بدأت خيام رمضان منذ نحو عشرون عاما تنتشر في عدة عواصم عربية ليست في القاهرة أو جدة أو بيروت فحسب بل في عمان وتونس والكويت والمنامة أيضًا، ليست في مسقط أو دبي أو أبو ظبي فقط بل امتدت في مراكش والرباط ودمشق، خيام رمضان موضة انتشرت كالنار في الهشيم دون ضابط أو رابط ودون أي مراعاة لطقوس الشهر الفضيل ولا لقدسيته ولا لجوهره أنه أيضًا شهر للعبادة وللصلاة، لذلك علينا أن نرصد هذه الموضة التي بدأت في البداية بتجهيز الإفطار والسحور إلى إضافة فقرات كاملة لا تتناسب وقدسية الشهر الفضيل ولا تمت له بصلة كما أنها دخيلة على عاداتنا وعلى تراثنا المناسب والملائم لشهر رمضان والذي يسعى إلى الاحتفاء به بدلا من جعله سعلة ووجبة استهلاكية رخيصة على موائد الفنادق والأندية الليلية والمقاهي تحت أضواء خيام رمضان الراقصة.
استكشف هذه المقالة
نشأة خيام رمضان
لا أحد يعرف على وجه التحديد من أول من ابتدع بدعة خيام رمضان هذه ولا من أول شخص فكر فيها، والكثير يرجعون هذه الموضة بالأساس إلى النوادي الليلية والفنادق التي لا تعمل في رمضان فأرادت ابتداع موضة جديدة من أجل جذب الرواد واستمرار توافدهم عليها خلال الشهر الفضيل وحشدوا الفقرات الفنية وعروض الإفطار والسحور كذلك من أجل جذبهم إليهم، بدأت هذه الموضة في مصر ولم تلبث إلا وامتدت إلى الأردن ثم إلى جدة وبيروت وتونس وغيرها، ولا ريب أن هناك الكثير من الأشياء يمكن أن نقولها على هذه الخيام ولكنها للأسف تقضي على روح رمضان الحقيقية، فتجعل منه شيئا تافها واستهلاكيا إلى حد كبير لا يتناسب مع المكانة المقدسة والروحانية في قلوب كافة المسلمين.
ما تحتوى عليه خيام رمضان
تحتوي خيم رمضان الحالية ربما على الإفطار والسحور وهذا حقيقي، ولقد أصبحت لمة العائلة أو العزائم الرمضانية وتجهيز الإفطار للأصدقاء أو الأقارب من التقاليد القديمة والتي عفا عليها الزمن، أما الجديد الآن فهو الاتفاق مع الأصدقاء على الإفطار في خيام رمضان وتناول السحور هناك أيضًا ومشاهدة الفقرات والعروض، هناك من الخيام ما يكتفي فقط بتجهيز الإفطار والسحور وإمداد الزوار بالعصائر والحلويات والأكلات الرمضانية البحتة وهذا جيد ولكن غير ذلك يوجد عروض لراقصات روسيات، قراءة للكف، تدخين للشيشة أو النرجيلة، أجواء ليس مكانها رمضان إطلاقا، غير ذلك يوجد بالطبع تواجد غير مسبوق منذ سنوات للمطربين والمطربات في خيام رمضان من كل فئاتهم، من نجوم الصف الأول ذوي الأجور التي تقدر بمئات الآلاف، وحتى المطربين الشعبيين ذوي الأجور البسيطة التي لا تزيد عن رقم بثلاثة أصفار، لذلك يجب علينا أن نفهم جيدا أن ما يحدث في خيام رمضان لا يمكن أن نتأقلم معه لأنه يغير هوية الشهر الفضيل.
انتهاك خيام رمضان لقدسية الشهر الفضيل
يمكننا أن نقول بملء الفم أن خيام رمضان تنتهك قدسية الشهر الفضيل وتحط من مكانته وتفقده هويته كشهر للطاعة والإحسان والعبادة على الناحية الدينية ولم شمل العائلة وصلة الأرحام وزيارات الأقارب على الناحية الاجتماعية، لا تعد خيام رمضان سوى وسيلة جديدة لخدمة فئات معينة تجتذب طبقات وشرائح متعددة، هذه الفئات المعينة المستهدفة من البداية هي التي لا تعرف عن رمضان سوى اسمه ولا تعرف عن الصيام سوى نومها طيلة النهار، هي نفس الفئة التي تسافر إلى القرى السياحية لتقضي رمضان على الشاطئ وهي نفس الفئة التي لا تعرف سهرات رمضان والسهر ولكنها تعرف “Ramadan night” والذي أصبح الاسم الفج والواضح لمثل هذه الخيام الرمضانية، إن سهر الأشخاص طوال الليل في هذه الخيام وتحويل رمضان المنتمي لجذور ثقافتنا إلى تقليعة استهلاكية ترفيهية بحروف لاتينية انتهاك لقدسية الشهر الفضيل وتفريغه من معناه والانحراف بغايته ومبتغاه.
بدائل عصرية لخيام رمضان
يمكننا بدلا من خيام رمضان هذه التي لا تمت لواقعنا أو لحياتنا أو لثقافتنا بصلة وتستجلب مفردات وثقافات بعيدة عن جذورنا وتراثنا ودخيلة علينا كليا أن نتمسك ببدائل عصرية أيضًا لها طابع مفيد وفي نفس الوقت لا تنتهك قدسية الشهر الفضيل، فعلى سبيل المثال لماذا لا نستمر في تنظيم دورات رمضانية للعب كرة القدم، لماذا لا نقدم ندوات شعرية، أو أمسيات أدبية يتم مناقشة القضايا الثقافية أو الفكرية فيها، لماذا لا نقوم بعمل جلسات أو حلقات للذكر وختم القرآن الكريم أو حتى مناقشة القضايا الدينية أو طرح الرؤى الفكرية الجديدة لتحديث الخطاب الديني والفكر الإسلامي المعاصر، لماذا نستمر في استيراد أفكار ومفردات دخيلة علينا ليس لها أي علاقة بنا وتلبيسها لأشياء غير ملائمة لها على الإطلاق؟ أعتقد أننا يجب أن نعيد النظر في أمر خيم رمضان هذه وفي كل المفردات الدخيلة علينا وعلى ثقافتنا والتي تؤدي وظيفة كبرى في تفريغ رمضان من جوهره.
خيام رمضان تفريغ لشكل رمضان من جوهره وتحويله لأجواء احتفالية ترفيهية فحسب بدلا من أن يكون شهرا للعبادة وللغفران وشهرا لزيارة الأقارب والأصدقاء وصلة الأرحام لا للهو واللعب والمرح كأنه مصيف أو ملهى ليلي.
أضف تعليق