ركوب الدراجات الهوائية يعتبر من أحد الأنشطة التي يمارسها الإنسان للكثير من الأغراض، هي هواية ورياضة ووسيلة انتقال وأيضا وسيلة للرفيه لجميع الأعمار، ويمكن اعتبار ركوب الدراجات الهوائية هي روتين يومي للكثير من الأشخاص حين يستخدموها للذهاب إلى عملهم تجنباً للزحام الذي اصبح سمة أساسية في كل دول العالم ومدنها الكبيرة، وكذلك فإن ارتفاع أسعار الوقود يجعل من ركوب الدراجات الهوائية مطلبا للكثير من الناس لاسيما وأن وسائل النقل التي تحتاج إلى الوقود مثل الدراجات النارية والسيارات تعتبر باهظة الثمن بعض الشيء وليست في متناول الكثير من الناس.
استكشف هذه المقالة
قصة اختراع الدراجة الهوائية
تضاربت القصص التي تروي كيف ظهرت الدراجة الهوائية، بعض من تلك الروايات فيه الكثير من التضليل غير أن الثابت والذي لا خلاف عليه أن شكل الدراجة الهوائية لم يكن هو الشكل الذي نألفه الآن، فأول مركبة كانت تعتمد على الحركة البشرية ظهرت في عام 1418م وقام باختراعها مهندس إيطالي اسمه فونتانا، وكان عبارة عن جهاز يتكون من أربعة عجلات متصلة بسلسة ومجموعة من التروس.
وبعد حوالي أربعة قرون من ظهور جهاز فونتانا، اندلعت النيران في جبل في إندونيسيا نتج عنه انتشار سحابة هائلة انتشرت في جميع أنحاء العالم، وأدت هذه السحابة إلى انخفاض حاد في درجات الحرارة أدى إلى موت الكثير من النباتات والمحاصيل، وأدى ذلك بالتبعية إلى نفوق الكثير من الحيوانات بسبب الجوع. وكان ذلك سبباً في نقص الخيول على مستوى العالم، الأمر الذي دفع العالم الألماني درايس أن يفكر في طريقة للتغلب على نقص الخيول بأن قام باختراع أداة للنقل مصنوعة من الخشب وكانت عبارة عن عجلتين مثبتتين في إطار خشبي والراكب يكون جالساً على مقعد جلدي ويدفع العجلة بقدميه.
ولاقى اختراع درايس شهرة وانتشاراً في كل من إنجلترا وفرنسا، حيث كان الأرستقراطيون يركبونها ويسيرون بها على الرصيف، إلى أن تم منعها لاعتبارها خطراً على المارة. غير أن الدراجة الهوائية عادت للظهور في عام 1864 حينما قام المخترع الفرنسي لاليمنت بعرض نموذجه الجديد علنا وهو إضافة الدواسات للدراجة، وتم تسجيل هذا الاختراع في الولايات المتحدة.
وفي عام 1870 ازدهرت صناعة المعادن واستجابت للتطور الذي يحدث في الدراجات الهوائية فقامت شركات صناعة الدراجات باستخدام معادن أكثر متانة وأخف وزنا في صناعة الدراجات، وانتشر تصميم للدراجات تكون فيه العجلة الأمامية كبيرة ومرتفعة بحيث تكون الدواسات متصلة بها، وكان هذا التصميم يتميز بالرشاقة وأكثر راحة من التصميمات السابقة، غير أن كان يعيبه أن الدراجة كانت عرضة للانقلاب رأساً على عقب إذا اضطر السائق للتوقف فجأة.
وفي عام 1870 قام المخترع الإنجليزي ستارلي بالإعلان عن تصميم مبتكر للدراجة الهوائية ذات إطارين متساويين في الحجم مصنوعان من المطاط. تتصل الدواسات بمجموعة من التروس التفاضلية في وسط الدراجة، وتنتقل الحركة إلى الإطار الخلفي عن طريق اتصاله جنزير. وهو الشكل الحالي المتعارف عليه للدراجات الهوائية.
أنواع الدراجات الهوائية
منذ ظهور واستقرار شكل الدراجة الهوائية الذي اخترعه ستارلي، ظهرت إضافات كثيرة على الدراجات الهوائية من حيث الاستخدام أو حجم الإطارات أو حتى الخامات المستخدمة في تصنيع هيكل الدراجة. وقد تعددت تصنيفات وأنواع الدراجات الهوائية بشكل معقد ومتداخل، ولكن يمكن تقسيم الدراجات الهوائية تبعاً لاستخدامها والطرق التي تسير عليها.
