تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » كيف تدرك ضرورة الفنون وما هي نتائج اختفاء الفنون من العالم؟

كيف تدرك ضرورة الفنون وما هي نتائج اختفاء الفنون من العالم؟

ضرورة الفنون من الأمور الفضفاضة جدا لأنك لا تستطيع قول شيء حاسم بشأنها، الفنون جميعها ذات تأثير معنوي بحت لأنها تستهدف القلب والمشاعر والوجدان ولا تستهدف الفكر والعقل والمنطق، بالتالي الحديث عن ضرورة الفنون أمر بالغ الصعوبة.

ضرورة الفنون

ربما لا تتمحور ضرورة الفنون حول دور بارز ومهم في حياة المجتمعات لأنها ليس لها دور مادي ملموس في تقدم الحضارات، فهي ليست هندسة معمارية ولا بحث علمي ولا تقدم طبي ولا حتى فلسفة وعلم اجتماع، هي مجرد أدوات للتعبير عن الذات وعن علاقة الإنسان بمحيطه أو بمجتمعه أو بالكون أو بالطبيعة أو حتى بذاته، بالتالي لا يهم كثيرا الكيفية التي يعبر بها الذات والمجتمع عن نفسه طالما ظاهريا يتقدم في باقي المجالات، لكن لا زلنا جميعا نعرف ضرورة الفن ونعرف أهميته، حتى لو لم نستطع التعبير عن هذا بشكل عقلاني ومبني على أسس التحليل المنطقي والاستدلال إلا أننا في النهاية ندرك ضرورة الفن وأنه أكبر من مجرد أداة للتسلية والترفيه، وفي هذا المقال نحاول أن نعبر عن شيء صغير من ضرورة وأهمية الفن لمن يريد.

تعريف الفن

ضرورة الفنون تعريف الفن

هل الفن له تعريف؟ عند الحديث عند ضرورة الفنون علينا أولا أن نضع تعريف للفن وبالطبع إذا كنا لا نستطيع إيجاد ضرورة ملموسة للفنون رغم إدراكنا جميعا لها فإنه من الصعب أيضًا إيجاد تعريف حاسم للفن رغم اتفاقنا بشكل غير مباشر على ماهيته، لكن لو استطعنا إعطاء تعريف مبدأي للفن من حيث طبيعته الإبداعية، فنستطيع أن نقول أنه مجموعة من المشاعر والهواجس والأفكار والأحاسيس تجتمع في عقل مبدع أو يتشاركها عدة مبدعين لتخرج في صورة عمل فني متكامل بهدف التأثير في مشاعر المتلقين ومخاطبة وجدانهم والتعبير عنهم وتوفير الإثراء الروحي والشعوري لهم من خلاله، هذا بشكل مبسط بالطبع وهذا التعريف ربما يمكن أن يتشعب إلى مقال آخر من أجل مناقشة كل كلمة فيه على حدة ومدى تعبيرها بشكل دقيق عن تعريف الفن ولكن هذا هو ما تم استخلاصه من تعريف عدة أدباء وفلاسفة ومفكرين للفن، ولا ريب أننا سنذكر منهم واحدا فقط هو الروائي الروسي العظيم تولستوي حين قال باقتضاب واختصار أن الفن هو عبارة عن الشيء الذي يشعر به الفنان ويريد أن يشاركه مع الآخرين، وأعتقد أن هذا التعريف يتفق ولو ظاهريا مع التعريف الذي سقناه.

