تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » حياة زوجية » كيف نشأ الخلاف حول ضرب الزوجة وهل هو أمر صحي أم لا؟

كيف نشأ الخلاف حول ضرب الزوجة وهل هو أمر صحي أم لا؟

ضرب الزوجة واحدة من الأمور التي يقوم بها الزوج تجاه زوجته بقصد تعنيفها، وفي أغلب الأحيان يكون ذلك الضرب هدرًا لحقوق الزوجية.

ضرب الزوجة

مما لا شك فيه أن ضرب الزوجة من زوجها أمر لا يقبله شرع ولا عقل كذلك، فحتى الأطفال تبين أن ضربهم لا يؤدي إلى أي تقدم يُذكر، فما بالكم بضرب امرأة عاقلة بالغة، من المفترض أنها مسئولة عن أسرة، وطبعًا يكون ذلك الضرب مثل ضرب الأطفال تمامًا، بل هو أشد، حيث يعتقد الزوج أن زوجته مجرد طفلة بالنسبة له، والطفل عندما يُخطأ فإنه يُصبح مُستحقًا للعقاب، وهذا هو الشيء الأسوأ في عملية الضرب هذه، حيث أنها تدل دلالة واضحة على أن الزوج لا يحترم زوجته ولا حتى العلاقة الزوجية، وطبعًا عدم الاحترام هذا يُهدد العلاقة الزوجية واستمرارها، كما أنه يدل على أنها قد بدأت بطريقة خاطئة، عمومًا، نحن الآن لا نتحدث عن العلاقات ككل، وإنما يهمنا الآن أمر واحد يحدث داخل تلك العلاقات، وهو ضرب الزوجة ، فما هو المقصود به؟ وكيف نشأ الخلاف حوله؟ وهل هو أمر صحي أم لا؟

ضرب الزوجة

لا يتوقف ذلك الفعل الذي نتحدث عنه على ماهية الشخص أو ثقافته أو حتى دينه وعاداته وتقاليده، فكل ما هنالك أن الرجل لا يزال يرى أن المرأة هي المخلوق الضعيف المُخطئ، وأنه المخلوق القوي الذي لا يُخطأ، الأدهى أنه يعتبر دائمًا أن المرأة عبئًا عليه، بل وعلى البشرية بأكملها، لذلك فإنه لا يجد أي سبب يجعله يتوقف عن ضربه عن خطأها، وحتى لو لم تخطأ، فإن فكرة فرد سيطرته عليه قد لا تتجسد سوى في هذا الفعل، وخاصةً إذا كانت تلك المرأة هي زوجته.

بدأ الزوج يضرب زوجته منذ أن شعر أنه قادر على ذلك وأنها تستحق فعلًا، فإياكم والظن أن تلك العادة حديثة أو أنها من إفرازات إنسان العصر الحالي، فكل إنسان في كل زمانٍ ومكان كان يضرب زوجته وينكل بها، ومع أنه ليس قاعدة أن يضرب كل رجل زوجته، بل هي نسبة تكاد لا تتجاوز الثلاثين بالمئة، إلا أن التاريخ قد شهد على ما هو أعظم من الضرب، وهو فعل القتل، فما هي يا تُرى الأسباب التي قد تجعل الزوج يضرب زوجته؟

أسباب ضرب الزوجة

ببساطة شديدة، وفي المقام الأول من أسباب تلك الفعلة، نجد أن الشعور بالنقص أو الضعف أمام المرأة سببًا كبيرًا يجعل الرجل يضربها، فقد تكون الزوجة أكثر ذكاءً منه، أو حتى أكثر عملًا وجهدًا وقبولًا في الوظائف ذات الأموال الكثيرة، وهذا تحديدًا نراه الآن، فلا يجد الزوج في مثل هذه المواقف سوى التحجج بأي شيء وجعله زريعة لضرب زوجته، وعلى النقيض تمامًا، نجد أن استضعافه لها وإدراكه لحقيقة كونها مخلوق ضعيف سببًا في ضربها أيضًا، بمعنى أدق، إذا كان الرجل سيئًا فإن زوجته ستضرب منه، سواء كانت ضعيفة أم قوية وناجحة.

أيضًا من الأسباب المنطقية التي قد تجعل الشخص يضرب زوجته عدم طاعته وتنفيذ أوامره، خاصةً إذا كانت تلك الأوامر غير قابلة للإهمال وعدم التنفيذ، وهناك أيضًا الغضب، فهو كذلك يُعتبر مبررًا قويًا لضرب الزوجة، فهناك بعض الرجال الذين لا يكونون قادرين على السيطرة على أنفسهم وقت الغضب، لذلك تجده يطيح في هذا وذاك، وبكل أسف تسقط الزوجة ضحية في مثل هذه الحالات.

