لا يمكن أن يكون البكاء في العمل مجرد مزحه ولم نكتب هذا المقال من أجل لفت الانتباه فحسب، فإن كنت قد عملت في مؤسسة رأسمالية من قبل فهذا يعني أنك قد تعرضت للكثير من الضغط الذي قد يجعلك تفلت أعصابك أحيانا وبما أنك لا تستطيع فعل هذا فربما تحتاج إلى وقت للبكاء من أجل التعبير عن الحزن والألم والضعف الذي تشعر بهم ولا ريب أنك يضايقك على الدوام وجود الزملاء من حولك والذين يحولون بينك وبين إطلاق العنان لمشاعرك والبكاء وقتما شئت في أي مكان تريد، لذلك كان هذا المقال الذي يعطيك بعض الإرشادات حول الطريقة التي يمكنك من خلالها البكاء في العمل دون أن يلاحظك زملاؤك أو مديرك أو تلفت انتباه أحد.
استكشف هذه المقالة
هل البكاء في العمل أمر طبيعي؟
ربما ليس لدينا دراسة حاسمة تفيد بطبيعية البكاء في العمل من عدمه أو أن البكاء في العمل ظاهرة صحية أم لا، ليس لدينا ما يؤيد الإجابة بنعم أو لا على هذا السؤال ولكن لنتخذ اليابان كمثال على ضغط العمل الذي يؤدي إلى الوفاة والذي بسببه تم الاصطلاح على لفظ “الكاروشي” الذي يعني باختصار “الموت الناجم عن ضغط العمل” والذي حسب الإحصائيات فقد بلغ ضحاياه ما بين وفاة بسبب الإجهاد أو إيذاء النفس في العام 2013 إلى 197 حالة، وهو رقم قد يبدو ضئيلا ولكن حين يموت هذا العدد بسبب العمل فهذا يعني أن الضغوط تطال النسبة الأكبر من العاملين مما يعني تأثر الحالة النفسية ومن ثم فإن البكاء في العمل من أثر هذه الحالة النفسية السيئة نتيجة طبيعية، لذلك إن راودتك الرغبة في البكاء أثناء مزاولة عملك أو بعد تلقي خبر صادم أو توبيخ من مديرك أو فشلك في تحقيق الهدف الأسبوعي أو الشهري أو عجزك عن إنهاء المهمات المكلف بها فهذا لا يعني أنك فاشل أو عاجز أو غير مؤهل، هذا يعني فقط أنك ترهق نفسك في العمل فوق طاقتك وهي فروق فردية إلى حد كبير بالتالي فإن البكاء في العمل هنا يبدو شيء طبيعي.
الأشياء التي تدفعنا إلى البكاء في العمل
قد تسمع كثيرا نصائح بالإقبال على العمل كشخص ناضج لا يمكنه البكاء أو التأثر وكأنك ماكينة أتت هنا من أجل إنجاز الأعمال مع تنحية متعمدة لبشرية الأشخاص وإهمال آدمية شخصياتهم ولكن في العصر الحديث تحديدا تتعدد الأشياء التي تجعلنا نبكي في العمل وتجعل البكاء في العمل شيئا طبيعيا لو أتحنا له الفرصة وأعطيناه المساحة لوجدنا أن حتى المديرين أنفسهم يبكون، فما هي أهم الأسباب التي تدفعنا إلى البكاء في العمل ؟ قطوف منها في الفقرات التالية.
