بدأ النفوذ الفرنسي في الوصول إلى الكثير من الدول تباعًا منذ بداية القرن السابع عشر تقريبًا، فدخل الفرنسيون قارة آسيا واحتلوا الكثير من أراضيها، ثم دخول قارتي العالم الجديد أمريكا الشمالية والجنوبية، ثم منطقة الكاريبي، ثم إفريقيا وهي أكبر قارة وصل إليها النفوذ الفرنسي، حيث كانت تخضع لها العديد من الدول الإفريقية سواء في الوسط أو الشمال أو الجنوب أو الغرب، ومع مرور الأعوام والقرون كان لابد من خروج الفرنسيين من الأراضي التي تم احتلالها مسبقًا، وهذا ما حدث في ستينات القرن العشرين حيث انتهت النفوذ الفرنسي في كامل مناطق العالم، وأيضًا ذلك ما حدث مع دولة بريطانيا العظمى، فالنصف الثاني من القرن العشرين كان عام انتهاء الاستعمار في العالم بأسره إلا ما هو موجود في فلسطين، عامة خرج الفرنسيون من كافة الأراضي التي استعمروها ولكن إلى الآن لا تزال تتواجد بعض النفوذ البسيطة في القليل من الدول الإفريقية، فلا زالت فرنسا تتحكم في بعض الأشياء داخل القارة السمراء، مثل مواردها الطبيعية ومعادنها وكل ما هو ذو قيمة في أراضيها.
استكشف هذه المقالة
مناطق النفوذ الفرنسي
شملت مناطق النفوذ الفرنسي جميع قارات العالم تقريبًا ولذلك حملت لقب ثاني أكبر إمبراطورية بعد بريطانيا العظمى، حيث أن مستعمراتها قد طالت بعض من دول الأمريكيتين مثل كندا ثاني أكبر الدول مساحة في العالم، وسان بيير وميكلون، وجزيرة كليبرتون، وأكادي، وفلوريدا الفرنسية، وجزر المالوين، وبعض الأراضي البرازيلية، وغويان، وأيضًا كان لها نفوذ بسيط في أوروبا شمل جمهورية مالطا وبعض من المدن اليونانية، وفي قارة آسيا كان لها نفوذ لا بأس به حيث احتلت هاتاي في العام الثامن عشر من القرن العشرين وامتد هذا الاحتلال لمدة عشري عام تقريبًا، وهي دولة حديثة أسستها فرنسا في الأراضي السورية وانتهت بعد مدة قليلة، ثم أخذت في عام واحد دولتي لبنان وسوريا وذلك بعدما أخذت بريطانيا فلسطين والأردن، وهذا بناء على الاتفاقيات التي أجريت بعد الحرب العالمية الأولى وانتهاء الدولة العثمانية تمامًا.
وأيضًا امتدت مناطق نفوذها إلى فيتنام ولاوس وكمبوديا، وهناك أيضًا بعض المناطق الموجودة في قارة أوقيانوسيا قد وصل لها النفوذ الفرنسي ، مثل بولينزيا التي أخذتها فرنسا في عام 1880، وجزر واليس وفوتونا التي أخذتها فرنسا بعد سبعة أعوام تقريبًا من أخذ بولينزيا، واحتلت أيضًا في تلك القارة تجمع كاليدونيا الجديد وذلك في عام 1853، وأخيرًا تشاركت مع بريطانيا العظمى في احتلال جمهورية فانواتو عام 1906، أما عن القطب الجنوبية فلم تأخذ منه سوى أرض أديلي في العام الأربعين من القرن التاسع عشر.
النفوذ الفرنسي في منطقة الكاريبي
بالرغم من وقوع منطقة جزر الكاريبي وبحره في حيز الأمريكيتين إلا أنه وجب الحديث عنهم بشكل منفصل لكثرة مناطقها التي وقعت تحت أيدي الفرنسيين، فقد قامت بأخذ جزيرة سان كيتس أو سان كريستوف عام 1600، ثم ضمت أيضًا جزر سانت دومانغ عام 1623، ثم تجمع سان مارتين عام 1626، ثم بعدها احتلت الدومينيكان في الخامس والعشرين من نفس القرن، ثم إقليم أنغويلا في الخامس والأربعين من القرن الثامن عشر، وأيضًا ضمت إليها جزيرة توباغو، ومارتينيك في الخامس والثلاثين من القرن السابع عشر، ووصلت أيضًا إلى دولة أو جزيرة سانت لوسيا عام 1660، وجزر سينت أوستاتيوس في الثامن والأربعين من نفس القرن، وأيضًا جزيرة مونتسرات في 1782، وطالت أياديها أيضًا جزر مارتينيك في الخامس والثلاثين من القرن السابع عشر، ثم في عام 1648 قامت باحتلال تجمع إقليم سان بارتيلمي.
