عندما نتحدث عن الأفلام التاريخية فنحن بكل تأكيد لا نقصد تلك الأفلام التي تُجسد مرحلةٍ ما من التاريخ، صحيح أن المُصطلح يُمكن أن يتماشى معها لكننا الآن نتحدث تحديدًا عن الأفلام التي صدرت منذ وقت طويل جدًا وأصبحت جزءً أصيلًا من التاريخ، بيد أنها في وقت صدورها لم تحقق ذلك النجاح الساحق ولم تحظى بإقبال الجماهير سوى بالوقت الحاضر، فهذه النوعية من الأفلام باتت تأخذ شكل كلاسيكي ممتع، بمعنى أنه من سيقوم بمشاهدة فيلم من هذه الفئة فهو يعرف جيدًا ما الذي سيُقدم عليه بالضبط وقدر المتعة المنتظر من ذلك، على العموم، مع الاختلاف في الفهم لكل ما سبق ذكره إلا أننا في نهاية المطاف نجد أنفسنا قد خرجنا بسؤال واحد بديهي، لماذا حظيت تلك الأفلام بهذا النجاح الآن بعد سنوات من عرضها وليس في الوقت الذي صدرت فيه؟ الإجابة تأتيكم في السطور القادمة فكونوا على أتم استعداد لها.
استكشف هذه المقالة
الأفلام التاريخية
ليست هناك مدة محددة لاعتبار الأفلام التاريخية تاريخية، يكفي فقط أن تُعرض في السينمات دون أن يسمع بها أحد أو تُحقق نجاحًا ملحوظًا ثم بعد مدة، وخلال عرضها في التلفزيون، نجد إقبال كبير عليها ومتابعة بشكل هائل، هذه هي النظرية الصحيحة في اعتبار الأفلام التاريخية صالحة لهذا اللقب، وغالبًا ما تكون هذه الأفلام من النوعيات التي لا تصلح أساسًا لجمهور السينما مثل أفلام الدراما الاجتماعية أو العائلية، فكما هو واضح أساسًا من الاسم فإن الأفلام هذه تهتم أكثر بالعائلة، والعائلة الآن لا تذهب أساسًا إلى السينمات، لذلك فإن الأمور تبدو واضحة ومفهومة جدًا ويُمكنك عزيزي القارئ القياس بكل سهولة ومعرفة تصنيف الفيلم الذي تشاهده، لكن ربما يكون السؤال الذي يدور في ذهنك أعمق من مجرد التعرف على تعريف الأفلام التاريخية، ربما مثلًا تُريد التعرف أساسًا على أسباب النجاح الكبير الذي تحظى به.
أسباب نجاح الأفلام التاريخية المتأخر
الآن نحن شبه مُدركين لما تعنيه هذه الأفلام وما يُقصد به حال سماعها، لكن الأمر الذي ربما لا نُحيط به الآن السبب الحقيقي خلف نجاح تلك الأفلام، نجاحًا متأخرًا على وجه التحديد، وأولى هذه الأسباب مخاطبة شريحة أخرى من الجمهور.
مخاطبة شريحة أخرى من الجمهور
السبب الأول المتعلق بنجاح الأفلام التاريخية بعض عرضها بفترة أنها في مرة العرض الثانية لا تكون مخاطبة لنفس الشريحة الأولى، وإنما تُخاطب شريحة أخرى من المفترض أنها الأكثر قوة وتأثيرًا، فالشريحة الأولى التي نقصدها هي شريحة جمهور السينما، وهو جمهور قليل جدًا لكونه أساسًا يرتبط بالوضع الاقتصادي والحالة الاجتماعية والكثير من الأمور الأخرى التي تُحدد مسألة ذهابه إلى شباك التذاكر ودفع الأموال مُقابل المشاهدة، لذلك تقل الأعداد وترتفع تمامًا على النقيض، وذلك عندما يكون الجمهور الذي يتم استهدافه جمهور المنزل الذي يكون أساسًا قوة كبيرة وحقيقية، وهنا يُمكننا ببساطة وضع أيدينا على السبب الأول خلف نجاح نوعية الأفلام الهامة بعد مرور تاريخ كبير على عرضها، إذ أن العامل هنا يكون طريقة التقديم.