أهمية و ضرورة الفنون التشكيلية

لو أخذنا مثالا على ضرورة الفنون وكان الفن التشكيلي من بينها على سبيل المثال فإن الفن التشكيلي له أهمية وضرورة كبيرة في قلوب الناس وتأثيرا عظيما في وجدانهم، ولنتخيل مثلا أن هناك منظرا طبيعيا ما، ومن شدة جماله نريد تخليده، نريد الاحتفاظ به لأطول فترة ممكنة في أذهاننا فإن ثمة فنانا سيأتي ويخلد هذا المنظر، رأيت مجموعة لوحات لفنان قام فيها برسم مدينة لندن في الشتاء، احتفظ فيها بأدق وأعظم التفاصيل، حتى واجهات المحلات المضيئة، قطر الندى، وانعكاس الأبنية على الشوارع، والطرقات بعد المطر، كل هذه الأشياء تعيد من جديد نظرتنا للحياة فتجعلنا نراها بعين جديدة، عين الفنان الكبير فضلا عن أن شكلها في الطريق يجعلنا نربط بينها وبين هذه اللوحات، أي أنها تخلق علاقة جديدة بيننا وبين هذه المدن بعد أن رأيناها في اللوحات، علاقة لا تنتمي للواقع ولكنها ذات صلة وثيقة به، لا نستطيع نسبها إلى الخيال ولكن لا ننكر خروجها منه، مثلا إن أردنا نقل شعور الغربة ولا يمكن الحديث عن شعور الغربة أو الوحشة أو الشوق، لا يمكن نقل هذه الحالة في شكل الكلمات المجردة، لكن هناك لوحة تستطيع أن تعبر بإجادة عن هذا، عندما رسم أحد الرسامين امرأة وحيدة تجلس في مقهى خاوي، والمطر بالخارج، وتعبيرات ملامحها تشي بأنها لا تنتظر أحدا كان هذا تجسيدا بالفن للوحدة، بالتالي فإنها توفر لنا المؤانسة التي نبتغيها من هذا العالم، إن الفن التشكيلي يعيد تشكيل رؤيتنا من جديد تارة، ويذهب عنا الاغتراب ويجعلنا حتى نتآلف مع الآلام التي نشعر بها، ولذلك كانت ضرورة الفنون وعلى رأسها الفن التشكيلي شديدة الأهمية للإنسان.

أهمية الرسم في حياتنا

الفنون على اتساعها تحاول أن تعيد انتماءنا لهذا العالم وتجعلنا متآلفين معه أكثر، تجعلنا أكثر انتماءً لمحيطنا، ولذواتنا من جديد، والرسم له أغراض متعددة ومتنوعة، فمنها الرسم التجريدي وهو الرسم الذي يجرد المفاهيم المطلقة ويجسدها في لوحة فنية رائعة وهناك الرسم الكاريكاتوري، وهو الرسم الذي يقصد منه التهكم أو الصدمة بإبراز حالة ما في صورة صادمة وفجة ولا تخلو من طرافة، وهناك الرسم السوريالي والذي يتلاعب بالواقع ويحوله إلى أشياء سائلة ويفقد العناصر التي تكوّن حياتنا طبيعتها فيخلقها من جديد ويجعل لكل عنصر مدلول ما، وهناك الرسم الانطباعي والذي يهتم بإلقاء النظر عن الطبيعة من حولنا أو حول حياة الإنسان وانكساراته والتركيز على مشاهد ملحمية في حياتنا، وهناك الرسم التكعيبي وهو الرسم الذي يحتفي بالأنظمة والأنماط الهندسية التي هي انعكاس لطريقة عمل العقل والآلية الذهنية في ترتيب الأشياء، أي نريد أن نقول أن أهمية الرسم هو التعبير عن كل طريقة من طرق عمل ذهن الإنسان وتجسيد حي لها وجعلها ملموسة واضحة.

