صناعة الطائرة الهليكوبتر لا تعتبر من الأمور السهلة، وذلك لأنها من الصناعات الدقيقة، التي يؤدي أي خطأ في صناعتها إلى كارثة في آلية التشغيل. وفي الطائرة الهليكوبتر نجد أن تحليقها يعتمد بشكل أساسي على الريشتين أعلى المروحية، حيث يعمل دوران الريشتين على دوران الطائرة حول محورها مما يساعد على ارتفاعها لأعلى ثم يتم التحكم بها بجناحين متحركين ، وتعتبر الأجنحة المتحركة من الأمور التي تميز الطائرة الهليكوبتر عن غيرها، ليس هذا فقط بل ساعدت طريقة صناعة الطائرة الهليكوبتر في آلية الهبوط والإقلاع، وذلك حيث نجد أن الطائرة الهليكوبتر لها القدرة على التحليق بشكل عمودي لأعلى أو لأسفل، وتعتبر هذه الآلية هي السبب الرئيسي لعدم احتياج الطائرة لمدرج، حيث تستطيع النزول مباشرة في أي مكان بحجمها. وفي هذا المقال سيتم عرض كل التفاصيل التي تخص الطائرة الهليكوبتر سواء من الناحية التاريخية، أو الصناعية، أو العلمية.
استكشف هذه المقالة
تاريخ طائرة الهليكوبتر، ومن أول من صنعها؟
يرجع الظهور الأول لطائرة الهليكوبتر إلى عام 400 ميلادية في الصين، حيث تم اكتشاف لعب خاصة بالأطفال على شكل المروحيات العمودية، كما وجد بعد هذا طريقة صناعة الطائرة الهليكوبتر -التي لم تكن قد أخذت اسمها الحالي بعد- في أحد الكتب الصينية، وتم ترجمة هذا الكتاب وإرساله إلى أوروبا، وتوقفت الطائرة عن الظهور في صفحات التاريخ حتى أعادها الرسام الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي، حيث قام برسم طائرة عمودية شبيها إلى حد كبير بطائرة الهليكوبتر، وقام بعمل نماذج مصغرة لها، إلا أنها لم تنجح في الطيران وتوقف الأمر عند هذا الحد، وفي عام 1745 ميلاديا قام العالم الروسي الكبير (ميخائيل لومونوسوف) بتقديم نموذج خشبي لطائرة يود صنعها وهي تعتمد على مروحتين منفصلتين متصلة بصندوق خشبي، وكان هدف العالم من هذه الفكرة هو مراقبة الأرصاد الجوية، وقام بعده عدة علماء بتقديم نماذج مشابهة، حتى ظهرت كلمة هليكوبتر على يد العالم (غوستاف دي بونتون داميكورت) في عام 1861 ميلاديا، وقام العالم بعرض نموذج لطائرة تعمل بالطاقة البخارية، وبعد هذا ظل العديد من العلماء والمفكرين بتقديم نماذج مختلفة من الطائرات.
وبعد هذه التجارب العديدة بدأت صناعة الطائرة الهليكوبتر بشكل بدائي وذلك بعد عام 1870 ميلاديا، على يد العالم (أنريكو فورلانيني) وكان النموذج الذي قدمه يعمل بدون طيار، واستطاع هذا النموذج أن يحلق على ارتفاع 13 متر، وظلت الطائرة في الهواء لمدة 20 ثانية والذي يعد إنجاز كبير وقتها، وظلت بعد التجربة محاولات صنع طائرة بخارية تزداد بشكل كبير، حتى جاء العالم(توماس إديسون) وقام بعمل طائرة صغيرة بها محرك يعتمد في حركته على النيترو سليلوز، لكن الطائرة لم تنجح وانفجرت في تجربتها الأولى، وتوقف إديسون عن محاولة صناعة الطائرة الهليكوبتر، وبعد نجاحه في المجال الكهربي حاول صنع محرك يعتمد على الطاقة الكهربية، غير أن اسمه لم يذكر بعد ذلك في تاريخ مطورين صناعة الطائرة، وظهر اسم العالم السلوفاكي (جان بايل) عام 1901 ميلاديا حيث قام بصناعة طائرة تعتمد على محرك احتراق داخلي لكن الطائرة لم ترتفع أكثر من نصف متر، وظل العالم يطور الطائرة حتى استطاع بعد أربعة أعوام الوصول لطائرة أخرى حلقت حتى 4 متر، وتعود أول رحلة طيران بطائرة الهليكوبتر للأخوان (جاك ولويس) حيث استطاعت الطائرة أن تحمل شخص بداخلها وترفعه لقدمين لمدة دقيقة.
