ليس من الصعب تشخيص تأخر الكلام لدى الطفل في حال كانت الأم على دراية بالتطور الطبيعي الذي من المفترض أن يمر به في سنوات عمره الأولى. والتطور اللغوي لدى الأطفال لا يقتصر فقط على النطق بالحروف والكلمات، وإنما يشمل الإشارة إلى الأشياء وفهم الكلام الموجه إليهم من الكبار والتمكن من التواصل مع العالم المحيط بهم؛ فإذا استطاع الطفل استخدام أي لغة تساعده على التعبير عن احتياجاته غير البكاء، فإن هذا يعني أنه يمر بالأطوار الطبيعية للتطور اللغوي. وهناك الكثير من المشاكل التي من الممكن أن يمر بها الطفل في سنوات عمره الأولى، وعلى رأسها تأخر الكلام لديه، وهي مشكلة صارت شائعة في الفترات الأخيرة بسبب انشغال الأمهات والآباء عن أطفالهم وعدم التواصل معهم واستسهال جلوسهم أمام التلفاز ومشاهدة الأفلام الكارتونية التي تؤخر عملية النطق عند تعرض الطفل لها لساعات طويلة يتلقى دون أن يتفاعل مع العالم المحيط به. تعرف معنا على كيفية تشخيص تأخر الكلام وعلاج المشكلة في وقت باكر.
استكشف هذه المقالة
أسباب تأخر الكلام عند الأطفال
قبل الحديث عن تشخيص تأخر الكلام لدى الأطفال، نتحدث عن الأسباب التي تؤدي إلى ذلك. وأسباب تأخر الكلام تنقسم إلى قسمين:
عند تشخيص تأخر الكلام نبدأ بالأسباب الطبيعية
ويقصد به أن يكون الطفل هو أول إخوته ولا يوجد حوله من يتحدث ويستخدم اللغة كثيرا وأبواه لا يتحدثان إليه أو أمامه، وهنا يؤدي قلة سماع اللغة إلى تأخر النطق بها. كذلك قد تكون لغة الأبوين مختلفة عن بعضهما البعض أو تكون الأسرة مقيمة بأحد البلدان الغريبة التي لا يسمع فيها الطفل لغته الأم. وعموما دخول لغتين في الوقت ذاته إلى عقل الطفل أو قلة استماعه للغته الأم يؤخر كثيرا النطق بها.
سبب مرضي
ويقصد به أن تكون هناك مشكلة عضوية أو نفسية لدى الطفل تمنعه من التكلم بشكل طبيعي في وقت باكر.
والأسباب المرضية التي تؤخذ في الاعتبار عند تشخيص تأخر الكلام لدى الأطفال قسمناها لعضوية ونفسية، ونفصلها كالآتي:
مشاكل عضوية
وتحدث لنسبة غير قليلة من الأطفال، ولذا يجب متابعة الطفل والكشف لدى الطبيب في سن البدء في استخدام اللغة. ومن أكثر المشاكل العضوية التي تتسبب في تأخر الكلام لدى الأطفال شيوعا مشكلة اللسان المربوط، وهي أن يكون اللسان ملتصقا من الأسفل بقاع الفم ولا يمكن للطفل تحريكه بشكل طبيعي عند التحدث. ويمكن التخلص من هذه المشكلة عن طريق عملية جراحية بسيطة تزيل الحزام النسيجي الذي يربط اللسان بالفم. ولكن قبل الإقدام على إجراء العملية يفضل استشارة الطبيب والتأكد من احتياج الطفل لها.
مشاكل نفسية هامة عند تشخيص تأخر الكلام
هي مشاكل في التخاطب تحدث للأطفال وتظهر في صورة تلعثم أو عدم قدرة على نطق الأصوات من مخارجها الطبيعية. ويحدث كل ذلك بسبب مشاكل نفسية يعاني منها الطفل نتيجة لعدم قدرة الأبوين والمحيطين به على التعامل معه بشكل جيد، كأن يقوموا بتخويفه أو التسبب في شعوره بالحزن لسوء معاملتهم له، أو فقده أحد أفراد أسرته المحبوبين والمقربين إلى الطفل، حيث أنه، وإن كان صغيرا، يدرك ويشعر باختفاء المقربين له.
