في الواقع لا يستطيع الكثير منا التميز بين العمر المروني والبيولوجي لجسده وبين عمره الزمني. فالعمر الزمني يحدده عدد السنوات التي عاشها الفرد، أما العمر المروني والبيولوجي فيحدده نوع الحياة ونمطها. وليس بالضرورة أن يكون العمر المروني والبيولوجي للإنسان موافقا لعدد السنوات التي عاشها؛ ألم تر يوما ما شاب يشرب الكحول مثلا أو يدخن فيبدو وكأنه قد انخرط في مرحلة الكهولة منذ زمن؟ يثبت هذا عدم وجود علاقة بين سن الإنسان وبين الحالة الصحية واللياقة البدنية لجسده، فهذا يعتمد على أمور كثيرة سنذكرها في السطور القلائل الآتية.
استكشف هذه المقالة
الفرق بين العمر المروني والعمر البيولوجي
لكي تحسب عمر الإنسان بدقة، لابد أن تعرف أن حساب العمر يعتمد على أكثر من مقياس؛ فهناك العمر الزمني؛ وهو الأسلوب التقليدي لحساب عمر الإنسان، وذلك بتحديد عدد السنوات التي عاشها، منذ مولده وحتى وفاته. هذا فيما يتعلق بتحديد العمر نفسه، وهو مقياس غير دقيق. والمقياس الأدق يكون بحساب الكفاءة العمرية، والذي يتم بحساب العمر المروني والعمر البيولوجي. بالنسبة للعمر البيولوجي، فهو حساب العمر وفقا للحالة النفسية والاجتماعية والصحية، بغض النظر عن العمر الحقيقي. ألم تر شخصا مسنا يتحرك وكأنه في الثلاثين من عمره، وآخر لا يكاد يقوى على الحراك ليقوم بالأنشطة العادية؟ وقد يكون كلا الشخصين في نفس العمر الزمني. الفرق بين هذا وذاك أن أحدهما اتبع أسلوب حياة يحافظ على صحة جسده ويبقي صحته معه حتى نهاية الطريق، والآخر تعجل المرض والشيخوخة بسبب العادات السيئة وانتهاج أسلوب ضد سير العمر البيولوجي لجسم الإنسان. هذا بالنسبة للعمر البيولوجي؛ أما عن العمر المروني فهو مدى كفاءة عضلات جسم الإنسان، والتي هي الأداة الوحيدة التي تمكن الإنسان من الحركة. فأنت لا تستطيع تحريك إصبعك دون العضلات الموجودة بجسدك. إن العمر المروني رغم كونه مرتبطا بشكل كبير بالعمر البيولوجي، كون الرياضة جزء من العادات التي تحافظ على العمر البيولوجي، فهو يعني في الأساس مدى مرونة العضلات وقدرة الإنسان على الحركة.
كيف يتم حساب العمر المروني ؟
هناك البعض ممن يتوافق العمر المروني لديه، أو مدى مرونة عضلاته، مع عمره الحقيقي الزمني؛ وهناك من يزيد عمره المروني عن عمره الزمني؛ وهناك كذلك من يقل عنده العمر المروني عن العمر الأصلي. والفيصل في مدى مرونة العضلات هو مدى المواظبة على الحركة وممارسة الرياضة. ولكي تعرف عمرك المروني ما عليك سوى الوقوف مستقيما، ثم الانحناء للأسفل، مع بقاء الركبتين مفرودتين، ومد اليدين ناحية الأرض؛ فإن لم تتعد يديك ركبتيك فإن عمرك المروني ستين عاما، وإذا وصلت للمنطقة بين الركبة والقدم فإن عمرك المروني ثلاثين عاما، وإن استطعت ملامسة رجليك بأطراف أصابع يديك فإن عمرك المروني عشرين عاما، وإن استطعت مد كفا يديك على الأرض، مع الاستمرار في فرد الركبتين، فإن العمر المروني خاصتك لا يتجاوز العشر سنوات.
