صراع الأجيال هي مشكلة كبرى من مشاكل العصر الحالي والتي تركت آثار ملموسة في كل ما يحدث في عالمنا العربي الآن ووسعت الفجوة بين الشباب وآبائهم وفتحت فوهة من عدم التقبل لا يمكن أن تسد بسهولة، ولكي نبدأ بشكل أكثر دقة، يجب أن نوضح ماهية مفهوم الجيل، فالجيل هو فترة زمنية معينة في القرن، أي أنه يعبر عن فئة عمرية محددة، ونقصد بمصطلح صراع الأجيال هنا الخلاف الفكري، على الأغلب، بين جيل وجيل، أي الفترة الزمنية التي نشأ فيها جيل الآباء مقابل الفترة الزمنية التي نشأ فيها الأبناء بكل ما بينهم من اختلافات ثقافية واجتماعية وتعليمية.
والحقيقة أن هذه الظاهرة ليست وليدة هذا العصر فقط بل هي وليدة كل عصر والتي تقوم دائمًا على الثورة على المألوف والمعتقدات والثوابت من جهة الشباب ويقابلها من الناحية الأخرى في أغلب الأحوال جمود وتعصب، فكل جيل يثور على الآراء التي سبقته وخاصة لكل المعتقدات التي تنافي العلم والمنطق ولكن اشتد صراع الأجيال بشكل كبير في العصر الذي نعيشه الآن والإنترنت كان سبب كبير في ذلك، فقد جعل المراهقين والشباب يصرخون ويعبرون عن غضبهم بشكل جمعي، ويدعمون بعضهم البعض، على عكس الأجيال السابقة التي كانت تكتفي ببعض الامتعاض ولكن حتى أكون أكثر حيادية فإن للمشكلة جانب إيجابي أيضًا حيث أن صراع الأجيال هو سبب في الحداثة التي نعيشها على اختلاف جوانبها، لأن رفض بعض الأجيال عبادة الأوثان مثلًا كان دليل على عقل شاب يفكر وينفي عدم منطقية ما يري، فالأجيال مثلًا وليس حصرًا الذين استطاعوا أن يتمردوا على ديانات آبائهم وعبادة الأوثان كانوا نوابغ وما كان يحركهم هو صراع الأجيال في الأساس، والشباب الذين آمنوا بالتغيير ورفضوا أنواع معينة من الحيوات هم من جعلونا نصل إلى هذا الحد من الحرية.
وكل جيل بما يخوضه من نزال مع الجيل الذي سبقه يمهد لنا حريات ومميزات لم نعيشها بعد، مثل سفر الفتيات والهجرة وتغيير النظرة للأرملة أو المطلقة كل هذه نتائج لعدة أسباب كان صراع الأجيال من أهمها، أي أن صراع الأجيال أمر ليس سلبي أو إيجابي مائة بالمائة، بل هو أمر طبيعي يمكننا أن نروضه ونكون مرنين معه حتى ننتج جيل أنضج وأوعى بدون أي عقد ومشكلات مع الجيل السابق كذلك، وصلب المشكلة الموشكة هنا هي عدم تقبل الاختلاف فالأجيال الجديدة ترى أن جيل الكبار جيل بالى بأفكاره القديمة التي لا تواكب التكنولوجيا وروح الحداثة، والكبار على الصعيد الآخر يخالجهم شعور الاندفاع والسطحية والتقليد الأعمى وبالتأكيد ردود الأفعال الصادمة والتعليقات الصادمة من الأهل هي سبب صراع الأجيال حيث أن عدم التقبل للمشكلة خاصة من الكبار أدى إلى عواقب وخيمة سنتتبعها هنا.
استكشف هذه المقالة
الفجوة بين الأجيال
صراع الأجيال هو الآن أمر واقع ولكن ما أسبابه ومظاهره، ولماذا ازدادت مساحة الصراع وعدم الفهم بين الأهل وأبنائهم بل بين المجتمع كله؟ تتضح لنا مظاهر السخط تلك في تعليق الأجيال القديمة عندما ترى الجيل الجديد بكل التكنولوجيا التي تربى فيها والإنترنت الذي أتاح لهم الترف ويسر كل ما لم يعيشوا فيه، فالانفتاح السهل الغير متكلف أمر أثار استنكار الكثير من الكبار، ليس وجود الإنترنت في ذاته بل العواقب التي ظهرت بعد الإنترنت من إدمان له وسهولة الوقوع في أخطاء وخيمة من خلاله بل وارتباطه بكثير من المشكلات الأخلاقية، المشكلة تكمن في العلاقة القائمة بين الجيلين، بين سطحية الصغار واندفاعهم ووجهات نظرهم التي تنهار على الثوابت والمعتقدات والأخطر في كل ذلك عدم تقبل الكبار لأي رأي حديث لم يجرب بعد بالإضافة إلى الحياة المختلفة التي يعيشها الصغار التي أتاحت الكثير وتجاوزت بعض الحدود، ولكن مع ذلك يوجد بعض المتفهمين لسنة الحياة والذين يؤمنون بأن الأجيال القادمة هي القوة والحماس الذي يجب أن يؤسس بطريقة صحيحة حتى يتمكن من إحداث التغيير في المستقبل.