تشخيص تأخر الكلام عند الأطفال
في حال كانت الأم لديها شك في أن طفلها تأخر في الكلام يمكنها التأكد من ذلك بشكل بسيط وسهل، حتى تتمكن من معرفة طريق العلاج، في حال كان الطفل بالفعل يعاني من مشكلة ما، أو تهدأ بالا وتطمئن على عدم وجود مشكلة نفسية أو عضوية لدى طفلها. وخطوات تشخيص تأخر الكلام لدى الأطفال نوردها فيما يلي:
- لابد لكل أم وأن تكون على دراية بجدول النطق عند الأطفال، حتى تعلم التدرج الطبيعي لكلام الطفل وتتابع تطوره على مدار السنوات الأولى من عمره. وعند ذلك يمكن معرفة ما إذا كان الطفل متأخرا أم أنه يسير في الطريق السليم لاستخدام اللغة. وسنورد فيما هو قادم الجدول الذي يساعد على تشخيص تأخر الكلام لدى الأطفال.
- لا يجب أبدا مقارنة الطفل بغيره، وإن كانوا حتى إخوته، حيث أن كل طفل يعتبر حالة فريدة وله ظروفه الخاصة. وفي العموم يكون البنات أسرع مشيا ونطقا من الأولاد.
- في حال كان هناك شك بأن الطفل متأخر في الكلام، يستحسن إجراء حديث دائم معه وحكاية الحكايات ومتابعة تطوره؛ فإن استجاب الطفل، ولو حتى بملاغاة غير مفهومة، فهناك أمل في التخلص من المشكلة دون اللجوء إلى الطبيب، وإلا وجب البدء في طريق العلاج.
- يمكن المتابعة مع طبيب، ولو حتى على وسائل التواصل الاجتماعي، للاطمئنان على أن الطفل يتطور لغويا بشكل طبيعي ولا يعاني من أي مشاكل.
كيفية علاج تأخر الكلام لدى الأطفال
في حال قامت الأم بعملية تشخيص تأخر الكلام لدى طفلها ووجدت أن هناك مشكلة بالفعل في نطقه، يمكنها اتباع النصائح التالية حتى تتمكن من علاج المشكلة في أسرع وقت:
- توجيه انتباه الطفل إلى الأصوات المحيطة به وتمكينه من تجريبها، كأن يسمع صوت جرس الباب ويحاول هو الضغط على الزر الخاص به، أو اللعب بألعاب تصدر أصوات من الطبيعة المحيطة به، مثل أصوات الحيوانات الأليفة والطيور.
- اللعب مع الطفل وإصدار أصوات تلفت انتباهه وتتماشى مع اللعبة، كأن نمسك بسيارة ونصدر صوت يشبه صوتها بالفم، فالهدف الذي نصبو إليه هو سماع الأصوات بشكل متكرر حتى يتمكن الطفل من النطق بها، ولو منفردة.
- استخدام مقاطع صوتية بسيطة يمكن للطفل التقاطها وتقليدها فيما بعد، وكلما كانت المقاطع قليلة الحروف أو الأصوات كلما سهل ذلك الأمر على الطفل.
- استخدام نبرة صوت رفيعة عند التحدث إلى الطفل، فهو ينتبه دوما إلى الصوت القريب لصوت أمه، حيث أن الصوت الأنثوي بالنسبة إليه هو مصدر الأمان والغذاء. وهذه الطريقة تعمل على تسريع تطور مهارات الطفل اللغوية وتحسن من نطقه.
- استخدام الكلمات البسيطة مع إشارات بلغة الجسد تدل عليها، مثل نعم مع الإيماء بالرأس أو لا مع هز الرأس بالنفي أو التحذير مع رفع السبابة أو قول ماما مع الإشارة إليها، وهكذا.
- تعليم الطفل اسمه ومناداته به كثيرا حتى يحفظه عن ظهر قلب وتعليمه أسماء إخوته والمحيطين به حتى يتمكن من مناداتهم.
- التكلم مع الطفل عند القيام بأي نشاط وتسمية النشاط والتحدث عنه، كأن نقول له هيا نأكل، هذا طعام، الطعام مفيد، نأكل لنكبر، هذا لحم، هذا حليب، لونه أبيض، نشربه في كوب، وهكذا.
- التجول في المنزل وذكر أسماء الأشياء الموجودة به أمام الطفل، مع ذكر الأشكال والألوان، فكلما استمع الطفل أكثر للغة زاد ذلك في حصيلته اللغوية ومكنه من النطق بأكبر عدد من الكلمات في وقت مبكر.
