إن إبراهيم -عليه السلام- واحد من أنبياء الله -عز وجل-، وأحد أولو العزم من الرسل الذين اصطفاهم الله على سائر الخلق. وقد اختبر الله -عز وجل- سيدنا إبراهيم بعدة اختبارات، ولم تكن بتلك السهولة أبدًا، ولأن سيدنا إبراهيم ليس كسائر الخلق، فبالطبع لن تكون اختبارات الله له بتلك السهولة. لم يكن طريق الرسل ممهدًا قط، بل كان يحوي الكثير من المصاعب، والابتلاءات، والتي على الرغم من صعوبتها استطاعوا أن ينجحوا فيها، فطريق الدعوة كان وسيظل محفوفًا بالصعوبات، التي لا يضعها الله إلا أمام من يصطفيهم من عباده، هؤلاء من يدعون دائمًا الله أن يستعملهم ولا يستبدلهم. جعلنا الله وإياكم منهم. وفي هذا المقال سنتعرف معًا أكثر على سيدنا إبراهيم، واختبارات الله المتكررة له، وكيف نجح فيها جميعًا.
استكشف هذه المقالة
من هم أنبياء الله؟
إن الله خلق البشر على هذه الأرض لحكمة لا يعلمها إلا هو، وقد رزقنا العقل لنفكر به، ولكن عقولنا الصغيرة لن تعرف أكثر مما يريدنا الله أن نعرفه، كما أنها لن تستطيع أن تتكهن ما ليس حولها، والتي يُطلق عليها الغيبيات، كما أن الإنسان إن لم يعرف حدود كل شيء، أو لم يسر بنظام معين في حياته، فسوف يعيش بعشوائية، وستكون تلك العشوائية طريقًا لتدمير نفسه وغيره، وأكبر دليل على هذا الأمر الفساد الذي نراه حولنا في كل مكان نتيجة الانحراف عن تعاليم الله -عز وجل- التي فرضها علينا، لذا فقد أرسل الله لنا رسله، وهم بشر اصطفاهم الله من خلقه، حتى يكونوا حلقة الوصل بيننا وبين الله -عز وجل-، حتى نعرف أوامر الله، ونسير عليها في كل زمانٍ ومكان، فالله -عز وجل- هو خالق كل شيء، وهو العالم بما ينفعنا، وما يضرنا. فكانت رسالة الأنبياء الأبدية لنا معرفة الخالق، وأنه المستحق بالعبادة، وليس ما يتخذه بعض البشر من شركاء لله، ولم تكن تلك المهمة سهلة أبدًا، فقد لاقى هؤلاء الأنبياء من الصعوبات ما لا يقدر عليه بشر. وسيدنا إبراهيم -عليه السلام- أحد هؤلاء الأنبياء الذين اصطفاهم، بل والذين صبروا على الكثير من الابتلاءات، والصعوبات التي واجهتهم أثناء دعوتهم لقومهم.
بين لفظ رسول، ونبي
ربما لا يجد الكثير من الناس فرقًا بين لفظ رسول ونبي، إلا أنه يوجد بالفعل فرق بين الكلمتين من حيث المعنى اللغوي، أو المعنى الاصطلاحي. فكلمة رسول من حيث المعنوي اللغوي مأخوذة من الإرسال، والرسائل، ورسول أي مبعوث أو مرسل بشيء ما إلى أحدٍ ما، بينما كلمة نبي في معناها اللغوي، فهي تأتي من الإنباء، وهو الإخبار، فلا نجد فرقًا كبيرًا بين الكلمتين في معناهما اللغوي، أما المعنى الاصطلاحي لكلمة رسول، فهي الإنسان الذي اصطفاه الله -عز وجل- ليبلغ الناس بالدعوة إلى الله، وترك عبادة الشرك، ويخبرهم بتعاليم الإسلام، أما النبي، فهو البشري الذي اصطفاه الله أيضًا، وأنبأ عن الله -عز وجل-، وسنجد في الفرق بين الكلمتين بعض الآراء بين المفسرين، منها أن الرسول جاء ليبلغ شريعة جديدة، مثل القرآن الكريم الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلينا، ومثل صحف سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، ومثل التوراة، والإنجيل، وهكذا. أما النبي فهو من جاء ليقر شريعة قد وجدت أصلًا قبله، يدعو الناس، ويذكرهم بالله.
