في نهايات العام الرابع والخمسين من القرن التاسع عشر تم توقيع امتياز حفر قناة السويس الذي منحه الوالي المصري محمد سعيد إلى الأجنبي فرديناند دليسبس، وبموجب هذا الامتياز أصبح للشركة الأجنبية حفر القناة مقابل بعض الامتيازات التي ستمنح لها من قبل الحكومة المصرية، وللأسف كانت بنود هذه الاتفاقية مجحفة بالشعب المصري وتقضي على هيبته بشكل كبير، ولذلك ما لبث أن قام الوالي المصري الجديد إسماعيل بتعديل بنود هذه الاتفاقية وإلغاء ما يمكن إلغاءه، وبالفعل تم ذلك وعادت هيبة الدولة المصرية الكبيرة ولكن للأسف دفعت الكثير من الأموال نظير تلك الهيبة، والسبب في هذه الأموال الطائلة المهدورة هو الوالي محمد سعيد الذي جعل دليسبس وشركته الأجنبية يأخذون أكبر من حجمهم في مصر، عامة عادت الأمور إلى مجاريها وتم بناء القناة كاملة وافتتحت في التاسع والستين من نفس العام، ومنذ ذلك الوقت وإلى الآن تعد قناة السويس هي أحد أهم الموارد الاقتصادية في الدولة المصرية، حيث تحقق القناة أرباحًا سنوية كبيرة نظير مرور السفن بها، زادت قيمة تلك الأرباح بعد عملية التوسعة والتجديد التي حدثت في القناة عام 2014.
استكشف هذه المقالة
أهمية قناة السويس
قبل أن نتعرف على كيفية حفر قناة السويس وكم المدة التي استغرقتها علينا أن نعرف الأهمية الكبيرة لهذه القناة العظيمة، حيث تعد قناة السويس هي أهم مر مائي في العالم وفوائدها لا تعود على مصر فقط بل العالم أجمع، فهي تقسم من حيث الأهمية إلى قسمين الأول لمصر والثاني للعالم والقسم الأول الخاص بمصر يندرج تحته أهمية قديمة وجديدة، فالأهمية القديمة هي تتعلق بنشأة قناة مصغرة تربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وكان هذا الإنشاء من قبل الفراعنة الذين استخدموها في تنقل الملوك من خلالها، بعد ذلك تم شق القناة بشكلها الحديث في العام الخامس والسبعين من القرن العشرين وهذا ما سهل كثيرًا على دول العالم، حيث نقلوا بضائعهم من آسيا إلى أوروبا والعكس بكل سهولة ويسر.
أما عن أهمية قناة السويس بالنسبة لمصر حديثًا فهي تزيد بشكل كبير نظرًا للتوسعة التي حدثت في القناة عام 2014، وقد كان الهدف من تلك التوسعة هو زيادة المكاسب الاقتصادية لمصر وهذا ما حدث بالفعل، فقد زادت أعداد السفن التي تمر يوميًا في القناة من خمسين إلى مائة تقريبًا، وتحمل هذه السفن أكثر من خمسمائة طن من البضائع وبالتالي تنمية الاقتصاد المصري بشكل أكبر، بعد ذلك لدينا أهمية قناة السويس بالنسبة للعالم فهي تربط آسيا بأوروبا من خلال طريق قصير جدًا بالمقارنة مع الممرات المائية الأخرى، ونظرًا لموقعها الهام فهي تعد منطقة استراتيجية تحافظ عليها كل الدول لحفظ التوازن في العالم.
تاريخ افتتاح قناة السويس الجديدة
افتتحت قناة السويس الجديدة في اليوم السادس من شهر أغسطس عام 2015 وذلك بعدما أستمر العمل بها لمدة اثنا عشرة شهر تقريبًا، فيذكر أن تاريخ البدء في حفر قناة السويس الجديدة كان الخامس من أغسطس غام 2014، وقناة السويس الجديدة تلك عبارة عن تفريعة جديدة بلغ طولها خمسة وثلاثين كيلو متر، حيث أنها بدأت تحديدًا من الكيلو واحد وستين وامتدت حتى وصلت إلى نهاية الكيلو خمسة وتسعين، ليصبح مجموع أطوال القناة الجديدة حوالي اثنان وسبعين كيلو متر، ومن الجدير بالذكر أن هناك بعض التعديلات التي أجريت على التفريعات القديمة فالأمر لم يكن مقتصرًا على حفر تفريعة جديدة فقط، بل قامت الحكومة المصرية بتوسيع وتعميق بعض التفريعات القديمة مثل تفريعة البلاح وتفريعة المرة.