- عدم التحدث إلى الطفل إلا بلغته الأم حتى لا يحدث لديه اضطراب ويتأخر في النطق بسبب اختلاط الأمر عليه، ولابد وأن يشعر الطفل بانتمائه للغته الأم وأن يتقنها قبل تعلم أي لغة أخرى، بحيث تكون هي القاعدة التي ينبني عليها تعلم ما سواها.
- شراء الألعاب التعليمية للطفل، والتي يتعلم من خلالها الأشكال المختلفة والألوان وأسماء الأشياء المحيطة وأصواتها.
- التدرج في تعليم الطفل اللغة، بحيث تكون البداية مجرد أصوات بسيطة ثم كلمات قليلة الحروف ثم زيادة عدد كلمات الجملة تدريجيا.
جدول النطق عند الأطفال
ذكرنا فيما سبق أنه من المهم للغاية لكل أم معرفة جدول النطق لدى الطفل في سنواته الأولى، حتى تتمكن من متابعته جيدا وملاحظة أي تأخر في وقت باكر والبدء في العلاج. وهذا الجدول يسهل تعليم الطفل في كل مرحلة من مراحل النطق لديه كما أنه يساعد على تشخيص تأخر الكلام لديه. وفيما يلي نعرض الجدول، متضمنا مراحل نطق الطفل منذ يومه الأول وحتى تمام عام كامل:
من اليوم الأول وحتى الشهر الثالث
في هذه المرحلة تكون اللغة الأولى التي يعبر بها الطفل عن احتياجاته ويتواصل عن طريقها مع من حوله هي البكاء. والطريف هو أن طريقة بكاء الطفل تختلف على حسب طبيعة الشيء الذي يحتاجه، فبكائه بسبب الجوع يختلف عن بكائه بسبب الشعور بالخوف أو الرغبة في النوم، وهكذا. والأم كلما تعاملت معه لمدة أطول تستطيع تمييز طبيعة بكائه وتتمكن من تلبية طلباته بشكل أيسر. بعد مرور ستة أسابيع على ولادة الطفل يبدأ في إصدار بعض الأصوات التي تعبر عن سعادته أو عدم رضاه. ولعل الأم تلاحظ بعض الأصوات التي يصدرها رضيعها بمجرد رؤيتها، مثل “أوووو ” أو “آآه ه”. ويبدأ الطفل في الابتسام خلال الشهر الثاني أو الثالث، وينتظر ممن حوله أن يبادلوه الابتسام. وبمرور الوقت يبدأ الطفل في تقليد تعبيرات وجه المحيطين به.
من الشهر الثالث إلى الشهر السادس
بحلول الشهر الثالث أ والرابع من عمر الطفل يبدأ في إصدار أصوات جديدة. ومن أهم التطورات التي تحدث خلال هذه المرحلة هو أن الطفل يبدأ في الضحك بصوت عال ويتفاعل مع من حوله عندما يداعبونه. تكون أصوات الطفل في هذه المرحلة بسيطة، مثل أجا، أغا، آآآ، باااااا. يحاول الطفل كذلك استكشاف قدرته على إصدار الأصوات فيجرب درجات صوته المختلفة كما يستخدم اللعاب في إصدار بعض الأصوات ويحاول تقليد أصوات المحيطين به. وفي الغالب يفطن الطفل لاسمه وينتبه عند مناداته به، وهذا يعتمد على كثرة استخدامه بالطبع.
من الشهر السادس إلى الشهر التاسع
في هذه المرحلة يستمر الطفل في إصدار أصوات مختلفة تتكون في الغالب من مقطع أو مقطعين، مثل با با وما ما ودا دا، ولكنه لا يقصد مناداة أبيه أو أمه، إنه فقط يردد الأصوات التي يسهل عليه النطق بها.
