تسعة
الرئيسية » دين » كيف انتصر المسلمون في غزوة الخندق بالحيلة والعمل؟

كيف انتصر المسلمون في غزوة الخندق بالحيلة والعمل؟

غزوة الخندق واحدة من أكبر الغزوات الإسلامية التي خاضها المسلمون ضد المشركين، واستطاع المسلمون أن ينتصروا فيها بالحيلة والعمل على المشركين، لذا في هذا المقال سنتعرف أكثر على غزوة الخندق .

غزوة الخندق

غزوة الخندق من أكبر وأشهر غزوات المسلمين ضد الكافرين، وهي من أكبر الملاحم التي حدثت في التاريخ، فكما نعلم إن غزوات الرسول –صلى الله عليه وسلم- ضد المشركين، لا تعد مجرد غزوات قام بها فريق ضد فريق، بل إن تلك الغزوات تميزت بالطابع الملحمي في تغير مجرى الأحداث، وفي القصة، إن غزوات المسلمين لم تكن نتائجها موافقة للعدة أو للعتاد أو لأي من حساباتنا نحن، بل كانت نتائجها غاية في الخيال الذي لا يتوافق مع النتائج المتوقعة، الأمر الذي يشير بالتأكيد أن للمسلمين سلاح خفي يعينهم، أو يستعينون به دومًا، إن كلمة الحق تعطي المرء قوة ليست بعدها قوة، أنا أعلم أن الفكرة في العقل كالسرطان، سواء كانت صحيحة أو خاطئة، فقد تتوغل في عقلك فتغيبه عن الحقيقة، وقد تموت دفاعًا في سبيلها، أنا أعلم كل هذا، وقد يكون هذا حال المشركين ممن طبع الله على قلوبهم، فعماهم عن الحق، فماتوا دفاعًا عن فكرة خاطئة، ولكن ما أجمل أن تموت دفاعًا عن فكرةٍ صائبة، وما أجمل أن تكون تلك الفكرة في سبيل الله، فتكون يد الله معك، وهي الكلمة العليا، وهذا يفسر تمامًا ما كانت عليه غزوات المسلمين من الملحمية، ونعرض اليوم غزوة الخندق التي استطاع المسلمون فيها الانتصار على الكافرين بالحيلة والعمل.

ما معنى الغزوة؟

الغزوة في معناها اللغوي هي من غزا يغزو، وهي اسم مرة من هذا الفعل، وهي تأتي بعدة معاني، مثل: قصد مهاجمة الأعداء في ديارهم، ومن هنا جاء معنى الغزوة الاصطلاحي الذي هو عبارة عن المعارك التي يقف فيها فريقين في مواجهة بعضهم، وغزوات الرسول-صلى الله عليه وسلم- هي تلك الغزوات التي خرج الرسول فيها مع أصحابه من أجل مواجهة الكافرين، سواءً قاتل فيها المسلمون أم لم يقاتلوا، ولكن اشتهر معنى الغزوة بخروج الرسول –صلى الله عليه وسلم-، فكانت الغزوات تخرج بقيادته –صلى الله عليه وسلم-، وقد انتصر المسلمون في جميع الغزوات، هذا بخلاف غزوة أحد التي تحول فيها مجرى الأحداث من بعد انتصار المسلمون إلى هزيمتهم بسبب عصيان الرماة، ومن تلك الغزوات: الأبواء، بواط، العشيرة، غزوة بدر الكبرى، والصغرى، غزوة أحد، غزوة بنو سليم، غزوة بنو قينقاع، غزوة السويق، غزوة بحران، غزوة حمراء الأسد، غزوة بنو النضير، غزوة الرقاع، غزوة الآخرة، غزوة دومة الجندل، غزوة بنو المصطلق، غزوة ذي قرد، غزوة بنو لحيان، غزوة بنو قريظة، غزوة خيبر، عمرة القضاء، غزوة الطائف، غزوة حنين، و غزوة الخندق .

