حدثت معركة مرج دابق في الثامن من شهر أغسطس عام 1516 بين الدولة العثمانية والمماليك، وقد كان يقود العثمانيين السلطان سليم الأول والمماليك تحت قيادة السلطان قنصوه الغوري، ولكنها للحقيقة لم تكن معركة متكافئة في العدة والعدد والعتاد فقد كان يوجد فارق كبير بين الجيشين في صالح الجيش العثماني، وهذا من الأسباب الهامة التي عجلت بالنصر للعثمانيين وجعلتهم ينهون المعركة في مدة قليلة، وتعتبر هذه المعركة هي بداية اتجاه العثمانيين إلى الشرق الإسلامي فقد كانوا قبلها يحاربون في الجانب الغربي بقارة أوروبا تحديدًا في البلقان والأناضول، ولكن بعد أن استتب الأمر لهم وكبدت التحالفات الصليبية بالخسائر الفادحة في أغلبها عقدت بعد المعاهدات مع الممالك الأوربية، وهذا ما يعني أن الأوضاع قد هدأت في أوروبا ليستريح العثمانيين من عناء وتعب دام أكثر من قرنين منذ تأسيس الدولة على يد عثمان غازي، فأول ما اتجه إليه السلطان سليم الأول هي الدولة الصفوية في فارس ثم هزمها واتجه ناحية الشام والبلاد العربية ليصطدم بجيوش المماليك في معركة مرج دابق .
استكشف هذه المقالة
العلاقة بين العثمانيين والمماليك
كانت العلاقات طبية في الغالب بين المماليك والعثمانيين ولم تكن الجيوش العثمانية تنتصر في معركة ما على الروم إلا ويرسل خبرها للمماليك ويقومون بإرسال الهدايا ووفود التهنئة مباشرة، وهذا بسبب رابطة الدين والمذهب السني الذي كان يجمع بين العثمانيين والمماليك، ولكن في بعض الأحيان كانت العلاقة متأرجحة ويطفو عليها النزاع والشقاق الذي قد وصل إلى حد المناوشات الحربية على الحدود بين الدولتين، وهذه العلاقة المتأزمة والغير مستقرة كانت بسبب الخلاف القائم على الحدود بين الدولتين، ولجوء بعض الأمراء العثمانيين إلى دولة المماليك واستخدامهم كأداة شغب وفتنة من قبل السلطان المملوكي، وأخيرًا الموقف الخاطئ من السلطان المملوكي والذي يعد السبب الرئيسي لمعركة مرج دابق وهو الموقف الغير ودي الذي حدث أثناء حرب العثمانيين مع الدولة الصفوية في فارس.
فالسلطان قنصوه لم يقف على الحياد بين الدولتين بالرغم من كونه مسلم سني وإسلامه يحتم عليه مشاركة السلطان العثماني في حربة ضد الشيعة الذين كانوا يثيرون الفتن دائمًا في الحدود الأسيوية للدولة العثمانية، ولكنه لم يشارك في المعركة ولم يقف على الحياد بينهم بل ارتكب خطأ صبياني لا يليق بسلطان دولة عظيمة حدودها من مصر إلى الشام.
السبب الرئيسي لمعركة مرج دابق
قبيل معركة مرج دابق دخل الجيش العثماني في معركة مع الدولة الصفوية في فارس وهي دولة شيعية وكانت تثير الفتن دائمًا على حدود الدولة العثمانية، فقام السلطان سليم الأول بالخروج على رأس جيشه قاصدًا بلاد فارس في جيش كبير مزود بالمدافع الهادمة للحصون، وبالفعل تمكن السلطان سليم من الانتصار على الصفويين والقضاء عليهم تمامًا في تلك المعركة، ولكن ما حدث أثناء هذه المعركة هو ما كان السبب في قيام معركة مرج دابق مع المماليك السنيين، حيث أن السلطان قنصوه الغوري المملوكي لم يقف على الحياد بين الدولتين العثمانية والصفوية ولم يدخل الحرب بصورة مباشرة، إما عن طريق قطع خط الرجعة على الجيش العثماني أو الذهاب إلى عقر دار الدولة العثمانية واحتلال البلاد في ظل عدم وجود الجيش العثماني وانشغاله بالحرب الصفوية، ولكنه لم يفعل ذلك ولا ذاك بل قام بتصرف صبياني لا قيمة لا على الإطلاق وإنما ينم عن خطر المماليك على الحدود العثمانية الجديدة.