تطور صناعة الطائرة الهليكوبتر من شكلها البدائي إلى شكلها الحديث
بعد التجارب العديدة التي تمت والوصول إلى الشكل البدائي، أخذت صناعة الطائرة الهليكوبتر خطوة جادة، وقفزت قفزة كبيرة حولتها من طائرة بسيطة ومحاولات شبه ناجحة، إلى اختراع حديث مهم، وبدأت هذه الخطوة مع العالم الأرجنتيني (راؤول بسكارا)، حيث استطاع وضع الركائز الأساسية لحركة الطائرة، وذلك في أوائل القرن العشرين، ونجح العالم في تجاربه في التحكم بميلان الطائرة، ودورانها حول محورها وبأشكال معاكسة، واستطاع التحكم بشكل كبير في الطائرة ثنائية الجناح، وذلك حيث استطاع التحكم في ارتفاع وانخفاض الطائرة، ونجح أيضا في جعل الطائرة تتحرك حركة أفقية دون الحاجة لمروحة إضافية، بالإضافة إلى كل ذلك قام العالم بتطوير محرك ذاتي للطائرة لكي يساعدها على الحركة عند فشل محركها، وفي عام 1924 ميلاديا، استطاعت الطائرة التي تم عليها هذه التجارب الطيران لمدة 10 دقائق، وتزامنا مع تجارب هذا العالم كان العالم الفرنسي (إيتيان أومشن) بتحقيق أول رقم قياسي حيث استطاعت الطائرة التي صنعها الطيران لمسافة 600 متر، ولكن هذا الرقم لم يستمر طويلا حيث عادا العالم بسكار العودة مرة أخرى بطائرة حلقت حتى 763 متر.
ساعدت هذه التجارب المذكورة، والتغيرات الجذرية في آلية الحركة الخاصة بالطائرة، في تطور الطائرة بشكل كبير، وفي عام 1927 ميلاديا أخذ العالم الهولندي (ألبرت جيليس) براءة اختراع من بريطانيا، وذلك لتطويره الطائرة الهليكوبتر واستطاعته بأن يجعل الطائرة ثابتة في الجو وإن كان ذلك لوقت قليل، واستمرت بعد ذلك الطائرة في الظهور بأكثر من شكل ومع أكثر من عالم، أحيانا تزداد الأجنحة، وأحيانا تزداد المروحيات، أحيانا تظهر في مركز العلوم الهيدروديناميكي الهوائي في روسيا، وأحيانا في بلجيكا،وإيطاليا، وفرنسا، وظلت التجارب تزداد والتطورات تتلاحق، حتى تم صناعة الطائرة الهليكوبتر تحت اسم (الطائرة العمودية الاختبارية الفرنسية) وحلق هذه الطائرة في عام 1935 ميلاديا وكان ذلك بعد صنعها بعامين، وحققت هذه الطائرة الكثير من الأرقام القياسية حيث استطاعت أن تحلق لمدة ساعة ودقيقتين، بسرعة تساوي تقريبا 45 كم/ ساعة، ومع النجاح الكبير التي قامت به هذه الطائرة إلا أنها ل تستمر طويلا، حيث استمرت قرابة العشر سنوات ثم تم قصفها من قبل الحلفاء في الحرب.