ما معنى السرية؟

السرية لم تكن تُقاد من قبل الرسول –صلى الله عليه وسلم- بل كان يقودها أحد الصحابة، وكان لكل خروج للمسلمين سواء مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أو بدونه أهمية كبيرة جدًا من أجل الدفاع عن الإسلام، بغض النظر عن الأسباب المميزة لكل غزوة أو سرية، وكان من تلك السرايا التي قام بها المسلمون: سرية سيف البحر التي خرجت بقيادة سيدنا حمزة بن عبد المطلب –عليه السلام-، والتي حدثت في السنة الأولى من الهجرة، وسرية رابغ، والتي خرجت بقيادة سيدنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب –عليه السلام-، وكانت في السنة الأولى من الهجرة أيضًا، وسرية الخرَّار، والتي خرجت بقيادة سيدنا سعد بن أبي وقاص –عليه السلام-، وكانت أيضًا في السنة الأولى من الهجرة، وسرية “ذخلة” والتي حدثت في السنة الثانية من الهجرة، وكانت بقيادة سيدنا عبد الله بن جحش الأسدي –عليه السلام-.

ما سبب غزوات المسلمين؟

إن الجهاد في سبيل الله كان عقيدة المسلم ما إن يتلفظ الشهادتين، فقديمًا لم يكن الإسلام مجرد دين يدخلونه فينعمون بالسلام كما ننعم به الآن، بل أن الدخول في الإسلام كان له تبعاته وعواقبه، فمجرد الإيمان بالله وحده كان يضع المرء في مخاطرٍ لا يستطيع أحد أن يتصدى لها، فكان كل من دخل في دين الله –عز وجل- كان يعلم هذا الأمر، كما أن المسلمون الأوائل لم يكتفوا بالدخول في الإسلام فقط، بل قدموا كل تضحية ممكنة من أجل نشر راية الإسلام، فبذلوا أرواحهم، وأموالهم، وأولادهم، وكانت غزوات الرسول –صلى الله عليه وسلم- واحدة من تلك التضحيات التي بذلها المسلمون من أجل الدفاع عن الحق، ومن أجل نشر الإسلام، وكان لكل غزوة من تلك الغزوات أسبابها، ونتائجها، ودروسها المستفادة، وتضحياتها، ومكاسبها، وفي هذا المقال سنأخذ غزوة الخندق كمثال على غزوات الرسول –صلى الله عليه وسلم-.

ما هو الخندق في اللغة؟

الخندق أو الأخدود مفرد لكلمة خنادق، وهو عبارة عن حفرة قد تكون ضئيلة، وقد تكون عميقة، والذي قد يحفر في الحروب مثلًا حتى يعمل كواقي للجنود في مواجهة الأعداء، يستترون بها من أي قصف مثلًا، وقد يُملأ بالماء،  ومنها جاءت غزوة الخندق ، بعيدًا عن سبب التسمية الذي سيتم ذكره فيما بعد, وقد تأتي كلمة خندق فعلًا، فعندما يقال خندق الرجل: تعني حفر الخندق. وقد تحفر الخنادق لأسباب أخرى غير الحروب، مثل: علم الأرض، واستكشاف الآثار، والمعادن، وفي بناء الطرق.

الخنادق الطبيعية

أما بالنسبة للأخاديد الطبيعية، مثل الأخاديد المحيطية، فهي تحدث بسبب حركة الصفائح التكتونية مع بعضها، نتيجة درجة الحرارة، والضغط المرتفعة الذي تكون عليه الصخور تحت هذا الصفائح، وهذه الصفائح بسبب هذه الحرارة، وحالة تلك الصخور الشبيهة بالزبد، فإنها تتحرك حركات بطيئة لا تزيد عن السنتيمترات كل عام، ولكن عندما تقترب صفيحتان من بعضهما، فإن واحدة تكون فوق الأخرى، حسب درجة الكثافة في كل واحدة، فالصفيحة الأكثر كثافة تهبط لأسفل، وبالتالي فإنها تنصهر بسبب درجة الحرارة العالية، وبسبب السمك الكبير للصفيحة المنصهرة، والذي قد يقدر بعشرات الكيلو مترات، فإنها خنادق أو أخاديد ضيقة، مثل: خندق ماريانا، والذي يعتبر أعمق أخدود محيطي، والذي يصل إلى حوالي 11 ألف متر عمقًا تحت سطح الماء.