دراجة الطريق
وهذا النوع من الدراجات يستخدم في المدينة ويصلح للسير على الطرق الممهدة أو المعبدة، ويمتاز هذا النوع بخفة الوزن وسرعة الانطلاق، ويتم تصنيع الهيكل من خامات مثل الحديد والألومنيوم والنيكل وألياف الكربون، غير أن استخدام الحديد في صنع هياكل الدراجات قد انحسر كثيرا ولم يعد مستخدما بسبب ثقل وزن هياكل الدراجات المصنوعة من الحديد، علاوة على سرعة إصابة الحديد بالصدأ حتى ولو تمت معالجته ضد الصدأ. ليحل محله سبائك أخرى تحقق المتانة وخفة الوزن معاً.
كما يمتاز هذه النوع من الدراجات بمقود منحني للأسفل، مما يجعل الراكب يميل بظهره للأمام، والهدف من ذلك تقليل تعرض جسم راكب الدراجة للهواء، مما يوفر سرعة أكبر وانطلاقاً أسرع بسبب انخفاض مقاومة الهواء عن طريق جسم الدراج، لذا فقد تم استخدام هذه الدراجة أيضا في السباقات، وقد تكون هذه الوضعية غير مريحة لمن يركب هذه الدراجة للمرة الأولى، لكنه سرعان ما سيعتاد عليها بعد فترة وجيزة من الاستخدام المنتظم.
الدراجة الجبلية
وتستخدم هذه الدراجة في السير على الطرق الجبلية الوعرة والغير ممهدة، وتختلف هذه الدراجة عن دراجات الطريق في أنها أثقل وزنا ومتانةً تستطيع تحمل أوزاناً اكبر من غيرها من الدراجات، كما أن إطاراتها تكون أكبر وأعرض حتى تستطيع السير على المسطحات الرملية، ويكون شكل مقودها مستقيماً ووضعية جلوس الدراج عليا تكون أكثر استقامة واعتدالاً من دراجة الطريق، كما يتم تزويد هذا النوع من الدراجات بمخفف للصدمات لتتناسب مع استخدامها في الطرق الوعرة.
ويلاحظ أن هذه الدراجات يمكن استخدامها أيضاً كدراجة طريق، لكنها ستكون أبطأ في السرعة نظراً لثقل وزنها وحجم إطاراتها العريض الذي يزيد من معامل الاحتكاك مع الطريق مما يؤدي إلى بطء سرعتها ويزيد من صعوبة قيادتها. غير أن هذه الصعوبة قد تكون مفيدة لمن يرغب في تحسين لياقته الجسمانية، إذ أن ثقل الدراجة من ناحية وصعوبة حركة الدراجة بسبب إطاراتها العريضة يمثل المقاومة المطلوبة لمن يريد القيام بنشاط رياضي آمن وفعال في ذات الوقت.
الدراجة الهجينة
ويجمع هذا النوع من الدراجات الهوائية بعضاً من صفات الدراجة الجبلية وبعضا من مواصفات دراجة الطريق، لذا جاءت تسميتها بالدراجة الهجينة. ووزن هذه الدراجة وسط فيما بين النوعين السابقين، وكذلك الحال بالنسبة لعرض الإطارات، فهي تصلح للسير على الطرق الممهدة والوعرة، ولكن ليست الطرق الجبلية.
وتكون هذه الدراجة مجهزة بكرسي أكثر راحة من دراجة الطريق، كما أنها قد تكون مزودة بنوابض أو مخفف للصدمات، غير أن هذا التجهيز لا يشترط أن يكون موجوداً في الدراجات الهجينة، فيمكن أن تأتي الدراجة الهجينة مزودة بمخفف للصدمات أو لا، ويتوقف ذلك على اختيار الصانع ثمن الدراجة، ويكون مقبض الدراجة مستقيم الشكل مثل الدراجة الجبلية، وتكون وضعية الدراج مرتفعة.
دراجة الترحال
وتستخدم هذه الدراجة للسير على الطرق المعبدة، لكنها مزودة بالعديد من التجهيزات التي تمكنها من السير لمسافات طويلة، حيث يسمح تصميم هيكلها بإضافة بعض الكماليات التي تسمح للراكب بتخزين عدد أكبر من حاجياته التي يحتاجها أثناء ترحاله لفترة طويلة.
فوائد ركوب الدراجات الهوائية
إن ظاهرة الازدحام في المدن الكبير تعتبر مزعجة للكثير من الناس، لاسيما ي وقت الذروة صباحاً عند الذهاب للعمل أو عند العودة منه، كما أن وسائل المواصلات قد تكون غير فعالة ومكلفة بعض الشيء، لذا يلجأ البعض إلى ركوب الدراجات الهوائية كوسيلة انتقال خاصة إذا كان مكان العمل قريب من المنزل. وكما يعتبر ركوب الدراجات الهوائية نشاطاً هوائياً يقوم فيه الدراج ببذل جهد أثناء قيادته للدراجة، وهذا الجهد يؤدي إلى حرق الكثير من السعرات الحرارية ويحدث توازنا سلبياً في السعرات الحرارية من شأنه أن يؤدي إلى تقليل الوزن.
