إذا ما تمتع الإنسان بحالة نفسية هادئة بعيدة عن التوتر العصبي فذلك ينعكس جليًا على حالته الصحية وعلى ممارساته البدنية والاجتماعية اليومية، والعكس صحيح بما لا يدع مجالًا للشك، وتبعًا لأهمية التوتر العصبي ومآلاته المرضية والنفسية والسلوكية؛ نبحث في شتى جوانبه في السطور التالية لمعرفة الحد الفاصل بين التوتر المرضي والتوتر المحمود وأسبابه وأكثر من طريقة لعلاجه.
استكشف هذه المقالة
تعريف التوتر العصبي
هو المُتمثل في ردة الفعل العصبية والبدنية تجاه المواقف البشرية، وبخاصة المواقف المُهددة للاستقرار والسلم الاجتماعي والنفسي والمالي، وفي الأثناء يُفرز الجسم كمياتٍ كبيرة من مواد كيميائية طبيعية أبرزها الكورتيزون والأدرينالين للحماية من الانزلاق في نوبات نفسية ذات انعكاسات عضوية خطيرة، وهذا يُعني أن التوتر (الطبيعي وليس المرضي) هو استجابة جسدية واقية ومُساعدة على اليقظة والتنبه من خلال إيجاد قوة بدنية ونفسية إضافية.
الحد الفاصل بين التوتر المرضي والتوتر المحمود
تؤكد الدراسات على أن هُناك درجة من التوتر تُعد مرغوبة ومن دلائل الصحة النفسية الجيدة في التفاعل مع المواقف الحياتية المُتعاقبة تبعًا لأهميتها في تحديد ردود الأفعال، إلا أن زيادة هذا التوتر عن حده أو تقارُب نوباته أو انعكاسه بتأثيرات نفسية وعضوية واجتماعية يخرج به من الدائرة الآمنة إلى الدائرة المرضية التي تستلزم العلاج، وأبرز صور التوتر العصبي الذي يحتاج إلى علاج هو التوتر المُتكرر على أحيانٍ زمنية بسيطة وبدرجات شدة تُعيق أداء الممارسات اليومية العادية.
أسباب التوتر العصبي
تندرج وتنحصر كل أسباب التوتر العصبي تحت تصنيفين أساسيين، الأول هو الأسباب التكوينية الداخلية ويُطلق عليها اصطلاحًا الأسباب المرسبة التي قد لا يكون للمريض يد بحدوثها، والثاني هو الأسباب الخارجية التهيئية، وهي المجموعة الخاصة بالعوامل المُحيطة التي تدفع الشخص نحو الإصابة بالتوتر العصبي وسنتطرق لكل صنفٍ بشيءٍ من التفصيل فيما يلي:
الأسباب التكوينية
الأسباب التكوينية يُمكن حصرها في:
- الاستعداد الوراثي، فرط التشاؤم، الاعتياد على حديث النفس السلبي، فقدان الإصرار والعزيمة، وكذلك فقدان الأهداف الحياتية الواضحة، الاختلال الوظيفي للناقلات العصبية بالمخ، الميل الفطري والطبيعة الشخصية، فكما أن هُناك من الشخصيات البشرية من يميل إلى الظنونية أو الانفعالية أو المرح أو الكآبة، فإن هنا شخصيات تميل إلى التوتر العصبي والقلق والخوف المرضي، ويرتبط هذا السبب بسابقه نوعًا ما.
- الخلل الوظيفي لأداء الغدة الدرقية بالزيادة، حيث إن زيادة إفرازات الغدة الدرقية يُساهم في زيادة عدد نوبات الشعور بالتوتر العصبي من ناحية، ويُساهم في زيادة شدة النوبات من ناحيةٍ أخرى.
- الانجرار خلف هوس الشكوك والظنون السيئة، وكذلك الغرق في التوقعات غير المنطقية صعبة الحدوث.
