هناك الكثير من يؤمن بالله وملائكته ورسله ويعبده حق عبادته ولكن لديه تقصير في حب الصلاة أو لا يعلم كيفية ذرع هذا الحب داخل النفس، وهناك منا من يتكاسل عن أداء الصلاة ومنا من يؤديها ولكن ليس في أوقاتها ومنا من يؤديها في أوقاتها ولكن لا يخشع فيها وآخرون يؤدونها من أجل أنها فرض وواجب عليهم ولا يستلذون بها مثل الخاشع المشتاق لها، مثل هؤلاء لابد أن يتعلموا فضل الصلاة في الدين ونزلتها ومكانتها ومن ثم تعلم كيفية حبها والشوق لها والخشوع فيها، وبطبيعة الحال يكونون قدوة لأبنائهم ويعلمونهم مثل هذه الأشياء ليكونوا من الأبناء الصالحين الخاشعين في صلاتهم ويبتعدون عن كل ما هو يدعوا للتكاسل والنفور من الصلاة للصلاح في دينهم ودنياهم.
استكشف هذه المقالة
فضل الصلاة
إن الصلاة لهي من أسمى وأعظم العبادات مكانة عند الله، وهي أول شيء يحاسب عليه المرء يوم القيامة من ربه، فهي عماد الدين ومن أهم أركانه وتعد من الفرائض التي تم فرضها من قبل الله في السماء، وفيها يصل الإنسان بربه متعبدا ومناجيا وداعيا له، لذا أمرنا الله في الكثير من آياته في القرآن بأداء الصلاة والمحافظة عليها وتأديتها في أوقاتها، كما وعد الله المحافظين عليها بالصلاح والفوز بجنته، ومن هذه الآيات قول الله تعالى: “فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا” وقد أوضح النبي صل الله عليه وسلم فضل الصلاة وفضل المحافظة عليها وتأديتها في كثير من الأحاديث منها قوله: “أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهنَّ الخطايا” وغيرها من الأحاديث النبوية الشريفة التي تبين فضل الصلاة.
حب الصلاة والشوق إليها
جميعنا نعلم بأن الصلاة فرض عين واجبة على كل مسلم ولا يوجد عذر عن القيام بها، ولكننا نبحث عن تأديتها بحب وشوق إليها، فأول ما يجب فعله من أجل حب الصلاة والشوق لها هو المجاهدة أي جهاد النفس والشهوات فلا شك في أنه حينما تجاهد نفسك يرزقك الله حلاوة الإيمان وحب عبادته فقد وعدنا المولى عز وجل بذلك، كما يجب على كل منا أن يراجع نفسه وأن يبحث عن ما يرقق قلبه، فلا شك أيضا انه حينما يرق قلبك فهذا بدورة يرفع من إيمان المرء ويجعله يتذوق حلاوة الطاعة ومن ثم الشوق لها، ومن أهم هذه الطاعات هي الصلاة فابحث عن ما يلين قلبك لتشتاق إلى صلاتك، ومن البديهي والمعتاد لدينا أننا حينما نشتاق بشدة لشيء فهذا نابع من الحب الشديد له، وهذا الحب يأتي من معرفة مدى قيمة هذا الشيء ومكانته وتأثيره على الشخص في حياته وبعد مماته كما أن اللذة التي يشعر بها في هذا الشيء هي ما تجعله مشتاقا له بعد ذلك، لذا وجب على كل مسلم أن يعرف قيمة الصلاة ومكانتها ويبحث عن اللذة والخشوع فيها وهو ما سنتعلمه في هذا المقال، حينما تتلذذ بالصلاة وتعرف قيمتها ستشتاق لأدائها وتنتظرها من الوقت للآخر لتشعر بتلك اللذة مرة أخرى.