فقام قنصوه بمنع الهدايا المرسلة من دولة الهند إلى إستانبول بجانب عرقلته للمؤن التي كانت قادمة للجيش العثماني أثناء حربه مع الصفويين، وهذا ما جعل السلطان العثماني يستشعر بخطر المماليك خصوصًا بعد القضاء على الدولة الصفوية وامتداد حدود العثمانيين إلى بلاد الشام أي مجاورة المماليك بصورة مباشرة، فعزم على الانتقام من السلطان قنصوه على هذه الخيانة ولذا حدثت معركة مرج دابق .
أحداث المعركة
جرت الكثير من الاتصالات ومحاولات الصلح بين الدولتين المملوكية والعثمانية ولكنها جميعًا باءت بالفشل، فقد حاول السلطان المملوكي قنصوه الغوري أن يعتذر للسلطان سليم الأول عما بدر منه ولكن هذا لم يلقى قبولًا منه وأصر على ما هو عازم عليه وهي الحرب، واستشار السلطان سليم الأول شيخ الإسلام في الدولة العثمانية عن رأيه في محاربة الجيش المملوكي ومعاقبته على ما حدث منه أثناء حرب الصفويين، فأباح لهم شيخ الإسلام ذلك نظرًا لأن المماليك تعاونوا ودخلوا في صف الشيعة الصفويين وهذا يعني أن الحرب واجبة عليهم، لذا خرج الجيشين وكانت نقطة الالتقاء في قرية دابق بدولة سوريا التابعة للمماليك في ذلك الوقت، وبدأت المعركة بهجوم خاطف من المماليك ولكنه لم يؤثر بالقدر الكافي مع الجيش العثماني القوي والمزود بأحدث الأسلحة، فقامت المدفعية العثمانية بضرب مدافعها التي أدت إلى تشتيت الجيش المملوكي وانسحابه للخلف بعدما كان في حالة تقدم للأمام.
وبعد هذا التقهقر خرج العثمانيون وحملوا عليهم حملة رجل واحد أدت إلى انهيار المماليك وقتل أكثر من تسعين بالمائة من جيشهم، وقد سقط السلطان قنصوه الغوري من على فرسه في ميدان المعركة وقتل وضاعت جثته بين الجثث، وتقول بعض الروايات أنه بعدما سقط على الأرض وأدرك المماليك أنهم على وشك الإبادة قام مجموعة من الجنود المماليك بقتل قنصوه وقطع رأسه ثم رموها في جب خفي، وذلك خشية منهم أن يأخذ العثمانيين رأس السلطان قنصوه ويطوفون به الأراضي العثمانية والأراضي التابعة للماليك فتكون نفوسهم مكسورة أمد الدهر.
الأسباب التي أدت لانتصار العثمانيين
توجد بعض الأسباب التي أدت إلى انتصار العثمانيين على المماليك في معركة مرج دابق ومنها، أولًا انحياز المملوكي خائر بك والي حلب إلى صفوف الجيش العثماني أثناء قيام المعركة وهذه الحركة بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، فبعد أن كانت الحرب سجالًا بين الجيشين العثماني والمملوكي أنضم خائر بك بجيشه البالغ من العدد حوالي سبعة آلاف مقاتل إلى العثمانيين في صورة مفاجئة أثناء أحد الاستراحات التي بين جولات المعركة، وهذا ما جعل الجيش المملوكي ينهار ويشعر باليأس ثم أشيع خبر قتل قنصوه وهذا ما زاد الطين بلة وجعل الهزيمة على وشك الوقوع بالمماليك، ثانيًا عتاد الجيش العثماني الكبير البالغ من العدد سبعين ألف مقاتل ومزودين بأحدث الأسلحة من بنادق بدائية وسيوف عادية وسهام وأخيرًا المدافع الحربية.
وكانت الأخيرة غير موجودة لدى المماليك ولهذا كان لها تأثير كبير في أحداث المعركة وجعل الانتصار لصالح العثمانيين، فبعد أن تقدم الجيش المملوكي اعتقادًا منه أن الحرب سهلة ومتكافئة فوجئ بمدفعية الجيش العثماني التي أطلقت قذائفها تجاهه معلنة إبادته وانتهاء المعركة في سرعة كبيرة، ثالثُا الحماس الديني الكبير الذي كان بداخل السلطان العثماني وأفراد جيشه الكبير حيث أنهم كانوا متيقنين من أنهم على الطريق الصواب وأن المماليك خائنين ومتعاونين مع الشيعة الحاقدين على السنة المذهب الصحيح في الإسلام.
أضف تعليق