صفات الأنبياء والمرسلين
لقد ذكرنا أن الله اصطفى بعض البشر ليكونوا حلقة الوصل بينه وبين عباده، فلا بد أن يكون لهؤلاء المصطفون صفات خاصة تؤهلهم ليكونوا مستعدين لحمل عبء إيصال الرسالة، ومن هذه الصفات: أن يكون حامل الدعوة من البشر بالطبع، فيحمل صفات البشر، أنه ينام، ويأكل، ويشرب، ويتزوج، وهكذا، حتى يكون قدوة لغيره حينما يفعل ما يأمره الله به، كما أن الأنبياء جميعهم من الرجال، لأن الرجل بخلاف المرأة سيكون قادرًا على تحمل أعباء الدعوة، كما أن الله اصطفى من عباده أصدقهم إيمانًا، وأطهرهم قلبًا، وأحسنهم أخلاقًا، وأصدقهم حديثًا، وأكثرهم صبرًا، وتحملًا، وأقواهم جسدًا، وغيرها من الصفات التي تعين على حمل عبء الدعوة.
الأنبياء الذين تم ذكرهم في القرآن الكريم
وقد ذكر الله -عز وجل- في القرآن الكريم بعض الأنبياء والرسل، ولم يذكر البعض، فالأنبياء الذين تم ذكرهم في القرآن الكريم حوالي خمسة وعشرين رسولًا، وهم: سيدنا آدم، وسيدنا هود، وسيدنا صالح، وسيدنا شعيب، وسيدنا إدريس، وسيدنا ذو الكفل، وسيدنا إبراهيم ، وسيدنا إسحاق، وسيدنا يعقوب، وسيدنا نوح، وسيدنا داوود، وسيدنا سليمان، وسيدنا أيوب، وسيدنا هارون، وسيدنا موسى، وسيدنا يوسف، وسيدنا زكريا، وسيدنا يحيى، وسيدنا عيسى، وسيدنا إلياس، وسيدنا إسماعيل، وسيدنا اليسع، وسيدنا يونس، وسيدنا لوط -عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم-، وسيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام-.
من هم أولو العزم من الرسل؟
لقد ذكرنا أن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- يعد واحدًا من أولو العزم من الرسل، والذين هم: سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وسيدنا نوح، وسيدنا إبراهيم ، وسيدنا موسى، وسيدنا عيسى، وبعيدًا عن الخلاف الذي يحدد فيه درجة كل واحد منهم، فإنهم جميعًا تحملوا ما لم يتحمله أحد غيرهم في سبيل نشر دعوة الله -عز وجل- على وجه الأرض. فالعزم لغة: القصد، وعقد النية في القلب، وتحصيل الغاية، فإذا عزم الرجل على فعل شيء كان حريصًا على القيام به على أكمل وجه.
من هو سيدنا إبراهيم -عليه السلام-؟
هو نبي الله إبراهيم -عليه السلام-، له عدة ألقاب، مثل: أبو الأنبياء، والخليل، وأبو الضيفان، لأنه كان كثير الكرم، مضيافًا. ويرجع نسبه إلى سيدنا نوح -عليه السلام-، حيث يذكر في نسبه أنه إبراهيم بن تارخ (آزر) بن ناحور بن ساروغ بن راغو حتى ينتهي بسام بن نوح -عليه السلام-. ويُقال أن أم سيدنا إبراهيم “أميلة”، وقيل أيضًا أن اسمها “بونا”. وقيل أن سيدنا إبراهيم قد وُلد وكان عمر أبيه حينئذ خمسَا وسبعون عامًا، وفي مكان مولده هناك العديد من الآراء، فيقال أنه ولد في أرض الأهواز، في بلاد السوس، وقيل في بابل من أرض الكلدانيين، وقيل في بحران، وقيل في الغوطة بدمشق. لقد ذكر القرآن الكريم سيدنا إبراهيم -عليه السلام- حوالي 62 مرة، في آيات كثيرة من القرآن.
النمرود ومولد سيدنا إبراهيم -عليه السلام-
كان النمرود ملكًا جبارًا متكبرًا، وحاكمًا ظالمًا، وقد ادعى الألوهية لما رأى ما عليه قومه من الجهل والفساد، وقيل أنه قبل موعد ميلاد سيدنا إبراهيم -عليه السلام- أتي المنجمون إلى النمرود ليخبروه بقدوم فتى في القرية، سيخالف دينهم، وقالوا له أيضًا الموعد الذي يتم فيه هذا الأمر، وعندما جاء الوقت الذي ذكره المنجمون أوصى النمرود بحبس كل امرأة حامل، فإن حملت يقتلوا ولدها، ولم تكن أم سيدنا إبراهيم -عليه السلام- على علم بحملها، ولما جاء موعد ولادة ابنها ذهبت إلى كهف حتى تضعه، وتركته هناك، وكنت تأتي لتطمئن عليه، فتجده بخير، بل كان يكبر في اليوم، ما يكبر أقرانه في الشهر، وقد مكث في المغارة حوالي 15 شهر.
