إنتاج الأفكار أمر يحتاج إليه كل شخص الآن يعمل في معظم الوظيفة الرائجة في سوق العمل الحالي، في مجالات التسويق والدعاية وصناعة المحتوى والإعلان وتنظيم الحفلات وتصميم الجرافيك والإضاءة والديكور والعمارة وغيرها، كل هؤلاء لن تستطيع التميز فيهم ما لم تكن قادرا على إنتاج أفكار لامعة ولافتة للأنظار، وكلما كنت قادرا على إنتاج الأفكار بشكل أسهل وأكثر تميزا كلما استطعت بحنكة وذكاء ومهارة أن تتقدم في عملك وتنجز فيه، هناك أشخاص لديهم موهبة لتوليد الأفكار كما لو كانوا يصنعوها، كان الناس يستغربون على الكاتب ستيفن كينج كيف يأتي بأفكار رواياته وكيف كان يستطيع كتابة أكثر من رواية في العام الواحد بكل هذا الإنتاج الغزير، أجاب ستيفن عدة إجابات أهمها الانضباط والتنظيم وغيرها ولكن هل لو قام أي شخص باتباع خطوات ستيفن كينج يستطيع أن ينتج الأفكار بهذه الغزارة والتميز في الوقت ذاته؟ إذًا هناك مواهب إلهية تستطيع إنتاج الأفكار وهناك أشخاص يجب أن يؤسسوا أنفسهم لزيادة غزارة الأفكار التي تأتيهم من أجل إنتاج الأفكار بشكل متميز ومتواصل.
استكشف هذه المقالة
من أين تأتي الأفكار؟
قبل أن نتحدث عن إنتاج الأفكار يجب أن نسأل أنفسنا من أين تأتي الأفكار، لابد أنها من الذهن هذا ما هو متفق عليه، ولكن كيف تتولد الأفكار في الذهن؟ ما هي المادة الرئيسية للأفكار، لعلنا لا ندري تحديدا ما هي العملية الميكانيكية التي تعمل على إنتاج الأفكار بشكل دقيق، أقصد أن الإنسان قد يكون متمددا على سريره لا به ولا عليه وفجأة تأتيه فكرة ألمعية غير مسبوقة، فجأة بدون أي سابق إنذار، ولكن هل من الممكن ألا تكون هذه الفكرة نتيجة لذهن ثري ولمخيلة متسعة ولحصيلة معرفية كبيرة ولعقل يعمل على الدوام؟ هذا ما سنتحدث عنه، أن الأفكار لا تأتي اعتباطا وأن إنتاج الأفكار لا يتم بمجرد محاولة التفكير واصطياد الأفكار، بل من خلال عقلية نشطة وثراء معرفي ووجداني واطلاع واسع ومخيلة رحبة وذهن واعي ومتقد.
هل يمكن لأي شخص إنتاج الأفكار ؟
بالطبع لا، لا يمكن لأي شخص إنتاج الأفكار، هل سألنا أنفسنا لماذا كل الكتاب الموهوبين والمشاهير قرؤوا العديد من الكتب قبل الكتابة، هل نعرف لماذا من يمتلك أسلوب جيد في الكتابة أو صياغة سلسة ومرنة حين التفتيش خلفه ستجده قد قرأ المعلقات والقصائد العشر واطلع على معظم نتاج الشعر العربي وألم بأساليب الكتابة الحديثة، هل نعرف لم استطاع المهندسون المتميزون أن ينتجوا أعظم الأفكار ما لم يكونوا قد اطلعوا على مئات التصميمات من قبل من كافة دول العالم، حسنا لا موهبة بدون تأسيس إنتاج الأفكار وليس هناك من موهبة تأتي اعتباطا، ربما تكون الموهبة عبارة عن هبة إلهية فعلا لكنها تظل موهبة ناقصة ما لم تصقلها سنوات من الخبرة والممارسة والتعلم المستمر والنشط، لذلك نقول قبل التفكير في كيفية إنتاج الأفكار عليك بتأسيس إنتاج الأفكار أي تهيئة ذهنك لكي يولد الأفكار.
