عوالم سحرية مختلفة كلية عن حياتك، من الأبيض والأسود إلى الألوان في الطريق تقابل أشخاص وتزور مدن وتدخل بيوت وتتقمص شخصيات وتتعلم مشاعر وثقافات وتحيا حكايات، عالم يقولون عنه أنه مرآة المجتمع، وتحتار في أمرك هل هو مرآة للمجتمع أم هي من تغير صورة المجتمع؟ مرآة سحرية ومهمة على أية حال ولهذا لطالما طورها الإنسان وأهتم بها، كان أول الأمر يعرض الأفلام بتقنية الأبيض والأسود ثم تحول للألوان، والآن أصبح ثلاثي الأبعاد يحاكي الواقع تكاد تلمس أبطاله وتدخل واقعه، تسرق من عمرك لحظات لتسافر لأبعد الأماكن وأغرب الثقافات عنك، فهل سألت نفسك مرة عن الحكاية الخاصة بالسينما نفسها وصناعتها ومتى تحولت من الأبيض والأسود إلى الألوان ؟، معاً نتعرف على كل ما يخص البوابة السحرية “السينما”.
استكشف هذه المقالة
صنعة السينما واختراع الصورة المتحركة
فكرة السينما اعتمدت بالأساس على اختراع التصوير الضوئي والذي يعتبر ابن الهيثم واضع مبادئه الأولى لكن يُعزى الاختراع الأخير للصورة المتحركة إلى الرسام الشهير ليوناردو دافنشي الذي وضع أسس التصوير الفوتوغرافي الذي تطور بدوره ليتحول للصور المتحركة وسينما الأبيض والأسود في البداية ثم سينما الألوان.
ومنذ وفاة دافنشي في القرن الخامس عشر وحتى عام 1833 استمرت التطورات حتى تم اختراع ما يُسمى بجهاز “الصور الدوارة” والذي يعتبر النسخة الأولية أو البدائية للسينما، وبعدها أستمر العمل على تطويره من مرحلة لأخرى لنصل لمرحلة العرض المتحرك لسينما الأبيض والأسود عام 1895.
سينما النور والظلام “الأبيض والأسود” البدايات والصعوبات
كانت البدايات من فرنسا، في الأول كان الاعتماد على تتابع الصور المرسومة يدوياً الثابتة بشكل سريع، لكن كثير من الفنانين بدؤوا ينتقدوا تلك التقنية لأنها تظهر عيوب في رسوماتهم وحركة المجسمات التي يقومون برسمها أعزوها إلى الجهاز نفسه فعزف كثيراً منهم عن العمل، حتى عمل العلماء على تطوير التقية وصولاً إلى تصوير أفلام متواصلة تعتمد على الصورة الفوتوغرافية، كانت في البدء تعرض في المتاحف والقاعات الكبيرة أفلام قصيرة لمدة عشرة إلى خمسة عشر دقيقة بدون صوت، واشتهرت مع الوقت سينما لندن وأمريكا وفرنسا بالأفلام الأبيض والأسود الصامتة ومنها بالطبع الشهير “تشارلي شابلن” والرسوم الكرتونية وغيرهم.
الصوت في أفلام الأبيض والأسود ومراحل التطور
في البدء كانت الكلمة، حسناً في تلك الحالة كانت الصورة في البدء، إنما الكلمة كانت المرحلة الثانية، فبعدما استمرت السينما تقدم أفلام الأبيض والأسود الصامتة وتستطيع تحقيق ربح بالرغم من صعوبة تصورنا هذا في زمنا الحالي، إلا أن العلماء لا يشعبوا أبداً لحسن حظنا من الاختراعات والتطوير، فكان أول فيلم ناطق يعتمد على اختراع العالم “هيبورث” ففي عام 1927 تم عرض أول فيلم ناطق “مغني الجاز” من إنتاج شركة “وارنر”، تم ذلك بواسطة جهاز “الفيتافون” الذي يسمح بتسجيل صوت الممثل على أسطوانة من الشمع تدار مع جهاز العرض السينمائي، ومنذ ذاك الوقت تحولت الصناعة السينمائية لعالم تجاري وتوسعت الشركات ووجدت المنافسة الشريفة والغير شريفة وعقود الاحتكار للتقنيات الحديثة مما عرقل بعض الشيء تقدم العلم ولكن مع الوقت عاد العلم للمنافسة والانتصار على التجارة والأرباح.
التقنيات والاختراعات في طريق التقدم نحو الألوان
في البداية كانت محاولات التلوين اليدوي بالفرشاة للأفلام مستمرة لكنها لم تكن مرضية لا للجمهور ولا صناع الفيلم، حيث أن الألوان كانت تظهر مزيفة وتضيع مصداقية المشاعر في الفيلم، وبالرغم من هذا أستمر العمل على تلوين الأفلام باليد بأنواع مختلفة من الألوان.