المدير المستبد
في إحدى المرات بينما كنت أعمل مدرسا كان لدينا مدير المرحلة التعليمية شخصا شريرا حقا وأنا أؤمن بتركيبة البشر المعقدة التي تجمع بين الخير والشر في طبيعة الإنسان ولكن هذا الشخص كان شريرا صرفا، وفي إحدى المرات حيث كان لدي فترتين أخذت الأطفال للملعب من أجل تغيير جو الفصل الرتيب والحد من شعورهم بالاختناق والحبس، فإذا بالمدير يأتيني الملعب وينادي علي من مسافة بعيدة ويبدأ في الصراخ في وجهي دون إعطائي فرصة للحديث، وقام بتوعدي بخصم ثلاثة أيام من راتبي أمام زملائي وزميلاتي والطلاب أنفسهم ولكزني في كتفي من شدة عصبيته، ثم عجزت عن الرد، وظللت جالسا ما تبقى من الفترة الدراسية صامتا تماما والطلاب في حالة وجوم تام بعد أن رأوا مدرسهم المحبوب وهو في أسوأ حال أمام مديره، وكنت أقاوم دموعي قدر الإمكان، وبالفعل انتهت الفترة وأخرجت العيال إلى الفصل اختليت بنفسي وغرقت في نوبة بكاء هستيرية وظل أثرها النفسي علي لفترة لاحقة، وقررت في هذا اليوم أنني سأقدم استقالتي في نهاية الفصل الدراسي وقد كان، وربما كان لدي رفاهية تقديم الاستقالة لكن لا ريب أن كثيرا من الموظفين يتعرضون لموقف مماثلة لكنهم لا يستطيعون تقديم استقالتهم بسبب الالتزامات، فهل من العدل كبت الرغبة في البكاء في العمل وهم يذوقون هذا الذل والهوان كل يوم؟ ليس هذا بعدل.
المهمات المتراكمة
من أسوأ ما يمكن أن يحدث ويدفعنا إلى البكاء في العمل هو التكليف بمهمات كبيرة في مدة قصيرة دون النظر لقدرة الموظف على تسليمها من عدمه ومع تراكم المهمات والشعور الدائم أنك تحرث في البحر فمهما أنهيت من عمل سيظل العمل متراكما، وأنك ربما ستظل ولفترة طويلة تعمل دون انقطاع من أجل حتى إنهاء ربع العمل المكلف به، لا ريب أن هذا شعورا خانقا يجعلنا نشعر بالإحباط الدائم لأننا نكرس حياتنا بأكملها للعمل فحسب وأننا لا ننجز شيئا رغم ذلك حيث مهما أنجزنا يظل ما أنجزناه ضئيلا بالنسبة للمطلوب منا تأديته بالتالي ليس على أحد أن يتحدث عن شعور المهمات المتراكمة في العمل ما لم يجربها لذلك يظل البكاء في العمل من أثر المهمات المتراكمة أمرا طبيعيا جدا، أعتقد في إحدى المرات كان لدي هذا الشعور وقد بدأت في القيام والصراخ من أجل ضيق الوقت وكثرة المهمات، بالتالي ليس علينا سوى الهدوء، الهدوء التام، وترك الأمور تحدث لأن العمل يمكن أن يتم تعويضه لكن الصحة ليست كذلك على الإطلاق.
البكاء في العمل بسبب ساعات العمل الطويلة
قرأت من قبل أن ساعات العمل الطويلة قد تؤدي إلى إتلاف المخ حيث أن كل ضغط على النفس من أجل مزيد من العمل يتلف خلايا المخ بشكل متتابع، مما يجعل الإنسان عرضة للأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب الحاد، وهذه الأمور كلها تصيب الإنسان للشعور بالحزن والمرارة والتعاسة في الحياة، أليس البكاء في هذه اللحظات يعتبر أمرا طبيعيا؟ بل إننا نخاف أن يقوم الإنسان بكبت كل هذا ومواصلة العمل أيضًا، وأليس البكاء في العمل يكتسب رمزية مغايرة بصفته المكان الذي يسبب للإنسان كل هذه التعاسة والألم الدائم المتواصل والذي يجعله في هذه الحالة النفسية السيئة خصوصا مع تقلص حياتك الاجتماعية وربما انعدامها على أثر وجودك طوال اليوم في العمل حتى إن تبقى لك ساعة في نهاية اليوم من أجل الطعام فإنك تفضل أن تظل صامتا فيا ليس لديك طاقة لا للحديث مع أحد أو التواصل مع أحد أيا كان، حيث يمكنك الاستمتاع بألا تفعل شيئا على الإطلاق، وألا يطلب منك أحد أي شيء مهما كان بسيطا.