تأسيس إنتاج الأفكار
من أجل تأسيس إنتاج الأفكار يجب أن تعد ذهنك جيدا وتثريه وجدانيا، من أجل تنشيط جسدك عليك أن تمده بالفيتامينات والبروتينات، حتى يمكنك ممارسة الرياضة بنشاط وحتى يستجيب جسدك للمجهود الذي تنوي بذله، كذلك الذهن، يجب أن تمده بالمقويات والمغذيات، أن تعمل على إثرائه، هل فكرت لماذا لا يستطيع الطفل الصغير إنتاج الأفكار، إلا النوابغ بالطبع، لأنه لديه حصيلة معرفية ووجدانية ضئيلة لا تؤهله لإنتاج الأفكار بعد، لذلك عليك بعدم الاهتمام بتخصصك فقط، هل تخطط لكتابة رواية؟ لا تهتم بالقراءة فقط، الفن التشكيلي، السينما، الموسيقى، التاريخ، الفلسفة، علم النفس، التجارب الحياتية، مراقبة تصرفات الناس. هل تريد أن تصمم شعارا لإحدى الشركات، انظر للجمال حتى في أقبح المناظر، ربما ضحكة طفلة صغيرة تلهمك لهذا الشعر، ربما انحناءة إصبع طفل تلهمك، ربما وأنت تشاهد فيلمك المفضل أو تستمع لمقطوعتك الموسيقية، إثراء معرفي ووجداني في كل المواد التي تحيط بك، هكذا تستطيع تهيئة ذهنك من أجل إنتاج الأفكار ومن ثم سهولة توليدها، تشبعه بالأفكار والمشاعر بالتالي يستطيع التعبير عنها في شكل أفكار متماسكة.
إنتاج الأفكار الإبداعية
في مرة من المرات كنت بصدد كتابة رواية ما، لا أدري ما هي فكرتها وكيف ستأتي، كنت كتبت عشرات القصص ورواية قصيرة لم تعجبني وكنت أريد أن أثبت لنفسي أنني أستطيع أن أكتب رواية، وبعد محاولات عدة مع الأفكار المصطنعة والمفتعلة التي يمكن أن تساندك لصفحتين أو ثلاث أو حتى عشر لكنها لن تمدك بالمادة الروائية لعشرات الصفحات، كنت في السوق حين حاول العطار إقناع أحد المشترين بجودة الكمون لديه فقام بوضع حفنة من الكمون بين يديه وأدار كفيه بشكل ما فأخرج الكمون مطحونا وجعل المشتري يشمه حتى يتأكد من جودته من خلال رائحته، هذا المشهد ظل مختزنا في رأسي لأيام بعدها، لم يفارق رأسي حتى جعلته مفتتح الرواية التي يجب أن أكتبها، وبالفعل بقليل من التعديل استطعت إنهاء الرواية، يقول الروائي البيروفي ماريو فارجاس يوسا، أنه ما من فكرة إبداعية لا تكون خارجة من الواقع، حتى أكثر الأفكار خيالية وبعدا عن الواقع هي في الأصل منطلقة من نقطة واقعية، أي أن الواقع هو مصنع إنتاج الأفكار الإبداعية، كل ما نراه عين ثاقبة وذهن متقد وحس مرهف وحساسية تجاه الأشياء التي تحدث حولنا.
