الحق أقول لكل شخص أن الاقتصاد في رمضان أصبح ضرورة على كافة المستويات في الأيام التي نحيا بها، من جهة لأن الأوضاع الاقتصادية في معظم مناطق العالم خصوصًا في الشرق الأوسط تتجه إلى الأسوأ ومن الجهة الأخرى لأن البذخ الزائد والإسراف قد بلغا أوجهما في الفترة الأخيرة بسبب الرغبة المُلحة في الشراء وملء ثلاجة رمضان بكل ما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات ومعجنات وحلويات وفواكه وصار رمضان موسم للتسوق والشراء والاستهلاك، ولذلك يمكننا جميعا فهم أهمية الطعام والشراب في رمضان ولكن لا نفهم هذا البذخ الزائد عن الحد والإسراف الذي تجاوز حد المعقول، ومن هنا صار علينا الاقتصاد في رمضان ربما أكثر من غيره.
استكشف هذه المقالة
أهمية الاقتصاد في رمضان
الاقتصاد في رمضان له أهمية كبرى، أهمية مادية وأهمية معنوية ودينية، الأهمية المادية هو عدم إرهاق النفس بالشراء والاستهلاك، فنحن نرى الأسواق وهي تتزين، المتاجر الكبرى وهي تتجمل، الدكاكين والمحلات وهي تنير بالسلع الجديدة والمختلفة، وكل عام يظهر لنا تقاليع مختلفة، موضات متعددة حول الإفطار نوعيته وأصنافه وألوانه، سبل الترفيه في رمضان أنواعها ومميزاتها، السياحة في رمضان أماكنها المختلفة ومدى فخامتها، فهل هذا يعقل أن يكون رمضان انفصالا عن كل هذه الأمور فنجد أنه أصبح موسما لإنفاق النقود؟ يجب أن نقف مع أنفسنا وقفة لنتفهم أنه لا يجب علينا الإنفاق الزائد، بل تقليل الميزانية بالأساس لأن بعد رمضان هناك عيد وهناك ملابس للأبناء وهناك تكاليف سندفعها وغير ذلك، أما الفائدة المعنوية وهو كيف وأننا مقبلين على شهر يجب أن نستغله للعبادة والاستغفار والذكر والصلاة وقراءة القرآن فنجد أنفسنا ننحرف بغايته إلى الاستهلاك والتسوق والترفيه والسياحة؟ لا ريب أن هناك أزمة كبيرة لدينا في فهم معنى رمضان وبالتالي لا يمكن أن يكون رمضان استراحة من اللهاث الدائم خلف هذه الأمور فنجد أنفسنا نبالغ فيها أكثر وأكثر، أليس كذلك؟ لذلك يجب علينا فهم أهمية الاقتصاد في رمضان والسبب وراء وجوبه.
جوهر رمضان وحكمة الصيام
رمضان شهر الروحانيات والعبادات، الشهر الذي نخلع فيه لهاثنا الأعمى وراء الملذات والشهوات على مدار العام، الذي نتجرد فيه من حبنا للماديات وعبنا من بحرها الذي لا نشبع منه، رمضان الشهر الذي نحاول فيه أن نلحق بأرواحنا الضائعة، أن نطارد براءتنا الضالة، أن نفتش بحرص على معدننا الحقيقي، ذلك المعدن الإنساني النبيل الذي تاه في زحام العمل والمسئوليات والتحقيق الذاتي والمهني والبحث الدؤوب عن السعادة، وأهم طرق البحث هذه هي الاستهلاك والشراء والتسوق وجلب الأشياء وامتلاكها وحب السيطرة والاستحواذ، وبالتالي رمضان هو شهر الروحانيات والزهد والتقشف والبعد عن الملهيات وتعويد النفس على الصبر وتحميلها المشاق وقياس مدى قدرة النفس على الزهد والتقشف، ولذلك كان الاقتصاد في رمضان بعدا دينيا ومعنويا قبل أن يكون ماديا واقتصاديا، وعدم الاقتصاد في رمضان، وزيادة معدل الاستهلاك والتسوق واغتراف اللذات والشهوات بشكل أكبر، فهذا يعني تفريغ للشهر من جوهره ومن معناه، وبالتالي يمر علينا شهر رمضان مرور الكرام فلا يترك فينا أي أثر، ويصبح مثله مثل أي شهر، إن لم يكن أقل أفضلية من أي شهر آخر.
كيف يمكننا الاقتصاد في رمضان
- شراء الأشياء اللازمة فحسب، لا يجب علينا تخزين المواد بشكل زائد عن اللزوم وليس علينا أن نملأ المبرد بأشياء قد لا نحتاجها، ومن كل صنف ولون ونوع، كنت مرة في إحدى المتاجر قُبيل رمضان بيومين وأنتظر الدفع عند منفذ الدفع وأفاجأ برجل وزوجته يملآ عربتين للتسوق بأشياء من يراها يقول أننا على وشك دخول حرب، تقريبا من كل السلع صنف أو اثنين، وفي النهاية دفع الرجل مبلغا محترما قد تنفقه أسرة متوسطة في الأيام العادية في أكثر من شهر.
- تفهم جوهر رمضان والحكمة من وراء مشروعيته وأنه ليس شهرا للتسوق أو التنزه أو الاستهلاك، بل لتعويد النفس على الصبر والاستراحة من الحياة المادية الترفيهية والجري وراء الشهوات والملذات، لا نطالب بالطبع بالزهد أو بالتقشف ولكن بإدخال الأمور في حدود المعقول ليس إلا.
- استغلال رمضان من أجل العبادة والاستغفار ومن أجل الصلاة وقراءة القرآن وتدبره والتقرب إلى الله عز وجل والتسول إليه لنيل رضوانه والتزود بزاد المعاد، فربما لحظة واحدة في رمضان من الروحانية والتقوى تساوي عمر كامل من العبادة.
الاقتصاد في رمضان أصبح واجبا بسبب التباهي والاستعراض والتسابق الآن إلى الاستهلاك واللهاث وراء الشراء والتسوق وبالتالي تفريغ رمضان من جوهره ومضمونه والانحراف بغايته لأنه يهدف بالأساس إلى تربية النفس وتأديبها وجعلها تعتاد على المحن والشدائد.
أضف تعليق