الأسباب التهيئية
كثرة الضغوطات العملية والمُشكلات الوظيفية الإجرائية، تواتر المُشكلات العائلية والأسرية، سوء الأوضاع المادية وتفاقم المُشكلات المالية، كثرة التعرض للمواقف المُخزية المُسببة للتوتر العصبي، عدم تنفيس الضغوطات الحياتية أولًا بأول وتركها للتراكم والضغط على المشاعر، التعرض السابق للعنف البدني أو الإيذاء الجسدي، وكذلك الحال مع صنوف وصور التربية القاسية والعنيفة، الإصابات المرضية وبخاصة فيما يخص الأمراض المُزمنة والخطيرة.
التوتر العصبي وأعراضه
نظرًا لخطورة التوتر العصبي واتساع دائرة تأثيره يتضح لنا أن أعراضه يُمكن تقسيمها إلى:
أعراض نفسية
وتنحصر الأعراض النفسية فيما يلي: دوام الشعور بالقلق والخوف والهم حتى مع أبسط التحديات، فقدان التركيز مع تشتت الأفكار، فقدان القدرة على الإنصات وتحليل المعطيات ورسم النتائج والتوقعات، الدخول في نوبات حادة من الصراخ والبكاء الهستيري، الشعور المُستمر بالوحدة، وهو ما يترتب عليه التوجه نحو العُزلة والانطواء، التحول إلى الشخصية العصبية كثيرة الانفعال، الإصابة بالاكتئاب بدءًا من البسيط وصلًا إلى الحاد، الانزعاج الشديد من الضوضاء والصخب والضوء.
أعراض عضوية
وتنحصر الأعراض العضوية فيما يلي: تفاقم الشعور بآلامٍ حادة في الرأس قد تتحول تدريجيًا إلى نوباتٍ من الصداع النصفي المُزمن، الشعور المُستمر بآلامٍ شديدة أسفل الظهر، المُعاناة من آلام واضطرابات القولون، جفاف الحلق باستمرار، زيادة ُمعدلات التنفس، ومعها تزيد مُعدلات وسرعة ضربات القلب، انقباض الصدر والشعور بنوباتٍ مُتقطعة من الألم فيه، الإجهاد والإرهاق والتعب العام، بالإضافة إلى الغثيان والدِوار والشعور الدائم بالوخز، فقدان القدرة على النوم الجيد والإصابة بالأرق، خسارة الوزن تبعًا لفقدان الشهية، الإصابة بالإسهال أو بالإمساك، مع مُشكلاتٍ هضمية أخرى نظرًا لتباطؤ عمل الجهاز الهضمي، فرط التعرق، زيادة فرص الإصابة بأنواعٍ من الأمراض الجلدية مع ظهور الحبوب والبثور على البشرة،
مع بعض الحالات يحث التوتر العصبي مريضه على إفراغ الشحنات النفسية السلبية في تناول الطعام؛ ومن ثَم الإصابة بزيادة الوزن والسمنة المفرطة، وجود رعشات وارتجافاتٍ في الأطراف مع تكرار انقباض وانبساط العضلات بهيئات حادة، تزايد الحاجة للذهاب إلى الحمام، الشعور بآلامٍ وتشنجاتٍ عضلية.
أعراض اجتماعية
وتنحصر الأعراض الاجتماعية فيما يلي: ما يلحق بالتوتر العصبي من آثارٍ نفسية وعضوية كفيل بكثرة وقوع المُشكلات الاجتماعية مع المُحيطين والمُتفاعلين مع المريض، فضلًا عن عُزلته واضمحلال المهارات الاجتماعية والعائلية التشاركية.
التوتر العصبي وعلاجه
كما انقسمت وتصنَّفت أسباب التوتر العصبي وأعراضه، فإن الحال بالمثل مع علاجاته التي تنقسم إلى مُمارساتٍ اجتماعية وأخرى نفسية وثالثة شخصية وبدنية، إلى جانب العلاج الدوائي، وبشكلٍ عام يتمثل علاج التوتر العصبي في اتباع الآتي:
- التخلص الفوري من كل العلاقات العملية والاجتماعية والأسرية التي تتسبب في إثارة التوتر العصبي والقلق والضغوط النفسية، تجنب التعامل مع الشخصيات الكريهة التي تثير المُشكلات والضغوط والآلام النفسية، امتلاك القدرة الكاملة على التكيف التام مع مُتغيرات الحياة مع تنمية وتعزيز هذه القدرة، تحديد أهدافًا سامية للحياة والسعي لتحقيقها، دوام الشعور بالتفاؤل حتى مع أحلك المُعطيات، تعزيز الثقة بالنفس، مُمارسة الهوايات المُحببة إلى النفس مع محاولة التفوق فيها، مُمارسة التمارين الرياضية بشكلٍ عام وتمارين اليوجا والاسترخاء بشكلٍ خاص، الترويح عن النفس بالسفر أو اللعب أو التنزه.. وهكذا تبعًا للإمكانيات المتاحة.
