عند انتهاء رمضان تصبح أكثر رضا عن شكل حياتك الحالي سواء في الجانب الديني، من حيث الانتظام في الصلاة مثلا والتقرب إلى الله واعتياد الجلوس في المجلس وقراءة القرآن وذكر الله، أو الجانب الشخصي مثل تقليل نسبة الدهون في الطعام والامتناع عن الوجبات السريعة وتقليل التدخين وتنظيم الوقت وإنجاز أكثر من مهمة خلال اليوم وتعويد النفس على الصبر وحرمانها من الشهوات وغيرها، أو على الجانب الاجتماعي من حيث صلة الرحم وزيارة الأقارب وتوثيق الصلات بينك وبين الناس وإيجاد وقت للعلاقات الاجتماعية مع الأصدقاء والمعارف وغيرها.
والإنسان يكون ثملا بالأجواء الروحانية والتكافلية التي يفرزها رمضان فيشعر أنه يجب أن يعيش حياته كلها بهذا الشكل، ولكن على أي حال على الأقل يجب أن يقاوم خسارة هذه الصورة الجيدة عن نفسه والتي تشعره بالرضا وألا يفقدها بعد انتهاء رمضان وعودته لنمط الحياة الذي لا يرضيه.
كيف تستمر بالعادات الطيبة بعد انتهاء رمضان ؟
هناك الكثير من الأمور التي يجب عليك فهمها، أهمها أنك إن عدت بعد رمضان لما كنت عليه قبل رمضان خصوصا من حيث الجانب الديني فإن ذلك حسب العلماء قد يكون دليل على عدم قبول أعمالك. وبالتالي يجب عليك الاستمرار لأن ذلك سيكون دليل على إخلاصك في نية التقرب إلى الله عز وجل وعلى صلاح نفسك ونقاء سريرتك، أما عن كيف تستمر بعد رمضان على أداء العادات الإيجابية سواء من حيث الجوانب الدينية أو الشخصية أو الاجتماعية فهذا ما سنتحدث عنه بالفعل في السطور التالية.
الحرص على أداء الصلاة في وقتها
بعد انتهاء رمضان عليك أن تظل حريصا على
- أداء الصلوات في وقتها مثلما كنت في رمضان.
- أن تظل حريصا على زيارة المساجد.
- أن تظل حريصا على الجلوس في المسجد والتهيؤ للصلاة.
- أن تكون سعادتك في اقتراب مواقيت الصلاة، تلك العادة التي تجعلك دائما على صلة جيدة برب العالمين، تشعر أنك بالفعل بالقرب منه، الصلاة عموما تقي الكثير من الهواجس والاضطرابات التي يشعر بها الإنسان لما فيها من راحة نفسية وشعور بروحانية تدخل على الإنسان الطمأنينة والسكينة، وذلك لشعوره الدائم بأنه قريب من الله وحريص عليه وهذا ما يجعلنا نحرص على الذهاب إليه في بيته والتواصل معه من خلال الصلاة.
مقاومة الإنسان للشهوات والرغبات
مثلما كنا في رمضان نقمع كل شهواتنا ورغباتنا، نستطيع أن نصبر على الجوع والعطش والمنبهات والمكيفات حتى لأكثر من نصف اليوم، نعمل تحت الضغط ونؤدي المهمات دون طاقة ونرغم أجسادنا على الانصياع لنا لا الانصياع لها، نستطيع أيضًا بعد انتهاء رمضان كذلك أن نحاول عدم إطلاق العنان لشهواتنا ورغباتنا هذه التي تجعلنا نتراخى أمام الأمور الواجب علينا فعلها وعدم قدرتنا على تحمل المسئولية والالتزام والانضباط بل أن نجعل من أنفسنا عبيدا لشهواتنا دون إفساح المجال للضمائر والعقول والشعور أن تقول كلمتها. لذلك درب نفسك على عدم إطلاق العنان للرغبات والشهوات، لا أقول نزهد أو نتصوف، ولكن بالمقابل لا نغترف من كل لذة أو نعب من كل شهوة.