أهمية الموسيقى في حياتنا

ضرورة الفنون أهمية الموسيقى في حياتنا

عن نفسي وبعيدا عن باقي الفنون وضرورة الفنون من عدمه فإنني لا أتخيل الحياة أبدا بدون موسيقى، فسواء كنت فرحا أو حزينا، أعمل أو أسترخي، في وقت انتظار أو متعجل ومتوتر، فإنني أستمع إلى الموسيقى، لا أتخيل الحياة بدون خلفية موسيقية، ولا أدري على أي حال كان يمكن أن يصبح الكون بدون موسيقى، الحديث عن جمال الموسيقى يتجلى في مقولة فيكتور هوجو أن الموسيقى تستطيع التعبير عما لا نستطيع أن نقوله باللفظ، لذلك هناك مشاعر كثيرة جدا، مشاعر معقدة ومبهمة ومجهولة لا نستطيع حتى التعبير عنها بالكلام ولا بالشعر ولا حتى بالرسم ويستطيع الكمان التعبير عنها، ويستطيع البيانو أن يصرح بها، كنت في مرة في أشد لحظات حزني بعد وفاة صديق عزيز وكنت منكمشا على نفسي في حجرتي ولا أجد العزاء من أحد ولا من شيء، فقامت صديقتي بدون أي كلام بإرسال مقطوعة لعزف الكمان، لا أدري كيف أصف تأثيرها علي، ولكن لم أجد في حياتي عزاء أو مواساة أو تضامن معنوي أكثر من هذه المقطوعة، لذلك لا أستطيع سوى أن أقول أن الموسيقى هي أعظم شيء في الوجود بالنسبة لي دون مبالغة.

ضرورة الفنون بالنسبة للفرد

ضرورة الفنون بالنسبة للفرد تتكامل إلى حد كبير مع ضرورة الفنون بالنسبة للمجتمع فلا يمكن الحديث عن ضرورة الفنون بالنسبة للفرد دون الحديث عن ضرورتها للمجتمع والعكس صحيح، وبما أننا نعيش في عصر الفردانية فإن الفن بالنسبة للفرد هو التعبير الخارجي عن معاناته الشخصية والتماس مع روحه ووجدانه والالتقاء مع هواجسه ونوازعه ومشاعره عن طريق الفن سواء بالكتابة أو النحت أو الرسم أو الموسيقى أو السينما، فعندما يدخل الفرد مثلا إلى السينما ليشاهد فيلما ويرى حياته متجسدة على شاشة ويجد تآلفا بينه وبين الأبطال فإن ذلك يكسب حياته القيمة، فهي ليست حياة هشة وليس هو الوحيد الذي يشعر بهذه المشاعر بل هناك الكثير من الناس الذين يشعرون مثله تماما، وبالتالي فإن ضرورة الفنون بالنسبة للفرد هي الحد من شعوره بالاغتراب والوحشة، وأنه قد يكون لا يعرف كل من في المدينة أو ربما لا يعرف ولا فردا منهم رغم أنهم يعيشون معه تحت نفس الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومع ذلك ربما فيلما واحدا أو عملا دراميا يعرفه عليهم جميعا علاقة الفن بالمجتمع، كما أنه يعيد تعريفنا إلى ذواتنا ويجعلنا نعرف أنفسنا أكثر ونقدر قيمة حيواتنا وأهميتها، فمثلا بينما كنت أسير في الشارع مع أحد أصدقائي بعد منتصف الليل في أحد أيام شهر نوفمبر وكنت أرتدي قميصا خفيفا شعرت بنسمة برد تتسرب إلي وقلت له أن الجو بدأ يبرد، وحين أشاهد بعدها فيلما للفنان عادل إمام يمشي تقريبا في نفس الشارع وفي نفس الوقت من اليوم ويقول لصديقه أن الدنيا بدأت تبرد فإنني سأستعيد هذا الموقف وسأربطه به ما حييت.