وغيرها من الجزر الأخرى داخل هذه القارة قامت فرنسا بوضع يدها عليها بالقوة، فتعتبر فرنسا هي صاحبة أكبر نصيب استعماري في تلك المنطقة داخل الأمريكيتان، حتى أن بريطانيا العظمى لم تعطي اهتمام كبير لتلك المنطقة مثلما فعلت فرنسا.
النفوذ الفرنسي في أفريقيا
يقول بعض القادة والمؤرخين أن فرنسا بدون إفريقيا ستصبح بدون تاريخ في هذا القرن بل والأدهى أنها ستصبح من دول العالم الثالث، فقد وصل النفوذ الفرنسي إلى العديد من الدول الأفريقية حتى عدت إفريقيا هي أكبر قارة وصلها الغزو الفرنسي، وإلى الآن ما زالت بعض الدول الإفريقية تتحمل نتيجة هذا الاستعمار فتدفع الضرائب وتنفذ ما كان معقود منذ زمن، ومن ضمن الدول الإفريقية التي وصل إليها النفوذ الفرنسي هي دولة الغابون حيث احتلتها في الثالث والأربعين من القرن التاسع عشر، ثم جمهورية إفريقيا الوسطى في الثمانينات من نفس القرن، ثم مدت يدها إلى جمهورية الكونغو في 1891، ثم وصل الغزو الفرنسي إلى جمهورية تشاد بعدها بأربعة أعوام فقط.
وأيضًا وصل النفوذ الفرنسي إلى دولة مدغشقر بجميع المناطق التابعة لها في هذا الوقت حيث كانت مدغشقر عبارة عن مستعمرة كبيرة بها بعض الدول والجزر الصغيرة، فيندرج تحت مدغشقر جزر سيشل وأمستردام وكومورو ومايوت وغيرهم، ومن الجدير بالذكر أن فرنسا قد وصلت إلى هذه المنطقة في السابع والتسعين من القرن التاسع عشر، وأيضًا احتلت فرنسا دولة تنزانيا وكانت هذه هي إحدى الدول التي تم احتلالها في بداية تكوين الإمبراطورية، حيث وصل النفوذ الفرنسي إليها في الرابع والأربعين من القرن الثامن عشر، ثم احتلت جيبوتي في 1862، هذه تعد جميع الدول التي وصل إليها النفوذ الفرنسي في إفريقيا بمنطقتي أفزيفيا الاستوائية والمحيط الهندي.
النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا
نأتي هنا للحديث عن منطقة غرب إفريقيا وهي التي وصل إليها النفوذ الفرنسي بدرجة كبيرة جدًا، حيث احتلت فرنسا دولة السنغال وهي الدولة الأكثر احتلالًا في القارة فقد دخلتها فرنسا ثلاثة مرات الأولى كانت في 1626 والتي امتدت حتى 1758، ثم خرجت منها في ذلك العام ودخلتها مرة ثانية بعد عشرين عام تقريبًا، وخرجت منها مرة أخرى في 1809، وبعدها دخلت مره ثالثة بعد ثمانية أعوام ولم تخرج منها إلا في العام الستين من القرن العشرين، بعد ذلك لدينا دولة أخرى قد احتلت من قبل فرنسا وهي دولة ساحل العاج والتي احتلت في 1895، وقد قال مؤرخ عن هذا الاحتلال أنه يوضح لنا قمة ضعف وبؤس المواطن الأفريقي، فقد كانت فرنسا تضع في ساحل العاج ما يقل عن الخمسمائة جندي ومع ذلك سيطروا على بلد بها حوالي عشرين مليون نسمة.
عامة وصل النفوذ الفرنسي إلى دولة أخرى وهي بنين، ثم مالي، ثم دولة النيجر في السابع والتسعين من القرن التاسع عشر، ثم بوركينا فاسو بعدها بعام تقريبًا، ثم دولة غينيا وقد كان دخول الفرنسيين إليها في الثالث والتسعين من نفس القرن، ثم دولة توغو عام 1919 وخرجت منها في عام 1960 أيضًا، ثم دولة الكاميرون وهي تحمل نفس تواريخ الدخول والخروج التي كانت في توغو، ودولة غامبيا عام 1681 ولكن كانت أجزاء منها فقط، ولو أمعنا النظر في جميع تواريخ الخروج من تلك الدول وانتهاء الاحتلال عليها سنجد أن أغلبها في 1960 وهو عام انتهاء الإمبراطورية الفرنسية بالكامل.
