منذ سنوات ظهرت العديد من برامج اكتشاف المواهب في الوطن العربي بغرض استكشاف المواهب المدفونة عند الكثيرين الذين لا يجدون طريقة لإظهار مواهبهم للعالم، في السطور التالية نتعرف على أهم برامج اكتشاف المواهب ، وكيفية تأثيرها في إغناء الحركة الثقافية والفنية في الوطن العربي
استكشف هذه المقالة
ما هي الحركة الثقافية؟
الحركة الثقافية هي مجموعة الممارسات التي تستهدف إحداث تغيير في المعتقدات والمفاهيم وطريقة التفكير حول قضايا معينة في مجتمع ما، بحيث تتشكل مدارس جديدة في الفكر أو الأدب أو الفن، وتتابع الحركات الثقافية بمدارس ثقافية متعددة ومتعاقبة تختلف من منطقة لأخرى، حتى امتزجت هذه الثقافات واختفى التمايز بينها بعد الثورة التكنولوجية وانتشار تكنولوجيا الاتصال، وإن احتفظت كل ثقافة بقدر كبير من مقاومة التأثيرات الخارجية.
وتحولت الثقافة في فترات ما بعد الحروب الحديثة من القوة إلى الانحدار، وتحولت المحافل الثقافية العريقة إلى ديكورات عظيمة لكنها فارغة المحتوى، حسب تعبير الفنان التشكيلي عز الدين نجيب، فتحولت الثورة الثقافية، التي أحدثها محمد علي باشا ومن خلفه ممن حكموا مصر ومن عاصروه من حكام الدول العربية بإيفاد البعثات العلمية إلى أوروبا، والتشجيع على زيادة حركة الترجمة إلى انتكاسة عظيمة بدأت بأدباء الستينيات والسبعينيات وامتدت حتى بدأت الحركة الثقافية في العودة لطريقها السليم، وإن كانت في بدايتها.
الانحدار الثقافي
يرى الكاتب والروائي يوسف زيدان أن الانحدار الثقافي بدأ في الثقافة العربية بعد حركات التحرر التي انطلقت في خمسينات القرن الماضي، وأنها تحتاج لتضافر الجهود لتنهض من جديد بداية من المؤسسات الحاكمة مرورا بالمبدعين وانتهاء بالمتلقين، وتعرضت الثقافة للانحدار المستعر والانكسار المستمر منذ أكثر من 60 عاما بفعل عوامل عدة بعضها سياسي وبعضها الآخر اجتماعي واقتصادي، التي استطاعت أن تمسخ عقل المتلقي وتهبط بمستوى تذوقه إلى قاع التذوق، بل وأبادت شعوره بالجمال ليسمح لنفسه باستقبال القبيح كما يستقبل الحسن.
ويرجع الانحدار الثقافي إلى عوامل عدة، بعضها قد يتناسب مع حركة التطور الناشئة، ويعتبر عرضا إيجابيا لها، وبعضها يعد أمراضا يجب التوصل لحل لها، والعمل على تلافيها في المستقبل؛ حتى لا تستعر نعرات الانحدار في المجتمعات، أما عوامل الانحدار فهذه بعضها:
- بعد عشرينيات القرن الماضي، اتسعت رقية المتلقين لتشمل المتعلمين وأنصاف المتعلمين والمثقفين وأشباه المثقفين، وبطبيعة الحال فإن وسائل الإعلام تفضل هذه الشريحة ذات الأغلبية العددية، وتجعل الفئة المثقفة قليلة العدد في ذيل اهتماماتها؛ لأمور تتعلق بعقلية التاجر وليس بعقلية حامل لواء التوعية.
- اتساع وسائل الإعلام وتعددها حولت الثقافة إلى “بالوعة” تبتلع كل ما يظهر أمامها، فلا تفرق بين غثٍّ وثمين، ما جعل الإنتاج الفني يتجه لما يرضي أذواق العامة ولا يحاول أن يرتفع به كما كان في بواكيره.
- تطويع الثقافة بناء على رغبات المتلقين، ما حولها إلى السطحية والمباشرة، وتحول الهدف منها إلى تحقيق الإمتاع بدلا من تعميم الفائدة المقرونة به.
- انتشار نظرية الأحادية، وهي نظرية تنظر للأحداث التاريخية من وجهة نظر واحدة ولا ترى الأحداث في سياقها التاريخي الصحيح باعتبارها تراكمات تربط بينها رباط عضوي ويحكمها قانون لا يتجزأ هو التاريخ البشري العام.
- عدم ممارسة النقد الذاتي وعدم الاستفادة من الرؤى النقدية المختلفة، خاصة مع الاتجاه المستمر للتفسير الغيبي للظواهر، والتعامل بطبيعة الشعوب العربية من حيث عاطفيتها وانفعاليتها.
- غياب الحوار، والركون إلى أحادية الفكر والاعتقاد، وإقصاء الأفكار المخالفة، والاعتماد على الروابط الثقافية وإعلاء مبدأ “الشلة” على الكفاءة والتمرس، ما ساهم في إقصاء عناصر تستطيع تطوير الثقافة العربية في تلك المرحلة الحرجة.