- السعي نحو اكتساب وتعلم مهاراتٍ حياتية وعملية وفنية جديدة ومرحة، مُحاولة التخلص من الرتابة والروتين اليومي قدر الإمكان، التركيز على الحميات الغذائية الصحية والمُتوازنة والتي تُساعد على تعزيز مناعة الجسم وذات المحتوى الغني من الفيتامينات والمعادن، التوجه إلى العلاج الدوائي بعد استشارة الأطباء المُتخصصين القادرين على وصف الأدوية التي تُخفف من حدة الأعراض والتي تقضي على أساس المرض مثل: المهدئات وأدوية التوتر العصبي ومضادات القلق ومضادات الاكتئاب.
- يُعد العلاج النفسي على أيدي المُتخصصين ناجحًا جدًا في تنفيس الضغوط الحياتية والسيطرة على أثرها على النفس، وكذلك الحال بالحديث مع الأشخاص المُقربين والموثوقين.
علاج التوتر العصبي بالقرآن
أكد علماء البرمجة العصبية على دور تلاوة القرآن الكريم والاستماع إليه بأصواتٍ هادئة وجميلة في علاج العديد من المُشكلات النفسية من أهمها: التوتر العصبي والتردد والشعور بالذنب والاكتئاب والإحباط والعصبية والانفعال والخوف من المستقبل واليأس وفقدان الأمل، وذلك من خلال حالة النشوة والسكينة التي تُضفيها الآيات المُباركة على النفس البشرية، بالإضافة إلى دور القرآن في تعزيز وتنمية شعور العبد بضعف حوله وقوته عند مقارنتهما بحول الله وقوته.
علاج التوتر العصبي بالأعشاب الطبيعية
منحتنا الطبيعة الكثير من الأعشاب والنباتات العطرية ذات الأثر النفسي الفعال والسريع، وإن شئت فقل هي مُهدئات طبيعية خلقها لنا الله عز وجل لنتجنب المُهدئات الدوائية التي لربما تتسبب في الإدمان، ومن أبرز الأعشاب المُفيدة في علاج التوتر العصبي :
- زهر الخزامى، حيث يُمكننا تحضير مشروب منه من خلال نقع ملعقة صغيرة منه في كوبٍ من الماء المغلي لليلةٍ كاملة ثم نُصفيه صباحًا، ثم نُضيف إليه ربع ملعقة صغيرة من الزنجبيل المطحون وملعقة كبيرة من العسل الأبيض، وبذلك يكون جاهزًا للشرب.
- كما يُمكن تدليك الجسم بخليط الزنجبيل وماء الورد من خلال إضافة مُعدل فنجان صغير من ماء الورد وملعقة صغيرة من الزنجبيل إلى كميةٍ من الماء الفاتر مع التقليب الجيد لمدة ربع ساعة، ثم نقوم بتدليك الرأس والوجه والمفاصل مما يُعطي شعورًا بالاسترخاء والراحة.
- نظرًا لخطورة التوتر العصبي واتساع دائرة تأثيره وما يلحق به من آثارٍ نفسية وعضوية على الإنسان وما يحيط به، قدمنا لكم اليوم طرق مُختلفة للتخلص الفوري من التوتر والقلق النفسي وذلك حتى نعيش جميعًا في هدوء وسكينة.
ملحوظة: هذا المقال يحتوي على نصائح طبية، برغم من أن هذه النصائح كتبت بواسطة أخصائيين وهي آمنة ولا ضرر من استخدامها بالنسبة لمعظم الأشخاص العاديين، إلا أنها لا تعتبر بديلاً عن نصائح طبيبك الشخصي. استخدمها على مسئوليتك الخاصة.
الكاتب: وفاء السمان
أضف تعليق