صراع الأجيال بين الآباء والأبناء
مشكلة صراع الأجيال هي مشكلة بين ثقافتين مختلفتين ولكل ثقافة دوافعها وثوابتها التي تدافع عنها ولكن تكون المشكلة أكثر عمقًا عند الاقتراب من الأسرة الواحدة ورؤية شكل الصراع الذي يبدأ بخلاف في وجهات النظر وينتهي بكره من الأبناء وسيطرة أبويه من الناحية الأخرى ويتتبع كل ذلك عواقب وخيمة لا ترضي الطرفين، فمن المظاهر الشهيرة لما يحدث الآن هو بعض أشكال الملابس المختلفة والغريبة التي لم نرها من قبل بجانب تسريحات الشعر الملفتة للنظر والألفاظ التي تتبدل من وقت لآخر، ووجهات النظر المختلفة التي يتبناها الشباب سواء على حق أو لا ورغبة الكثير من الأجيال الناشئة في التقليل من السيطرة الأبوية وإعطائهم حرية التعبير والجدل والاعتقاد الفكري، وأغلب هذه الأمور ينعتها الآباء بأنها نتاج للحداثة والإنترنت وغياب القدوة وهي مجرد نتاج أحمق لعقول مراهقة بحاجة إلى أن تتأدب، وتختلف آراء الآباء وفكرتهم حول صراع الأجيال من أسرة لأخرى، فهناك بعض الأسر التي تتقبل إلى حد ما أفكار الأبناء وتستوعب الاختلاف الفكري الناتج لمعاصرة أبنائهم لما لم يعاصروه من أمور وهذه الفئة هي الأقل والأنجح بين أغلب الأسر، إذ أن التقبل هو أساس كل حياة سليمة وطبيعية، بينما يقوم أغلب الآباء برفض التغيير الثقافي والحملات العصيبة التي يشنها الأبناء حول آبائهم وبعد عدم التقبل يتحول الصراع إلى منحني آخر وهو منحنى السيطرة الأبوية الذي يستخدمه أولياء الأمور لمنع أبنائهم من فعل أشياء معينة يرونها حسب رأيهم لا تمثل الثقافة العربية ولا الأفكار التي تربوا عليها، فيمنع بعض الآباء أبنائهم من استخدام الفيس بوك أو من ارتداء ملابس معينة أو قول بعض الألفاظ وتكون النتيجة الطبيعية هي كره الأبناء للسيطرة الأبوية بل وفعل ما يريدون ويستطيعون من رغبات في الخفاء، وهذه هي المشكلة الأكثر تعقيدًا والتي حولت من صراع الأجيال الفكري والثقافي إلى مشكلة حقيقية ملموسة لها تبعاتها الخطيرة.
صراع الأجيال ونتائجه النفسية والتربوية
صراع الأجيال أمر لا بد من حدوثه بين كل جيلين مختلفين، والأذكى من سيكون قادر على امتصاص غضب الجيل الأحدث ومساعدته في كيفية رؤية الحياة بشكل أكثر حكمة ووعي، وهذا في الغالب لا يحدث عند معظم الأسر العربية وخاصة مع الفتيات وذلك يؤدي إلى تفاقم مشكلة صراع الأجيال وكل هذا له عواقبه الوخيمة التي ستؤثر على الحياة الأسرية بأكملها، فالاختلاف الذي ينبذه الآباء والأبناء سيؤثر على العملية التربوية برمتها وسينشأ الجيل الجديد مع إحساس أنه مضطهد ولا أحد يفهمه، ولنضع في الاعتبار أن الأبناء قد يكونوا مخطئين في أشياء كثيرة مثل شرب السجائر مثلًا أو التقليد الأحمق للغرب مثل ما يفعله بعض المراهقين بالتأثر ببعض المغنيات الأوروبيات مثل نيكي ميناج وريهانا، وعدم التقبل سيؤدي بهم إلى الانعزال والشعور بأنهم ضحايا وللأسف تحت هذا الشعور، الذي قد يكون خاطئ في أغلب الأحيان، سيبيح المراهقين لنفسهم أي شيء وسيحدث فجوة من عدم التقارب بين الجيلين ولن يتقبل الأبناء النصح وهذا ببساطة سيقضي على العلاقة المفترض أن تنشأ بين الاثنين من حب وتفاهم ورعاية وتوجيه، أي أن صراع الأجيال هو أمر يجب أن يُضع في الحسبان وينتبه له جيل الكبار حتى لا تتواخم الأمور وتفقد الحياة الأسرية، وكل ذلك له توابعه التي ستنعكس بالسلب مثل الدراسة والأخلاقيات والطموح والمستقبل والنظر إلى الحياة برمتها كعملية جبر وترهيب.