برامج اكتشاف المواهب الغنائية
قامت برامج اكتشاف المواهب الغنائية والفنية والأدبية بدور الباعث الحياة من جديد للحركة الثقافية، وتتميز بصوتها العالي وتأثيرها الواسع، وجماهيريتها العارمة؛ إذ يعتبر الكثير هروبا من البرامج السياسية المشحونة، التي تركز على الأحداث السياسية الملتهبة والتي تسبب الاكتئاب، وقدم برامج اكتشاف المواهب المواهب الشابة غير المعروفة جماهيريا، والتي تسعى لأن تفصح عن صوتها أمام ملايين المتابعين؛ لنيل الفرصة للمساهمة في إثراء الحياة الثقافية والفنية، سواء أكان ذلك في مرحلة ما قبل الغناء والتمثيل، أو مرحلة التمثيل والغناء اللذين يمثلان الشاشية النهائية التي تظهر الجماليات المتراكمة بداية من الكتابة ومرورا بالتلحين والتوزيع والسيناريو والمونتاج والإخراج، وانتهاء بالغناء والتمثيل.
بدأت تلك البرامج بـ”ستوديو الفن” في لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، والذي استطاع أن يبرز نجوما لبنانيين كبارا في تلك الفترة، ثم انتشرت برامج اكتشاف المواهب في الوطن العربي كله، وزادت أعدادها، ومنها ما أصبح مؤثرا في الشارع العربي مثل أرابس جوت تالنت وذا فويس كيدز وإكس فاكتور، وغيرهم من البرامج التي شكلت جزءا من وجدان الشعب العربي.
وتقوم برامج اكتشاف المواهب الغنائية بإبراز المواهب المميزة، وتوجيهها لتصويب الأخطاء الموجودة فيها، وتقديمها للجمهور في حلة بديعة، وأسلوب إخراج مشوق، وطريقة تجتذب انتباههم عن طريق اختيار كلمات وألحان، معظمها يكون من التراث العربي الذي أثرى الحياة فيما قبل 1952، لكن البعض وجه انتقادات لاذعة لهذه البرامج رغم نسب مشاهدتها العالية؛ لأنها تلعب على أوتار التعصب الوطني، وتستهدف إلهاء الشباب عن قضاياه المصيرية، كما تستغل هذه البرامج طموح الشباب إلى الشهرة لتحقيق مكاسب خيالية دون أن يضيفوا شيئا يذكر للحركة الفنية الحديثة.
الإمارات والتطور الثقافي
استطاعت الإمارات أن تخط بيديها تاريخها في إحياء الثقافة العربية في العصر الحديث بعدما تمكنت من إطلاق عدة برامج ثقافية وتوعوية، استقطب رموز الفكر والأدب والثقافة من جميع أقطار العالم العربي، ما جعل الإمارات في مصاف الدول العربية التي أعادت اكتشاف المواهب من جديد بعد أن كانت حبيسة المنازل والأوراق.
تربع برنامج أمير الشعراء لاكتشاف المواهب المتميزة في مجال الشعر العربي الفصيح على قمة هرم مسابقات اكتشاف المواهب الأدبية، بل وجعل من الإمارات مهوى أفئدة لعاشقي اللغة والأدب، استطاع من خلاله الشعراء ومحبي الثقافة أن يحلقوا في آفاق عالية، ويعد برنامج أمير الشعراء هو الأول والأوسع انتشارا في العالم العربي الذي استطاع أن يعيد للشعر الفصيح مكانته بين فنون الأدب المختلفة، وبل واستطاع أن يربطه بنبض الشارع من جديد بعد أن كان محصورا في النخبة المثقفة.
ويأتي برنامج شاعر المليون في المرتبة الثانية من حيث الأهمية في اكتشاف المواهب على الرغم من أسبقيته وبناء أمير الشعراء عليه، وهو برنامج يهتم بالشعر النبطي ويقدمه عبر جميع الوسائط؛ بهدف جذب جمهور الأدب النبطي باعتباره جزءا لا يتجزأ من ثقافة المنطقة العربية.
ويحتل مهرجان تحدي القراءة العربي إحدى المراكز الثلاثة الأولى على مستوى العالم العربي، أطلقته دبي عام 2015 لتشجيع طلاب المدارس على القراءة بقراءة ما يزيد عن 50 مليون كتاب خلال عام، سجل العام الموسم الأول من المهرجان نجاحا ملحوظا، ما عكس إقبال الطلاب العرب على القراءة، التي اعتُبرت مهجورة في الشرق الأوسط طيلة السنوات الماضية.
أما الاهتمام بالإبداع النثري فلم تنسه الإمارات على الرغم من انتشار الفن الأدبي المنثور في الأوساط العربية، فدشنت أبوظبي مسابقة البوكر للرواية العربية عام 2007، وتمنح خلالها الجوائز لأفضل ست روايات في قائمة قصيرة يتم الانتهاء إليها من قائمة طويلة مفتوحة تضم عشرات الروايات.
هذا بالإضافة إلى عشرات المسابقات الأدبية واللغوية والفنية التي تشرف عليها هيئات مختلفة في الوطن العربي، والتي تهدف لاكتشاف المواهب وإكسابها شعبية لا تستطيع التحصل عليها دون هذه المسابقات والبرامج.
أضف تعليق