من الشهر التاسع إلى الشهر الثاني عشر
تعتبر هذه المرحلة من أكثر المراحل بهجة ومتعة في حياة الطفل والمحيطين به؛ فهو يتمكن من نطق المزيد من الحروف والكلمات ويستطيع التجاوب والتفاعل مع العالم المحيط به، كما أنه ينشر البهجة بحركاته الطفولية على جميع المحيطين به. يستطيع الطفل في هذه المرحلة فهم بعض الكلمات، على الرغم من عدم قدرته على النطق بها، والتجاوب من خلال لغة الجسد. فمثلا لو قلنا له أين ماما سينظر ناحيتها ويبتسم، ما يعني أنه قد فهم السؤال واستطاع الرد عليه باللغة التي يعرفها. كذلك إن قام الطفل بفعل شيء ما ثم رأى تشجيعا ممن حوله فسيستمر في ذلك لأنه قد فهم أن هذا شيء جيد؛ بخلاف لو قلنا له “لا” بوجه حاسم فإنه ينتهي عما يفعل. وفي الغالب ينادي الطفل أول من ينادي أبيه، وهو يقصده بالفعل الآن. والسبب في ذلك هو أن كلمة بابا أسهل عليه بكثير من ماما. والطبيعي أنه بنهاية العام الأول للطفل يستطيع نطق كلمة إلى ثلاث كلمات، سواء كانت متفرقات أو مجتمعات. وفي حال لم يكن الطفل ينطق بهذا العدد من الكلمات فهذا لا يعني بأن هناك تأخر في الكلام لديه، ولكن تشخيص تأخر الكلام هنا يكون في حال لو لم يكن الطفل يحاول نطق أي أصوات ولا يتفاعل مع من حوله.
تشخيص تأخر الكلام في عمر السنتين
بعد حديثنا عن التطور اللغوي الطبيعي للطفل خلال عامه الأول نتكلم عن تشخيص تأخر الكلام في العام الثاني والعلامات التي تدل على ذلك. وبداية من العام الثاني يتمكن الطفل من التعبير عن احتياجاته بحروف معينة، سواء كانت ذات معنى أم لا، ثم تتطور هذه الحروف إلى كلمات صريحة بمرور الوقت. وفيما يلي أهم التطورات التي يمر بها الطفل خلال هذه الفترة، والتي يدل التأخر فيها على وجود مشكلة ما:
- تتحول اللفتات اللفظية التي يعبر بها الطفل عن احتياجاته إلى كلمات واضحة، خاصة لو سمعها مرارا وتكرارا ممن حوله.
- يتمكن الطفل من معرفة أجزاء جسمه وأسمائها والإشارة إليها والانتباه لها عند التكلم عنها من قبل الكبار، وذلك بعد بلوغه الشهر الخامس عشر تقريبا.
- في نفس السن يستطيع الطفل تمييز معظم الأشياء المحيطة به ومعرفة أسمائها، خاصة متعلقاته الشخصية، مثل كوبه وطبقه ولعبته، حتى ولو لم يكن يستطيع النطق بها فهو يحفظها ويفهمها جيدا.
- يستمتع الطفل في هذه الفترة بالاستماع إلى القصص والحكايات، كما أنه يستجيب لا إراديا لسماع الموسيقى ويبدأ في التحرك بجسمه معها.
- عند بلوغ الطفل عاما ونصف يستطيع النطق بعشر كلمات أو يزيد، وبداية من هذا العمر تزداد حصيلته اللغوية بشكل ملحوظ ويتطور تطورا كبيرا.
- عند تمام الطفل عامه الثاني يتمكن من نطق الكثير من الكلمات، كما أنه يستطيع فهم المحيطين به والإلمام بالمفردات اليومية، حتى ولو لم ينطقها جيدا.
- يعرف الطفل اسمه جيدا ويمكنه الإشارة إلى نفسه في عمر العامين.
- من عمر عام إلى عام ونصف يستطيع الطفل فهم التوجيهات المختلفة من قبل المحيطين به، كأن يقال له اجلس، قم، كل، وهكذا، وبمرور الوقت يستطيع فهم الجمل الأكثر تعقيدا.
- ببلوغ الطفل عامين يمكنه النطق بجملة مكونة من كلمتين، والتي غالبا ما تكون مشتملة على اسمه أو اسم أمه، مثل أنا آكل، ماما العب، وهكذا.
وعموما، فإنه في حال لك تكن هناك مشكلة نفسية أو جسدية، فلا داع للقلق، حيث أن الأطفال يختلفون عن بعضهم البعض، فهناك من يفضل التحرك والمشي أولا، وهم كثيري الحركة، كما أن هناك من يطورون مهاراتهم اللغوية قبل محاولتهم المشي، وهم الثرثارون.
وأنبه إلى أن تشخيص تأخر الكلام لدى الطفل في سن مبكرة يجعل التواصل مع المحيطين به أيسر بكثير، فهو يتمكن من التواصل معهم والتعبير عن احتياجاته بلغة يفهمونها، حتى ولو كانت لغة جسدية لا تشتمل على أي أصوات أو كلمات. وهنا يتخلى الطفل عن استخدام البكاء والصراخ كطريقة للتعبير عن احتياجاته.
أضف تعليق