غزوة الخندق باختصار

أو غزوة الأحزاب، هي أحد الغزوات التي انتصر فيها المسلمون على الكافرين، وكان السبب الرئيسي في هذه الغزوة أن يهود بني النضير قد نقضوا العهد المقطوع مع المسلمين، كما حاولوا قتل الرسول –صلى الله عليه وسلم-، فقام المسلمون بحصارهم، ولهذا ازدادت العداوة بين الفريقين، وزاد كيد اليهود للمسلمين، وبدؤوا في تجميع فريق من القبائل العربية من أجل محاربة المسلمين، والنيل منهم، والقضاء عليهم، حيث استطاعوا استمالة تلك القبائل من خلال المصالحة المشتركة التي تجمعت مع بعضها وأصبحوا فريقًا واحدًا، وكانت تلك القبائل: قريش، وكنانة، وغطفان، وكان فيهم: بنو مرة، وسليم، وبنو أسد، وفزارة، وأشجع، وانضم إليهم يهود بنو قريظة الذين نقضوا عهدهم مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أيضًا. وعندما علم المسلمون بهذا التحالف قاموا بتحصين المدينة عن طريق حفر أخدود أو خندق حولها، وكانت هذه فكرة “سلمان الفارسي”، وبالفعل نجحت تلك الفكرة، حيث منعت أحزاب المشركين من دخول المدينة، ولهذا سميت غزوة الخندق بغزوة الأحزاب، وانتصر فيها المسلمون على الرغم من الأذى الذي تعرضوا له بسبب الحصار الذي فرضه عليهم الكافرون لمدة ثلاثة أسابيع.

غزوة الخندق كاملة

كانت غزوة الخندق في شهر شوال في السانة الخامسة من الهجرة، المقابل لشهر مارس من عام 627م، وسنتحدث باستفاضة عنها، بعرض أسبابها، ونتائجها، وأحداثها، ولكن قبل التعرض لتلك التفاصيل، سنعطي نبذة أولًا عن يهود بني النضير، والذين كانوا السبب الرئيسي في غزوة الخندق.

من هم يهود بني النضير؟

كان يهود بنو النضير قبيلة يهودية، وكانت تسكن المدينة، أي غرب شبه الجزيرة العربية، حتى القرن السابع الميلادي، حيث قام رسول الله محمد –صلى الله عليه وسلم- بطردهم منها بعد أن عاشوا فيها لقرون، وقبل أن يخرجوا قاموا بهدم بيوتهم، وأخذ كل شيء يستطيعون أخده، وتفرقوا منهم من نزل خيبر، ومنهم من نزل جرش. وكان سبب العداوة الأول أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قد بعث أربعون رجلًا من الأنصار لنشر الإسلام في نجد، ولكنهم قاموا بقتلهم جميعًا عدا واحدًا قام بقتل اثنين منهم من بني عامر، انتقامًا لأصحابه، ولهذا فقد ذهب إليهم الرسول –صلى الله عليه وسلم- من أجل التفاوض في دفع الجزية، وحينها قام اثنان من اليهود بإلقاء حجر ضخم أعلى الرسول –صلى الله عليه وسلم-، إلى أنه نجا بفضل الله، وخرج من المكان، وبعدها بعث الرسول –صلى الله عليه وسلم- إلى محمد بن أبي سلمة، حتى يخرج اليهود من المدينة، ولكن أحد المنافقين وهو عبد الله بن أبي منعهم من الرحيل، ولهذا قاتل المسلمون اليهود قتالًا استمر حوالي عشرين  ليلة، وأُجبر اليهود في النهاية على الرحيل من المدينة.

من هم يهود ينو قريظة؟

هم أحد القبائل اليهودية التي كانت تعيش في المدينة قبل دخول الإسلام فيها، وبسبب رفضهم للدخول في الإسلام، قام الرسول –صلى الله عليه وسلم- بوضع عهد يلتزمون به، ولكنهم نقضوا هذا العهد أيضًا.

