هناك العديد من القصص والشكاوى بشأن كتابة الوصية وأحكام تنفيذها، فلأن الإنسان منا لا يضمن انتهاء عمره في أي لحظة، ولأننا كذلك لا نملك أي تصرف في الحياة بعد وفاتنا، ولأن أيضًا هناك العديد من الأشياء التي نقلق بشأنها إذا تركنا الحياة؛ فجاءت من هنا أهمية كتابة الوصية قبل الممات. فمنا من يسارع بتوجيه التكليفات للأشخاص الذين هم محل ثقة، عندما نشعر باقتراب النهاية، أو حتى في أوقاتنا العادية، ومنا من يقوم بكتابة نص صحيح يشمل كل ما نرغب به بعد الوفاة، كتفاصيل التَركة والتعاملات في أملاك الشخص الوصِيّ، وكتفاصيل متعلقة بمكان دفنه عند وفاته، وما إلى ذلك.
استكشف هذه المقالة
الوصية المكتوبة
كتابة الوصية تعني إنشاء نص بصيغة تشمل كيفية التصرف في التركة مضافًا إلى ما بعد الموت، والوصية هي أن يعهد الإنسان وصية لشخص في تصريف شيء من ماله، أو النظر على أولاده الصغار، أو يعهد لشخص في أي شيء من الأعمال التي يملكها. وقد سُميت الوصية لأن الشخص يصل بها ما كان في حياته بعد مماته، مثال: كأن يوصي الإنسان إلى شخص بتزويج بناته أو تغسيله أو تفريق ثلث أو ربع ماله.
أقسام الوصية
تنقسم الوصية من حيث نوعها إلى ثلاثة أقسام، ومن حيث أحكامها إلى أربعة أحكام، أولًا أقسام الوصية من حيث نوعها:
- الوصية إما تمليكية، وهي كأن يوصي الإنسان بترك شيء من تركته لشخص ما، ويلحق بها الإيصاء بالتسليط على حق. وإما أن تكون عهدية، وفيها كتابة الوصية تكون شاملة على أن يوصي الشخص بما يتعلق بتجهيزه أو باستئجار الحج أو الصلاة أو نحوهما له. وإما أن تكون فكِّية، وهي ما تتعلق بفك ملك، كالإيصاء بالتحرير. وثانيًا أقسام الوصية من حيث أحكامها:
- الوصية إما أن تكون واجبة، وهي كأن يوصي الإنسان بما عليه من الحقوق (كالدَين)؛ لكي لا يجحدها الورثة، أو كأن يوصي لأقاربه غير الوارثين بما تيسر من تركته، أو كأن يوصي الشخص إذا كان له مال عند أحد؛ لكي لا يضيع حق الورثة في هذا المال، أو كأن يعلم بأن لدى أهله من المنكرات والبدع المتعلقة بالجنائز والقبور فينهي عن ذلك أو يتبرأ من فعلهم.
- وإما أن تكون الوصية محرمة، فتحرم الوصية إذا أوصى لأحد من الورثة، كأن يوصي لولده الأكبر بشيء من دون باقي الورثة أو للزوجة، وتحرم الوصية أيضًا إذا كانت زائدة عن الثلث، فمن أوصى بأكثر من ثلث ماله لغير الورثة وقع في الحرام، ولكن إن أجاز الورثة تنفيذ الورثة نفذوها وإن شاؤوا ردوها. كما تحرم الوصية إذا قصد منها المضارَّة.
- ومن أقسام الوصية أيضًا هي الوصية المباحة، وفيها يباح للإنسان كتابة الوصية التي تشمل أن يوصي بشيء من ماله لا يتجاوز الثلث، لأن تجاوز الثلث ممنوع، وما دون ذلك مباح لغير الورثة، ويستحب -إذا كان ماله كثير- أن يوصي بشيء من ماله لنفسه، كصدقة جارية له بعد مماته، إذ الوصية المباحة والمستحبة تكون دون الثلث، وأما إن لم يكن له ورثة وأوصى بكل ماله أو زاد عن الثلث فالوصية جائزة وتنفذ؛ لأن المنع كان من أجل الورثة. وأما القسم الأخير فهو الوصية المكروهة، وتكون في حالة احتياج الورثة إلى التركة لفقرهم أو ما شابه، فترك كتابة الوصية في هذه الحالة أولى لأنهم أحق من غيرهم، كما تكره الوصية لأهل الفسق، أي إذا عُلم أن الموصي له سيستعين بها على الفسق والفجور.
هل كتابة الوصية واجبة؟
تتأكد المبادرة بكتابة الوصية إذا كان المسلم في حالة خاصة، كاستقبال السفر، واشتداد المرض، وركوب البحر أو الجو، والمراكب الخطيرة، ودخول المعارك، ولا تؤخر إلى حضور أمارات الموت. كما يشترط في الموصي أن يكون عاقلًا، ومميزًا، ومالكًا لما يوصي فيه. كما تجب الوصية على الشخص في حالة الوفاء بما عليه من الحقوق كالديون وغيرها كما قلنا من قبل، سواء كانت هذه الحقوق للعباد، أو كانت لله، كالكفارات، أو حج فرض، أو زكاة لم يخرجها.