كيفية إنتاج الأفكار
وسع مجال اهتماماتك: لا تكتفي بالقراءة أو الاطلاع فيما يخص مجالك فحسب، بالطبع يجب أن يأخذ الاهتمام الأكبر ولكن الفكرة هنا هو أن توسع مجالات اهتماماتك وتوسع مداركك معها وتفتح لك آفاقا جديدة ولتعرف أن كل شيء مرتبط ببعضه، الأدب مرتبط بالموسيقى ومرتبط بعلم النفس وبالفلسفة وبعلم الاجتماع وبالتاريخ، كل شيء مرتبط ببعضه بطريقة لا تتخيلها، لذلك وسع مجالات اهتماماتك، في مرة كنت أشاهد فيلما وثائقيا عن مترو بكين، هذا الوثائقي أهدى لي فكرة مقال عن الإنسان داخل المجموع ودفعني للبحث أكثر عن علم النفس الاجتماعي، لذلك لا تستهين بالأمر ووسع مداركك من أجل إنتاج الأفكار يجب أن يكون لديك أرضا خصبة.
اقرأ تجارب زملاءك
عندما لا يكون لدي دافع للكتابة ألجأ إلى القراءة عن الكتابة، أنت أيضًا حين لا يكون لديك مزاج للتصميم أو للعمل على فكرتك أو عدم استطاعتك إنتاج الأفكار بشكل جيد وترضى عنه تحدث مع زملاءك، اقرأ تجاربهم إن كانت متاحة، كيف يمكنهم توليد الأفكار وإنتاجها، هذا أكبر محفز للعمل وإنتاج الأفكار.
انظر حولك واستلهم من الواقع
هناك شيء إلى جانب التعلم واكتساب المهارات وتمرير الخبرة اسمه الأصالة، أن يكون المنتج الإبداعي يحمل بصمتك أنت، خارجا من تجربتك أنت، ويحمل وجدانك أنت، هذه الفكرة الأصيلة هي الأكثر تميزا، والأصالة لا تنتج من التقليد بل من تجربتك أنت، أي أنك يجب أن تستلهم من واقعك، من واقعك المادي الملموس طبعا، ما يجعلك تعمل على إنتاج الأفكار بسلاسة.
لا ترهق ذهنك، بل اجعله يسترخي
هناك الكثير من الأشخاص يعملون على إرهاق ذهنهم عبثا من أجل إنتاج الأفكار أو حلبها بمعنى أدق، الحقيقة أن الأفكار لا تأتي بالعنف، ومن أقنعك بأن الضغط سيولد الأفكار فإن الضغط لابد وسيولد الانهيار، الأفكار الحقيقية تأتي من ذهن صافٍ ومن عقل مسترخٍ ومستريح، لذلك عزيزي الآن توقف عن محاولة توليد الأفكار واسترخِ واستمع لموسيقاك الهادئة الحالمة، ولا تفكر في أي شيء.
مهارة توليد الأفكار
بعد فترة من العمل، سيتولد لديك مهارة توليد الأفكار، الأفكار عبارة عن حلقات متشابكة مثل السلسلة والفكرة تجر الفكرة وراءها، أحيانا بالطبع يصاب الإنسان من شدة الضغط بعدم القدرة على إنتاج أي أفكار، في هذه الحالة لا يجب عليه أن ييأس أبدا، بل يجعل ذهنه يسترخي ولا يضغط نفسه أكثر من ذلك وستعاوده الأفكار مرة أخرى، بمعنى أدق أن إنتاج الأفكار وتوليدها لا يحتاج إلى موهبة خالصة، بل بالممارسة أيضًا واكتساب الخبرات وهو مهارة مثل أي مهارة، مثلما هناك من يستطيع تولي الحسابات ومراجعتها، هناك من يستطيع إنتاج الأفكار وتوليدها، كل شيء يأتي من خلال الممارسة والخبرة والاطلاع والثراء المعرفي والوجداني والتحصيل الدائم والتعلم.
إنتاج الأفكار يأتي من خلال الأذهان النشطة والمتقدة واللامعة، وهذه الأذهان في حالة غليان مستمر، ولا تأتي الأفكار راكعة عند الأشخاص بل تأتي في طائفة كبيرة من الأفكار الأخرى عديمة الفائدة، حيث من كل مائة فكرة لا قيمة لها تأتي فكرة واحدة جيدة، أما مسألة توليد الأفكار فإنها تحتاج إلى اطلاع وتعلم دائم.
أضف تعليق