هذا فيما يخص مرونة العضلات؛ أما بشأن مدى قوة هذه العضلات، فالطريقة التي يمكن اختبار ذلك بها هي أداء تمارين الضغط لعدة مرات. والمقياس أنه كلما زادت عدد مرات أدائك لتمارين الضغط كان ذلك مؤشرا على قوتها، وبالتالي كونك بصحة جيدة. فإذا لم تتجاوز عدد مرات التمرين عشرة، فهذا دليل على أن عمرك الزمني يزيد عام كامل عن العمر المروني العضلي لك؛ وإذا تجاوز عدد المرات العشرة فبلغت مثلا المرة التاسعة عشر، فهذا دليل على أن عمرك الزمني يوافق عمرك المروني؛ وإذا قمت بالتمرين عشرين مرة فأكثر فإن عمرك المروني يزيد عام كامل عن عمرك الزمني؛ أما لو استطعت أداء تمرين الضغط ثلاثين مرة فنبشرك بأن العمر المروني لعضلاتك يقل عامين عن عمرك الزمني.
كيف يتم حساب العمر البيولوجي؟
ذكرنا آنفا أن العمر البيولوجي للإنسان يحدده نمط حياته والعادات التي يتبعها في كل منحى من مناحي حياته. وهذه المناحي تشمل أسلوب النوم، فلابد من حساب عدد الساعات التي ينامها الفرد وأخذ القسط الكافي له دون التعامل بعشوائية مع هذا الأمر؛ والطعام الذي يتناوله الإنسان، وذلك من حيث نوع الغذاء وطريقة تناول الطعام والكميات التي تتناولها؛ والرياضة التي تعد أحد أهم عوامل الحفاظ على الصحة وإطالة العمر المروني والعمر البيولوجي؛ ثم يأتي الجانب الروحاني بحياة الإنسان؛ وهو ارتباطه بشيء أكبر من الكرة الأرضية ومن الإنسان؛ هذا غير العلاقات الأسرية والدور المجتمعي للإنسان؛ فوجود عائلة بحياة الإنسان يشعره بالأمان والثقة بمن حوله؛ كما أن شعور الإنسان بأن له دور فعال في الحياة المحيطة به وأن له هدف يحترم يجعله يستيقظ وهو يشعر بقيمته وقيمة الحياة؛ وهذه من الاحتياجات الأساسية للإنسان. وبناء على كل هذه العوامل يتحدد العمر البيولوجي للإنسان؛ فإن كان يوفر لنفسه هذا النمط الحياتي فإن العمر المروني والبيولوجي غالبا ما يكون موافقا لعمره الزمني، بل قد يكون أصغر مرونيا وبيولوجيا من عمره الزمني. أما إن كان هناك خلل بمنطقة ما، فإن ذلك ينعكس حتما على عمر الشخص البيولوجي ويعود بصحته وشبابه إلى الوراء.
تأثير التدخين على العمر البيولوجي
ذكرنا أن من أهم العوامل التي تؤدي إلى تقدم العمر المروني والبيولوجي هو التدخين وتعاطي الكحول. والحقيقة أن الشخص الذي يدخن، إنما يدخل إلى جسده كميات هائلة من السموم التي لابد وأن يكون لها أثرها على صحته. ولو نظرنا إلى السيجار الذي يدخنه الناس سنجد أنه يحتوي على 4 آلاف مادة كيميائية قابلة للاشتعال، مثل الرصاص ومواد الدهان والفحم والمبيدات الحشرية ومنظفات الأرضيات ومنظفات الأطباق ومساحيق الغسيل. والسبب في الاستعانة بتلك المواد في صناعة السجائر هو أن صناعتها بالتبغ فقط سيؤدي إلى زيادة التكلفة؛ وبالتالي قلة الربح. وهذه كلها مواد سامة؛ لدرجة أن هناك 60 مادة منها ممنوعة من دخول عدد من البلاد حول العالم.