ضرب الزوجة وإهانتها

في أغلب الحالات لا يكتفي الرجل بضرب زوجته فقط، بل إنه يقوم كذلك بإهانتها والتقليل من شأنها، وهذا هو الشيء الأسوأ في تلك الأفعال، حيث أن الزوجة تُعتبر في الأصل عضو جديد على أسرته، كل علاقته بها قد لا تكون متجاوزة السنوات المعدودة على أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك نجده يقوم بضربها وإهانتها، هو لا يعرف أنه قبل هذه السنوات كانت تلك الزوجة التي يضربها أشبه بالملكة في بيت أبيها، لذلك، حتى وإن كان الضرب يؤلم الزوجة جسديًا، فإن الإهانة التي تصحب ذلك الضرب تؤلمها نفسيًا، وطبعًا نحن نعرف الألم النفسي وما يُمكن أن ينتج عنه من عواقب، لكن ثمة أمر آخر هام يجب أن نعرفه، وهو الخلاف القائم حول ضرب الزوجة من زوجها.

الخلاف حول ضرب الزوجة

ثمة خلاف كبير نشب وينشب وسينشب حول ضرب الزوج لزوجته، فالمسألة في النهاية راجعة إلى النصوص التي ذُكرت في الكتب السماوية وإجازة بعضها للأمر في حدود، لكن القوانين الحديثة وخاصةً الغربية تجعل الأمر منهي عنه تمامًا، فالاعتداء على الزوجة يُعد جريمة، وهذا أيضًا ما تقول به الأديان، لكن في بعض الأحيان يُمكن أن يكون الضرب بدافع التأديب وإحداث حالة من التغير في الشخص الآخر، فالسلوكيات ليست جميعها تتحسن بالحديث المعسول، ثمة البعض منها يُحسن فقط بالضرب، وهذا كان سببًا شديدًا في الخلاف حول ضرب الزوجة، لكن، لكي نجعل الأمر أبسط مما يجب، دعونا نتناول الحكم الشرعي لضرب الزوجة.

حكم ضرب الزوجة

بكل تأكيد نهت جميع الأحكام الشرعية عن أذية المسلم لغيره، وتلك الأذية تشمل الضرب، وتشمل المضروبين مهما كانوا، حتى ولو وصلوا إلى مرتبة الزوجة، لكن، هذا لا يمنع بالطبع من أنه ثمة حالات أجاز فيها الإسلام بنصوص قرآنية ونبوية ضرب الزوج لزوجته، لكنه حدد بعض الضوابط التي يجب من خلالها تنفيذ ذلك الضرب، وعلى رأس تلك الضوابط المرور بالتدرج السليم حتى الوصول للضرب.

المرور بالتدرج السليم

بالنسبة للزوجة العاصية فلم يُحلل الشرع للزوج ضربها بطريقة مباشرة، وإنما أمر بأن يمر الزوج بالتدرج السليم الصحيح، والذي يبدأ بالوعظ مرورًا بكافة طرق الإصلاح الممكنة دون استخدام الضرب، وإذا فشل كل ذلك فإنه يكون من غير المنطقي استخدام الحل الأخير في قائمة الحلول، وهو الضرب.

ضرب غير مبرح

من شروط ضرب الزوجة أيضًا حتى يُمكن إدراجه تحت بند المباح من الشرع أن يكون الضرب غير مبرح بالمرة، فلا يُمكن مثلًا أن يضرب الزوج زوجته ضربًا داميًا أو كاسرًا للعظام، أو حتى يؤدي إلى تأثير بأي شكل من الأشكال على جمالها وبشرتها، بل إن هناك من يقول إن الضرب يُمكن أن يتم بالسواك، وفي هذه إعمال للغاية من الضرب المشروع، وهي تسجيل الحالة والإخبار باستحقاق الزوجة للضرب، أما الضرب الآخر الذي يحدث فيها كسر وتشويه فهو ضرب غير مشروع أبدًا، بل إنه قد يُعتبر اعتداء صريح.

عدم قصد التعذيب

شُرع ضرب الزوج لزوجته من أجل التأكيد على التأديب، لذلك فإنه عندما يتم ضرب الزوجة بغل ويتم إحداث بعض المشاكل الجسدية والشكلية بها فإن هذا يعني أن ما حدث هو التعذيب، والحقيقة أن ذلك التعذيب إذا كان مقصودًا وبه شبهة إساءة من الزوج وقصد كسر زوجته ولو حتى نفسيًا فإنه يُعتبر أمر مرفوض تمامًا، ولا يدخل تحت ضرب الزوجة الذي أجازه الشرع، فالشارع عندما يُشرع يُحدد جيدًا كيفية تنفيذ الحكم بالطريقة الصحيحة.