عبادة قومه لغير الله -عز وجل-
كان أهل بابل يعبدون الأصنام، ويتخذونها آلهة من دون الله، ويصنعونها بأنفسهم، على الرغم من كونهم في رغد من العيش، إلا أنهم كانوا في يتخبطون في ظلمات الكفر والضلال، وكان قوم سيدنا إبراهيم -عليه السلام- يعبدون الكواكب السبعة، وكانوا يضعون أصنامًا على شكل الكواكب، والقمر، والنجوم، وغيرها، فكان على كل باب من أبواب مدينتهم القديمة هيكلًا لكوكب، كما أنهم يعملون لها قرابين وأعياد، وكما ذكرنا فقد كان هناك النمرود الذي ادعى الألوهية.
نبوة سيدنا إبراهيم -عليه السلام-
لأن الله اصطفى سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، فقد نشأ منذ صغره مسلمًا، معتنقًا عقيدة التوحيد، مدركًا أن فكرة عبادة الأصنام ما هي إلا محض هراء يدعيه الناس، لا تضر ولا تنفع، وأن المستحق بالعبادة هو الله الواحد، ولم يكن مرتابًا في هذا الأمر، أو شاكًا به، بل كان مؤمنًا بالله، إيمانًا قد وضعه الله في قلبه، واستقر به، فكيف وهو نبي الله -عز وجل ورسوله- إلى قومه!
دعوة إبراهيم -عليه السلام- لأبيه آزر
كان أبو إبراهيم -عليه السلام- عابدًا للأصنام، بل ويصنعها أيضًا، ويبيعها للناس، وقد حاول إبراهيم أن يدعوه لعبادة الله، وترك عبادة الأصنام، وقد كان يدعوه بالحسنى، ونعتبر في ذلك أن الأنبياء في العموم كانوا يتصفون بحسن الأخلاق، فلم يكن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- ليدعو أباه بغير تلك الطريقة، كما أنه لم يكن يدعوه فقط بترك عبادة الأصنام، بل يقول له بالحجج كيف أنها لا تنفع ولا تضر، إلا أن آزر لم يستجب لدعوات ابنه إبراهيم ، بل بالغ في معتقداته، وعانده كثيرًا، ولم يكتف بعناده وكفره، بل هدد سيدنا إبراهيم بالرجم إن لم يقلع على ما هو عليه، وأمره بأن يعتزله ويهجره، وما كان رد إبراهيم -عليه السلام- على أبيه إلا أن قال له أنه سوف يدعو الله، ويطلب منه المغفرة لأبيه. إن رفض أبيه لم يجعله يركن عن نشر دعوة الله في قومه.
دعوة إبراهيم -عليه السلام- لقومه
أراد إبراهيم -عليه السلام- أن يبين لقومه فساد ما يعبدونه من كواكب، فأظهر لقومه أنه يعبد كوكبًا تارة، وتارة أخرى يعبد القمر، وأخرى يعبد الشمس، وفي كل مرة يُري قومه كيف أن تلك الكواكب تظهر وتغيب، فهي لا تصلح أن تكون في مقام الإله، بل إنها خُلقت كما خُلقوا، فإن الله الواحد خالق كل شيء لا ينبغي له أن يغيب، بل هو باقٍ بلا زوال، وتلك الآيات التي وردت في هذا الأمر، لا تدل على مرور سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بلحظات شكٍ أو ارتياب في دعوة الله، بل هي فقط توضح ما كان يحاج به قومه، أنهم على ضلال. وهكذا كانت حجته مع قومه في بيان عدم صلاحية كون الكواكب محل للعبادة، وقيل أن تلك المناظرة في الكواكب لأهل حران، لأنهم كانوا يعبدونها حينذاك، أما أهل بابل فقد كانوا يعبدون الأصنام.
سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وتكسير الأصنام
إن رسالة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- تقتضي أن ينشر دعوته بين الناس، ويمنع الجهل والفساد، لذا فمن بين الفساد الذي كان ينتشر عبادة الأصنام حينذاك، فبعد أن فشل في إقناع الناس بالكلام بعدم جدوى عبادة تلك الأصنام، وأنها لا تنفع ولا تضر، ولا تغنيهم شيئًا، فلجأ إلى تلك الحادثة الشهيرة عنه، وهي حادثة تكسير الأصنام، وهذا لإقامة الحجة عليهم، فانتهز فرصة خروجهم للاحتفال بعيد من أعيادهم، وذهب إلى المكان الذي فيه الأصنام التي يعبدها قومه، فوجد صنمًا كبيرًا، إلى جواره عدة أصنام صغيرة، كما وجد القرابين من الطعام وغيرها، والتي إن دلت فإنها تدل على سخافة عقولهم، وحينها خاطب الأصنام بنبرة من التهكم تعكس فكرته عنهم، فسألهم لماذا لا تأكلون، أو تنطقون؟ وحينها قام بضربهم وتكسيرهم بفأسٍ كان يمسكها، حتى أصبحت حطامًا على الأرض، إلا الصنم الكبير فيهم، فقد وضع الفأس عليه، لتكتمل حجته أمامهم، فلما رأى القوم ما حل بأصنامهم، تساءلوا فيما بينهم، فأجابهم البعض أنهم سمعوا أحدهم يعيب في تلك الأصنام، وقالوا اسم سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، وقد وصل هذا النبأ إلى النمرود.
اجتماع الناس، وإقامة الحجة
فاجتمع القوم ليشهدوا ما يقول إبراهيم ، وكان هذا جيدًا لسيدنا إبراهيم ، إذ يستطيع بهذا الأمر أن يقيم حجته أمام جميع الحاضرين، بأن الأصنام لا تضر ولا تنفع، وأنها باطلة فاسدة، ولم يكن في نية الحاضرين سمع ما يقول من قام بتكسير أصنامهم، أكثر من الانتقام منه على ما فعله من ذنبٍ عظيم، وعندما تم سؤاله هل قام بهذا الفعل من قبل؟ فكان رده أن من قام بهذا الفعل كبيرهم، فلم لا يسألوه؟ لعله ينطق فيخبرهم بالحقيقة، وكانت هذه هي حجته، فكيف لحجارة لا تنطق أو تتحرك أن تكون آلهة يعبدونها من دون الله -عز وجل-، وكان ردهم فيه من السخف ما لا علاقة له بالسؤال، بأن هذه الأصنام نعرف جميعًا أنها لا تنطق، وهنا كان رد سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بتهكمٍ آخر، أنه كيف لهذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر أن تعبدونها؟.
إبراهيم -عليه السلام-، والنمرود
وبعد أن بلغ الأمر النمرود، أمر بإحضار إبراهيم إليه، وحدثت المناظرة المعروفة، حيث كان يدعي النمرود أنه الإله المستحق بالعبادة، فكان رد سيدنا إبراهيم عليه أن الله هو الذي يحيي ويميت، ولكن قال النمرود أنه أيضًا يحيي ويميت، حيث أنه إن صدر على أحدهم حكمًا بالقتل فقد يعفو النمرود عنه، وهكذا فإنه يحيا، ولكن إبراهيم -عليه السلام- رد عليه بشيء آخر، قال له: فإن الشمس تأتي من المشرق بقدرة الله، فهل يمكنك أن تأتي بالشمس من المغرب؟ وهنا لم يستطع النمرود الرد عليه.
نجاة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- من النار
اتفق قوم إبراهيم أن يُحرقوه في النار، عقابًا له على ما فعله مع أصنامهم، ويكون قربانًا لآلهتهم المزعومة، وصنعوا نارًا عظيمة؛ وكان من الصعب عليهم أن يلقوا به في النار بأنفسهم، من شدة حر هذه النار، فصنعوا منجنيقًا حتي يستطيعوا أن يلقوا به في النار من مكانٍ بعيد، وكان سيدنا إبراهيم متوكلًا على الله، في رعايته، وكان الله حافظًا الله، فكانت معجزة سيدنا إبراهيم أن تكون النار بردًا وسلامًا عليه، فلم تحرقه، أوتمس ثيابه، بل فقط ساعدته في فك وثاقه الذي كان مربوطًا به، وعندما انطفأت النار، وانقشع دخانها، كان سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بخير حال، وعلى الرغم من هذا الأمر، لم يغيروا رأيهم بل ظلوا على كفرهم، فسبحان من بيده هداية عباده إن شاء.