وعند بدء ممارسة التدخين يقوم الجهاز المناعي للإنسان بالدفاع عن الجسد وطرد تلك الأجسام الغريبة المتمثلة في كمية السموم الموجودة بالسيجار؛ ومع مرور الوقت يبدأ الجسم في التعود على تلك الأجسام الغريبة ويتوقف عن محاربتها. ومع توقف الجسم عن مهاجمة سموم التدخين تبدأ أعضاؤه في الضمور والتردي، وأولها الرئة. ومع ازدياد فترة التدخين وعدد السجائر التي يدخنها الفرد يوميا يتسارع معدل الإصابة بالأمراض الخطيرة التي يسببها التدخين ويظهر عليه الكبر ويزداد العمر المروني والبيولوجي للجسم كلية. وليست هناك طريقة للتخلص من الآثار السلبية الخطيرة للتدخين سوى الإقلاع عنه وتغيير أسلوب الحياة لأسلوب أفضل صديق لصحة الإنسان.
والحقيقة أنه مهما طالت مدة التدخين لدى الإنسان فإنه ليس من المستحيل التخلص من الآثار السيئة التي تركها بجسده والعودة بالصحة والعمر المروني والبيولوجي للوراء؛ غير أنه كلما طالت مدة التدخين، كلما طالت مدة التعافي من آثاره. وعن ما يحدث بالجسد فور إقلاع الإنسان عن التدخين، فإنه في أول 20 دقيقة من الإقلاع تعود دقات القلب إلى معدلها الطبيعي؛ وبعد ثماني ساعات يتخلص الجسم من ثاني أكسيد الكربون؛ وبعد أسبوع يستعيد الفرد حاستي التذوق والشم؛ وبعد ثلاثة أشهر تعود الرئة للعمل بشكل طبيعي؛ وبعد عشر سنوات تقل احتمالية إصابة الإنسان بالسرطان وتصير احتمالية إصابته بالسكري مساويا لغير المدخن.
تأثير الاكتئاب على العمر البيولوجي
لأنه يداهم حياة 18% من سكان العالم، ما يعادل 300 مليون شخص، فقد أطلق علي الاكتئاب اسم مرض العصر الحديث. والاكتئاب لا يصيب فئة عمرية بعينها أو شريحة مجتمعية معينة، وإنما الجميع عرضة له، الصغير والكبير والفقير والغني. وتكمن المشكلة الكبرى لهذا المرض في أنه مرض صامت لا يشعر بأعراضه سوى من يعاني منه. ولو نظرنا لهذا المرض من وجهة نظر اقتصادية سنجد تأثيره الكبير على جميع دول العالم؛ لأن الشخص الذي يعاني من الاكتئاب لا يرغب في الحياة وليست لديه دوافع للعمل والتقدم؛ بل هو مجرد كائن متحرك يسير بالشارع ولا يكاد يرى ما يحدث حوله؛ فقد أفقده الاكتئاب روحه وأضحاه هيكلا لا روح فيه ولا حياة. وكيف يسهم في تقدم العالم شخص قلق لا يشعر بالرضا وتداهمه الأفكار السلبية؛ وهو بالإضافة إلى ذلك يعاني من الاضطراب في جميع مناحي حياته؛ فلا تجده يتبع العادات الصحية في مأكل ولا مشرب ولا منام؛ فهو إما يفرط في تناول الطعام والشراب أو يمتنع عنهما تماما لمدة طويلة، وهو كذلك إما يشعر بالأرق أو ينام لساعات طوال. وشخص كهذا لا يمكن أن يكون له دور ولا يمكن أن تكون له إنتاجية؛ وشعور الشخص بأنه بلا هدف أو دور يجعل الحزن يخيم عليه؛ مما يؤثر على جميع أعضاء جسده، فيصاب بالأمراض، حتى أن الباحثين وجدوا أن نسبة كبيرة من الأمراض السرطانية سببها الرئيسي هو التوتر والاكتئاب. وفي العادة تجد الشخص الذي يعاني من الاكتئاب يبدو وكأنه أكبر سنا؛ ذلك أن أعضاء جسمه أكبر بكثير من عمره الزمني مما يظهره بمظهر الشيخ الكبير وهو ما زال شابا يافعا. وليس هناك حل للحفاظ على العمر المروني والبيولوجي سوى التخلص من القلق والتوتر أولا بأول وسلوك طريق العلاج الصحيح في حال أصبت بالاكتئاب، حتى لا تقتل نفسك بالبطيء.
