الكوتشينة هو مسمى أوراق اللعب في مصر وبعض البلدان العربية، وتُسمى “الشدّة” في بعض البلدان الأخرى، غالبًا ما تكون الكوتشينة مصنوعة من الورق البلاستيكي أو الورق العادي إن كانت رخيصة الثمن، ويبلغ عدد الأوراق 52 ورقة، بالإضافة إلى ورقتين من الجوكر (واحد باللون الأبيض والأسود، والثاني ملون) فيصبحوا 54 ورقة، هذه الأوراق يمكن اللعب بها بأكثر من طريقة، ويبدع الأطفال في اختراع وتعلم أنواع مختلفة من ألعاب الأوراق بنفس ذلك العدد، تتنوع الألعاب ما بين ألعاب القمار، والألعاب العادية، وألعاب السحر، وألعاب بناء المنزل باستخدام البطاقات نفسها، كل تلك الألعاب تمتلك شعبية كبيرة في العالم كله، فما سر هذه الشعبية وما هي قصة الكوتشينة ومدلول الرسوم التي تحملها! هذا ما يتطرق له المقال.
استكشف هذه المقالة
مخترع ورق اللعب
من الصعب تعقب تاريخ الكوتشينة في الحضارات القديمة، لأن الورق المستخدم يضيع بسهولة، ولكن أولى الإشارات لأوراق اللعب بالعالم جاءت من الصين والهند ومصر، ولكن يؤكد بعض الخبراء أن مخترعين أوراق اللعب الأولى كانوا من الصين، حيث ذكرت الكوتشينة في الأدب الصيني من القرن العاشر، على الرغم من عدم ذكر أشكال ورسوم الورق أو طرق اللعب بها، وبعض خبراء التاريخ الآخرين يعتقدون بأن الكوتشينة أصلها من بلاد فارس القديمة، ومن ثم انتقلت من هناك إلى الصين والهند، ووصلت إلى مصر في الغرب، ومن مصر وصلت عن طريق التجار واختلاط الحضارات إلى أوروبا في عهد المماليك في القرن الرابع عشر، فأخذت بالانتشار واكتسبت شعبية أكبر ومدلول مختلف لكل رسمة على الورق.
الكوتشينة في أوروبا
بغض النظر عن مخترع أوراق اللعب، فإن الكوتشينة انتشرت بشكل كبير من أوروبا إلى العالم أجمع، لأن النسخ الأصلية والأولى للكوتشينة في أوروبا كانت مرسومة باليد والألوان الفاخرة، لذلك اقتصرت على الأغنياء وأصبحت من الألعاب الأكثر شهرة بين الطبقة الأرستقراطية، وارتبطت بالنساء لأنها كانت الوسيلة المسلية، كما ارتبطت بعض الألعاب بإغراء النساء للرجال الأرستقراطيين والملوك، وأصبحت من أشهر الألعاب التي يتم التجارة بها على طول طريق التجارة الأوروبية القديم، وبحلول القرن الخامس عشر أصبحت اللعبة الأولى للطبقات الراقية، وبعد اختراع الألماني يوهان غوتنبرغ للطباعة، انخفض سعر الورق، وانخفضت أكثر في فرنسا في أواخر القرن الخامس عشر بعد استخدام “الطباعة”، وأصبحت الكوتشينة رخيصة الثمن ومتداولة بين جميع طبقات المجتمع وتمتع بها الصغار والكبار وتنوعت الألعاب.
تصميمات أوراق الكوتشينة
على مر التاريخ، صممت كل ثقافة وحضارة أوراق اللعب الخاصة بها بالشكل والمدلول الذي يتناسب معها، وقبل أن تصل الكوتشينة إلى شكلها في الوقت الحالي مرت بالعديد من التغيرات، بعض التصميمات كانت مستمدة من الطبيعة والأشكال الجذابة، والبعض الآخر كان مستمد من الواقع والمجتمع والتعبير عن ملوك العصر أو الجيش الخاص بالبلد أو الاقتصاد والمال، البطاقات الأوروبية الأولى اكتسبت تصميماتها من الثقافة المصرية من القرن الرابع عشر، وهي أقرب تصميم لأوراق اللعب في الوقت الحالي ولكن مرسومة مع العديد من التفاصيل الصغيرة القريبة من التصميمات العربية الرائعة، أما الرسومات الألمانية التي انتشرت بين الفقراء فكانت بتصميمات من رسوم الجوز والقلوب والصقور، وهي تعبر عن مدى فخر الألمان بتاريخيهم وطبيعتهم، أما البطاقات الفرنسية فكانت مصممة على شكل جنود يحملون راية مرسوم عليها البطاقة بالعدد والمنزلة التي تعبر عنها الورقة.
