030، قد ألقت تلك الرؤية عام 2013 هدفها النهوض السريع والقوي بالتعليم القطري حتى يصبح الأفضل عالميًا، وبعد مرور بضعة أعوام أقل من خمسة أعوام تقريبًا تمكنت قر من حصد المرتبة الرابعة عالميًا في التعليم، وهذا نجاح كبير جدًا ومبهر حيث أنه حقق في مدة قصيرة من برنامج كبير لا يزال في تقدمه، ولا تزال الدولة القطرية تضخ الكثير من الأموال لصالح التعليم الخاص بها، فالحاضر القطري مختلف تمامًا عن أي حاضر أخر تقليدي.
أسباب تميز التعليم في قطر
ثمة مجموعة من الأسباب والعوامل التي أدت إلى تميز التعليم في قطر ولولاهم لما رأينا كل هذا التقدم الهائل، فكما قلنا مسبقًا تعد قطر هي الدولة الرابعة عالميًا والأولى عربيًا من حيث مستوى التعليم، وما جعلها تصل إلى كل هذا القدر من النجاح والتفوق هي مجموعة من الأسباب التي سنتعرف عليها بالأسفل، وأولها هو الاستعانة بالمنهاج الأجنبية.
الاستعانة بالمناهج الأجنبية
مؤسسة راند للأبحاث والتطوير هي السر وراء كل هذا التقدم الذي شهده التعليم في قطر ، هذه المؤسسة أمريكية الأصل وغير هادفة للربح تعمل على تطوير الأبحاث والتطبيقات حتى تنهض الدول، وقد قامت بوضح خطة منهجية للتعليم في قطر مقتبسة من الولايات المتحدة الأمريكية لكي يسير عليها التعليم القطري، وبالفعل هذا ما حدث عام 2001 عندما قام الأمير حمد بن خليفة بتأسيس المدارس المستقلة، وهي التي تمول بشكل كبير من قبل الحكومة ولكنها غير تابعة للحكومة حيث يغلب عليها طابع اللامركزية الواسعة، قامت هذه المدارس باستخدام المناهج الأجنبية وترك المناهج التقليدية القديمة التي كانت تستعمل قبل عام 2001، وقد شملت هذه المناهج جميع المراحل التعليمية الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية، فتغير الوضع كثيرًا بسبب تلك المناهج الأجنبية حتى صارت التعليم في قطر هو الأول عربيًا والرابع عالميًا.
تعيين القدرات والكفاءات العالمية
من ضمن الأسباب والعوامل التي أدت إلى تميز التعليـم في قطـر هو تعيين ذوي القدرات والكفاءات العالمية في منظومة التعليم القطرية، فبالطبع المدرسين والإداريين هما المسئولان عن تطور التعليم وتقدمه في أي دولة، فلو وضعنا مدرسين ذو فكر قديم وآفق ضيق ومستوى تعليمي ضعيف فهذا سوف يجعل الطلاب يخرجون بمستويات تعليمية ضئيلة جدًا، وهذا حال الكثير من الدول التي توظف من لا يمتلكون القدرات الكافية في التدريس وبالتالي يخرجون لنا طلاب أغلبهم غير مثمر، فالتعليم لا يتوقف على منهج معين بل لابد من تطويره بشكل دائم حتى يواكب العصر التقدمي الذي نعيش فيه، وهذا ما قامت به دولة قطر في نظامها التعليمي حيث عينت المدرسين الجديرين بتلك الوظيفة وأعطتهم مبالغ مالية كبيرة جدًا بالمقارنة مع باقي الدول العربية والغير عربية، أيضًا قامت بتعيين مديرين ومشرفين ومسئولين في القطاع التعليمي يمكنهم تغيير التعليم للأفضل بشكل سريع، ولذلك منذ عام 2001 حتى يومنا هذا يتطور التعليم القطري بشكل سريع جدًا حتى صار الأفضل عربيًا.
استخدام أساليب عصرية وتكنولوجية
نأتي هنا للحديث عن سبب أخر من أسباب تقدم وتطور التعليم في قطـر ألا وهو استخدام أساليب عصرية وتكنولوجية، حيث أن التدريس والتعلم بالطرق العصرية يؤدي حتمًا إلى تطور التعليم وتخريج نماذج جيدة جدًا منه، وهذا ما قامت به فعلًا دولة قطر في تعليمها الحديث حيث أنها قد أدخلت الحاسب الآلي والشاشات الذكية إلى مدارسها، وقامت أيضًا بجعل الطلاب يلعبون ألعاب ذكاء وتنمية مهارات داخل الفصول، هذا مع السير وفق نظام أجنبي مدروس يعطي في النهاية نتائج جيدة جدًا، كل هذا وأكثر قد جعل من دولة قطر الأكثر تميزًا في الوطن العربي والرابعة عالميًا.
إنفاق الكثير من الأموال على التعليم
لم تبخل دولة قطر أبدًا في الإنفاق على التعليـم في قطر حيث أنها قامت بتخصيص جزء كبير جدًا من أموالها لصالح التعليم، فتقول الإحصائيات التقريبية أن الحكومة القطرية قد خصصت للتعليم فقط حوالي عشرين مليار ريال قطري، هذا بجانب الإنفاق الكبير من الناتج القومي على التعليم والذي قدر بثلاثة ونصف بالمائة، ومع مرور الوقت ستزداد تلك الأموال المنفقة على التعليم حتى تصل إلى أكثر من أربعين مليار دولار أمريكي بحلول عام 2050، هذا الأموال الكبيرة توزع بنسب مدروسة ومحددة من قبل الحكومة على جميع العاملين بقطاع التعليم من مدرسين ومسئولين ومديرين وغيرهم.
وبالطبع تلك المبالغ المالية تستقطب المدرسين ذوي الكفاءات والقدرات العليا للعمل بدولة قطر، فالدولة توفر لهم كل ما يحتاجونه حتى يعطوا للطالب أفضل محتوى تعليمي على الإطلاق، في حين أن الدولة التي تعطي مرتبات قليلة للموظفين تكون جودة التعليم لديها ضعيفة جدًا على سبيل المثال مصر، فمرتب المعلمين في مصر يبدأ من ستين دولار أمريكي شهريًا ولذلك جودة التعليم لديها ضعيفة للغاية حتى أنها كانت ضمن أسوء خمسة دول تعليميًا في القائمة.
أضف تعليق