أسباب غزوة الخندق

لقد ذكرنا سريعًا السبب الرئيسي لغزوة الخندق والذي كان بسبب نقض يهود بني النضير للعهد المقطوع بينهم وبين المسلمين، الذين حاولوا قتل الرسول –صلى الله عليه وسلم- بعد أن قتلوا أربعون رجلًا من الأنصار، الذين كانوا يحاولون نشر الدين في هضبة نجد، ولكن بعد محاولتهم قتل الرسول –صلى الله عليه وسلم-، قام الرسول بإعدادٍ جيش، وحاصرهم حتى استسلموا، وخرجوا من ديارهم، ولهذا السبب أراد بنو النضير الانتقام لهذا الحدث، وقاموا بتحريض القبائل الأخرى التي كانت تعادي الإسلام والمسلمون، حيث خرج “حيي بن أخطب”، و”سلام بن الحقيق”، و”ربيع بن الحقيق”، و”كنانة بن الربيع”، وغيرهم، إلى مشركي قريش، لتحريضهم على قتال المسلمين، بعد أن أجلاهم الرسول –صلى الله عليه وسلم- من المدينة، فتجمعت تلك المصالح المشتركة من أجل محاربة الرسول –صلى الله عليه وسلم-.

قبائل الأحزاب

جمع المشركون جيشًا بالتحالف مع قبيلة قريش، والأحابيش من كنانة، وقبيلة غطفان، وفيها أشجع، وفزارة، وبنو مرة، وبنو أسد، وبنو سليم حلفاؤهم، بعد هذا انضمت إليهم بنو قريظة وقد نقضت عهدها أيضًا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ولهذا سميت غزوة الخندق بغزوة بالأحزاب، لأن الأعداء لم يكونوا فريقًا واحدًا، بل عدة فرق تجمعت ضد المسلمين. وكان عدد جيش المشركين حوالي عشرة آلاف مقاتل، على رأسهم أبو سفيان للقتال.

أحداث الغزوة

خرجت قريش للقتال على رأسها “أبو سفيان”، وخرجت غطفان وعلى رأسها “عينية بن حصن”، وكان على رأس بنو مرة “الحارث بن عوف”، وعلى رأس أشجع “مسعر بن رخيلة”، وعندما وصل خبر تحالف المشركين ضد المسلمين، كان عدد جيش المسلمين حينها ثلاثة آلاف مقاتل، وقد أشار “سلمان الفارسي” على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يضرب خندقًا، وكانت تلك أحد الفنون الحربية التي كان يقوم بها الفرس أثناء القتال، إذ كانوا يقومون بهذا الأمر إذا حوصروا من قبل أعدائهم، وقد استطاع المسلمون أن يقوموا بحفر الخندق، وكان هذا الخندق طويلًا جدًا، حيث قسم المسلمون عملية الحفر عليهم، فكان كل عشرة رجال يحفرون أربعين ذراعًا، ومن الطريف أن تلك الفرق من رجال المسلمون كانوا يتهافتون على سلمان كي يقوم بالحفر معهم لقوته، وصبره، فكان الأنصار يقولون سلمان منا، وكان المهاجرون يقولون هذا أيضًا، وقد استغرق حفر الخندق حوالي 15 يوم.

معجزة النبي –صلى الله عليه وسلم- في غزوة الخندق

ولقد حدثت معجزة نبوية عظيمة في غزوة الخندق ، حيث كان المسلمون أثناء عملية الحفر خرجت لهم صخرة تسمى صخرة “المروة” لم يستطيعوا كسرها، بل هي التي كسرت حديدهم، ولكن الرسول –صلى الله عليه وسلم- استطاع أن يكسرها بضرباتٍ ثلاث، أخرجت برقًا في كل ضربة من تلك الضربات، وفي كل برقٍ رأى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قصرًا من قصور الدول العظيمة، والتي كانت تلك بشرى بفتحه لهذا البلاد فيما بعد، فكانت تلك قصور الحيرة والمدائن مع البرق الأول، وقصور الشام مع البرق الثاني، وقصور صنعاء مع البرق الثالث، أو الضربة الثالثة. وكانت أيضًا من معجزات الرسول-صلى الله عليه وسلم- أن كثر طعام “جابر بن عبد الله- فاستطاع المسلمون أن يأكلوا منه، وكان عددهم ألفًا، وبقي منه أيضًا لأهل بيته.