وتعتبر مدة الاثنا عشرة شهر هي مدة ليست بالكبيرة بالنظر إلى حجم هذا المشروع الضخم، فهو قد سهل كثير على السفن المارة من قناة السويس فلم يعد هناك توقف في منطقة شمال القناة وهي بحيرات المرة، حيث أن التقارير تثبت أنه كان يحدث توقف لمدة تزيد عن العشرة ساعات لكل سفينة تريد المرور من القناة، هذا بجانب السماح بمرور السفن العملاقة وهذا ما لم يكن يحدث من قبل.
امتياز حفر قناة السويس
تناقش فرديناند دليسبس مع الحاكم المصري محمد سعيد في أهمية حفر قناة السويس وما سيكتسبه من وراء هذه القناة، مما جعل محمد سعيد يوافق على منحه امتياز حفر قناة السويس في عان 1854 وقد تم تفصيله وتحديده بشكل نهائي بعد عامين فقط، وقد كانت بنود هذا الامتياز هي إعفاء الشركة الأجنبية من أداء أية رسوم جمركية على المواد والأدوات التي ستستوردها من الخارج، أن تقوم الحكومة المصرية بإعطاء شركة دليسبس الأعراض المصرية البور على طول طريق القناة، ويحق للشركة زراعة تلك الأراضي والانتفاع بها مع عدم دفع أية ضرائب عليها لمدة عشرة أعوام، بعد ذلك لدينا في الامتياز حفر ترعة مياه عذبة تكون متصلة بمياه نهر النيل وتكون هذه الترعة خاصة بالشركة فقط.
وأيضًا للشركة الحق في أخذ الأراضي التي تراها ضرورية لها في عملية حفر قناة السويس مقابل تعويض أصحابها بمبلغ من المال، ولدينا في الامتياز أيضًا قيام الحكومة المصرية بتوفير ما لا يقل عن أربع أخماس العاملين بحفر القناة، وأخيرًا وهو الشرط الأكثر إجحافًا أن تتمتع الشركة الأجنبية بملكية القناة وأن تأخذ أرباحها لمدة تسعة وتسعين عام، ونظير ذلك تعطي للحكومة المصرية خمسة عشر بالمائة من أرباح القناة سنويًا، هذه تعتبر هي أهم بنود امتياز حفر قناة السويس وهي بالطبع مجحفة جدًا ومصغرة للشأن المصرية وهيبته، حتى أنه من الممكن أن نسمى ذلك أذنًا بإنشاء دولة داخل دولة، ولذلك كان لإسماعيل الحاكم المصري الجديد رأي أخر في ذلك الامتياز.
رد فعل إسماعيل على الامتياز
بعدما صعد إسماعيل على رأس الحكم وأصبحت له زمام الأمور في البلاد قرر أن يلغي أو يعدل البنود الضارة الموجودة داخل امتياز حفر قناة السويس ، ومن أجل ذلك أبرم أول اتفاقية له في مارس عام 1863، وجاء في تلك الاتفاقية أن تتعهد الحكومة المصرية بتحمل تكاليف عملية حفر ترعة المياه العذبة بداية من القاهرة وحتى وادي الطميلات، في حين تتحمل الشركة الأجنبية تكاليف الحفر من الوادي وحتى بحيرة التمساح، ليس هذا فحسب بل ستتنازل الشركة الأجنبية عن الأراضي التي أخذتها على ضفتي الترعة كما كان مذكور في بنود امتياز حفر القناة، بعد ذلك قام ببرم اتفاقية ثانية في شهر من نفس العام ولكن بعد مرور يومين فقط على الأولى، وجاء في الاتفاقية الثانية أن تأخذ الحكومة المصرية مقدار من أسهم القناة وهي حوالي مائة سبعة وستين ألف وستمائة سهم تقريبًا، مع تغطية رأس المال اللازم لتلك الأسهم كاملة.