أسماء أوراق الكوتشينة
تختلف أشكال وأسماء ورق اللعب الحالية عن أوراق اللعب القديمة، ولكن الأشكال الحديثة وأسماءها المختلفة هي الأكثر شهرة واستخدامًا في العالم كله، وقد تختلف لهجات ومسميات كل ورقة بين البلد والأخرى، ولكن تبقى الأشكال الأربعة الرئيسية ثابتة بالإضافة إلى ورق الصور والواحد، وفي النقاط التالية توضيح لاسم كل ورقة بأكثر من لهجة:
- ورقة الواحد أو A وتسمى بالأكة أو المقص أو الآص.
- ورقة الملك أو k ويسمى بالشيخ أو الشايب.
- ورقة الملكة أو Q وليس لها مسمى آخر سوى الملكة.
- ورقة Jack أو J ويسمى بالولد أو العسكري أو المارشال.
- ورقة القلب الأحمر وتسمى بالكوبة أو هارت أو القلب أو الحاس.
- ورقة القلب الأسود المقلوب وتسمى بالبستوني أو اليك أو سبيت.
- ورقة الديناري الأحمر وتسمى الدايمن أو الكومي.
- ورقة الزهرة السوداء وتسمى بالزهر أو السباتي أو الشجرة أو الكلفس.
مدلول الرسوم
لكل رسمة في أوراق الكوتشينة مدلول من العصور الوسطى، فالرسوم الأربعة (الزهر والدايمن والبستوني والكوبة) تعبر عن عمود من أعمدة الاقتصاد في العصور الوسطى في أوروبا، لأن لعبة الكوتشينة كانت لعبة الطبقة الأرستقراطية في العصور الوسطى، وهي الطبقة التي كانت تمتلك المال والقوة في ذلك العصر، وقد اعتمد الاقتصاد بشكل كبير على أربعة أعمدة، وهم: الكنيسة وتم التمثيل لها بالقلب الأحمر أو الكوبة في ورق اللعب، الجيش وتم التمثيل له بالبستوني أو القلب الأسود، طبقة المزارعين وتم التمثيل لهم بالزهر، وأخيرًا طبقة التجار وتم التمثيل لهم بالديناري، أما الجوكر فهو يعبر عن المهرج والذي كان وجوده مألوفًا في البلاط الملكي في العصور الوسطى، ولا يُستخدم إلا في ألعاب معينة قليلة، وهذا هو المدلول أو الرموز التي تعنيها كل رسمة في أوراق الكوتشينة.
الاختلاف بين أوراق اللعب الحالية وأوراق اللعب القديمة
على مر العصور تأثرت الكوتشينة بالحضارات المختلفة التي مرت بها، وتفكير المجتمع، ليس فقط على مستوى التصميم ومدلول الرسوم، ولا أيضًا على المستوى اختلاف الألعاب، بل على مستوى عدد البطاقات وترتيب أهميتها أيضًا، على سبيل المثال: في الأوراق القديمة لا توجد ورقة للملكة، بل ورقة واحدة للملك واثنين للولد أو المارشال، وذلك لأن البلاط الملكي في أوروبا اعتمد على السلطة الذكورية في أغلب الأوقات، وإلى اليوم بعض أنواع الكوتشينة في إيطاليا وألمانيا وإسبانيا لا تحتوي على ورقة الملكة، ظهرت أول صورة للملكة في مجموعة أوراق اللعب الألمانية ثم اختفت بعد وقت قليل من ظهورها، وظهرت مجددًا في أوراق اللعب الفرنسية في القرن التاسع عشر وانتشرت من هناك إلى العالم، ولم تكن البطاقات ملونة باللون الأسود والأحمر، بل ذلك أيضًا اختراع فرنسي يشكل اليوم أساس ورق اللعب الحديثة.