حب الصلاة والخشوع فيها
في البداية لابد أن نتعلم معنى الخشوع، فالخشوع يعرف على أنه السكون والتذلل لله سبحانه وتعالى، وهناك من الخشوع أمرين إما خشوع مصطنع في الصلاة وهذا خداع للناس وليس لله عز وجل وهذا من الأمور المزموم فعلها في الصلاة وهناك من الخشوع الصادق ويأتي معه استحضار لعظمة الله عز وجل وأنه لا يوجد ملجأ إلا إليه وهذا هو الخشوع الذي نبحث عنه وعن الوصول إليه، ولكي تخشع في صلاتك لابد أن يكون قلبك حاضرا متضرعا لله مبتعدا عن ما يأخذه بعيدا عن صلاته ويجعله يفكر في أمور أخرى أثناء الصلاة، وهناك عدة أمور تساعدك على الخشوع في صلاتك، ونبدأ بالأمور التي تأتي قبل الصلاة وهي القيام بأداء السنن حيث أن تقديم السنن على الفرائض يساعد الشخص على أن يخشع في العبادة ويحبها أكثر من أن يكون بداية صلاة الشخص هي الفرض، كما يجب تعلم كيف كان يصلي النبي لتعلم منه الأشياء التي تساعد على الخشوع ومنها أنه كان إذا دخل إلي الصلاة وضع موضع بصره نحو مكان سجوده ولا يغيره طوال الصلاة حتي يبتعد عن الملهيات البصرية من حوله وهي من أكثر الأشياء التي تشتت تركيز المصلي في الصلاة وتبعده عن الخشوع فيها.
ومن الأشياء التي تساعدك على الخشوع هو القراءة حول خشوع الصحابة في صلاتهم وهي من الأشياء التي تعطي للمسلم الحماس ليكون مثلهم خاشع في صلاته، كما يجب عليك تعلم فقه الصلاة في ديننا والاستعداد لها وتعظيم قدرها كل هذا قبل البدء في صلاتك، بعد أن فعلت كل هذا قبل الصلاة يجب حينما تبدأ في صلاة وتقول تكبيرة الإحرام أن تدرك شيئا مهما انك بتلك التكبيرة قد تركت الدنيا وأشغالها ولبيت نداء الصلاة وسعيت لعبادته والتضرع له وبدأت في الصلاة من اجل عبادته، ومن ثم التأمل في دعاء استفتاح الصلاة جيدا وحينما تأتي إلى بداية قراءة الفاتحة يجب أن تهيء نفسك جيدا للتبر والتأمل في كلام الله عز وجل وآياته، وبعد ذلك يأتي التذلل لله والضوع في الركوع وحينما تسجد تستحضر مدى قربك من الله فأقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد، هذا كله أثناء الصلاة ولكن هناك أشياء تتعلق بما هو حولك فالمكان الذي تصلي فيه والملبس الذي تصلي به من الأشياء التي تعينك على الخشوع في صلاتك، كما يجب عليك الابتعاد عن المعاصي قدر الإمكان حتى لا تتلف قلبك وتجعله دائما عامرا بتقوى الله متضرعا لله وتكثر من الدعاء في الصلاة وقيام الليل أيضا هذا بدوره يعمل على تطهير قلبك، ليست هذه كل الأشياء التي تعينك على الخشوع في صلاتك ولكن هذه تعينك على الخشوع ومن ثم إن وجدت شيئا آخر يعينك على ذلك تفعله ولكنه ربما يتناسب معك ولا يتناسب مع غيرك، فكن مسلما باحثا عن حب الصلاة خاشعا فيها تنال من رحمة الله وفضله في الدنيا والآخرة أكثر بكثير من ما تتوقع.