وجراء هذه الاتفاقيات أحتج دليسبس على ذلك وحدث صراع بين والي مصر إسماعيل باشا وبين دليسبس، اتفقوا في نهايته على قبول وساطة الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث الذي قام بدراسة كامل الموضوع وأصدر بعض القرارات التي رأها من وجهة نظره عادلة، ومن ضمن هذه القرارات أن تتنازل الشركة عن حقها في ترعة المياه العذبة مقابل تعويض الحكومة المصرية لها بمبلغ وقدره ستة ملايين فرنك، وإعادة ثلث الأراضي التي تحت يد الشركة إلى المصريين في نظير دفع مبلغ وقدره ثلاثين مليون فرنك، أيضًا دفع مبلغ اثنان وأربعين مليون فرنك للشركة نظير عدم إرسال كامل العمالة المصرية لحفر القناة، ويخصم من هذا المبلغ خمسة ملايين كقيمة للأجور المتأخرة أثناء حفر قناة السويس .
تسويات واستعادة هيبة الدولة
مع بداية عام 1865 حاول الوالي المصري إسماعيل أن يستعيد هيبة الدولة المصرية ولذلك أبرم بعض الاتفاقيات وأنفق الكثير من الأموال لأجل ذلك، حيث قام أولًا في يناير ذلك العام بعقد اتفاقية بموجبها تسترد مصر ملكيتها على ما يقارب الأربعة وعشرين ألف فدان من أراضيها الموجودة بالقرب من القناة، مما أتاح للحكومة المصرية إنشاء المنشآت العسكرية وبناء القلاع والحصون هذا بجانب إتاحة ملكية تلك الأراضي للمصريين، وتدفع الحكومة المصرية نظير ذلك عشرة ملايين فرنك للشركة الأجنبية، ثم تلتها اتفاقية أخرى في عام 1869 بها أخذت الحكومة المصرية كافة الأراضي التي أخذتها الشركة من قبل، ودفعت الحكومة نظير ذلك ثلاثين مليون فرنك أخرى.
وبذلك استعادت الحكومة المصرية هيبتها كاملة بفضل تلك الاتفاقيات والتسويات ولكنها في نفس الوقت خسرت الكثير من الأموال، ليست هذه الأموال فحسب بل هناك الكثير من الأموال الأخرى التي دفعت في جهات متعددة لاستعادة الحقوق المصرية، فعلى سبيل المثال دفعت الأموال للسلطان العثماني ووزراءه، ودفعت من أجل السفر والرحلات التي خرجت لأوروبا من أجل التحدث مع كبار الدول في مسألة امتياز حفر قناة السويس ، وأموال حفلة الافتتاح الكبيرة للقناة الجديدة وغيرها الكثير والكثير.
حفر قناة السويس بالسخرة
تعتبر عملية حفر قناة السويس هي أكثر الأمثلة تعبيرًا عن حجم السخرة الذي كان يحدث في مصر، فقد كان المصريون يعملون في الحفر مقابل أجور بسيطة جدًا لا تكفي لأي شيء في الحياة هذا بجانب أن تلك الأجور كانت تدفع بشكل متأخر، حتى أنه قد تم حساب الأجور المتأخرة للمصريين في حفر قناة السويس ووجد أنها تقارب الخمسة مليون فرنك، ولا ننسى أيضًا أن هناك آلاف من المصريين قد ماتوا بسبب هذه السخرة، فلم يكن يقدم لهم طعام جيد أو مسكن جيد بل قدمت لهم الأوبئة والأمراض التي فتكت بأجسادهم، حتى مات الكثيرين من الفلاحين المصريون في عملية حفر قناة السويس ، ومن الجدير بالذكر أن الحكومة المصرية قد قدمت أربعة أخماس العمال الذين سيحفرون في القناة، وهذا رغمًا عن الفلاحين فلا يستطيع أحد رفض هذا التكاليف لأن الرد سيكون قاسي للغاية، ولذلك أجبروا على الذهاب إلى حفر قناة السويس مقابل الأجور القليلة التي كانت تمنح لهم كل مدة.
خلال كم سنة تم حفر قناة السويس في مصر؟
منح الوالي المصري محمد سعيد امتياز حفر قناة السويس لفرديناند دليسبس في الثلاثين من نوفمبر عام 1854، وقد تم الانتهاء من أعمال حفر القناة كاملة وافتتاحها للملاحة في نوفمبر من العام التاسع والستين بنفس القرن، مما يعني أن عملية بناء أو حفر القناة قد تمت في غضون خمسة عشر عام تقريبًا، وهي تعتبر مدة ليست بالكبيرة نظير هذا الإنجاز المهول الذي يصنف كأحد أكثر الأعمال أهمية في القرن التاسع عشر.
أضف تعليق