مولد سيدنا إسماعيل -عليه السلام-
كانت السيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- عاقرًا، لا تلد، وقد سأل إبراهيم -عليه السلام- ربه أن يهبه ولدًا، وقد طلبت السيدة سارة ن يتزوج سيدنا إبراهيم من هاجر، وكانت جاريةً لدى سارة، فعندما تزوجها حملت منه، وبعد أن قدم سيدنا إسماعيل -عليه السلام-، فرح به أبوه إبراهيم، وكان يقضي معظم أوقاته مع هاجر وابنها، مما جعل سارة تستاء من هذا الأمر، فطلبت من سيدنا إبراهيم أن يأخذها بعيدًا، حتى لا يقع الحقد في نفسها، لأنها تخشى على قلبها، وهكذا فقد أخذ سيدنا إبراهيم زوجته، وابنه إلى أرض مكة، وكانت أرضًا بعيدة لم يزرها من قبل، وعندما وصلوا إلى أرضٍ بعيدة ليس فيها إلا الرمال، وحينها نزل ملاك على سيدنا إبراهيم ليخبره أن المسير توقف هنا، وهذا أمر ربه، هذا لم يكن الأمر فقط، بل إن الله أمر سيدنا إبراهيم أن يعود إلى فلسطين، ويترك زوجته هاجر وابنها في هذه الأرض القاحلة، إلا أن السيدة هاجر أيقنت أن فعل إبراهيم هذا ليس من نفسه، بل هو أمر من الله الذي لن يضيعهم أبدًا، وقد استودعهم إبراهيم ربه، وذهب.
قصة ماء زمزم
إن الماء الذي كان مع هاجر سرعان ما نفذ، وكان إسماعيل رضيعًا عطشًا يحتاج إلى الماء، لذا قامت هاجر لتبحث عن أي مصدرٍ للماء، حتى تنقذ صغيرها، وكانت ترى سرابًا فتظنه ماء فتذهب باتجاهه، فتقلق على صغيرها فترجع إليه، خوفًا من يكون حيوانًا قد التهمه، لتجده ما زال يبكي، وهكذا مرارًا وتكرارًا، وكان المكان الذي تعدو فيه ذهابًا وإيابًا هو الصفا والمروة، وفجأة توقف صوت بكاء سيدنا إسماعيل -عليه السلام-، لتجد أن عين ماءٍ تفجرت بقدرة الله تحت قدمي الصغير، وكان هذا هو اليقين الذي في قلب هاجر من أن الله لن يضيعهم أبدًا. وكان هذا بداية بئر زمزم.
قصة الذبيح
لقد ذكرنا أن سيدنا إبراهيم لم يكن له ولدًا حتى تزوج السيدة هاجر، ورزقه الله إسماعيل -عليه السلام-، وكان هذا بمثابة فرحة كبيرة، لسيدنا إبراهيم ، ولكن حدث أمر جعل سيدنا إبراهيم في موضع ابتلاء كبير من الله -عز وجل-، إذ جاءته في المنام رؤيا، وكان يري فيها أنه يقوم بذبح ابنه، ونعلم أن رؤيا الأنبياء حق، وقد تكررت تلك الرؤيا أكثر من مرة، حتى أيقن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- أنها أمر من الله -عز وجل-، وعندما عرض هذا الأمر على ابنه، لم يعترض بل سر بهذا الأمر، فهذا إسماعيل نبي من أنبياء الله، كيف له أن يعترض على أمر الله، وهذا الأمر أدخل الطمأنينة على قلب أبيه، وحينما ذهب إبراهيم ليذبح ابنه إسماعيل، أراد إبراهيم أن يذبح ابنه من قفاه حتى لا يرى عينيه أثناء الذبح، وحينها سمى وكبر، وتشهد الولد، وحينها فدى الله إسماعيل -عليه السلام- بذبح عظيم، دلالة على نجاح سيدنا إبراهيم -عليه السلام- في اختبار آخر من اختبارات الله المتكررة له، وكان له الحق في أن يكون من أولي العزم من الرسل، نتيجة لما بذله من تضحية في من أجل تنفيذ أمر الله -عز وجل-.
فكما نرى أن سيدنا إبراهيم قد واجه الكثير من الأوامر التي ما إن عرضت إلى أي حد لن يستطع أن يتحملها، ولكننا نتكلم هنا عن نبي الله، اصطفاه وصنعه على عينه، ليس كمثل أحدٍ من البشر، فمن يتحمل أن يقف أمام أبيه، أو قومه، وهو يعلم ما سوف يصنعون به؟ من يتحمل أن يقف أمام حاكم ظالم، وهو يعلم أنه ربما يقتل بأشنع الطرق؟ ولكن إيمان الله الذي زرعه بفضله في قلب سيدنا إسماعيل أعانه على تقبل النيران، وأعانه على قبول ترك ولده الذي جاءه بعد طول اشتياق في الصحراء، وأعانه على ذبحه أيضًا امتثالًا لأوامر الله، فسبحان الذي يصطفي أصحاب الرسالات، نسأل الله العظيم أن يستعملنا ولا يستبدلنا. آمين.
أضف تعليق