حتى تم الوصول إلى تقنية ثنائية اللون على يد مصور ضوئي إنجليزي، ثم تلاها اختراع التلوين الثلاثي المسماة بطريقة “غومون” عام 1911 وأستمر التطوير بناءً على تلك التقنية وكانوا في وقت مبكر اخترعوا جهاز يُسمى “كينماكلور” يعمل على حزم الضوء الملونة لكن هذا الجهاز واجه بعض المشاكل لأن مؤسسة “فيلم تراست” في هذا الوقت كانت تحتكر التقنية مما أدى لعدم انتشارها.
ثم في عام 1922 أصدر فيلم “قصة البحر” الملون الذي حقق نجاحاً هائلاً كان كفيلاً بإثارة الجدل حول تلوين الأفلام وتحويلها من الأبيض والأسود، ورد الفعل الإيجابي الذي حدث على تلوين الفيلم شجع صناع الأفلام بالعمل على تلك التقنية في التصوير التي تُسمى “تكنيكولور”.
التكنيكولور هي تقنية ابتكرت عام 1916 نابعة من نفس تقنية كينماكلور لكن أكثر تطويراً من حيث استخدام حزم الضوء وظل العمل على تطويرها والعمل بها في التصوير السينمائي حتى عام 1952، وأول فيلم تم عمله بهذه الخاصية كان يسمى “من الخليج” لكن للأسف فُقد شريط الفيلم الأصلي وتبقى فقط أجزاء منه.
من سينما الأبيض والأسود إلى سينما الألوان
إلا أن حضور الألوان بشكل جدي ومتطور وتحول الأفلام من عالم الأبيض والأسود ودخولها سحر الألوان كان مع الفيلم الأسطوري “ذهب مع الريح” وفيلم “ساحرة أوز” وهما من إنتاج عام 1939.
ورغم التطورات السريعة والمستمرة والاهتمام الواضح بالفن والتصوير السينمائي إلا أنه في الخلفية كانت رحايا الحرب تؤثر بالطبع على الأفلام ونوعيتها، فيمكننا أن نقسم تاريخ السينما الملونة لأفلام ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها، كانت الأفلام الملونة قبل الحرب تُعامل معاملة المنشورات السرية فكانوا يقومون بطباعتها وتحمضها في غرف سرية وأماكن مغلقة شديدي الحذر من أن يتم اكتشاف أمرهم، لكن بعد زوال خطر الحرب ظهرت انفراجه واضحة في عالم السينما وتنوعت الموضوعات وأنطلق الفن يضمد جراح المجتمعات من آثار الحرب والدمار.
رحلة تحول السينما من الأبيض والأسود للألوان في العالم العربي
في الضفة الشرقية من العالم كانت ظروف الحرب هي الأخرى والتغييرات السياسية تعرقل حركة العلم والفن، لكن أبداً لا يوجد ما يستطيع الوقوف أمام انتصار الفن، ظهرت السينما أو الفن السابع كما يطلق عليها في منطقة الوطن العربي بداية من قلبه النابض “مصر” بدأت علاقة مصر بالسينما في نفس الوقت الذي بدأت في العالم، وانتقلت في نفس التوقيت من الأبيض والأسود إلى الألوان، فكما ذكرنا سابقاً أن أول عرض سينمائي تجارى في العالم كان في ديسمبر 1895 م. في باريس وتحديدا الصالون الهندي بالمقهى الكبير (الجراند كافيه) الكائن بشارع كابوسين بالعاصمة الفرنسية باريس، وكان فيلما صامتاً للأخوين “لوميير”، لكن ربما تُفاجئ أن بعد هذا التاريخ بأيام قليلة كان أول عرض سينمائي في مصر في مقهى “زونى” بمدينة الإسكندرية في يناير 1896 م، وتبعه أول عرض سينمائي بمدينة القاهرة في 28 يناير 1896 م في سينما “سانتى”، ثم كان العرض السينمائي الثالث بمدينة بورسعيد في عام 1898 م.
وكان أول تصوير سينمائي من عمل مصري خالص عام 1907 وكان فيلم قصير تسجيلي صامت لعدد من المشاهد لزيارة الملك والوفد المرافق له.
وكما كانت مصر رائدة في العالم العربي في وصول السينما لقلب شوارعها وإنتاج أفلام مصرية خالصة، كذلك رحلة تحويل الأفلام من الأبيض والأسود إلى الألوان بنفس التقنيات الأجنبية التي ذكرناها من قبل بدأت من مصر، ويقول المؤرخون أن أول فيلم مصري حاولوا تلوينه يدويا كان عام 1946 فيلم لست ملاكاً للفنان محمد عبد الوهاب.
السينما وعاء الشعوب، وعاء لمشاعرهم وثقافاتهم وآلامهم وحياتهم، سجل ضخم يحتفظ بكل ذكريات وتاريخ الشعوب، وكلما كات السينما أكثر حرية وإبداعاً كلما كان هذا الوعاء أكثر صدقاً وحفظاً للتاريخ الإنساني للشعوب، ربما آثرت الحروب والتجارة والاحتلال والأوضاع السياسية على كثير من الأعمال السينمائية حول العالم وخاصة في العالم العربي لكن بالرغم من كل التحديات هناك تاريخ ثقافي هائل محفوظ بين سجلات الأفلام من الأبيض والأسود وحتى الألوان.
الكاتب: شيماء سامي
أضف تعليق