الإحباط بسبب رد الفعل السلبي
لا يوجد أعتقد ما هو أكثر منطقية كدافع إلى البكاء في العمل من رد الفعل السلبي، تخيل أنك تقوم على عمل ما وتبذل فيه كل جهد ووقت ومشقة وعناء وحين تعرضه على الرؤساء تجد أنه لا ينال إعجابهم بل تتلقى التوبيخ والاتهام بالتقصير وربما الفشل في مواءمة الزملاء من الذين يعملون بجد واجتهاد هاهنا، لا ريب أنك ستتحمل كل هذه الكلمات صاغرا وبرباطة جأش، ستومئ برأسك تفهما وتظاهرا بالموافقة على كل ما يقولانه على كل ما يقدحان به في شخصك ويطعنان به في عملك وفي جهدك وفي تأهلك للعمل معهم، لن تستطيع الدفاع عن نفسك وسيعجز الرد بالطبع فتخرج بعد هذه الوصلة من التوبيخ والعتاب بمزيج من الإحباط والحزن والألم وربما ستفقد شعورك بمجرد ما تغلق الباب وتخرج وتجد الدموع تنساب بسلاسة ودون أي مقاومة منك، لذلك لا يمكننا القول أن هذا أمرا غير معتادا بل طبيعيا ولا ريب أن كلنا شعرنا به في وقت من الأوقات.
المنافسة المحمومة وعدم استيعاب التغيير
كل يوم، بل كل ساعة وكل لحظة يخرج شيئا جديدا، لم تعد للخبرة هنا حساب، فما كنت خبيرا فيه من قبل، ما كنت تجيده بمهارة شديدة تحسد عليها وتستطيع أن تضع خبرتك فيها وحدك أمام عشرة من المتخرجين الجدد أو المبتدئين في المجال الذي تعمل به، ولكن الآن تغيرت الموازين، فما كنت خبيرا فيه من قبل، ما ظللت ترسخه بداخلك حتى أصبحت مخضرما لم يعد يحتاجه أحد، صار موضة قديمة لا يستعين بها أحد، لا يحبذها أحد، يأتي من الخلف من يجعلك تشعر بأنك من الجيل القديم وأننا أتينا الآن بالحديث كله، الحديث الذي يلزمك التعلم عليه من جديد كي تثبت كفاءتك، وكي تظل في مكانك، وإلى جانب خبرتك في القديم فإنك كلما استطعت أن تكتسب مهارات جديدة كلما أصبحت فرصتك في السقوط والتردي أقل، أما كلما اقتصرت على مجال عمل واحد أو مهارة واحدة كلما كنت أكثر عرضة للضياع والإهمال من قبل رواد الأعمال، ألا يعني هذا أن البكاء في العمل شيء ضروري؟ ألا تبكي حتى من تصور هذا؟ ألا يشعرك بالحزن؟ إن هذا السبب من أهم الأسباب التي تجعلك تشعر بالقلق والحزن الدائم تجاه عملك.
كيف يمكنك البكاء في العمل دون أن لفت الانتباه؟
بناء على ما تحدثنا عنه من طبيعية البكاء في العمل وأنه أمر يبدو نتيجة لا مفر منها بسبب ما يحدث الآن من سباق متواصل ومحموم ومستقبل لا يبدو آمنا ما لم تنتحر بشكل مجازي في العمل حتى تستطيع أن تثبت كفاءتك خصوصًا مع اتساع سوق العمل وزيادة الأعداد في الداخلين إلى العمل والسعار الدائم في مواكبة التطورات التي تطرأ على مجال الأعمال في كافة التخصصات فمن الطبيعي أن يصيبك هذا بالقلق الدائم لذلك ليس عليك سوى أن تنفس عن قلقك هذا وتترك العنان لمشاعرك، لذلك عليك أن ترغب في البكاء وتبكي بالفعل إن كان هذا ما تشعر به.