محاولة تجنب الأمر قدر الإمكان

قبل الضرب يجب على الزوج أن يبذل قصارى جهده حتى لا يلجأ إليه، فثمة بعض الطرق التي يجب تجريبها أولًا مثل الهجر، والحقيقة إن أصعب شيء على الزوجة أن يقوم زوجها بهجر فراشها مهما كانت الأسباب، وكذلك عدم تناول طعامها أو ملامستها، ثم في النهاية يأتي الضرب إذا لم تحدث النتيجة المرجوة والمستهدفة.

حكم ضرب الزوجة الحامل

بالنسبة للزوجة الحامل فإنه من الممنوع تمامًا المساس بها وضربها خلال هذه الفترة الحرجة، فحتى لو لم يتم تحكيم الشرع أو القانون فإن العقل يقول إن أذية المرأة التي تعيش في فترة الحمل قد تتسبب في الكثير من المشاكل، وعلى رأسها حدوث النزيف الذي قد يؤدي إلى فقدان الجنين، وإياك أن تعتقد أيها الزوج أنك خلال الضرب سوف تراعي مثل هذه الأمور وتقوم بالضرب في الأماكن التي لا تتضمن الأذية، فعند ضرب الزوجة يكون الغضب حاضرًا، وحضور الغضب يعني حضور الشيطان، وبالتأكيد لا أحد يضمن مكر الشيطان وما يكيده للناس.

من الناحية الشرعية فإن ضرب الزوجة بالطبع غير مقبول، فمهمة الإسلام الأولى هي الإنسانية والحفاظ عليها، وأنت عندما تضرب زوجتك تكون في هذه الحالة مهددًا لحياتين في وقت واحد، حياة الزوجة وطفلها، فهل تعتقد أن الإسلام يسمح لك بفعل ذلك؟ بالتأكيد لا وألف لا.

هل ضرب الزوجة أمر صحي؟

في الحقيقة أننا إذا أردنا الإجابة على ذلك السؤال فإن علينا أولًا تنحية كل شيء ذكرناه من قبل والتفكير فقط في إجابة السؤال بما يُحقق العدل للجميع، فإذا تتبعنا الحالات التي ضُربت من قِبل أزواجها فسنجد أن بعضها قد تأذى من الأمر جسديًا ونفسيًا مما أدى إلى قيادة العلاقة الزوجية برمتها إلى طريق مسدود، في الحالات الصعبة ينتهي بالطلاق، لكن، وبنفس المبدأ، ثمة بعض العلاقات التي لم تتضرر أبدًا من ضرب الزوج لزوجته، بل نبالغ إذ نقول إنها قد تحسنت.

نحن ننظر دائمًا إلى ردة الفعل، وهي ضرب الزوجة، ولا ننظر إلى الفعل نفسه، وهو خطأ الزوجة المستحقة للضرب، فأغلب هذه الأخطاء تكون كارثية بصورة لا يُمكن معها التغاضي عن الأمر، ولا ينفع كذلك مجرد التحدث باللسان أو التحذير الشفوي، وإنما يكون الردع القوي، والمتمثل في الضرب، هو الخيار الوحيد، ومن هنا يحدث النجاح لتلك العلاقة بسبب ذلك الضرب، وهذا ليس كلام مرسل، بل ثمة فعلًا علاقات تنجح مع ضرب الرجل لزوجته، وهذا ما يضعنا أمام إجابة مذبذبة بعض الشيء، وهي أن ضرب الزوجة قد يكون، في بعض الحالات القليلة، أمر صحي للحفاظ على العلاقة، وطبعًا هذا لا يُمكن اعتباره دفاعًا منا عن هؤلاء الذين يضربون زوجاتهم، وإنما هو فقط توضيح عادل للظاهرة برمتها.

هل يحدث العكس؟

من الطريف أن نذكر بأن عكس ما قلنا عن ضرب الزوجة من زوجها قد يكون ممكنًا، بمعنى أدق، إمكانية أن تضرب الزوجة زوجها، لكن في الحقيقة هذا يحدث، وإن كان بالتأكيد أمر نادر، لكنه في النهاية يحدث، وخاصةً في المجتمعات الغربية التي تتساوى فيها حقوق المرأة بحقوق الرجل، حيث ترى المرأة وقتها أنها لا تستحق الضرب ولا تستحق كذلك الصمت عليه، لذلك فإنها ترد الصاع صاعين، وفي بعض الحالات أيضًا تكون الزوجة هي من تبدأ بالضرب، ويحدث ذلك غالبًا في الحالات التي يُعاني فيها الزوج من الانبطاح، عمومًا، هذا أمر شبه مستحيل في الشرق الأوسط، لكنه واجب الذكر كيلا يظن البعض أننا نتحدث عن معركة بين ملائكة وشياطين.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

18 − 12 =