كيف تتم صناعة الطائرة الهليكوبتر ؟
يتم صناعة الطائرة الهليكوبتر في البداية عن طريق تصميم مجسم ثلاثي الأبعاد على الكمبيوتر، وتأخذ هذه المرحلة حوالي 700 ساعة، يتم بعد ذلك تجميع أجزاء الطائرة، ويتم بدأ العمل على ألياف الكربون، والتي تتميز بخفتها، وقوى تفوق قوة الفولاذ، وتكون هذه الألياف محمية بطبقتين من البلاستيك، يتم تقطيع هذه الألياف بواسطة شفرات حادة تتأثر بالموجات الصوتية، وبعد هذا يتم وضع خلايا صناعية مشابهة لخلايا النحل فوق ألياف الكربون، وفي هذه المرحلة يكون الكربون قد اكتسب صلابة كبيرة، لكنه مازال غير جاهز، لذلك يتم وضعه في فرن (الأوتوكلاف)، عند درجة حرارة 177 مئوية، ويتم غسل الكربون في هذا الفرن لمدة تصل إلى 10 ساعات، وبعد هذا يتم عمل بوابات مكان المحرك بشكل يدوي ثم يتم الطرق عليه بمطرقة صغيرة ليتم الكشف عن أماكن العيوب، ويتم بعد هذا توصيل الأسلاك الكهربية على مجسم ثم توصل في الطائرة، وتصل طول الأسلاك إلى2351متر، ويحضر المصنع بعد هذا الشاشات والمقاييس التي تركب في غرفة القيادة، وبعد الانتهاء من أجزاء هيكل الطائرة يتم ربط الأجزاء كلها بمسامير (براغي) ويكون عددها في الغالب 1900.
كيف تتم صناعة محرك طائرة الهليكوبتر؟
يعتبر محرك الطائرة أهم جزء في الطائرة، وأصعب جزء في صناعة الطائرة الهليكوبتر، وتختلف أنواع المحرك باختلاف حجم واستخدام الطائرة، ونجد الكثير من المحركات مثل: محركات البنزين، والمحركات الكهربية، والمحركات النفاثة، والتوربينية، ومحركات النيتروميثان. وتعتبر محركات النيترو ميثان هي التي تستعمل في الطائرات التي يتم التحكم بها عن بعد، ويتم استعمال المحركات الكهربية للطائرات التي تتم بدون طيار (قائد)، ويعتبر المحرك التوربيني هو المحرك الأكثر شيوعا في الطائرات، حيث يستعمل في الطائرات التي يقودها طيار. وتتم صناعته بخطوات ثابتة في معظم الأوقات، يبدأ العمل بربط مروحة ضخمة على عمود كبير يربط بين المروحة التوربينية ومراوح الطائرة، ثم يتم وضع ضاغط مكون من عدة مراوح صغيرة متتالية في صفوف بهدف ضغط الهواء، ثم يتم تركيب غرفة الاحتراق التي يصل لها الهواء المضغوط ويتم خلطه بالوقود وإشعاله، ثم نصل إلى التوربين ويتكون من أسطوانات مرتبة بشكل معين وربشة تأخذ طاقتها من الهواء القادم من غرفة الاحتراق، ثم ينتهي المحرك بعادم الطائرة ويقوم العادم بإخراج الهواء القادم بقوة دفع عالية من الطائرة، مما يكسبها قوة دفع كبيرة تساعدها على الحركة، وبعد هذه الخطوات يرسل المحرك إلى غرفة الاختبارات ليتم التأكد من عمله بالشكل الصحيح.
ولا يتوقف هذا العرض الموجز على صناعة الطائرة الهليكوبتر فقط، حيث نلاحظ أن هناك العديد من الخطوات المشتركة بين صناعة الطائرة الهليكوبتر والعديد من الطائرات الأخرى مثل: صناعة المحرك التوربيني، وذلك حيث يستخدم في الكثير من مركبات الحركة، وبمراقبة التدريج الذي اتبع في كتابة المقال، سنجد تطور مذهل في الصناعة، حيث يتحول الخيال خطوط على لوحات الفنانين، ثم إلى محاكاة في عقول العلماء، ثم إلى مجسمات على أرض الواقع بواسطة المنفذين، وتظل المجسمات البسيطة تتعقد، وتتطور إلى أن نجد شكل لم نتوقع أننا سنصل إليه يوما ما.