تأثير الصيام على العمر المروني والبيولوجي
إن مفهوم الصيام عن الطعام لفترة من الوقت قد تعني للبعض أمر ديني بحت، وقد تعني للآخرين أمر يتعلق بالصحة؛ ولكن المحصلة أن جزء مهم من توجه الحفاظ على الصحة هو الصيام عن الطعام لبعض الوقت. وفي عام 1917 أصيب جندي ألماني يدعى أوتو بوخنجر بمرض التهاب المفاصل أثناء الحرب العالمية الأولى، وتردد على الكثير من الأطباء دون أن يجد أيا منهم حلا لمشكلته الصحية، مما أدى به إلى الاستناد على العصا أثناء سيره. وظل على حاله حتى نصحه أحدهم بالصوم، فصام لمدة 19 يوما؛ وفي اليوم التاسع عشر حدثت المعجزة وتحركت جميع أطرافه وانتهت معاناته تماما. وقد أدت هذه القصة إلى الدفع به ليؤسس مركزا للصوم العلاجي، وذلك في عام 1920. صحيح أن طبيعة الصيام لديه تختلف بعض الشيء عن الصيام الإسلامي، ولكنه يبقى الصوم عن الطعام بهدف العلاج.
والحقيقة أن الكثير ممن يصوم لا يستفيد منه بالشكل الصحيح؛ ذلك أنه يأتي في وقت الفطور ليفسد ما قام به طيلة النهار. فمما يضر الإنسان تناول كميات كبيرة من الطعام بعد مدة الصيام، أو تناول الطعام غير الصحي كالكربوهيدرات والدهون الكثيرة وهكذا. وللأسف الشديد يقع الكثير من الناس في هذا الخطأ؛ فهو ما إن تأتي ساعة الفطور حتى ينقض على الطعام ليلتهم منه ما اشتهى، دون الأخذ في الاعتبار ما هو جيد وما هو سيء لجسده. ولعل هذا هو السبب الرئيسي وراء ظاهرة زيادة الوزن التي تشيع بشهر رمضان لدى المسلمين العرب. بل إن البعض يتناول بضع تمرات كما كان رسولنا الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم- يفعل، وبعدها بدقائق يتناول طعاما يكفي لخمسة أشخاص، وهو يظن لمجرد أنه بدأ طعامه بالتمر أن نظامه صحي للغاية، في حين أنه بما يفعل يحدث فجوة بين العمر المروني والبيولوجي لديه وبين العمر الزمني.
والحقيقة أن الصوم واتباع النظام الغذائي السليم عند تناول الطعام له من الفوائد على صحة الإنسان وجسده ما لا يحصى. فمثلا عند الصوم يقوم الدم بالتخلص من الكوليسترول، وتقوم الرئة بالتخلص من السموم بها وحولها، وتقوم كلا من المعدة والأمعاء بتنظيف نفسها، كما يطلق الكبد مادة ثانوية للطاقة. ولا تحصل هذه الفوائد إلا إذا كان الإفطار يعتمد على أسس سليمة؛ فالصوم وحده لا يكفي. والناس جميعا يقدرون على الصوم وليس لديهم أدنى مشكلة معه، ولكن الحكيم الذي يعرف كيف يفطر. ولو تأملنا طبيعة أجسادنا سنجد أنها بطبيعتها تصوم إذا كانت بحاجة إلى ذلك؛ فلا تجد إنسانا مريضا يود أن يأكل الكثير من الطعام؛ بل إن رد الفعل الطبيعي للجسم وتفاعله البيولوجي مع المرض يؤدي به إلى الإقلال من تناول الطعام، حتى يساعده ذلك على التماثل للشفاء. فالجسد وقت المرض يريد أن يعالج نفسه، وهذا يحتاج للكثير من الطاقة التي لو ذهبت جميعها أو معظمها للمعدة والجهاز الهضمي فلن تتثنى له فرصة التعافي.