لا تقاوم الرغبة لفترة طويلة
بالطبع لا يمكنك البكاء أمام كل الزملاء بشكل محرج ومخجل جدا وبالطبع لا يمكنك التوجه إلى مكتبك أو الجزء المخصص لك ومواصلة عملك كأن شيئا لم يكن والتظاهر بأن الأمور جميعها بخير، تستطيع فقط أن تفعل هذا ببساطة بالطبع ولكن آثاره ليست جيدة، ولذلك إن كان لا مفر من هذا فلا تقاوم الرغبة في البكاء لفترة طويلة بل تحين الفرصة من أجل التنفيس عن غضبك وحزنك وألمك ولا تؤجل الأمور لحين زوال هذه الرغبة من تلقاء نفسها، اجعل الأمر سهلا وبسيطا قدر الإمكان ولا تعتاد على قمع الشعور بداخلك لأن تراكم هذه المشاعر سيؤدي بك لانفجار سيصعب السيطرة عليه لاحقا في كافة الأرجاء.
البكاء في الحمام أسلم طريقة
يمكنك أيضًا البكاء في العمل في أفضل مكان تنعم فيه بالخصوصية، المكان الذي لا يدخله الكثير من الناس إلا مرات معدودة طوال اليوم، إلا إن كان هناك حمام مختلط للرجال والسيدات على حد سواء أو كنت أنت نفسك عزيزي القارئ امرأة فبالتالي ستجد كافة الزميلات يجعلن من الحمام مقرا سريا للاجتماعات وللبكاء والصراخ، فضلا عن إصلاح المكياج ووضع المزيد من مستحضرات التجميل والتأكد من الهندمة، لذلك احرص على البكاء في حمام الرجال وأنتِ أيضًا عزيزتي الزميلة لا مانع من استخدام حمام الرجال من أجل البكاء أيضًا وفي الغالب يوجد تسامح من قبل الزملاء أمام بكاء الزميلات، الأزمة كل الأزمة في حالة البكاء في العمل من قبل الرجال، خصوصًا وأن بكاء الرجال أصلا مستهجن في كافة جوانب الحياة العامة، فما بالك بالعمل إذًا.
اطلب من الزملاء تركك وحدك
إن كان هناك ثمة أزمة في مقاومة رغبتك في البكاء وحديث الزملاء قد يثير أشجانك ويدفعك إلى البكاء بشكل تلقائي فلا مانع من إخبار الزملاء بتركك وحدك حتى تستطيع البكاء كما شئت وحدك، للأسف الشديد ليس لدينا هذه الثقافة ولكن أنت الآن أمام اختيارين، إما أن تكون وقحا وتطلب منهم تركك وحدك لأنك تود الاختلاء بنفسك، وهم سيرونك وقحا قليلا ولكن سيغفرون لك هذا فيما بعد وسينسونه، وإما أن تبكي أمامهم وسيرونك ضعيفا وهشا وهم للأسف لن ينعتونك بالوقح بصفة مؤقتة ولا بغير مؤقتة لكن لن ينسون لك بأنك كنت تبكي بسبب العمل في أحد الأيام، لذلك لو أصر الزملاء على البقاء معك فكن حادا قليلا وأنت تطلب منهم ذلك حتى لو تجشمت بعض الوقاحة.
البكاء في العمل قد يكون ضرورة في أغلب الأوقات وللأسف لولا الالتزامات المادية وعدم قدرتنا على مواجهة الأمر بنفسية شجاعة مقدامة، لأنه لولا ذلك لكنا صرخنا في وجه من يصرخ في وجهنا، وبخنا من يوبخنا، واجهنا المديرين بعدم قدرتنا تحمل كل هذا، فرضنا رؤيتنا في العمل وتحمل مسئوليتها بدل من فرض رؤيتهم هم في العمل وتحميلنا المسئولية أيضًا حين تفشل وكل هذا، ولكن بسبب أن كل هذا غير متوفر، فليس أمامنا سوى البكاء في العمل والتحايل عليه رغم ذلك.
أضف تعليق