قفلة الكاتب وهي عدم قدرته على الإنتاج الذهني وفقد الحماس والقدرة على الإبداع وتخليق فكرة جديدة أو استكمال وإنهاء نفس العمل، ولا يمكن ربط هذه الحالة بسنوات خبرة الكاتب ولا تحديد مدتها بحدود زمنية فقد تكون لساعاتٍ أو أيام أو شهور ومن الممكن أن تمتد لسنوات، فما هي أسبابها وما سبيل الخروج والعودة للإبداع مرة أخرى؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال السطور التالية.
استكشف هذه المقالة
تعريف مصطلح قفلة الكاتب Writer’s block
هي تاريخية موثقة من نضوب الأفكار، حيث يفقد فيها الكاتب أو المؤلف قدرته على إنتاج أو إكمال الأعمال الجديدة، وتُعرف أيضًا باسم “مُتلازمة الصفحة البيضاء”، حيث عدم الاستطاعة على ملئها بالحروف والكلمات والأفكار، وتتراوح صعوبتها ما بين القدرة والحماس على تخليق أفكار أصلية جديدة لنفس العمل، وما بين القدرة على إنتاج أعمال جديدة بالأساس، كما يتراوح مداها الزمني ما بين فُقدان القدرة على الإبداع لساعاتٍ أو أيام أو شهور، وما بين فقدان القدرة على العمل لسنواتٍ طوال.
توصيف الحالة تاريخيًا وانتشارًا
رغم ما تم على هذه الحالة الخاصة من دراسات ومراجعات، إلا أنه يُعتبر المُحلل النفسي “إدموند برغلر” هو صاحب التوصيف الطبي الأول المُتكامل لها، وكان ذلك للمرة الأولى في العام 1947م.
لا يُمكن الربط بين قفلة الكاتب وبين سنوات الخبرة في التأليف والكتابة، كما أنه من غير المُستطاع تحديدها بحدود زمنية مسبقًا، فمن كلا الوجهين أصابت قفلة الكاتب أشهر الكتّاب والمؤلفين، حتى إن رواية “فئران ورجال” للكاتب الأميركي الشهير “جون شتاينبك” استغرقت ما يزيد على عشر سنواتٍ كاملة بسبب إصابته بقفلة الكاتب، وكذلك أصابت قفلة الكاتب المؤلف “هنري روث” ما يزيد على 60 عامًا مُتواصلة، وتحديدًا من العام 1906 حتى 1966م لم يُنتج فيها أي عملًا إبداعيًا.
أسباب قفلة الكاتب
تتعدد الأسباب التي تُدخِل الكاتب في هذه الحالة، كما تتنوع تلك الأسباب وتتباين إلى ما هو نفسي وعقلي وعصبي وفكري وسلوكي، حتى إن البعض قد صنفها تبعًا للأسباب إلى عقلية وعاطفية والهامية، ومن أهم أسبابها بشكل عام ما يلي:
وجود مشكلة إبداعية في العمل نفسه، نفاد الإلهام من الكاتب تبعًا لتشتت ذهنه في موضوعاتٍ أخرى، أو لتشتته في فرعيات بعيدة تتعلق بالموضوع، قلة المُعطيات للتصرفات السلوكية الغير سليمة وأهمها قلة أو انعدام القراءة، أثبتت الدراسات النفسية الاستقصائية والمقارنة أن الانقطاع عن العمل لفترات زمنية طويلة أساس في تراجع القدرات البدنية والذهنية خصوصًا التوقف في مرحلة من مراحل مشروع إبداعي قائم، ومن ثَم قفلة الكاتب كنتيجة مُباشرةً.
ومن ناحية أخرى يعد زيادة الضغط على القدرات الذهنية لإنتاج أعمالًا جديدة أو إكمال عمل قائم من أسباب تعذر تدفق الأفكار الإبداعية، عدم التوازن بين المُعدل الزمني والكم الذي يتم إنجازه، المُبالغة في البحث عن الكمال والتدقيق في الوصول إلى أعلى مراتبه يُرهق الذهن ويعصف بالأفكار الجديدة، لكن المرونة في تقبل الحالة الإبداعية علاج للضغط العصبي التابع للعمل الإبداعي المُؤدى، الانعزال والوحدة من أسباب سوء نفسية الكاتب وقلة حصيلته من الأفكار المجتمعية، الضغوط الجسمانية مثل قلة النوم وكثرة السهر والإرهاق العام وضعف الشهية، كلها من الأسباب الرئيسية، وكذلك من الأسباب المشكلات والضغوط الشخصية، المماطلة وتكرار تأجيل العمل، والخوف من الفشل والنقد، وحتى الخوف من النجاح في بعض الأحيان.