إن مفهوم قلة الطاقة وقت الصيام لهو مفهوم خاطئ يسيء إلى سمعة الصوم؛ فالطبيعي أن الإنسان وقت صومه إن كان مريضا تنهمك أجهزة جسمه في التخلص من المرض والقضاء عليه، وإن كان صحيحا معاقا فإن الصوم يعطي طاقة ونشاطا لا يعطيهما الإفراط في تناول الطعام. فإن حدث وشعر الإنسان بالوهن والضعف وقلة الطاقة وقت الصوم، فالجاني هنا ليس الصوم، إنما هو الإنسان الذي حتما يتبع عادات سيئة تحول بينه وبين الاستفادة من الصوم. ولعلك تلاحظ عزيزي القارئ أن معظم الحلويات والأطعمة غير الصحية بالمرة تميز شهر رمضان الذي يصوم فيه المسلمون، وهذه من الثقافات الخاطئة المنتشرة ببلداننا العربية، مع الأسف الشديد. ولهذه الأصناف من الأطعمة الأثر السيئ الكبير، نظرا لما تحويه من كميات كبيرة من السكر. وعند تناول الإنسان الكثير من الأطعمة التي تحتوي على السكر، يحدث ارتفاع شديد لمستوى السكر بالدم، مما يؤدي إلى إفراز الأنسولين بكميات كبيرة للغاية، حتى يستطيع التعامل مع هذه الكميات الهائلة من الجلوكوز ويقللها فجأة؛ وهنا يحصل اضطراب مفاجئ بالجسم، نتيجة للارتفاع المفاجئ الذي تلاه انخفاض مفاجئ للجلوكوز. والعرض الذي يشعر به الإنسان بعد حصول هذا هو الخمول والهبوط الذي يشعر بهما معظم من يقومون بالصوم. والمصيبة الكبرى أن هذا الخمول يوحي له بالاحتياج للمزيد من السكر، فيتناول كمية كبيرة للمرة الثانية والثالثة ويظل على هذا المنوال الذي يصاحبه بالطبع التغيرات والتقلبات المزاجية. والأكل الصحي الذي يحتاجه الإنسان عند الفطور لا بد وأن يكون به تناغما بين كميات السكر والأنسولين. ولتعرف ما إذا كان طعامك صحيا أم لا راقب معدل الخمول لديك بعد ناول الطعام.
وقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة أن قوة تحمل جسم الإنسان أثناء الصيام تكون أفضل. وهذا ما وعاه الغرب ويحاول تطبيقه عن طريق السير على نظام غذائي صحي بعد فترة من الصوم؛ فكما قلنا ليست العبرة بامتناع الإنسان عن تناول الطعام، ولكن الأهم هو الطريقة التي يكسر بها هذا الصوم. وقد يسأل سائل لماذا أشعر بالتعب مع الصوم، رغم كوني أحرص على تناول الطعام الصحي والبعد عما يضر بالجسد؟ والسبب الطبيعي وراء ذلك هو التغيير المفاجئ في نظام تناول الطعام، وفور اعتياد الإنسان على نظام الصوم سيجد النتائج الهائلة له. وبالنسبة لأولئك الناس الذين يصومون بصفة مستمرة، كأن يصوموا يومين من كل أسبوع، لا يؤثر معهم صوم رمضان أو غيره بهذا الشكل، وإنما تسير الأمور بشكل طبيعي. وللعلم فإن جزءا من نظام الصيام المعتمد بدول الغرب للحفاظ على العمر المروني للجسد هو صيام يومين من كل أسبوع لتخليص الجسم من الأمراض والسموم.