حصار المدينة

كان المشركون يتوقعون أن يقابلهم المسلمون في ساحة قتال، كما فعلوا من قبل في غزوة أحد، ولما أراد المشركون أن يقاتلوا، خرج “عمر بن ود”، و”عكرمة بن أبي جهل”، و”نوفل بن عبد الله”، وعندما وقفوا على الخندق ظنوا أن هذه مجرد مكيدة قام بها المسلمون، وبحثوا عن ممر ضيق في الخندق حتى يعبروا منه إلى المدينة لقتال المسلمين، وبالفعل قد اقتحمت بعض الخيل، ولكن خرج سيدنا –علي بن أبي طالب- مع بعض المسلمين، وقاموا بسد تلك الثغرة عليهم، وقاموا بقتالهم، وعادوا منهزمين، وعندما حاول نوفل اجتياز الخندق سقط فيه، ورموه المسلمون بالحجارة، ولكنه نادى فيهم أن يقتلوه، خير من هذه القتلة، فنزلوا إليه ليقتلوه.

جنود الله في غزوة الخندق

أرسل الله –عز وجل-  جنديًا ساعد كان سببًا في انتصار السلمون في غزوة الخندق ، وكان هذا الجندي هو “نعيم بن مسعود”، وكان يهوديًا قد أسلم، ولكن لم يعرف عنه أحد غير المسلمين، فذهب إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يعرض عليه المساعدة، ولكن لم يأمره الرسول بشيء معين، بل ترك إليه أن يقوم بما يستطيع أن يفعله، فاستطاع بالحيلة أن يوقع العداء بين جيوش الأحزاب، حيث ذهب إلى اليهود، وأخبرهم بأن قريش إن هُزمتم أما جيش المسلمين، فلن فهم في مأمنٍ على أموالهم، وأولادهم، وسيرجعون إلى ديارهم، ويتركوكم أما جيش المسلمين ليقتلوكم، وذهب إلى قريش وأخبرهم أن اليهود قد ندموا ورجعوا إلى محمد وأتباعه، وذهب إلى قبيلة غطفان، وقال هذا الكلام أيضًا، فحدث شقاق بين صفوف الأحزاب، وهذا بسبب أن “نعيم بن مسعود” كان أمامهم يهوديًا، مصدقةٌ كلمتهم عند اليهود، وقد ذهب إلى قريش بكلامٍ لن ينكروه أبدًا. وكان من جنود الله أيضًا في غزوة الخندق ، أن أرسل الريح، وكانت قاسية شديدة البرودة، واقتلعت خيامهم، وأطفأت نارهم، وقلبت قدورهم، وكانت هذه الرياح سببًا شديدًا في قرار العودة وفك الحصار.

نتائج غزوة الخندق

وبهذا فقد استطاع المسلمون أن ينتصروا على المشركين، بعون الله ومعيته، وبالحيلة والعمل، دون حاجةٍ لقتال يذكر، ودون خسائرٍ فادحة أو أي صورةٍ لهزيمة، الحمد لله، وقد قُلب وضع المسلمين من الدفاع إلى الهجوم، وقامت هذه الغزوة بكشف الأعداء الحقيقين، فظهرت العداوة الحقيقية لبني قريظة، حيث قاموا بنقض العهد مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في أصعب الأوقات، وجاءت غزوة بنو قريظة، والتي كانت من نتائج غزوة الأحزاب.