سبيل الخروج من قفلة الكاتب والعودة للإبداع
في هذا الجانب تعددت النصائح والوصايا وكلها مؤثرة ومُفيدة بشكلٍ أو بآخر، لذلك آثرت أن أعرضها كاملة ليختر كل مؤلف ما يُناسبه من طُرق الخروج، على سبيل الوقاية من الوقوع في فخ قفلة الكاتب تنفيذ عدة خطوات:
الإنتاج الفكري والابداعي اليومي
ينبغي التعود على كتابة موضوع واحد على الأقل كل يوم، وليس شرطًا ههنا نوعية الموضوع أو سياقه واتساقه أو درجة الإبداع فيه، فالأمر عبارة عن التدرب على كتابة ما يخطر بالذهن من وحي اللحظة، لتعزيز توارد الخواطر والأفكار وتدفقها.
من اللازم المُحافظة على طقوس الكتابة اليومية، فالاعتياد الجسدي الفيزيائي يعمل عمل المُحفز للقدرات العقلية والإبداعية.
عدم النمطية والروتين
تغيير مكان الجلوس أثناء الكتابة كل فترة يكسر الروتين القاتل، ويُحفز النشاط الفكري، وحبذا التعود على الإبداع وسط الأماكن الطبيعية ذات الأنهار والخُضرة والصحاري.. إلخ، مع ممارسة الكتابة في تلك الأماكن كل فترة دون تنميط أو رتابة.
نمطية الإنتاج الفكري تُدخل المؤلف دومًا في قفلة الكاتب وفي أوقاتٍ موسمية مُحددة، فليس شرطًا على الكاتب أن يعتاد على إنتاج يومي لشعر ساعات متواصلة، كما أنه ليس ملزمًا بكتابة آلاف الكلمات كل جلسة عمل، لكن ترك المُعدلات الرقمية لطبيعة الحالة النفسية وصفاء الذهن وطبيعة موضوع الكتابة أهم، ومن سبل الوقاية من قفلة الكاتب واعتصار الذهن.
صداقة الأدوات المُستخدمة
أنجع وسائل الوقاية والتغلب على لعنة قفلة الكاتب هو خلق علاقة صداقة مع الورقة والقلم، مع ضرورة توطيد تلك العلاقة باستمرار، ومن المُستحسن التدرج في زمن الكتابة اليومي عند الوقوع في الشَرَك، بمعنى عدم التوقف النهائي، مع التدرج الزمني حال الإصابة، لتكن الكتابة اليومية لخمس دقائق فقط ثم تُزاد تدريجيًا.
البحث عن مُعطيات جديدة
التغلب على قلة المُعطيات يحتم على الكاتب القراءة والمطالعة والتناقش والتناظر بصورة مُكثفة وغزيرة.
إتمام الأعمال الإبداعية دون نضوب الأفكار يلزمه التخطيط الأولي، فالروايات مثلًا تحتاج قبل الشروع فيها إلى تقسيمها على الورق بأحداث وطفرات، ورسم الشخصيات وملاحمها السلوكية والشكلية، إلى جانب الاستقرار على حبكتها الدرامية، وهكذا الحال مع كافة المؤلفات الأدبية والعلمية، لكن إهمال الإعداد والتخطيط يتبعه بلا شك جفاف بئر الأفكار.
تجديد الأفكار بالمغامرات والارتحال وسماع الأصوات الغريبة وقراءة التخصصات غير المألوفة وتعلم الهوايات واللغات الجديدة، كلها ممارسات تندرج تحت ما يُسمى العصف الذهني، وهي كفيلة بتوليد الأفكار وتواتر الخواطر والتلميحات.
تعنيف الذات عند التوقف وعدم الخوف من النقد
تعنيف الذات وإجبارها على الكتابة وإكمال العمل غالبًا ما يأتي بنتائج عكسية، وهو مدخل واسع إلى قفلة الكاتب ، فمن الضروري التخلي عن هذه الممارسات، الخوف من النقد يمكن تنحيته بالكتابة تحت اسم مستعار.
ضرورة الالتفات إلى ما يسعده
لابد وأن يُقنع الكاتب خياله ووجدانه بضرورة الالتفات إلى ما يسعده في الكتابة لا إلى ما يلفت نظر المُتلقي أو يسعده، وبالتالي إنشاء المحتوى التابع لمراده هو وليس لأهواء ومرادات المُتلقين المختلفة، فهذا الاستيعاب الضمني مدخلًا للتغلب على قفلة الكاتب .
الكاتب: وفاء السمان
أضف تعليق