مدينة المعمرين باليابان
أصبح العلماء في وقتنا الحالي يطلقون على بعض المناطق بالعالم اسم “المناطق الزرقاء”، وهي المناطق التي يكثر فيها المعمرين، الذين يعيشون أكثر ما مائة سنة، وبصحة ممتازة. وهؤلاء المعمرين يسبق عمرهم الزمني العمر المروني والبيولوجي خاصتهم. ومن هذه المناطق مدينة أوكيناوا باليابان التي تحتل المركز الأول بالعالم من حيث طول العمر في العالم، حيث أن هناك واحدا من كل ألفي شخص يعمر أكثر من مائة عام؛ وبذلك يكون هناك 35 من كل مائة ألف شخص يعتبر من المعمرين، وهذا مقارنة بباقي دول العالم المتطورة التي لا يتجاوز عدد المعمرين بها 1 من كل مائة ألف.
والسبب في تزايد عدد المعمرين بمدينة أوكيناوا اليابانية هي أن البيئة التي يعيشون بها تخلو من التلوث تماما. والعامل الثاني وراء وجود المعمرين هناك هو الحركة المستمرة التي تجعل العمر المروني لديهم أقل من العمر الزمني؛ ولذا قد تجد شخصا هناك في سن التسعين فما فوق ويتحرك ويعمل وكأنه لم يتجاوز الأربعين من عمره. والعامل الثالث وراء وجود المعمرين بهذه المدينة الجميلة هو النظام الغذائي الذي يعتمد عليه أهل المدينة؛ فهم يعتمدون أساسا على الخضروات والأسماك، وليس على اللحوم الحمراء أو البيضاء.
وقد أجرى الباحثون دراسة على مجموعة من سكان مدينة أوكيناوا الذين هاجروا إلى البرازيل، فوجدوا أن متوسط أعمارهم قد قل 17 سنة كاملة، بسبب تغيير النظام الغذائي واعتمادهم بشكل كبير على اللحوم؛ كما وجدوا أن العمر المروني والبيولوجي أصبح لا يتناسب والعمر الزمني لهؤلاء الأشخاص. وهذا هو السبب الرئيسي وراء اختلاف متوسط الأعمار بدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودولة اليابان، فطبيعة النظام الغذائي لها الأثر الكبير، ليس فقط على صحة الإنسان، بل على متوسط عمره.
بإمكانك العودة إلى الوراء
في حين يتم تحديد العمر الزمني للإنسان منذ ميلاده، يبدأ تحديد العمر المروني والبيولوجي بداية من سن الثلاثين؛ وهو السن الذي يبدأ مستوى صحته في التراجع وتقل كفاءة أجهزة جسمه تدريجيا. وعادة ما تبدأ الأمراض الوراثية بعد بلوغ هذا السن، مثل الضغط والسكري والأورام وأمراض القلب وغيرها. ولا نغفل أن مستوى الهرمونات التي لها اليد العليا في تحديد العمر المروني والبيولوجي للإنسان يبدأ في الانخفاض عند هذا السن. وتشمل هذه الهرمونات هرمون الأنسولين والبروجيستيرون والأستروجين والتستوستيرون. فإن حدث ورأى الإنسان علامات التقدم في العمر وبداية دخول مرحلة الكهولة، بإمكانه تغيير هذا الواقع عن طريق تغيير نمط الحياة الذي يتبناه. ويشمل هذا التغيير الاعتماد على نظام أكل صحي يحتوي على الخضروات والفاكهة والأسماك بدلا من اللحوم الحمراء والدجاج والمعجنات.. إلخ. ولابد كذلك من تناول غذائك مع الشمس، حتى يسهل هضمها وامتصاصها وحصول الفائدة منها. وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن تناول الفطور عند شروق الشمس وتناول الغداء والشمس تتوسط السماء وتناول العشاء مع الغروب له الأثر الصحي الكبير على حياة الإنسان. ومن الخطط التي لابد من تواجدها بالنظام الغذائي تخليص الجسم من السموم بشكل دوري، وذلك عن طريق المداومة على تناول الأعشاب الطبيعية المفيدة وعمل الديتوكس من حين لآخر.