العرض التلفزيوني المجاني
السبب الثاني خلف نجاح الأفلام التاريخية المتأخر يتعلق بشكل أو بآخر بالسبب الأول، حيث أنه أيضًا يكون هناك اعتبار للشكل الذي يُقدم من خلاله الفيلم وهل هو مجاني أم مدفوع، حيث أننا خلال عرض تلك الأفلام في السينمات يكون لدينا الخيار المُكلف، وهو الذي يقوم على دفع مبلغ من المال حال الرغبة في المشاهدة، أما عند العرض التلفزيوني فإن الخيار يكون ترفيهي أكثر، حيث يكون مشاهدة هذا الفيلم مكفولة فقط بجذبه لك والمتعة التي يحتوي عليها، وهذا الأمر من أول وهلة يبدو غير ضار بالمرة وخصوصًا لأولئك الذين يجلسون في المنزل لساعات طويلة ولا يجدون أي شيء يفعلونه خلال هذه الفترة، والحديث هنا عن ربات المنازل على وجه التحديد.
عدم الالتزام بالمناخ العام
دعونا نقول بكل صدق أن كل الأفلام التاريخية التي لم تحظى بنجاح لحظة عرضها كانت في الأساس أفلام لا تتناسب مع المناخ العام أو السياسة العامة للأفلام في هذا الوقت، ففي الوقت الحالي على سبيل المثال لا يُمكنك أن تجد أفلام أكثر قابلية وجذبًا من أفلام الحركة والإثارة والغموض، فأفلام الدراما الآن لا تجد أي دعم من جمهور السينمات، ولهذا لا تُحقق النجاح المتوقع، هنا نحن نتحدث عن المناخ العام، وإذا كنت تريد النجاح فكل ما عليك هو ملائمة ذلك المناخ، وربما هذا سبب رئيسي في نجاح الأفلام التاريخية حاليًا، إذ أن جمهورها الذي يرغب فيها يذهب إليها ويستهدفها بسهولة شديدة.
قوة جمهور العائلة
جمهور التلفزيون الآن، والذي يجلس لمشاهدة الأفلام التاريخية في المنزل، هو جمهور العائلة، وتحديدًا ربات البيوت والغير عاملين والفئات المشابهة، إذ أن الشباب والجيل الحالي يذهب إلى السينمات أو ربما الإنترنت، لكن، وبصورة خالية تمامًا من التحيز فإن جمهور العائلة أقوى بكثير من جمهور السينما وأكثر عددًا، وهذا يعني أنه سيضمن النجاح لأفلامه التاريخية، أيضًا جمهور العائلة المنزلي يمتلك خاصية الترشيح، فهو يجلس ويرشح الأفلام التي تعجبه للجمهور المماثل له، وهذا ما يعني زيادة في الانتشار، وكل هذا يجعلنا نؤكد على كون جمهور العائلة، وقوته الكبيرة، سبب من أسباب النجاح الساحق لنوعية الأفلام التاريخية التي هي موضع حديثنا.
تغير ظروف العرض الأول
السبب الأخير الذي يُمكننا التحدث عنه بوصفه أيضًا سبب من أسباب الجذب إلى الأفلام التاريخية هو كون الأفلام التاريخية الناجحة قد امتلكت خاصية وميزة تغير ظروف العرض الأول، وشرح ذلك ببساطة أنه في سنة من السنوات قد تقوم حرب أو تحدث أي مشكلة تهز استقرار الدولة وتجعل السينما آخر اهتماماتها، وهذا يعني ضمنيًا فشل الأفلام المعروضة في السينمات بذلك التوقيت حتى لو كان مستواها جيد جدًا، لكنها في النهاية تجد طريقها للفشل، وقد جاءت طرق العرض الأخرى لتوفر ظروف أخرى لهذه الأفلام وتجعلها ناجحة، تجعلها ببساطة ضمن الأفلام التاريخية، ولهذا أضفنا تغير ظروف العرض الأول إلى أسباب الانجذاب إلى مثل هذه النوعية من الأفلام.