حب الصلاة للأطفال
إن أفضل سنوات التعلم والتعلق يكون في الصغر وأنت طفل فما تتعلمه وتتربى عليه يثبت معك طوال حياتك ويصعب تغييره بعد ذلك، فإن ربيت ابنك على حب الصلاة والشوق لها فلا شك أن هذه الصلة ستبقى معه حينما يكبر، ولا شك في أن الأساس الأول لكل هذا هو التربية الإيمانية فلا شك بأن الابن كيف له أن يحافظ على صلاته ويحبها وهو لا يعلم عقيدته وقلبه خالي من التعاليم الإيمانية وهو في مرحلة الطفولة، فلابد أن نبدأ مع أطفالنا بتعليمهم ديننا وعقيدتنا وبطبيعة الحال بأساليب بسيطة جدا تتناسب مع فئاتهم العمرية وتقريب معاني العقيدة لهم بصور مبسطة، وفي وسط كل هذا لابد أن يجد الطفل القدوة الصالحة في من يعلمه حب الصلاة، ففاقد الشيء لا يعطيه فلا تأتي بأب لا يصلي من الأساس وتقول له علم ابنك الصلاة وحب الصلاة واجعله متشوقا لها، والكثيرون منا يعلم ولع الأطفال بآبائهم وحب تقليدهم وأنهم بديهيا يأخذونهم قدوة ومثل لهم في حياتهم، فمن الممكن على الأب أن يصلي النوافل قبل وبعد الصلاة أمام ابنه فيقلده وينشأ على ذلك، كما على الآباء أن يعلموا أبنائهم ويحمسوهم على حب الصلاة عن طريق رواية قصص الصحابة والسلف الصالح مع الصلاة وخشوعهم وفيها ومدى منزلتهم عند الله بسبب حبهم للصلاة وخشوعهم فيها فالأطفال يستمتعون بالقصص دائما ويتعلمون منها فاحرص أن يكون هذا العلم في شيء مفيد وللطفل، كما من الممكن أن تأخذ ابنك معك إلى المسجد لتعلمه الصلاة في المسجد من الصغر، كما يجب أن تعلمه آداب احترام المسجد والصلاة وكيف أن الصلاة في المسجد أفضل من الصلاة في البيت بسبع وعشرين درجة، وحينما يحافظ الابن على الصلاة كلما تمت مكافئته من قبل والده، وللمكافأة أشكال عدة إما بالثناء عليه أمام الآخرون ومدحه أو جلب له شيء يحبه وذات قيمة كبيرة لديه فقيمة هذا الشيء بالنسبة له ستجعله يدرك قيمة الصلاة، وعلى الآباء أن يحاولوا مع أبنائهم في هذه الأشياء مرارا وتكرارا إلى أن يكلل الابن هذا المجهود بالنجاح ويكون الابن الصالح المحافظ على صلواته الخمص في المسجد وهي بدورها ستحفظ أخلاقه وتحفظه هو من كل سوء.
دعاء الثبات على الصلاة
منا من تأتيه فترة الطاعة وحب الصلاة والشوق لها والخشوع فيها ولكن يأتي عليه وقت من الأوقات ويتكاسل فيا وهذا ما يؤثر عليه ويشعره بمشاعر سيئة نتيجة حبه لله وأن دائما ما يريد أن يعبد الله حق عبادته ويبحث عما يدعوا به الله للثبات على الصلاة والحفاظ عليها، وهناك أدعية كثيرة في ديننا تدعو إلى الثبات من أشهرهم لدينا ما هو مأخوذ من كلام الله في القرآن الكريم في قوله تعالى: “ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب” وقوله تعالى: “ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين” وهناك أدعية أخرى عديدة في هذا المعني مأخوذة عن النبي صل الله عليه وسلم أمثال “اللهم مصّرف القلوب، صرَّف قلوبنا على طاعتك” و أيضا دعاء “للهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون” وغيرها الكثير من الأدعية والدعاء خاصة جعله الله مفتوحا أمام كل مسلم أن يدعو بأي صفة كانت ولا يشترط كلام معين فقط يقول ما يجول بخاطره ويريده من الله ولا سيما وهو ساجد فكما ذكرنا أقرب ما يكون العبد لربة وهو ساجد.
إن الإنسان الذي يبحث عن كيفية حب الصلاة وتأديتها كما يجب حتى وإن كان متكاسل في وقتنا الحالي عن أدائها لهو إنسان صاحب قلب صحيح يحتاج فقط لتعلم ما يعينه وما يجعله متعبدا بدرجة أفضل ويسمو بطاعته لربه، ومثل هذا المقال سيساعده على القيام بذلك، فهو سيتعلم كيف يحب الصلاة والعبادة بشكل عام وكيف يشتاق لها ويزرع شوقها بداخله وما هو الواجب فعله في الصلاة وفي الأجواء من حوله حينما يؤدي صلاته، كما أن الحياة لا تتوقف عند شخص ما ولكن تستكمل بأبنائه لذا كان من الواجب عليه تعلم كيفية تربية أبناءه على حب الصلاة والعبادة أيضا وهو مسؤول عن ذلك أمام ربه فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فيجب أن تؤدي واجبك تجاه أبنائك وتربيهم على ذلك، كما انك بعد الاستقامة تحتاج للثبات عليها فلا تدع الشيطان يدخل لك ويعيدك لما سبق قبل الهداية.