ومن الأمور التي لا تقل أهمية عن النظام الغذائي للحفاظ على العمر المروني هو نظام النوم لدى الإنسان، والذي يعتبره علماء الصحة الطاقة التي لا يستطيع الإنسان التحرك دون الحصول عليها. وقد منعت موسوعة جينيس للأرقام القياسية الرقم القياسي المتعلق بأقل مدة للاستيقاظ بدون نوم، كون ذلك فيه من الضرر والخطر على جسم الإنسان ما يصيبه بالكثير من الأمراض أو يؤدي به إلى الوفاة. ولابد أن نفهم طبيعة أجسادنا حتى يتثنى لنا إعطائها ما تحتاج من راحة. فالطبيعي أن جسم الإنسان لا ينمو بالشكل الجيد ولا يحصل على الراحة المنشودة إلا إذا كان النوم ليلا؛ أما أولئك الذين يقلبون النظام الضوئي فيسهرون ليلا وينامون نهارا فإنهم يخسرون الكثير، وإن ناموا ساعات وساعات. ومن الأمور المهمة معرفة الكيفية التي ينام بها الجسد؛ فالجسد ينام على مراحل متفرقة، وهي مرحلة ما قبل النوم ومرحلة النوم الخفيف ومرحلة النوم العميق التي يقوم فيها الجسد بإعادة تجديد الخلايا، وأخيرا يدخل الإنسان في مرحلة الأحلام التي يقوم العقل فيها بإعادة ترتيب كل ما تعلم خلال فترة النهار ثم ينتهي الإنسان بمرحلة النوم الخفيف. وتعتبر هذه دورة واحدة للنوم، والتي تستغرق حوالي ساعة ونصف الساعة. ويحتاج الإنسان إلى تكرار هذه الدورة خمس مرات كل ليلة، ما يعادل سبع ساعات إلى ثماني ساعات من النوم. وبالنسبة لاستيقاظ الإنسان فالأفضل أن يكون في مرحلة النوم الخفيف، لأنه إن استيقظ في مرحلة النوم العميق فقد يظل طوال اليوم خاملا ناعسا.
ولأن الشيخوخة تتزامن مع ضعف الجهاز المناعي، ما يفسر ارتباط الكثير من الأمراض بالتقدم في العمر، فإن محاربتها هو الطريق للحفاظ على الصحة ومحاربة الأمراض. ومن طرق محاربة الشيخوخة ممارسة التمارين الرياضية؛ سواء تمارين الاسترخاء أو تمارين شد العضلات وتقويتها أو تمارين مرونة المفاصل أو غيرها. ولابد أن لا يقل عدد ساعات التمرين عن ساعتين أسبوعيا. كما يلزم على من أراد العودة إلى الوراء وموافقة العمر المروني للعمر الزمني توظيف أسلوب حياته ليصب في خدمة هذا الهدف، كأن يتنقل من مكان لآخر سيرا على الأقدام أو بالدراجة بدلا من ركوب السيارة. ولابد كذلك من الاهتمام بالصحة النفسية وخلق الجو الذي يريح الإنسان ويزيح الأعباء من عليه؛ فالوحدة وفقد الثقة بالناس تقتل الإنسان بالبطيء.
ونختتم بأن الولايات المتحدة مرت بمرحلة تسمى بالكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي الذي انهار فيه الاقتصاد وقل الطعام والشراب وانتشر الفقر والبطالة، وظل هذا الحال لمدة حوالي خمسة عشر عاما. وتوقعوا وقتها أن يزيد معدل الأمراض ويقل متوسط الأعمار لدى هذا الجيل؛ ولكن المفاجأة أن ما حدث هو أن هذا الجيل زاد معدل عمره ستة سنوات وقلت الأمراض لديه، لمجرد أن الطعام كان أقل.
ملحوظة: هذا المقال يحتوي على نصائح طبية، برغم من أن هذه النصائح كتبت بواسطة أخصائيين وهي آمنة ولا ضرر من استخدامها بالنسبة لمعظم الأشخاص العاديين، إلا أنها لا تعتبر بديلاً عن نصائح طبيبك الشخصي. استخدمها على مسئوليتك الخاصة.
أضف تعليق