ما هي مبطلات الوصية؟
تبطل الوصية إذا رجع الموصي بوصيته قبل موته، لقول سيدنا عمر -رضي الله عنه-: يغير الرجل ما شاء في وصيته، وتبطل الوصية أيضًا إذا هلك عين الموصى به أو تلف، كما تبطل الوصية بموت الموصي له قبل وفاة الوصِيّ، كما تبطل الوصية برد الموصى له للوصية فتعود للورثة، كما تبطل في حالة قتل الموصى له للموصي، كما تبطل الوصية إذا كان الموصى به محرمًا.
كتابة الوصية الشرعية
لا تستوفي الوصية شرعيتها إلا بإعطاء كل ذي حقٍ حقه، وفيما يلي ذكر مقتصد لهذه الحقوق:
- حق الله سبحانه وتعالى، فالإرشاد إلى عبادة الله وحده والامتثال لأوامره وطاعته هو ذروة سنام الوصية.
- حقوق الناس، فلا يحل لمسلم أن يترك حقًا من حقوق الناس التي وُكِّل بها إلا وقد بين طريقة واضحة وجليَّة لأداء هذا الحق، وكذلك كل معاملة كان طرفًا فيها أو شاهدًا عليها أو حتى عالمًا عنها، فيترك عنها طريقة لحفظ حقوق الناس من الضياع.
وللوصية الشرعية نموذج معين لكتابتها:
«يقول الوصِيّ بعد أن يحمد الله ويثني عليه ويصلي على رسول الله: هذا ما أوصي به فلان، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، أوصي أولادي وأهلي وأقاربي وجميع المسلمين بتقوى الله عز وجل، وأوصيهم بما وصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: (ويكتب الآية رقم 132 من سورة البقرة)، وأوصي بتسديد ما علي من دين، وإن أراد أن يقول: وأن يخرج من مالي ثلثه لفلان أو صدقة جارية، وأولادي القصر يكون وليهم فلان، يحفظ لهم حقهم من التركة حتى يبلغوا، ثم يوصي بما أراد من وصايا دينية واجتماعية، وأن يكون غسله وتجهيزه وما يتبع ذلك على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يختم بالدعاء لنفسه بالمغفرة والرحمة ودخول الجنان.»
كتابة الوصية قبل الحج
ذكرنا من قبل ضرورة المبادرة بكتابة الوصية في حالة الذهاب إلى الحج، فيجب على الحاج كتابة الوصية شاملة ما عليه من ديون، وكذلك أن توصي أهلك باستسماح من بينك وبينه مظلمة ولم تستطع أن تفعل ذلك بنفسك، وكذلك الإيصاء برد الحقوق إلى أصحابها، بالإضافة إلى النقاط الأساسية التي أشرنا إليها مسبقًا.
كيفية كتابة وصية ميراث
وبدايةً، فإن شرط التصرف في الوصية بالنسبة لشأن الميراث والتركة، فإن الوصيّ مسموح له بالتصرف في ثلث تركته فقط لغير الورثة في حالة وجود ورثة، أما في حالة عدم وجود ورثة له فيجوز الوصية بكل المال أو ما يزيد عن الثلث، وأما عن كتابة الوصية في هذه الحالة (وصية الميراث بشكل عام) فتكون بنودها على النحو التالي (إضافة على نص الوصية الشرعية الذي تحدثنا عنه مسبقًا):
- على الوصي كتابة اسمه بالكامل، ومحل إقامته، ورقمه القومي إن وجد.
- عليه أن يعترف بأنه كتب وصيته وهو في كامل قواه العقلية ودون أي ضغط من أحد، كما ينص على أن هذه الوصية الوحيدة له ولا يوجد غيرها.
- عليه أن يقوم بحصر ممتلكاته في البداية، مرفقة بأوراق ثبوتية لكل شيء.
- يحدد ديونه وحقوقه له ولغيره ويقوم بحصرها، ومن ثم يحدد صافي التركة بعد ذلك.
- يحدد أسماء الأشخاص أو المؤسسات التي يرغب بتوصية ثلث تركته لهم إن أراد فعل ذلك.
- يحدد الطريقة التي يوصي بتوزيع تركته على ورثته بشكل منصف وطبقًا للشريعة الإسلامية.
- ولا ينسى أن يحدد الشخص المكلف بمهمة تنفيذ الوصية، مراعيًا بذلك الشروط التي يجب أن تتوافر فيه.
- لا ينسى أن يحفظ وصيته في مكان آمن، كما يجب عليه إعلام الشخص المكلف بالتنفيذ بمكان الوصية.
وبنهاية حديثنا بشأن الوصية وكل ما يتعلق بها، لقد حرصنا كل الحرص على ضرورة إحاطتكم بكافة التفاصيل بشكل مبسط؛ فتحدثنا عن كيفية كتابة الوصية الشرعية بشكل صحيح، بالإضافة إلى أقسامها وأحكامها، كما تحدثنا عن ضروريات كتابتها ومبطلاتها، كما لم ننسى التحدث عن صلب معناها والمراد بها.
الكاتب: أميرة إسماعيل
أضف تعليق