الحرص على أداء الواجبات الاجتماعية
تزدهر زيارة الأقارب وصلة الأرحام والتأكيد على الروابط الاجتماعية وتقوية الصلات بيننا وبين الناس في رمضان بشكل كبير ولكن تفقد زهوتها بعد انقضاء العيد. بالطبع يتغير النمط بعد انتهاء رمضان حيث أن لكل إنسان مشاغله وكل هذه الأمور وأن الدنيا لا تترك لنا الكثير من هذه الحياة الاجتماعية وأن الإنسان بعد يوم حافل بالعمل يريد فقط أن يأكل وجبته ويسترخي وبعد أسبوع حافل بالعمل يريد أن يجلس في المنزل ليقرأ ويسترخي أيضًا. أما العلاقات الاجتماعية فمرفوع عنها الخدمة لحين إشعار آخر أو لحين قدوم رمضان آخر، لكنك عزيزي لو قمت كل شهر بعمل زيارة لأقاربك ممن يهتمون لأمرك وتهتم لأمرهم وحرصت على لقاء أصدقائك باستمرار ستجد أن حياتك أصبحت أفضل وأن حسك الاجتماعي أصبح أقوى بكثير وشعورك بالأمان وسط أشخاص تألفهم ويألفونك وتحبهم ويحبونك.
الاستمرار في تقليل التدخين
أتذكر رمضان الأول الذي مر علي وأنا مدخن، في أول يوم كنت مستعد لمبادلة الدنيا كلها بسيجارة، ورغم ذلك لم أستبدل صيامي بأي شيء، في اليوم الثاني نفس المنوال وكنت بمجرد الإفطار ألحم السيجارة في الأخرى محاولا تعويض ما فاتني خلال الصيام. هدأت الأمور قليلا بعد انقضاء أول عشرة أيام حيث أصبحت أقل شهوة للتدخين خلال النهار وأقل شراهة بعد الإفطار، ومع حلول الثلث الأخير من رمضان أصبحت أكتفي بسيجارتين أو ثلاث بين الإفطار والسحور، أما الرغبة في التدخين بالنهار فلم تعد تنتابني أبدا، استغللت هذا بعد انتهاء رمضان للإقلاع عن التدخين وبالفعل استمررت على نظام رمضان بعده ولكنني عدت بعدها لثلاثة شهور، ولا زلت أطمح في نجاح المحاولة كل عام في رمضان، وأنت أيضًا رمضان هو فرصتك الكبرى للإقلاع عن التدخين، فمهما بلغت شراهتك في التدخين لن تستطيع تدخين نفس الكمية التي كنت تدخنها في الأيام العادية، وبالتالي يمكنك استغلال هذا بعد انتهاء رمضان والثبات والرغبة في التقليل فعلا حتى تحصل على الإقلاع الكامل.
العيش بنفسية رمضان بعد انتهاء رمضان
أعتقد أن اتباع سنة صيام ستة أيام من شوال عن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن من أجل مزيد من الصيام فحسب ولكن للعيش بنفسية رمضان بعد انتهاء رمضان وللعيش بحالة رمضان بعد انتهاء رمضان وللاستمرار في نفس النمط ومواصلة تلك العادات الإيجابية ، وبالتالي بعد انقضاء العيد عليك في البدء بصيام ستة أيام من شوال حتى تستطيع التكملة في نمط رمضان وعدم الانفصال عن أجوائه، ولا شك أنك ستستطيع بالفعل طالما كنت مخلصا في النية وواثقا من رغبتك القوية والأصيلة في الاستمرار على تلك العادات الإيجابية التي ولا شك ستخلق منك شخصا آخر، ستكون راضيا عنه في النهاية.
انتهاء رمضان لا يعني انتهاء الخير ولا الأشياء الخيرة التي كنت تفعلها في رمضان وتجعلك راضيا عن نفسك وقتها، انتهاء شهر رمضان يعني أنك زرعت فيك بذور الخير والإيجابية والعادات الطيبة، وعليك أن تنميها وتسقيها حتى تصبح شجرا وارفا تجني ثماره ما حييت.
أضف تعليق