غزوة الخندق للأطفال

إن السيرة النبوية، وغزوات الرسول من المهم جدًا أن تُحكى للأطفال، أن يتعلموا دينهم عن طريقة سيرة نبيهم –صلى الله عليه وسلم- ليفهموا عظمة الدين، وأنه لم يأتي هباءً أو من اللاشيء، بل جاء عن طريق تضحيات، وجهاد، وبذل نفس وأموالٍ وأولاد، لذا فإن تربى الطفل على السيرة النبوية، سيكون من السهل جدًا تربيته، وغرز القيم والأخلاق في شخصيته، فإن السيرة تجمع بين تشويق القصة، وروعة الخيال، مع وجود الدروس المستفادة، وما أكثرها فيها، ولكن يجب أن نعلم أن الكثير من التفاصيل سيكون من الصعب على الطفل أن يفهمها، أو يُدركها، لذا فإنه يجب أن يتأكد من يقوم بسرد القصة أنه يسردها بما يتناسب مع عقلية الطفل، فمثلًا عند سرد قصة غزوة الخندق للأطفال ، فإن أكثر ما يجب التركيز عليه سببها وهو نقض اليهود للعهد، والتحالف الذي قاموا به، وما فعله المسلمون من حيلة وعمل، فقيامهم بحفر الأخدود كان عملًا شاقًا عليهم، كما أن الحيلة التي قام بها الصحابي المسلم “نعيم بن مسعود” والتي أدت إلى تفرقة صفوف الأحزاب، وتدخل جنود الله من الرياح وغيرها من المعجزات كانت سببًا في نصر المسلمين، ويشاء الله أن ينتصروا دون قتالٍ، مع الأخذ في الاعتبار قلة عدد جنود المسلمين بالمقارنة بجنود الكافرين، فمن كان معه الله، فمن عليه؟

عظمة التاريخ الإسلامي والسنة الإسلامية

سنجد أن كل حدث تاريخي في السيرة النبوية، أو في قصص الأنبياء عمومًا فيها من العبرة والعظة ما ننتفع به في حياتنا بأكملها، سنجد أن كلام الله –عز وجل- وكلام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فيه ما نسترشد به في حياتنا، فقد نظم الإسلام حياتنا بأكملها، فمن المستحيل أن تجد نقص في الإسلام أو في بناء الدولة الإسلامية، فكان الإسلام جامعًا تامًا، منهاجًا للحياة بأكملها، فكما خلق الله –سبحانه وتعالى- السماء دون نقص أو خلل، فقد جاء إلينا بالإسلام كذلك، والتاريخ الإسلامي حافل بالدروس والمواعظ التي يتعظ بها الكبار قبل الصغار، إن فيها من الخيال والتشويق ما يعجز عن التوصل إليه أعظم كاتبٍ للخيال العلمي، مع فارق أن تلك ليست بفانتازيا خارقة، بل إنها حقيقة تامة، لا خلاف عليها. و غزوة الخندق جاءت إلينا بأعظم الدروس، لم تأتِ السيرة لتوضح لنا مثلًا أن القوة هي التي استطاع المسلمون بها التغلب على المشركين، بل أكدت لنا أن القوة ليست كافية، بل أن هناك دومًا قصورًا في القوة والعدد ما داموا في صف أعداء الله، وأن نصر المسلمين يرشد إلى أنهم لا يركنون، ولا يستسلمون رغم قلة عددهم، بل يتوكلون على الله، فإن شدة إيمانهم به هي التي مكنتهم على أعدائهم، وجعلتهم يظفرون دائمًا بالنصر عليهم، فنسأل الله معيته وعونه، أن يصلح شئوننا، ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

ولكن يجب فهم دائمًا أن وضع المسلمين وقت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مختلف، بالتأكيد نحن نتوكل على الله، ونستعين به في كل شيء، ولكن أن تترك العمل والجهد،والسعي، وتقول أن على الله أن يرزقني لقوة إيماني به! فهذا أشبه بانتظار الماء أن يأتي إليك وأنت نائم! كما أنه تواكل، وليس توكل، وتهكم قبيح، سنجد أن المسلمين في كل غزوة وكل مشهد من مشاهد السيرة قد بذلوا من الجهد والمال والتضحيات ما يعجز عنه الكثيرون، بل ما يستطيع أن يفعله القلة القليلة، فيجب أن تتفكر دائمًا فيما تفعل، وأن تعمل وتتوكل على الله، لا أن تتوكل على الله دون سعي أو عمل.

رقية شتيوي

كاتبة حرة، خريجة جامعة الأزهر، بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، قسم اللغة العربية.

أضف تعليق

2 × واحد =