النفوذ الفَرنسي في الشمال الإفريقي
ظل النفوذ الفرنسي منتشرًا في الشمال الأفريقي حتى مدة كبيرة من الزمان ويقال إنه إلى الآن لا تزال توجد بعض الهيمنة الفرنسية على بعض من مناطق الشمال الأفريقي، وتعتبر الجزائر هي الأكثر تعرضًا للاحتلال الفرنسي من بين دول الشمال، فقد دخل الفرنسيون إلى الجزائر في عام 1830، ولم يحدث الاحتلال الكامل للأراضي الجزائرية مرة واحدة بل جرت الكثير من المعارك ولذا استمرت عملية استعمار الجزائر مدة لا بأس بها، ولكن للأسف دخل الفرنسيون إلى الجزائر وبسطوا سيطرتهم عليها حتى عام 1962، وبذلك تتجاوز مدة تواجد النفوذ الفرنسي في الجزائر أكثر من مائة عام ضحى خلالها الشعب الجزائري بأكثر من مليون شهيد حتى ينال استقلاله، ومن مظاهر النفوذ الفرنسي في الجزائر تحول الكثير من الشعب الجزائري إلى تبني اللغة الفرنسية، وسفر الكثيرين إلى فرنسا ليتخذوها موطنًا رسميًا لهم، وغيرها العديد من الصور التي تدل على توغل النفوذ الفرنسي داخل الأراضي الجزائرية.
النفوذ الفَرنسي في تونس
فرض الفرنسيون سيطرتهم أيضًا على دولة تونس وكان ذلك في عام 1881 وقد استمر هذا الاستعمار حتى عام 1956، ويذكر أنه عندما دخل النفوذ الفرنسي إلى الأراضي الجزائرية رفعوا أعينهم صوب تونس، وسعوا لاستغلال جميع الفرص التي من الممكن أن تضعف الشعب التونسي وتسهل على الفرنسيين اقتحام أراضيه، وللأسف كانت الأوضاع التونسية تساعد على ذلك فالبلاد تعيش في حالة ضعف كبيرة وتكالب عليها من بعض الدول العظمى، هذا بجانب كثرة الديون التي من المفترض أن تدفعها الخزانة التونسية، وفي الوقت المناسب من عام 1881 قام الفرنسيون بشن غزوهم على الأراضي التونسية، وبالرغم من محاولات الصد الشديدة التي قامت من قبل القبائل التونسية إلا أن هذا لم يجدي أي نفع للأسف، وذلك لقلة عدد التونسيين وضعف العتاد والسلاح الذي كان في متناول أيديهم، وهذا ما أدى إلى دخول الفرنسيين وفرض سيطرتهم على كامل الأراضي التونسية.
النفوذ الفَرنسي في المغرب
وصل النفوذ الفرنسي إلى الأراضي المغربية في وقت متأخر جدًا عام 1912 أي قبيل الحرب العالمية الأولى بعامين فقط، وبذلك تكون المغرب أخر دولة في الشمال الأفريقي تم احتلالها من قبل الجيش الفرنسي، وأيضًا لم يكن احتلالها مثل أي احتلال عادي لفرنسا حيث أنها لم تكن تسيطر على جميع الأراضي المغربية، بل كانت سيطرتها على تسعة وثمانين بالمائة فقط من أراضي المغرب العربي، في حين كانت الإحدى عشر بالمائة المتبقية من نصيب إسبانيا، وذلك بسبب الصراعات التي جرت بين فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا حول المغرب، فالمغرب كان أهم دولة في الشمال الإفريقي نظرًا لموقعها الجغرافي الهام وقربها من البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق.
ولذا سعت جميع الدول العظمى لفرض سيطرتها على تلك الأراضي المغربية بشتى السبل، وتمكن الفرنسيون من فرض سيطرتهم إثر معاهدة فاس التي جرت بين إسبانيا وفرنسا، وفيها تنازل السلطان المغربي مولاي عبد الحفيظ عن الحكم للفرنسيين بالتشارك مع الإسبان، واستمر هذا الاستعمار حتى عام 1956 وهو نفس عام خروج الاستعمار الفرنسي من دولة تونس المجاورة، ومن الجدير بالذكر أنه قد جرت الكثير من المعارك والصراعات لأجل الاستقلال المغربي راح ضحيتها الكثير من الشباب المغربي المناضل.
أضف تعليق