أوراق التارو
بعد انتشار مجموعة الورق العالمية للكوتشينة، ظهرت إمدادات لها في بعض البلدان، ولا زالت تفتخر بعض البلدان بامتلاكها مجموعة ورق خاصة بها، ومن هذه الأمثلة أوراق التارو التي اشتهرت في إيطاليا في القرن الخامس عشر، واستخدمتها العرافات في التنجيم، واليوم تعددت مجموعات الأوراق التي تشبه في تركيبها الأساسي أوراق الكوتشينة مثل لعبة الأونو وغيرها من ألعاب الورق.
موقف البلاط والكنيسة تجاه شعبية الكوتشينة
بسبب شعبية الكوتشينة في الأوساط الأوروبية وكثرة اللعب بها، كان لابد من توضيح موقف الكنيسة والبلاط الملكي تجاه هذه اللعبة التي اجتاحت جميع البيوت، فاعتبرتها السلطات الدينية حرام، لأنها تلهي الناس وتُستخدم بكثرة في ألعاب القمار، وتستخدمها النساء في إغراء الرجال، وفي ألمانيا تم فرض الضرائب على الكوتشينة لأن السلطات رأت فيها فرصة للربح المادي، ووصلت الضرائب في البداية إلى ما يعادل خمسة دولارات اليوم، وزادت لتصل إلى ما يعادل 25 دولار اليوم، والبعض حاول تهريب الكوتشينة من أجل الربح المادي، فقامت سلطة الجمارك بصناعة ورقة الآص البستوني بنفسها، حتى تمنع التهرب الضريبي، ولابد من وجود ختم مصلحة الضرائب على الورقة للتأكد من دفع الضرائب وسماح ببيع الكوتشينة في السوق، أما في إنجلترا فقد منع البرلمان اللعب بالكوتشينة في الأيام العادية، وسمح بها في الأعياد فقط، وحتى الملك هنري الثامن (والذي كان مغرمًا بألعاب الكوتشينة) شعر بأن الكوتشينة تلهي جنوده عن التدريبات العسكرية.
استخدامات غريبة عبر التاريخ لأوراق اللعب
في الوقت الحالي قد تستخدم أوراق الكوتشينة للعب بطرق مختلفة أو في القمار أو في ألعاب السحر والتنجيم، ولكن عبر التاريخ استخدمت لأغراض مختلفة وغريبة جدًا، أدت بشكل أو بآخر إلى انتشار اللعبة، على سبيل المثال: استخدمت كرسائل للحب والغرام، لأن الجهة الخلفية كانت فارغة فكان الحبيب يرسل لحبيبته رسالة سرية مخيفة بين الأوراق، واستخدمت كأوراق لكتابة الدعوات، وفي زمن مختلف استخدمت كعملة لسعرها الباهظ، أما في هولندا فشهدت الكوتشينة أغرب استخدام لها عبر التاريخ، حيث استخداماتها الأمهات لتميز طفلها عندما تضطر إلى تركه فترة من الزمن، فكانت الواحدة منهن يقسمن الورقة إلى نصفين، الأول مع الطفل والثاني مع الأم، كدليل على أن هذا الطفل طفلها وسترجع له مهما طال الوقت، أما إن أعطت الأم كامل الورقة للطفل فذلك يعني بأنها لن ترجع وستهجره.
بذلك يكون المقال قد أوضح الكثير من المفاهيم عن الكوتشينة وتاريخها وغرائب تلك اللعبة وسر انتشارها بهذا الشكل وتلك الشعبية بالعالم كله، ومتى بدأ بالانتشار ومدلول أوراقها القديمة والحديثة، ويمكن الآن التعرف على كيفية لعب الكوتشينة والاحتراف فيها عن جميع الأصدقاء.
أضف تعليق