المادة المظلمة لغز خفي، شبح فضائي غير مرئي، ليس له شكل ولا صوت ولا رائحة، لكنه رغم ذلك حتمي الوجود بنسبة كبيرة، حيث لجأ العلماء لابتكار هذا الشبح لتفسير ظواهر لن تحدث إلا بوجوده، فقد لاحظ العلماء أن حركة النجوم على أطراف المجرات أسرع مما تتوقعه القوانين والمعادلات، ولاحظوا حركة المجرات نفسها بسرعات وتأثيرها على بعضها البعض بقوى جاذبية غير متوقعة، وكانت تلك السرعات وقوى الجاذبية يلزمها وجود كتلة بمقدار معين، وكان الموجود أمام العلماء كتلة أقل منها بكثير! لذلك فكروا أنه من الممكن وجود مادة “مظلمة” لا تتفاعل مع الفوتونات وبالتالي لا نستطيع رؤيتها، لكن تأثيرها الجذبي يثبت وجودها.
استكشف هذه المقالة
المادة المظلمة في الفضاء
تشير القياسات إلى وجود المادة العادية في الكون بنسبة 4.9٪ من محتوياته وتمثل المواد المظلمة نسبة 26.8٪ والطاقة المظلمة تمثل نسبة 68.3٪. بينما تمثل المواد المظلمة حوالي 84.5٪ من المادة الموجودة في الكون، وتوجد المادة المظلمة في كل مكان بالكون. ويرجح العلماء أنها تتكون من جزيئات دون ذرية لا تتفاعل مع الفوتونات أيا كان ترددها، أي لا تتفاعل مع أي من الأطياف الكهرومغناطيسية وبالتالي لا يمكن رصدها بأي منها.
الأدلة على وجود المادة المظلمة
إن رصد حركة النجوم والمجرات وكيفية ترتيبها في عناقيد المجرات يمنحنا دليلا دامغا على وجود كمية من الكتلة غير المرئية تسبب تلك السرعات ونظم ترتيب النجوم، كما يلاحظ تأثير التعدس الجذبي Gravtational lensing في إشعاع الخلفية المايكرونية، وهو تأثير الجاذبية على الإشعاع الكهرومغناطيسي القادم من الكون البعيد والذي يعمل على انحناء الأشعة مثل العدسة.
تصنيف المواد المظلمة
تنقسم المادة المظلمة إلى نوعين:
- مادة مظلمة باريونية: وهي تتكون من ذرات عادية تصدر إشعاعا كهرومغناطيسيا وتتفاعل مع الضوء ولكن بشكل ضئيل جدا جدا وكميتها ضئيلة جدا جدا، وهي شاركت بشكل ما في تطور الكون في بدايته بعد الانفجار العظيم.
- مادة مظلمة غير باريونية: وهي لا تتكون من ذرات طبيعية مثل المادة العادية، ولا تتفاعل مطلقا مع الإشعاع الكهرومغناطيسي ولا تصدره، ومن أمثالها جزيئات النيوترينو، وذلك النوع لم يشارك في تطور الكون بعد الانفجار العظيم.
المادة المظلمة والمادة المضادة
قد يخلط بعض الناس بين المادة المظلمة والمادة المضادة، وقد يسبب تشابه الأسماء خطأ في الفهم، لكن هذا شيء وذلك شيء آخر. المواد المظلمة قد سبق شرحها، أما المادة المضادة فهي مادة عادية تتركب من نفس الجزيئات تحت النووية التي تتكون منها المادة المعتادة، لكنها معكوسة، فمثلا الإلكترون العادي السالب له نظير مضاد يسمى البوزيترون وشحنته موجبة لكنه يطابق الإلكترون، وهناك نظير مضاد للبروتون ولكل جسيمات المادة العادية. وإحدى طرق تكون المادة المضادة من الإشعاع الكهرومغناطيسي ذو الطاقة العالية مثل إشعاع جاما والذي عندما يفقد طاقته تكوّن تلك الطاقة زوج من الجسيمات، أحدهما إلكترون والآخر بوزيترون، لكن ما يلبث هذا الزوج حتى يصطدم ببعضه ويتلاشان مطلقان طاقة.
المادة المظلمة والطاقة المظلمة
وقد يحدث أيضا خلط بين المادة المظلمة والطاقة المظلمة، لكن الفرق واضح حتى من التسمية، فالطاقة شيء والمادة شيء آخر. والطاقة المظلمة اكتشفت عندما لاحظ العلماء أن الكون يتمدد وليس ساكنا ولا ينكمش، وذلك عندما لاحظ العلماء أن إشعاع المستعرات العظمى البعيدة -واستخدمت لسطوعها العالي- يميل إلى اللون الأحمر أكثر فأكثر، أي يقل تردده ويزيد طوله الموجي، وتلك الظاهرة تحدث للأجسام التي تصدر موجات وهي تتحرك مبتعدة، ولذلك كان التفسير الوحيد هو وجود طاقة ما تعمل على إبعاد المجرات عن بعضها ولا يسمح لقوى الجاذبية الناشئة عن الكتل بتقليص الكون وجذب أجزائه نحو بعضها، وكما قلنا عند حساب تلك الطاقة وجد أنها تمثل نسبة 68.3٪ من الكون.
الكثير من الغموض يكتنف جوانب الكون، وكلما تعلم الإنسان يعلم كم هو جاهل، وكم أمامه من مغارات وكهوف لم يسبر أغوارها بعد، و المادة المظلمة هي إحدى تلك الأشياء المجهولة، ولا نعلم بعد أي الأشياء الغريبة والاكتشافات المذهلة ينتظرنا، ولا نعلم متى يمكننا الإجابة عن الأسئلة المطروحة عن المواد المظلمة وغيرها لكن ربما نجيب عنها يوما ما بالمزيد من البحث والجهد.
الكاتب: أسامة سعد
أضف تعليق