أهم الأفلام التاريخية
الآن بعد أن ذكرنا أهم وأبرز الأسباب التي تؤدي إلى نجاح الأفلام التاريخية فلابد وأننا بكل تأكيد سنكون في حاجة ماسة إلى التعرف على النماذج الحية لهذه الأفلام، ونحن هنا نتحدث عن أفلام تاريخية تُعرض الآن في التلفاز وتُحقق نجاحًا ساحقًا لكنها عند صدورها لم تكن على القدر الموجود من الشهرة، وأبرز هذه الأفلام الخلاص من شاوشانك.
الخلاص من شاوشانك 1994
في عام 1994 صدر فيلم تاريخي ملحمي فارق في تاريخ السينما يُعرف باسم الخلاص من شاوشانك، وهو الذي كان من بطولة تيم روبنز ومورغان فريمان وآخرين، بينما وضع القصة لهم ستيفن كينج المؤلف الشهير، وبغض النظر عن الفريق الذي لم يكن قويًا بالشكل الكبير وقت عرض الفيلم فقد كانت القصة أيضًا تقليدية بعض الشيء، فنحن نتحدث عن شخص دخل إلى السجن بعد قضية ظالمة وتمكن من التخطيط خلال سنوات طويلة لهربه من ذلك السجن، لكن بعد أن عُرض الفيلم على التلفاز لاحظ الجمهور الأداء التجسيدي المُبهر من الشخصيتين الرئيسيتين بالفيلم بخلاف وجود الكثير من النقاط العبقرية في القصة، ومن هنا جاء النجاح الساحق له لاحقًا وأصبح ضمن الأفلام التاريخية.
فورست غامب 1994
ربما عام 1994 هو عام الأفلام التاريخية التي انفجرت بعد عرضها في التلفاز ولم تحقق نفس النجاح أثناء عرضها في السينمات، وهذا ما يظهر من خلال فيلم فورست غامب الذي أدي دور البطولة فيه النجم توم هانكس، والفيلم ببساطة شديدة يتحدث عن قصة شخص اسمه فورست غامب، وهي قصة ربما تبدو عادية ولا تجذب جمهور السينما بأي شكل من الأشكال، لكن بعد عرض الفيلم على التلفاز تبين أنه ممتع جدًا ويستعرض حياة كل شخص شاهد الفيلم وليس مجرد حياة الشخصية التي ظهرت في الأحداث، شاهدوه ولن تندموا مطلقًا.
إنقاذ الجندي رايان 1998
بعد سيل من الأفلام الحربية الغير ناجحة فقد جمهور السينما الشغف تجاه هذه النوعية من الأفلام ولم يذهب لمشاهدة فيلم إنقاذ الجندي رايان، وهو الذي عُرض في عام 1998، لكن المفاجأة أن هذا الفيلم قد نجح جدًا لاحقًا بعد عرضه تلفزيونيًا وأصبح من الأفلام التاريخية الفارقة، فهو يتحدث عن جندي يتم فقدانه خلف خطوط العدو ويكون على مجموعة من الجنود الذهاب إليه وإنقاذه لإعادة الأمل مجددًا لوالدته، فهل سينجحون في هذه المهمة التي تبدو مستحيلة؟ الفيلم يُجيب عن ذلك.
ختامًا عزيزي القارئ عليك أن تعرف بأن الأفلام التاريخية التي ذكرناها ليست فقط الأفلام التاريخية الوحيدة التي يُمكن تطبيقها على الموضوع الذي نتحدث عنه، فبكل تأكيد هناك أفلام أخرى لم تُذكر ومرت بنفس التجربة من حيث النجاح بعد العرض بفترة وليس في وقت العرض، فقط ابحثوا عنها وستجدونها.
أضف تعليق