حلول الصراع بين الأجيال
لحل أي مشكلة يجب أن نعترف بها أولًا، والأمر هنا موجه للآباء أكثر من الأبناء لأن السلطة في أيديهم هم، والحل الأساسي للمشكلة يكمن في تقبل الاختلاف أولًا ومعرفة مدى التغير الحاصل بين الجيلين والتطورات التي طرأت على المجتمع في هذا الوقت، والأهم من ذلك كله الإيمان بأن الأجيال يجب أن تأتي برؤى مختلفة وحياة جديدة لا تشبه سابقتها، فالجيل القديم نفسه قد كان جيل حديث في يوم من الأيام وحدث معه بعض التمرد على آبائهم ولكن كثيرين يأبون الانصياع لمثل هذه الآراء قائلين أنهم مهما كانوا مختلفين كانوا مهذبين ومطيعين وغيره من أشباه هذا الكلام، لذلك فالتقبل أولًا ثم اللجوء إلى حل المشكلة بهدوء ومصادقة الأبناء والتقرب منهم هو أول طرق القضاء على صراع الأجيال وتوابعه، لأن في التقبل فرصة لتبادل الآراء والاختلاف ومن ثم تحجيم المشكلة. كما يجب أن يوجد قدوة للأبناء لملأ الفراغ الفكري الذي يعانون منه لأن انعدام القدوة والنماذج الملهمة جعلهم فريسة للغرب وتقليد النماذج السيئة منهم لكي يبدون حديثي الطراز كما يدعون، بين أصدقائهم. بالإضافة إلى النصح اللين والتوجيه بالرفق هو الأجدى والأنفع، وليس بالسيطرة لأن النيل يعطي مساحة من الفهم والاستعداد للتنفيذ على عكس الأوامر الناهية الآمرة التي لن تفعل شيء سوى ذبذبة شخصية الأولاد وستزيد من شعورهم بالقهر.
تفويت الكثير من الأمور التي لا تضر، أي أن استخدام الشباب لبعض الكلمات الشائعة أمر لن يضر طالما أن الكلمة ليست مسيئة أو مهينة أو ارتداء نوع معين من الملابس أو تقليد لأحد المشاهير، وبالتأكيد ستكون فترة وتمر وسيعرف الابن من نفسه كيف لم يكن على حق بعد فترة لهذا لا داعي لتعقيد الأولاد من الصغر في أمور ليست جذرية. من الأمور الحساسة جدًا التي لا ينبغي تجاهلها عدم التعامل مع الأبناء وبخاصة المراهقين على أنهم مخطئين دائمًا ولا يعرفون أي شيء صائب في الحياة لأن هذا الأسلوب سيحبط آمالهم ويبدد مواهبهم وأفكارهم، حتى وإن كانوا مخطئين في كثير من الأحوال، فالطريقة التي يجب أن يتم بها التعامل أن تكون لينة وسهلة تتقبل فيها الأخطاء وتُنتقد بهدوء دون إحساس الأبناء بالذنب.كل هذا بجانب إتاحة الفرصة للشباب للتعبير عن رأيهم المختلف ووجهات نظرهم التي قد تتعارض مع آراء من هم أكبر منهم وتقبلها على أنها سنة الحياة أن الوتيرة الواحدة في الشيء الواحد ستضر ولن تنفع.
صراع الأجيال هو صراع ثقافات وحضارات، قد لا يعترف الكثيرين بوجوده معتبرينها تمرد وعدم احترام للأجيال الكبيرة، خاصة كبار السن ولكن مع ازدياد الهوة يزداد الأحجام من الصغار ويصل إلى الكره في كثير من الأحيان، لذلك تقربوا من أولادكم وصادقوهم وانزلوا لمستواهم ولا بأس بقليل من التنازلات.
أضف تعليق