ضرورة الفنون بالنسبة للمجتمع

مثلما تحدثنا عن ضرورة الفن بالنسبة للفرد فإن الفن ضرورة أيضًا بالنسبة للمجتمع فالمسلسل الذي يعرض يوميات أسرة عادية تعيش في المدينة تعرف الأشخاص على بعضهم حتى دون أن يلتقوا أبدا حين يكتشفوا المفردات المشتركة فيما بينهم، حتى يكتشفوا أنهم مثل بعض تماما، الفنون تزيل الغربة بين الأفراد وبعضهم وبين المجتمعات وبعضها أيضًا، على سبيل المثال فإننا عرفنا الكثير عن المجتمع الأمريكي، عن شوارعه وولاياته وقوانينه وعاداته من كثرة ما رأينا من أفلامهم، لكننا لا ندري شيئًا عن دولة كوستاريكا مثلا كيف يعيشون وما هي أوجه التشابه بيننا وبينهم لأننا لا نرى أي فنون عنهم ولا منهم، لا ريب أن مصر الدولة الأكثر ألفة بين كافة دول الوطن العربي ومثلها سوريا على سبيل المثال، وحلم زيارة مصر شيء في جينات كل عربي من كثرة ما رأوها في الأفلام والمسلسلات كما نحلم نحن بزيارة بيروت مثلا من كثرة ما غنت لها السيدة فيروز، وهكذا ولكننا لا ندري شيئًا مثلا عن دولة جزر القمر ولا نشعر بها كدولة عربية لأنها ليس لديها فن نستهلكه جميعا في الوطن العربي بالتالي فإن مجتمعاتهم غريبة عنا وليس بيننا أي قواسم مشتركة أو منتج ثقافي متقارب، كذلك فإن ضرورة الفنون بالنسبة للمجتمع أنه أولا تعرفه على ذاته كمجموعة من الأفراد يكونون المجتمع، وتعرفه على المجتمعات الأخرى، أي أننا نريد أن نقول إن الفن يوحد الشعوب جميعها ويفيد الإنسانية ربما أكثر مما نتخيل.

دور الفنون في ترقية المجتمع

ضرورة الفنون دور الفنون في ترقية المجتمع

ربما هذه الفقرة تحديدا شائكة جدا حين نقول أن للفنون دور في “ترقية” المجتمع، أي أنها لها دور مباشر في تأديب المجتمع وجعله أكثر حضارية والحديث عن ضرورة الفن بالنسبة للمجتمعات قد لا يعني أنه له بعد تعليمي وإرشادي، لأن هذا بالطبع لا يحدث على الدوام، فهناك منتجات فنية تزيد من تخلف المجتمع والتردي به، والانتقاص من حضاريته وهناك فنون أخرى تعمل على تربية وجدان المجتمع والارتقاء بذوقه وبإنسانيته، لكن على أي حال نريد أن نقول أن دور الفنون في ترقية المجتمع يتوقف فقط على المبدع من حيث تحري الضمير والأمانة حين يعرض منتجا فنيا، فلو هناك فيلما يعالج قضية على سبيل المثال مثل قضية الرشوة أو الفساد فإنه سيفعل ذلك بمنتهى الصدق والأمانة من أجل مصارحة المجتمع بعيوبه، لكن لو أراد المبدع مغازلة الجمهور بمخاطبة غرائزه فحسب أو إبداع فن مسف ومبتذل حتى يستهلكه السواد الأكبر من الجمهور ويحقق أغراضا ربحية وتجارية فإن هذا بعيد عن الضمير والأمانة، بالتالي للفن دور في تحليل المجتمع وتشريحه وإلقاء الضوء على المناطق المظلمة فيه والحديث عن المؤرقات التي يعاني منها واستخدام ثقافته الشعبية في إبراز الوعي الجمعي لأفراد المجتمع وآلية عمله.

ضرورة الفنون أكبر بكثير من أن يحتويها مقال وكما قلت في بداية المقال هي شيء ندركه جميعا ولا نستطيع التعبير عنه بشكل حاسم وموضوعي، ونفهمه كلنا ولكن لا نستطيع أن نشرح كيف نفهمه، فنرجو أن نكون شرحنا بعض جوانبه بشكل لائق في هذه السطور القليلة.

محمد رشوان

أضف تعليق

تسعة عشر − ثلاثة =