كما نصحت بعض الدراسات التي أجريت في معهد القلب في الولايات المتحدة بركوب الدراجة الهوائية لمدة ساعة في الأسبوع على الأقل، حيث ربطت هذه الدراسات بين معدل ركوب الدراجة واحتمالية الإصابة بأحد أمراض القلب، حيث أظهرت تلك الدراسات أن ممارسة ركوب الدراجات الهوائية يقلل من الإصابة بارتفاع ضغط الدم وتقليل نسبة الكوليسترول، وأيضا تنشيط كبير للدورة الدموية الذي يؤدي إلى تحسين وظائف الكبد والبنكرياس مما ينعكس على انخفاض تعرض الشخص للإصابة بمرض السكري. والانتظام في استخدام الدراجة الهوائية سواء كان للترفيه والتنزه أو كوسيلة انتقال يؤدي إلى تقوية عضلات القدمين والعمود الفقري، كما يؤدي أيضاً لتوسيع الرئة وزيادة حجمها وهو ما يساعد على تغذية باقي أجزاء الجسم بكمية وافرة من الأوكسجين الأمر الذي يؤدي لتحسين كل وظائف الجسم الحيوية.
كما يعتبر ركوب الدراجة أحد أكثر الأنشطة الرياضية التي يمارسها الإنسان أماناً وأقلها ضرراً إذا ما قورنت ببعض الرياضات الأخرى لاسيما المشهورة منها. فطريقة بذل جهد الدراج أثناء قيادته للدراجة لا يتم فيها تحميل كل الثقل على مفاصل القدمين أو الركبتين، ولكن تنحصر المقاومة في ثقل الدراجة فقط بسبب وضعية الجلوس للدراج بحيث يكون التأثير على الركبتين حتى على المدى البعيد قليل جداً.
وعلى الرغم من الحوادث التي يتعرض لها راكبو الدراجة الهوائية والتي تكون في أغلبها حوادث سير، فلا تزال الفوائد العظيمة لركوب الدراجات الهوائية تفوق بكثير مخاطر التعرض للحوادث، إذ يكفي التزام عوامل الحيطة أثناء ركوب الدراجة مثل ارتداء خوذة للرأس مع الالتزام بقواعد المرور ومراعاة ترك مسافة مناسبة بين الدراجة وبين السيارات الأخرى.
ونظراً للفوائد العديدة للممارسة نشاط ركوب الدراجات الهوائية، وما أثبتته الدراسات من الآثار الإيجابية لهذا النشاط على صحة الجسم فقد انتشرت في الصالات الرياضية وجود أجهزة رياضية تشبه الدراجة لكنها ثابتة، حيث يقوم الشخص بركوبها كما يركب الدراجة الهوائية تماماً وذلك للاستفادة من فوائد هذا النشاط دون الحاجة للخروج إلى الطرقات. غير أن ركوب الدراجة الهوائية في حد ذاته متعة لا توصف، فالدراجات الثابتة لا توفر للشخص تلك الميزة التي يحظى بها راكب الدراجة العادية من تنوع المناظر حينما ينتقل من مكان لآخر، وأيضاً التمتع بالعواء الطبيعي الصحي الذي من شأنه أن ينعكس إيجابياً على الحالة المزاجية للشخص.
خاتمة
إن ركوب الدراجة الهوائية سواء كان ذلك للترفيه أو كوسيلة انتقال هو أحد الأنشطة المفيدة والمحببة للكثيرين، لاسيما مع تطور الحياة في المدن الكبيرة والمزدحمة التي جعلت من هذا النشاط ضرورة. لذا كان من الواجب أن يطلع القارئ على فوائد ركوب الدراجات الهوائية العديدة وانعكاس هذا النشاط على صحته، وكان لازما استعراض تاريخ اختراع هذا الجهاز العجيب وكيف بدأ وكيف كان شكله على مر السنين حتى استقر على الشكل الذي نراه الآن وأصبح مألوفاً لدينا، ثم تطرقنا إلى أنواع الدراجات الهوائية من حيث استخدامها والأماكن التي تصلح لها حتى يستطيع القارئ تحديد ما يصلح له ويختار ما يناسبه منها ويتلاءم مع ظروفه واحتياجاته والمكان الذي يتواجد فيه.
الكاتب: وليد زكي